قال الامام علي عليه السلام: "الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يحفل بجملة مبادئ جمالية، ومنها: الصورة التمثيلية، ومنها: التضاد في طرفي الصورة، ومنها: تعدد أو تداخل الصور، وسنلقي الاضاءة على هذه الجوانب.
بالنسبة الى دلالة الحديث، لفت النظر الى ان موضوعه هو: الفقر والغنى، وهما اساساً مظهران متضادان، بيد ان الهدف من ذلك هو: الاشارة الى ان الغني مالاً: يعد بمثابة مواطن وان کان غريباً او مسافراً، والعکس هو الصحيح اي: الفقير في وطنه يعد غريباً عنه، لانه لا يملك مالا يسد حاجته في وطنه حتى کأنه غريب او مسافر لا زاد ولا راحلة له. واما بلاغياً، فاليك نکاته.
بلاغة الحديث
الحديث کما قلنا تمثيل صوري يقوم على طرفين احدهما: مضاد للاخر، وهذا الطرفان مزدوجان مرکبان أي ثمة صورة تمثيلية هي (الغنى في الغربة: وطن) وثمة صورة تمثيلية معطوفة عليها وهي: (الفقر في الوطن غربة)، ان هاتين الصورتين المتداخلتين تنطويان على جمالية فائقة من خلال اعتمادهما التقابل أو التضاد بين اطراف الصورة والتقابل او التضاد يتمثل اولاً في (الغنى والفقر) ويتمثل ثانياً في: الوطن والغربة، اما الوطن فهو: المقر الدائم لسکن الشخص، واما الغربة فمقر وقتي أو عابر اي: ينسحب على المسافر الى بلد غير بلده، والنکتة بلاغياً کما اشرنا تتمثل اساسا في الصورة المتقابلة والصورتين المتضادتين المرکبتين: کما قلنا فالغني وهو يملك وسائل الاشباع لحاجاته يستطيع بواسطة ماله ان يحقق اشباعاته حتى في غربته، بحيث يستطيع توفير الزاد والراحلة والاقامة وسائر مايستهلکه في سفره، بحيث يعد بمثابة (المواطن) الذي تتوفر کل وسائل الاشباع لديه، واما الفقير فعلى عکس ذلك! کيف؟.
الفقير مادام لا يملك وسائل الاشباع لحاجاته في وطنه، فهو: يشبه الغريب الذي ينزل في وطن غير وطنه لا يملك ما يسد حاجاته، حيث لا مال لديه ومن ثم لا منزلة لديه في قومه مادام الفقر يطبع حياته وهو امر سلبي دون ادنى شك الا ان الامام (ع) استهدف تقريراً للحالة السائدة ليجعلنا نفکر في مفارقات السلوك البشري.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن يدرك وظيفته، وذلك بممارسة الطاعة انه سميع مجيب.