لكي يستمر الظلم الاجتماعي لأجيال عديدة وحقب زمنية طويلة دون ان يتزعزع النظام الاجتماعي الظالم لابد من وجود عاملين مهمين يتمسك بهما النظام السياسي الحاكم ؛
الاول : السيطرة على منابع القوة لحفظ النظام ،
والثاني : ايجاد نظام فكري عقائدي يبرر للغالبية العظمى من افراد المجتمع أحقية هذا النظام في البقاء.
1 ـ السيطرة على منابع القوة الاجتماعية :
لاشك ان القاعدة الاقتصادية لجماعة ما تلعب دوراً مهماً في التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع ككل . بمعنى ان الجامعة التي لها قوة اقتصادية عظيمة ، تستطيع ان تترجم هذه القوة الاقتصادية الى قوة سياسية ، وتتمكن من خلالها من السيطرة على المؤسسات الاجتماعية الاساسية ، كمؤسسات الحكومة ، والقضاء ، والتعليم ، والطب ، ونحوها . وقد اشار القرآن الكريم بشكل اجمالي الى اهمية المال في القوة الاجتماعية كما جاء على لسان موسى (ع) : ( انك اتيت فرعون وملأه زينة واموالاً في الحياة الدنيا ) (1) ، وفي موضع آخر : ( وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) (2) ، وقوله تعالى ( كانوا أشد منكم قوة وأكثر اموالًا واولاداً ) (3) ، وقوله تعالى ( وآتيناه من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ) (4) . والمال في النظام السياسي الظالم ، هو المحرك الاساس لكل المؤسسات الاجتماعية ؛ فالقانون في ذلك المجتمع يدافع عن الثري ولا يحمي الفقير . والمؤسسات المتلبسة بالدين في المجتمعات الرأسمالية تدعم النظام الاجتماعي الظالم ولا تنادي بالاطاحة به . وحتى المؤسسات التعلمية تمجد حسنات النظام السياسي ولا تنتقد أخطاءه وسلبياته . وبالتالي فان الطبقة الغنية الحاكمة تصبح هي الوطن والعرض والدين ؛ ومن يهاجمها فانما يهاجم كل المقدسات التي يؤمن بها الافراد في الطبقات الاجتماعية . وشخص كهذا ـ بعرفها ـ خارج عن الاجماع العام الذي أقره العرف الاجتماعي وأمضاه القانون.
2 ـ النظام الفكري لطبقة الاقوياء :
ولاشك ان النظام الفكري والثقافي لأي مجتمع هو النظام الفكري الذي تتبناه الطبقة الحاكمة . فطبقة العمال الحاكمة في المجتمع الشيوعي المندثر ـ مثلاً ـ تفرض ـ بكل قوة ـ الفكر الذي تتبناه وتؤمن به . وعندها ، يصبح الفكر الشيوعي هو الفكر المسيطر على الساحة الفكرية في المجتمع . والفكر الذي تؤمن به النظرية الرأسمالية يسيطر على كل توجهات المجتمع الرأسمالي . وهكذا ترى ان الافكار تابعة للحكام ، كما ان الاحكام تابعة للاسماء في المصطلح الاصولي . ويشير القرآن الكريم الى هذا المفهوم ايضاً عندما يتعرض لممارسات فرعون في اقناع الافراد بأنه هو الاله الذي ينبغي ان يعبد : ( وقال فرعون يا ايها الملأ ما علمت لكم من إلهٍ غيري) (5) ، ( وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الاسباب ) (6) ، فهو المستخف المستهتر بالقيم السماوية : ( قال فرعون وما رب العالمين ) (7) ، ( قال فرعون ما اريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد ) (
، وهو الذي يبث الرعب في قلوب الناس : ( على خوفٍ من فرعون وملأهم أن يفتنهم ) (9) ، وهو الذي يمتلك القوة والارادة الطاغوتية : ( وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ) (10) ، ( قال فرعون آمنتم به قبل ان إذن لكم ) (11) ، وهو الذي يؤمر فيطاع : ( فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى ) (12) ، ( فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ) (13) ، ( فأرسل فرعون في المدائن حاشرين ) (14) ، وهو الذي طغى واستعلى في الارض : ( وان فرعون لعالٍ في الارض وانه لمن المسرفين ) (15) ، ( اذهبا الى فرعون انه طغى ) (16) ، ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) (17).
____________
(1) يونس : 88.
(2) الاسراء : 6. ..........................(10) يونس : 79
(3) التوبة : 69. ..........................(11) الاعراف : 123.
(4) القصص : 76. .......................(12) طه : 60.
(5) القصص : 38. .......................(13) طه : 78.
(6) غافر : 36. ...........................(14) الشعراء : 53.
(7) الشعراء : 23. .........................(15) يونس : 83.
(
غافر : 29. ...........................(16) طه : 43.
(9) يونس : 83. .......................... (17) طه : 79
وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الْطّاَهِرِين...