عدد المساهمات : 670 نقاط : 2022 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/04/2013
موضوع: عقوق الوالدين الإثنين أغسطس 12, 2013 4:59 pm
للوالدين الدور الأساسي في بناء الاُسرة والحفاظ على كيانها ابتداءً وإدامة ، وهما مسؤولان عن تنشئة الجيل طبقاً لموازين المنهج الاسلامي ، لذا حدّد الإسلام أُسس العلاقة بين الوالدين والأبناء ، طبقاً للحقوق والواجبات المترتّبة على أفراد الاُسرة تجاه بعضهم البعض ، فقد قرن الله تعالى في كتابه الكريم بوجوب برّ الوالدين والاحسان إليهما بوجوب عبادته ، وحرّم جميع ألوان الاساءة إليهما صغيرها وكبيرها ، فقال تعالى : ( وقَضى ربُّكَ ألاّ تَعبدُوا إلاّ إيّاهُ وبالوالدينِ إحسَاناً إمّا يَبلغُنَّ عِندك الكِبرَ أحدُهُما أو كِلاهُما فلا تقُل لهُما أُفٍّ ولا تَنهرهُما وقُل لهُما قَولاً كرِيماً )(1)وأمر بالاحسان إليهما والرحمة بهما والاستسلام لهما ، فقال تعالى : ( واخفِض لهما جَناحَ الذُلِّ مِن الرحمةِ وقُل ربِّ ارحَمهُما كما ربَّيانِي صَغِيراً ) (2). وقرن الله تعالى الشكر لهما بالشكر له ، فقال : ( ... أنِ اشكُر لي وَلِوالِدَيكَ إليَّ المصِيرُ ) (3). وأمر تعالى بصحبة الوالدين بالمعروف ، فقال : ( وَصَاحِبهُما في الدُّنيا مَعرُوفاً ... ) (4). وتجب طاعة الأبناء للوالدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ... ووالديك فأطعمها وبرهما حيّين كانا أو ميتين ، وان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الايمان » (5). وقرن الامام جعفر الصادق عليه السلام بر الوالدين بالصلاة والجهاد ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قلت : أي الأعمال أفضل ؟ قال : « الصلاة لوقتها ، وبر الوالدين ، والجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ » (6). ومن حقوق الوالد على ولده كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يسميه
باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسبّ له » (1). ومعنى (لا يستسب له) أي لا يفعل ما يصير سبباً لسبّ الناس له. وقدّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برّ الوالدة على برّ الوالد لأنّها أكثر منه في تحمّل العناء من أجل الأولاد في الحمل والولادة والرضاع ، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، قال : « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله ، من أبرُّ؟ قال : أُمّك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أُمّك ، قال ثم من ؟ قال : أباك » (2). وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمة على تكريم من يبر والديه ، فقد أتته أُخته من الرضاعة ، فلمّا نظر إليها سرَّ بها وبسط ملحفته لها فأجلسها عليها ، ثم أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها ، ثم قامت وذهبت وجاء أخوها ، فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له : يا رسول الله ، صنعت بأخته مالم تصنع به وهو رجل ؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « لأنّها كانت أبرَّ بوالديها منه » (3). وقدّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاعة الوالدين على الجهاد ، ففي رواية جاءه رجل وقال : يا رسول الله ، إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « فقرَّ مع والديك ، فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة » (4). وورد في الحديث أنّه يجب برّ الوالدين وإن كانا فاجرين ، قال الإمام محمد الباقر عليه السلام : « ثلاث لم يجعل الله عزَّ وجلَّ لأحد فيهنَّ رخصة : أداء الامانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبر الوالدين برّين كانا أو فاجرين » (1). وفي الآية المتقدمة ( واخفِض لهما جَناحَ الذُلِّ مِن الرحمةِ ) قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلاّ برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدَّم قدّامهما » (2). وبرّ الوالدين لا يقتصر على حال حياتهما ، بل يشملهما حال الحياة وحال الممات ، قال الامام الصادق عليه السلام : « ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ والديه حيّين وميّتين ، يصلي عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عزَّ وجلَّ ببره وصلته خيراً كثيراً » (3). ويجب على الولد الأكبر أن يقضي عن والده مافاته من صلاة وصوم(4) ، أما بقية الأولاد فلا يجب عليهما القضاء عن والدهم ، بل يستحب للرواية المتقدمة وحرّم الإسلام عقوق الوالدين بجميع ألوانه ومراتبه ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من أحزن والديه فقد عقّهما » (5).
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : « أدنى العقوق أفّ ، ولو علم الله عزَّوجلَّ شيئاً أهون منه لنهى عنه » (1). وقال عليه السلام : « ... ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما » (2). وقال عليه السلام : « من نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له ، لم يقبل الله له صلاة » (3). وعقوق الوالدين من الكبائر التي تستلزم دخول النار ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « عقوق الوالدين من الكبائر ، لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل العاقّ عصياً شقياً » (4). ولا يقتصر وجوب البر وحرمة العقوق على الجوانب المعنوية والروحية ، بل يتعداها إلى الجوانب المادية ، فتجب النفقة عليهما إن كانا معسرين (5). وتجب رعاية الوالدين رعاية صحية ، عن إبراهيم بن شعيب قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : إنّ أبي قد كبر جداً وضعف ، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة ؟ فقال : « إنّ استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فإنّه ] جُنّة لك غدا » (1). وخلاصة القول : يجب طاعة الوالدين في جميع ما يأمرون به إلاّ المعصية أو ما يترتب عليه مفسدة فلا تجب طاعتهما. ومع جميع الظروف يجب على الأبناء إحراز رضا الوالدين بأيّ أُسلوب شرعي إن أمكن ، لأنّ رضاهما مقروناً برضى الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رضا الله مع رضى الوالدين ، وسخط الله مع سخط الوالدين » (2) وبرّ الوالدين بطاعتهما والاحسان إليهما ، كفيل باشاعة الودّ والحبّ والوئام في أجواء الاُسرة وبالتالي إلى تحكيم بنائها وإنهاء جميع عوامل الاضطراب والتخلخل الطارىء عليها ، ولا يتحقق ذلك إلاّ بالالتزام بالحقوق والواجبات المترتبة على أفرادها.