عدد المساهمات : 670 نقاط : 2022 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/04/2013
موضوع: كيف تقي نفسك وأهلك من نار جهنم؟ الجمعة يوليو 19, 2013 5:54 am
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله أهلِ الحمدِ ووليِّهِ ، ومنتهى الحمدِ ومحلِّهِ ، الأجلِّ الأعظمِ ، الأعزِّ الأكرمِ ، المتوحّدِ بالكبرياءِ ، والمتفرّدِ بالآلاءِ ، القاهرِ بعزِّهِ والمتسلّطِ بقهرِهِ ، الممتنعِ بقوّتِهِ ، المهمينِ بقدرتهِ ، والمتعالي فوق كلِّ شيءٍ بجبروتِهِ ، المحمودِ بامتنانِهِ وإحسانِهِ ، المتفضّلِ بعطائِهِ وجزيلِ فوائِدِهِ ، المُوسِعِ برزقِهِ ، المُسْبِغِ بنعمِهِ . نحمدُهُ على تظافرِ آلائِهِ ، وتظاهُرِ نعْمائِه ، حمداً يَزِنُ قدرَ كبريائِهِ وعظمَةَ جلالهِ . وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له . وأشهد أنّ محمداً صلى الله عليه وآله عبدُهُ ورسُولُهُ ، اصطفاهُ بالتفضيلِ ، وهدى به من التضليلِ ، واختصّهُ لنفسه ، وبعثه إلى خلقِهِ ، يدعوهم إلى توحيدِهِ وعبادتِهِ ، والإقرارِ بربوبيتِهِ ، فبلّغَ رسالاتِهِ ، وجاهدَ في سبيلِهِ ، ونصحَ لأمّتِهِ ، وعبدهُ حتى أتاه اليقين . عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ، فإن الله عزّ وجل قد أكرمكم بدينه ، وخلقكم لعبادتِهِ ، وقد جعل للمتقين المخرجَ مما يكرهون ، والرّزق من حيثُ لا يحتسبون ، فانْصِبُوا أنفسكم في أداءِ حقّهِ ، وتنجّزوا موْعودّهُ ، واطلبوا ما عندَهُ بطاعتِهِ ، والعملِ بمحابِّهِ ، فإنّه لا يدركُ الخيرُ إلاّ به ، ولا ينالُ ما عندهُ إلاّ بطاعتِهِ ، ولا تُكْلانَ فيما هو كائنٌ إلاّ عليه ، ولا حول ولا قوّة إلاّ به . قال تعالى في كتابه الكريم : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ . في هذه الآية المباركة يلقي الله سبحانه وتعالى على الإنسان مسئوليتين ، المسؤلية الأولى تجاه نفسه والثانية تجاه أهله .. فيأمره بوقاية نفسه وأهله من عذاب جهنم .. ونبدأ أولاً بالحديث عن المسؤولية الأولى فنسأل : كيف يقي الإنسان نفسه من نار جهنم ؟ والجواب على هذا السؤال واضح لا يحتاج إلى مزيد من التفكر والتأمل ، فإذا اجتنب العبد فعل ما يؤدي إلى النار ويكون السبب في دخولها والعذاب فيها فإنه يكون قد وقى نفسه وأنقذها من الدخول إلى النار ، ومعلوم أن المعاصي والذنوب هي السبب في ذلك ، فإذا اجتنب العبد فعل المعاصي فإنه يكون قد وقى نفسه وأنقذها من النار ، ولكي يجتنب العبد الوقوع في المعاصي عليه أن يعرف أسبابها ويقضي عليها ويجعلها غير فاعلة ومؤثرة في دفعه للوقوع في المعصية ... إن الأسباب والدوافع التي تكون سبباً ودافعاً للوقوع في المعاصي كثيرة وعديدة وأشير هنا إلى أهمها وهي التي تعتبر أسباباً رئيسية لذلك : (1) النفس الأمارة بالسوء : وهي حالة من الحالات التي تكون عليها نفس الإنسان حين يكون الإيمان والتقوى ضعيفين ، وهي التي تأمر الإنسان بالذنب وتجرّه إلى فعله ، يقول الإمام زين العابدين عليه السلام عن هذه النفس : ( إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمارة وإلى الخطيئة مبادرة وبمعاصيك مولعة ولسخطك متعرضة ، تسلك بي مسالك المهالك وتجعلني عندك أهون هالك ، كثيرة العلل طويلة الأمل ، إن مسها الشر تجزع وإن مسها الخير تمنع ، ميالة إلى اللعب واللهو مملوءة بالغفلة والسهو ، تسرع بي إلى الحوبة ، وتسوفني التوبة ) . فعلى العبد المسلم أن يجاهد نفسه ليكبح جماح الشهوات والرغبات والغرائز وليسيطر عليها ويهذبها ولا يسمح لها بالتعدي والخروج عن الصراط المستقيم وعليه أن يستجيب لها في حدود الشرع الشريف فقط ... وجهاد النفس ليس بالأمر السهل والبسيط ، بل جهادها صعب وشاق وعسير يحتاج إلى صبر قوي شديد ، فالرسول صلى الله عليه وآله وصف جهاد النفس بالجهاد الأكبر ، فقد ورد أنه صلوات الله وسلامه عليه استقبل سرية قد قدمت من جهاد العدو ، فقال : مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر ، فقالوا : يا رسول الله ، وما الجهاد الأكبر ؟ قال : جهاد النفس . فكما أن جهاد العدو يحتاج إلى صبر شديد وقوي يتحلى به المجاهد لصعوبته فكذلك المجاهد لنفسه يحتاج إلى أن يتمتع بصبر قوي وشديد أقوى وأشد من الصبر الذي يتمتع به المجاهد في سوح القتال ، فنفس الإنسان هي أعدى أعدائه ، حيث ورد في الرواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال : «أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك » . ومن أهم الطرق لمجاهدة النفس هو محاسبتها ، فعلى العبد أن يحاسب نفسه حساباً دقيقاً كما يحاسب الشريك شريكه بل أشد من ذلك ، فعليه أن يخصص جزءاً من وقته لذلك ، والأفضل أن يكون ذلك عندما يأوي إلى فراشه فعليه أن يستعرض ما حصل منه من أفعال وما بدر منه من أقوال طوال اليوم فإن كانت أفعاله وأقواله موافقة للشرع الشريف فعليه أن يشكر الله العلي القدير الذي وفقه لعمل الخير وفعل الطاعة واجتناب المعصية ، وإن كانت أفعاله وأقواله أو بعضها مخالفة للشرع الشريف وتعاليم الديني الإسلامي الحنيف فعليه أن يستغفر الله سبحانه وتعالى ويتوب إليه ويطلب منه الصفح والعفو والمغفرة ، وعليه أن يحاسب النفس فيعتب عليها ويلومها بأن يخاطبها مثلاً بالقول : ( يا نفس لم عصيت الله ، لم تعرضت لغضب الله ، لم تجرأت على الله ، يا نفس ألا تخافين من عذاب الله في القبر وعرضات القيامة ، ألا تخافين من النار والعذاب فيها ، وما شاكل ذلك من العتاب والمحاسبة . وقد وردت روايات كثيرة وعديدة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأئمة الطاهرين عليهم السلام تحث على محاسبة النفس ، منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : «لا يكون العبد مؤمناً حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه والسيد عبده » . وعن الإمام الكاظم عليه السلام قال : «ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل خيراً استزاد الله منه وحمد الله عليه ، وإن عمل شرّاً استغفر الله منه وتاب إليه » . وعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : «عباد الله : زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ، وحاسبوها قبل أن تحاسبوا » . وقال سلام الله عليه : «من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر » . (2) الشيطان : يعتبر الشيطان بوساوسه للإنسان أحد الأسباب والعوامل الرئيسية أيضاً لدفع الإنسان للوقوع في المعاصي ، فهو بطرقه المختلفة ووسائله العديدة والكثيرة يسعى وبكل ما أوتي وما لديه من حيل أن يوقع الإنسان في المخالفات الشرعية ليبعده عن الله سبحانه وتعالى ويوصله إلى نار جهنم والعياذ بالله . يقول الشاعر : إني بليت بأربع ما سلطوا ** إلاّ لعظم بليتي وشقائي إبليس والدنيا ونفسي والهوى ** والله ينصرني على الأعداء إبليس يسعى في سبيل مهالكي ** والنفس تأمرني بكل بلائي فعلى الإنسان أن يحذر هذا العدو اللدود ، الذي أخرج أبويه من الجنة وعليه أن يتعامل معه على أساس أنه عدو ، فلا يسمع لوساوسه ، فالله سبحانه وتعالى يخبرنا في القرآن الكريم ويقول لنا أن الشيطان لنا عدو وعلينا أن نتخذه ونعتبره عدو ونتعامل معه على هذا الأساس : ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ ولكن وللأسف الشديد أن جل الناس وأغلبهم يتعاملون معه على أساس أنه صديق حميم وناصح أمين فيسمعون لوساوسه ويفعلون كل ما يطلبه منه دون تردد في ذلك أبدا . فعلى المسلم أن يسد جميع المنافذ والسبل التي يمكن للشيطان أن ينفذ إليه من خلالها ليغويه ويوقعه في الضلالة والمعاصي ، وعليه أن ينمي جانب الوازع الديني لديه بتقوية إيمانه وتقواه لأن ذلك عامل رئيسي في عدم اتجاه العبد إلى ارتكاب المخالفات الشرعية . أما المسؤولية الثانية التي ألقتها الآية الكريمة على عاتق العبد فهي مسؤولية وقاية الأهل من نار جهنم يقول تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ... ﴾ فكما أن الإنسان