قال الدميري: «ان رجلًا من أهل الشام قال: دخلت المدينة فرأيت رجلًا راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابة منه، فمال قلبي إليه فسألت عنه، فقيل: هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنهم، فأتيته وقد امتلأ قلبي له بغضاً، فقلت له: أنت ابن أبي طالب؟ فقال لي: بل أنا ابن ابنه، فقلت: بك وبأبيك، أسبّ علياً، فلما انقضى كلامي قال: أحسبك غريباً! قلت: أجل، قال: فمل بنا إلى الدار، فان احتجت الى منزل أنزلناك أو إلى مال واسيناك أو الى حاجة عاوناك على قضائها. فانصرفت من عنده وما على وجه الأرض أحب الي منه» «١».
قال ابن الأثير: «كلم مروان بن الحكم ابن عمر لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أمية في أن يغيّب أهله عنده فلم يفعل، فكلم علي بن الحسين فقال: ان لي حرماً وحرمي تكون مع حرمك فقال: افعل، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان ابن عفان وحرمه إلى علي بن الحسين. فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلى ينبع، وقيل: بل أرسل حرم مروان وأرسل معهم ابنه عبد اللَّه بن علي الى الطائف» «٢».
وكان بينه وبين ابن عمه شي ء من المنافرة، فجاء إلى علي وهو في المسجد مع أصحابه فما ترك شيئاً الّا قال له من الأذى وهو ساكت، ثم انصرف، فلما كان الليل أتاه في منزله فقرع عليه الباب فخرج اليه، فقال له علي بن الحسين: يا أخي ان كنت صادقاً في ما قلت لي فغفر اللَّه لي، وان كنت كاذباً فيه فغفر اللَّه لك، والسلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته، ثم ولى فاتبعه من خلفه وبكى حتى رق له، ثم قال له: واللَّه لا عدت لأمر تكرهه. فقال له علي: وأنت في حل مما قلته (٣)
هو الإمام عليّ بن الحسين (عليه السّلام) , رابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين نصّ عليهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كما جاء في صحيحَي البخاري ومسلم وغيرهما ؛ إذ قال : (( الخلفاء بعدي اثنا عشر , كلّهم من قريش ))(1) . * أبوه الإمام الحسين (عليه السّلام) أحد سيِّدَي شباب أهل الجنّة ، سبط الرسول وريحانته , ومن قال فيه جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) : (( حسين منّي وأنا من حسين )) .
* جدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأوّل من أسلم وآمن برسالته ، وكان منه بمنزلة هارون من موسى كما صحّ في الحديث عنه(2) .
* جدّته فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وبضعته ، وفلذة كبده ، وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها .
ولد الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) في سنة ثمان وثلاثين للهجرة ، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين , وعاش سبعة وخمسين سنة تقريباً ، قضى ما يقارب سنتين أو أربع منها في كنف جدّه
الإمام عليٍّ (عليه السّلام) ، ثمّ ترعرع في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين (عليهما السّلام) ، وارتوى من نمير العلوم النبويّة ، واستقى من ينبوع أهل البيت الطاهرين (عليهم السّلام) .
برز على الصعيد العلمي إماماً في الدين , ومناراً في العلم ، ومرجعاً لأحكام الشريعة وعلومها ، ومثلاً أعلى في الورع والعبادة والتقوى ؛ حيث اعترف المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وأفضليّته ، وانقاد الواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيّته .
كان للمسلمين عموماً تعلّق عاطفي شديد بهذا الإمام (عليه السّلام) ، وولاء روحي عميق له ، وكانت قواعده الشعبية ممتدّة في كلّ مكان من العالم الإسلامي كما يشير إلى ذلك موقف الحجيج الأعظم منه حينما حجّ هشام بن عبد الملك أيام حكومة أخيه الوليد(3) .
1) إثبات الهداة 2 / 320 الحديث 116 .
(2) صحيح مسلم 7 / 121 . (3) اختيار معرفة الرجال / 129 ـ 132 الحديث 207 ، والجاحظ في البيان والتبيين 1 / 286 ، الأغاني 14 / 75 و 19 / 40 ، وابن خلكان في وفيات الأعيان 2 / 338 ط إيران