والفوز في زمرة من أفضل الزُمر

عوض خالد قدّورة الشافعي الفلسطيني


إعتنق مذهب الشيعة الإماميّة بعد بحث متواصل عميق، وامعان نظر دقيق فيما ورد عن الرسول(صلى الله عليه وآله) في أهل البيت وأمير المؤمنين خاصة، استنار له الطريق، فاعتقد صحّة المذهب الشيعي الإمامي، مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فآمن به ورفض ما عداه من المذاهب التي تنتحل الإسلام، لمخالفتها للحق، وقد قال تعالى (الحقّ أحقّ أن يتّبع).([1])
ذكر في كتابه الواصل إلينا في 22/3/1963 م اُموراً أوجبت رفضه لمذهبه واختياره مذهب الشيعة الإماميّة منها: أنّ واحداً من المذاهب الأربعة للسنة لم يكن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)([2]) ولا الرسول(صلى الله عليه وآله) أمر باتّباعه.
ومنها: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم ينصّ على أبي بكر بالخلافة من بعده وانّما اختاره النّاس لها، وليس للنّاس حقّ الاختيار([3]).
ومنها: الأحاديث الواردة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) التي تفرض على المسلم الرجوع أهل البيت(عليهم السلام) والأخذ بأقوالهم، والتمسّك بهم، وفي مقدّمتهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
ومنها: حديث الثقلين، وهو قوله(صلى الله عليه وآله): «اني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً»([4]). قال: وهذا الحديث ترويه السنّة والشيعة.
ومنها: حديث السفينة وهو قوله(صلى الله عليه وآله): «أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلّف عنها غرق، أو هلك»([5]) قال: وعندما سمعت هذا الحديث اقشعرّ بدني وخفت خوفاً شديداً.
ومنها: حديث ستفترق امّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار([6]).
ومنها: انّ الله تعالى عزل أبا بكر عن تبليغ براءة إلى أهل مكّة عن نبيّه([7]) فمن لم يره الله أهلا لذلك كيف يكون أهلا للقيام بهذا العبئ الثقيل، وهو الخلافة؟ وقد أمر الله رسوله أن لا يبلّغ عنه إلاّ هو أو رجل من أهل بيته وقد جاء النص على الإمام في القرآن في قوله تعالى ) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا...(([8]).
وذكر من الآيات والأحاديث التي تفرض على المسلم الرجوع إلى أهل البيت(عليهم السلام)، فمن الآيات قوله تعالى ) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ(([9]) وآية التطهير النازلة في شأنّ أهل البيت(عليهم السلام) وهي قوله تعالى ) إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(([10]) تثبت عصمة الامام.
قال: واخذت تلك الكتب (البخاري، ومسلم، ومسند أحمد بن حنبل، والصواعق المحرقة) وطالعتها جميعاً، وما مضى شهر من الزمان حتى قمت داعياً إلى مذهب الحق، مذهب أهل البيت (وأهل البيت ادرى بالذي فيه)([11]). وقد انتقلت من ولاية الشيطان إلى ولاية الرحمن، وصرت على بصيرة من أمري ومذهبي، وكان ذلك بعد البحث والتنقيب حول حديث السفينة([12])، وبعده حديث
الفِرَق([13])، وكان هذان الحديثان السبيل إلى طريق البحث، حتى اخذتها (العقيدة) من عين صافية... ذلك من فضل الله تعالى علينا، ولولا نفحة من نفحاته النورانية لم نستطع الوصول إلى هذه النعمة التي بها كمل الدين([14])، وخرجت بها من الظلمات إلى النور والحمد لله ربّ العالمين.
ثمّ ذكر متألّماً هجوم القوم على بيت فاطمة بنت رسول اللهوبضعته، وحرق بيتها معتمداً في ذلك على كتب السنّة ومصادرهم، فإسقاط جنينها، وخروج عليّ(عليه السلام)مكتوفاً إلى مسجد رسول الله، وفيها ما يجرح القلوب، ويسكب العبرات على ذلك الحكم الجائر بعد موت رسول الله(صلى الله عليه وآله)...([15])
قال: فقد رأيت من اُمـّة ضلّت عن طريق الحق، واتبعت كلّ إمام جائر، ليس من الله سبحانه وتعالى، وتركوا أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، واتّبعوا الجبت والطاغوت، ومَن قضيا نصف أعمارهم الخبيثة في عبادة الأوثان والرجس.
