الامامة والامام في كتاب الله والحديث النبوي
مجاهد منعثر منشد الخفاجي
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر 23.
ادلة الامامة في كتاب الله تعالى كثيرة وهي ليس ابتداع كما يدعي البعض ويقول بأن الشيعة جاء بها, بل هي نص إلهي لا دخل فيه للبشر، وكما نصّ الله عزوجل على الانبياء والرسل كذلك نص على الامامة. والامامة هي خلافة الله في الارض المكملة لمسيرة النبوة. وما دل على ضرورة النبوة ووجوبها صالحاً للاستدلال به على وجوب الامامة, لأن وجود النبوة دون الامامة وجود منقطع للآخر , وذلك يناقض جوهر الاسلام القائم على استمرار الرسالة الى يوم القيامة. فالنبوة بداية حياة, والامامة استمرار لتلك الحياة.
معنى الإمامة: هي تقدم شخص على الناس على نحو يتبعونه ويقتدون به. هي ولاية على الأُمة جميعها بأمر إلهي في جميع أمور الدنيا والدين.
أما الإمام، وهو المنصوب بأمر الله تعالى للولاية وللرئاسة والقيادة والإمامة على الأمة (الإسلامية) فيجمع الأمور الدينية والدنيوية بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وهو الذي يكون منصوباً ومختاراً من قبل الله تعالى ويكون هو الخليفة الحقيقي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والموصى به من الله تعالى، ويكون قد اختاره واصطفاه الله سبحانه على علم على العالمين من بين المسلمين لمواصفات ذاتية وأخلاقية خاصة به هي التي تؤهله وتمكنه من تعليمهم حقيقة تعاليمه وأحكامه سبحانه، وهو الذي يتمكن من قيادتهم على الصراط المستقيم ويهديهم لسعادة الدنيا والآخرة، وقد ذكرت هذه المواصفات في ذكر مواصفات النبي سواء في المواصفات الذاتية أو الخلقية أو العصمة أو غيرها فلا نعيدها لكونها واحدة ومنبعها واحد إلا أن الإمام ليس بنبي. فهو: من يُقتدى به، وهو الذي يتقدم على الناس وهم يأتمون به، ويقتدون به في قول أو فعل أو غير ذلك. سواءً كان الإمام المتقدم عليهم محقا في تقدمه هذا أم لا(1) فنص كتاب الله تعالى كلمة "ألائمة" بالمعنى المتقدم في إمامة الحق والباطل على حد سواء حيث قال: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ...} (2) .
وجاء نص أخر كلمة (الائمة) في كلٍ من أئمة الحق والباطل على إنفراد، فقال في أئمة الحق: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } (3). وقال عز من قائل: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } (4).
وقال سبحانه في أئمة الباطل والظلال: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ } (5). وقال عز اسمه: { ... فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ }(6) .
وإن الإمام إما أن تكون إمامته شاملة ومطلقة فتكون عامة تشمل جميع الجهات، كقول الله سبحانه وتعالى بالنسبة إلى النبي إبراهيم الخليل (عليه السَّلام): { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } (7) .
و إما أن تكون غير شاملة بل مقيدة بحدود خاصة، فيكون إماما ضمن تلك الحدود وفي تلك الجهة المصرحة بها، كما في إمام الجماعة أو الجمعة أو بالنسبة إلى إمامة الحجاج أو غير ذلك .
فبالإمامة: يتم صيانة دين الله وتعاليمه من الدس والتحريف والضياع والتفسير بالرأي والقياس، وبالإمامة يحفظ المسلمون من الانحراف والاختلاف مذاهب وفرق وطوائف يكفر بعضهم بعضاً.
وبحث وجوب وجود الإمام المنصوب من قبل الله تعالى وفق آي القرآن والحديث سنجدهما متلازمان لا يمكن التفكيك بينهما مثلما لا يمكن التفكيك بين القرآن والعترة.
كقوله تعالى (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)(
.
وقوله سبحانه (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (9)
وقوله عز من قائل: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(10).
وقوله تبارك وتعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(11).
وقوله جل شأنه (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (12 ).
وقال تعالى: (ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتى عشرة اسباطا امما)(13).
(رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ..) (14) .
و الإمامة ليست إلا استمراراً لأهداف النبوة ومتابعة لمسؤولياتها، ولا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفترض الطاعة منصوب من قبل الله تعالى، وذلك لقول الله تعالى: { … إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }( 15) .
و هناك الكثير من الأحاديث المروية عن الرسول المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) يصرّح فيها بعدد الأئمة من بعده، ويذكر أسماءهم واحداً واحداً، ولقد تواترت هذه الأحاديث بصيغ مختلفة لكن بمضمون واحد ذكرها علماء السنة ومحدثيهم كما ذكرها محدثو الشيعة وعلمائهم، وفيما يلي نذكر بعض النماذج من هذه الأحاديث:
جاء في صحيح البخاري عن جابر: سمعت النبي(ص) يقول: إثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه يقول: كلهم من قريش(16).
وأخرج الترمذي عن جابر نفسه قال: قال رسول الله: يكون من بعدي اثنا عشر أميراً، ثم تكلم بكلام لم أفهمه، فسألت الذي يليني، فقال:قال: كلهم من قريش. قال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة، وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو(17).
وفي سنن أبي داوود يقول جابر:سمعت رسول الله يقول:لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، قال: فكبر الناس وضجوا، ثم قال كلمة خفيت، قلت لأبي: يا أبه ما قال؟ قال:قال: كلهم من قريش(18) .
فليرجع إلى كتاب البداية والنهاية لابن كثير، في مناقشته للبيهقي، وغيره في تفسيرهم للحديث وفتح الباري لابن حجر العسقلاني، في مناقشه لرأي ابن الجوزي والقاضي عياض. البداية والنهاية المجلد 3 ج 6/249-250 .
ويدل على أفضلية أئمتنا (ع)حديث الثقلين من جهات عديدة، لدلالته على تقدمهم في العلم، وغيره، ومن الواضح أن هذه جهة تقتضي الأفضلية بلا شك.
قال التفتازاني في شرح المقاصد: وفضل العترة الطاهرة، لكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة، على ما يشير إليه ضمهم في إنقاذ المتمسك بهما عن الضلالة(19).
وأبو عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال الشيباني، المتوفى سنة: 241 هجرية: عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول في حجة الوداع: "لا يزال هذا الدين ظاهراً على من ناواه لا يضرّه مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أمتي إثنا عشر أميراً كلهم من قريش"(20) .
وقال سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، المتوفى سنة: 1294 هجرية، بالإسناد إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): "يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ـ ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرأه مني السلام ـ ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم، اسمه اسمي وكنيته كنيتي، محمد بن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من إمتحن الله قلبه للإيمان(21).
فمن صحيح مسلم، بسنده عن زيد بن أرقم قال: "إن الرسول (ص) قال: "ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. . وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي(22).
ومن صحيح الترمذي، بسنده عن جابر بن عبد الله قال: "رأيت رسول الله (ص) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي" (23) .
يتبع لطفا ....