مسئول عن نفسه ويجب عليه أن يقيها من نار جهنم كذلك عليه مسؤولية أخرى وهي وقاية أهله من جهنم وعذابها . أما كيف يقي العبد أهله من نار جهنم فإن الواجب عليه هو أن يقوم بحثهم وإرشادهم إلى فعل كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى وينهاهم عن كل ما يغضب الله سبحانه فيقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسط عائلته وبين أفراد أسرته . فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ... ﴾ جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال : أنا عجزت عن نفسي وكلفت أهلي . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك ». وسأل أبو بصير الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ... ﴾ كيف أقيهم ؟ قال : تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عما نهى الله ، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم ، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك ) . إن التزام أفراد المجتمع المسلم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء كان ذلك في نطاق الأسرة أو في خارج هذا النطاق فإن ذلك يؤدي إلى استقامة أفراد المجتمع وصلاحهم ، وقد شددت الشريعة الإسلامية في النهي عن ترك هذين الواجبين واعتبرت التقاعس عن أدائهما يؤدي إلى فساد المجتمع المسلم وقد أشارت الروايات إلى الآثار السلبية الخطيرة لترك هذين الواجبين ، يقول الإمام علي عليه السلام في وصيته لابنيه الحسن والحسين عليهما السلام : «لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم » . وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ما أقر قوم بالمنكر بين أظهرهم لا يغيرونه إلاّ أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده » . وقال الإمام علي عليه السلام : «إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد ، الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم ثم بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ولم ينكر منكراً قلب فجعل أعلاه أسفله ، وأسفله أعلاه » . وعن الإمام الرضا عليه السلام قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله » . وأخيراً أقول : إننا دائماً ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أنصار إمام العصر الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث نقول في الدعاء : ( اللهم اجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابين عنه والمستشهدين بين يديه ) ولكن ليعلم الجميع أن الإمام المهدي لا يقبل أن يكون في جيشه العصاة والظالمين ومرتكبي المعاصي والمتعدين على حدود الله ، فإذا أردنا فعلاً وحقاً أن نكون من جنود الإمام المهدي وأنصاره علينا أن نلتزم الطاعة ونجتنب المعصية ، علينا أن نكون حقاً مؤمنين ورعين أتقياء ... أسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لمراضيه ويجنبنا معاصيه ، ويغفر لنا ذنوبنا ويكفر عنا سيئاتنا ويتوفنا مع الأبرار ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ولوالدينا ولمن وجب حقه علينا ، ولكافة المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم اجعلنا من المتبعين لكتابك ، والسائرين على نهجك واجعل القرآن لنا شافعاً مشفّعاً يوم القيامة إله الحق آمين رب العالمين . اللهم عذّب كفرة أهل الكتاب والمشركين الذين يصدون عن سبيلك ويجحدون آياتك ويكذبون رسلك ، اللهم خالف بين كلمتهم وألق الرّعب في قلوبهم وأنزل عليهم رجزك ونقمتك وبأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين . اللهم انصر جيوش المسلمين وسراياهم ومرابطهم حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها ، إنك على كل شيء قدير . عباد الله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ اذكروا الله فإنه ذكر لمن ذكره ، وسلوه رحمته وفضله فإنه لا يخيب من دعاه ولا يقطع رجاء من رجاه ..