وقد تجلّى لي الحق في عليّ وأهل بيته، وتمثّل الظلم والجور في... ومن تبعهم على ذلك من المنافقين... ثمّ ذكر بيتين لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني، وهما:
لقد طُفتُ في تلك المعاهد كلها***ورددْتُ طرفي بين تلك المعالم
فلم أرَ إلاّ واضعاً كفّ حائر***على ذَقن أو قارعاً سنّ نادم
يعني أنّ أهل كلّ مذهب حيارى في مذهبهم، لضعف ما يعتمدون عليه من الأدلّة.
قال: وقد صدق في ذلك لأن الكلّ شاكّون في مذهبهم، إلاّ الطائفة أعزّهم الله تعالى، فانـّهم لم يأخذوا دينهم من الآراء والظنون والاجتهادات والقياسات الردية، وانّما أخذوا معالم دينهم من السادة الأطهار، أهل البيت المنزّهين عن الخطأ في الأقوال والأفعال، وهم أخذوا عن جدّهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)([16]). قال: وللامام الشافعي قول مشهور، وهو:
ولمّا رأيتُ النّاس قد ذهبت بهم***مذاهبهم في أبحرِ الغيّ والجهل
ركبت على اسم الله في سُفُنِ النّجا***وهم آل بيت المصطفى سيّد الرسل
إلى آخر ما قال.
وبعد أن حصحص الحق لديّ، وذهبت تلك الحجب التي كانت بيني وبين الحق، وزال كلّ غشاء عن بصيرتي، وسطع نور الحق إمام عيني، وزالت الظلمات التي كانت تسيطر عليّ، وتمثّلت أمامي أعظم شخصيات العالم ورجالاتها... هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
وما أقول فيه بعد قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا عليّ لا يعرف الله إلاّ أنا وأنت، ولا يعرفني إلاّ الله وأنت، ولا يعرفك إلاّ الله وأنا..
تتبعت أخبار الغدير بكل دقّة وإمعان وتحقيق، واوقفت على اعمال الصحابة المنافقين، وما سلكوا فيه من انتهاز الفرصة حتّى يستولون على سلطان محمد عليه وآله السلام...
وكيف (كان) هجومهم على بيت النبوّة وموضع الرسالة وما جرى على أهل البيت في ذلك اليوم...([17]) فانـّهم هدموا بيت النبوّة، وأرادوا إطفاء (نور) الرسالة، ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون...
وكنت على يقين من الفرقة الناجية، وأنّها الشيعة([18])، وثبت ذلك بحديث السفينة([19])، وحديث الثقلين([20])، الثابت والمجمع عليه. وختم الكتاب بقوله:
بِولاء أهل البيت أرجو النجاة غداً***والفوز في زمرة من أفضل الزُمر
ما سرّني أنّني من غير شيعته***لو كان لي ما حواه العُرب والعجم


--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ يونس: 35.
[2] ـ فانّ أبا حنيفة ولد سنة 80 للهجرة، ومالك سنة 95 والشافعي سنة 105 وأحمد بن حنبل سنة 164 هـ.
[3] ـ قال الله تعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللّهِ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ)القصص: 68.
[4] ـ تقدّمت مصادر هذا الحديث في ص 29 فراجع.
[5] ـ تقدّم نصّ الحديث في ص 25.
[6] ـ تقدّمت مصادر هذا الحديث في ص 13 فراجع.
[7] ـ وذلك بعد أن بعثه الرسول(صلى الله عليه وآله) ليبلغها عنه أهل مكة جاءه جبرئيل من عند الله تعالى وقال له: لن يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك (ذخائر العقبى في مودة ذوي القربى) ص69 ط مصر عام 1356 مكتبة القدسي.
[8] ـ المائدة: 55. الرضوي: وقد ذكرنا في كتابنا (عليّ في القرآن فأين تذهبون)؟ المصادر السنّية التي روت نزول هذه الآية في الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
[9] ـ جاء في عدّة من كتب السنّة انّ هذه الآية نزلت في عليّ (عليه السلام) وأهل بيته: ذكرنا اسماءها في (عليّ في القرآن فأين تذهبون؟).
[10] ـ الأحزاب: 33. وذكرت عدّة من كتب السنّة أنّها نزلت في أهل البيت(عليهم السلام)، ذكرنا أسماءها في كتابنا (عليّ في القرآن فأين تذهبون).
[11] ـ هذه حقيقة لا ينكرها إلاّ من بلغ الغاية من الغباوة.
[12] ـ تقدّم نصّه في صفحة 25.
[13] ـ تقدم ذكر مصادر هذا الحديث في ص 13 فراجع.
[14] ـ إشارة إلى قوله تعالى في المائدة الآية 3 (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِيناً). روى الحاكم الحسكاني مسنداً عن أبي هريرة: انّها نزلت يوم غدير خم لمّا أخذ النبيّ(صلى الله عليه وآله) بيد عليّ فقال: الست وليّ المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.
فقال عمر بن الخطاب: بخّ بخ لك يا ابن أبي طالب اصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن، وانزل الله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل) ج1 ص158 ط بيروت عام 1393) وروى الحاكم أيضاً نزولها في أمير المؤمنين(عليه السلام) عن أبي سعيد الخدري فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) الله أكبر على إكمال الدين، واتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي والولاية لعلي، ثمّ قال للقوم: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وروى في ص160 منه نزولها في الإمام(عليه السلام)عن ابن عباس أيضاً.
[15] ـ فقالت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا أبتِ يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن قُحافة. وقالت لأبي بكر: والله لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة اُصليها. وقالت له ولعمر: فاني اشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني، وما ارضيتماني، ولإن لقيت النبيّ لأشكونّكما اليه. والله لا اكلمكما ابداً فماتت ولم تكلمهما. راجع ص41 لتقف على مصادر هذه الأحاديث من كتب السنّة.
[16] ـ يقول الإمام محمد الباقر(عليه السلام) وهو الإمام الخامس من أئمـّة أهل البيت أئمـّة الشيعة الإماميّة: إذا حدَّثت بالحديث فلم اسنده، فسندي فيه أبي زين العابدين عن ابيه الحسين الشهيد عن ابيه عليّ بن ابي طالب عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله عز وجل، وقال(عليه السلام) في حديث آخر: انّما نتحدّث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعن الله، فإذا كُذّبنا فقد كُذِّب الله ورسوله. وقال(عليه السلام) في حديث آخر: والله لو كنّا نحدّث الناس، أو حدثناهم برأينا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدّثهم بآثار عندنا من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتوارثها كابر عن كابر. وقال ولده الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): اتبعوا آثار رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسنته فخذوا بها، ولا تتّبعوا اهواءكم وآراءكم فتضلّوا. وقال(عليه السلام) من خالف سنة محمد(صلى الله عليه وآله) فقد كفر. وقال(عليه السلام): نحن قوم نتّبع الأثر والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولا نقول إلاّ ما قال ربنا. وقال(عليه السلام): ما سمعته منّي فاروه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله). وكلمات سائر ائمتنا: صريحة في هذا المعنى. راجع مصادر هذه الأحاديث وما ورد بمعناها عن سائر أئّمتنا(عليهم السلام) عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأحد الثقلين في مقدّمة كتابنا (العترة مع السنّة لا يفترقان).
[17] ـ يوم إرسال أبي بكر عمر بن الخطاب إلى دار عليّ وفاطمة(عليها السلام) وأمره إيّاه بأخذ البيعة له ممّن كان فيها، وبقتال من امتنع منها راجع ص 81.
[18] ـ لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله): شيعة عليّ هم الفائزون يوم القيامة (ينابيع المودة) ص55 ط اسلامبول عام 1302، مناقب سيدنا عليّ ص37 ط الهند. وقوله(صلى الله عليه وآله): «يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنّة، وانّ قوماً يزعمون أنهم يُحبّونك يُصغِّرون الإسلام ثمّ يلفظونه، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية» (الصواعق المحرقة) ص96، الاشاعة لاشراط الساعة 1309، المطبعة الأدبية. وقوله(صلى الله عليه وآله) ايضاً: «يا عليّ أنت واصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنة، ألاممّن يزعم أنـّه ممن يحبّك أقوام يصغّرون الإسلام، يلفظونه، يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم» (الصواعق المحرقة) ص96 ط مصر عام 1324 المطبعة الميمنيّة الرضوي: كذب من زعم أنـّه يحبّ أهل البيت(عليهم السلام) وهو يتولى اعداءهم وظالميهم، أو يترضّى عنهم. وقد صدق من قال:
تودّ عدوّي ثمّ تزعم انّني***صديقك إنّ الرأي عنك لعازب
[19] ـ تقدّم نصّ الحديث في ص 25 فراجع.
[20] ـ رواه مسلم في صحيحه وقد تقدّم نصّه في ص 29 و 39 و 68.