الحياة المعنويـّة في سيرة النبيّ صلى الله عليه واله وأهل بيته عليه السلام
كاتب الموضوع
رسالة
بنين عامر
عدد المساهمات : 132 نقاط : 398 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 16/08/2013
موضوع: الحياة المعنويـّة في سيرة النبيّ صلى الله عليه واله وأهل بيته عليه السلام الإثنين سبتمبر 02, 2013 3:04 am
الرسول الأكرم صلى الله عليه واله من الجلِّي الواضح في حياة الرسول الأكرم اهتمامه بالجانب المعنويّ في علاقته بالله تعالى، فكان يختلي بنفسه مع الله تعالى متعباً نفسه بالعبادة حتّى أنزل الله تعالى: ﴿طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾. و رُوي أنّه كان عند إحدى زوجاته فقالت: يا رسول الله، لمَ تتعب نفسك؟! وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فأجابها: "ألا أكون عبداً شكوراً!".
أمير المؤمنين ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ما تركت صلاة اللّيل منذ سمعتُ قول النبيّ: (صلاة اللّيل نور)". فقال ابن الكوّاء: ولا ليلة الهرير؟ قال: "ولا ليلة الهرير".
و رُوي عن عروة بن الزبير أنّه قال: كنّا جلوساً في مجلسٍ في مسجد رسول الله فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرّضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم، ألا أخبركم بأقلّ القوم مالاً، وأكثرهم ورعاً، وأشدّهم اجتهاداً في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلّا معرض عنه بوجهه، ثمّ انتدب له (أي أجابه) رجل من الأنصار فقال له: يا عويمر، لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها.
فقال أبو الدّرداء: يا قوم، إنّي قائل ما رأيتُ، وليقل كلّ قوم منكم ما رأوا، شهدت عليّ بن أبي طالب بشويحطات النّجار، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممّن يليه، واستتر بمغيلات النخل فافتقدته وبَعُدَ عليَّ مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجيّ، وهو يقول: "إلهي كم من موبقةٍ حلمتَ عن مقابلتها بنقُمّتك ، وكم من جريرةٍ تكرّمتَ عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمّل غير غفرانك، ولا أنا بِراج ٍغيرَ رضوانك".
فشغلني الصوت واقتفيت الأثر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب بعينه، فاستترت له، وأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف اللّيل الغابر.
ثمّ فرغ إلى الدُّعاء والبُكاء، والبثّ والشكوى، فكان ممّا به الله ناجاه أنّ قال: "إلهي أُفكِّر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي، ثمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليَّ بليّتي". ثمّ قال: "آه، إن أنا قرأت في الصحف سيّئة أنا ناسيها، وأنت محصيها فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أُذّن فيه بالنداء".
ثمّ قال: "آه، من نار تُنضج الأكباد والكُلَى آه من نار نزاعّة للشّوى، آه من غمرة من ملهبات لظى". قال: ثمّ أنعم في البكاء، فلم أسمع له حسّاً ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السّهر، أُوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدّرداء: فأتيتهُ فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرّك وزويته فلم ينزو، فقلت: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. مات والله عليّ بن أبي طالب. قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم. فقالت فاطمة: "يا أبا الدّرداء، ما كان من شأنه وقصّته؟". فأخبرتها الخبر.
فقالت: "هي ـ والله، يا أبا الدّرداء ـ الغشية التي تأخذه من خشية الله". ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، ونظر إليّ وأنا أبكي، فقال: "مما بكاؤك، يا أبا الدّرداء؟". فقلت: ممّا أراه تنزله بنفسك. فقال: "يا أبا الدّرداء، فكيف ولو رأيتني ودُعِيَ بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوَشَتْني ملائكة غِلاظ وزبانية فِظاظ، فوقفتُ بين يدي الملك الجبّار، قد أسلمني الأحبّاء ورحمني أهل الدنيا، لكنت أشدّ رحمة لي بين يدي من لا تَخْفى عليه خافية".
فقال أبو الدّرداء: فوالله ما رأيتُ ذلك لأحد من أصحاب رسول الله. وعن عبادة أمير المؤمنين يقول ابن أبي الحديد: وأمّا العبادة فكان عليّ أعبد النّاس وأكثرهم صلاةً وصوماً، ومنه تعلّم النّاس صلاة اللّيل، وملازمة الأوراد، وقيام النافلة، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده أنّ يُبسطَ له نَطْعٌ بين الصّفّين ليلة الهرير، فيصلّي عليه وِرْدَه والسّهام تقع بين يديه، وتمرّ على صِماخَيْه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته! وما ظنّك برجلٍ كانت جبهته كَثَفِنَةِ البعير لطول سجوده. وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه، وإجلاله، وما يتضمّنه من الخضوع والخشوع لعزّته، والاستخذاء له، عَرَفْتَ ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمتَ من أيّ قلبٍ خرجَتْ، وعلى أيّ لسان جَرَت.
وقيل لعليّ بن الحسين ـ وكان الغايَةَ في العبادة: أين عبادتك من عبادة جدّك؟ قال: "عبادتي عند عبادة جدّي، كعبادة جدي عند عبادة رسول الله".
فاطمة الزهراء عليه السلام في أسماء سيدة نساء العالمين دلالة على رقيِّها المعنويّ، فمن أسمائها ـ كما في رواية الإمام الصّادق "الزّكيّة"؛ لأنها زكَّت نفسها، وعنها ورد عن ابنها الإمام الحسن، رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتضح عمود الصبح... وعنها قال الحسن البصري: ما كان في الأمّة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتّى تورم قدماها.
الإمام الحسن عليه السلام وكما سُمِّيَتْ أمُّه الزكيّة لتزكية نفسها، سُمِّيَ الإمام الحسن بالزكيّ لذلك، وعن الإمام الصّادق عليه السلام: "حدثني أبي عن أبيه أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجَّ حجَّ ماشياً وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرَّ على الصّراط بكى، وإذا ذكر العرْضَ على الله تعالى ذِكْرُه شهَقَ شهقة يُغشَى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربِّه عزَّ وجلَّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل الله الجنّة وتعوَّذ به من النار".
وجاء في روضة الواعظين أنّ الحسن بن علي كان إذا توضّأ ارتعدت مفاصله، واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك فقال: "حقّ على كلِّ من وقف بين يدي ربّ العرش أنّ يصفرَّ لونه، وترتعد مفاصله".
الإمام الحسين عليه السلام وفي اهتمامه بالمعنويّات ورد أنّه قيل للإمام السَّجاد عليه السلام: ما أقلَّ وُلْدِ أبيك! فقال عليه السلام: "العجَبُ كيف وُلِدَتْ له! لقد كان يصلّي في اليوم واللّيلة ألف ركعة، فمتى كان يتفرَّغ للنساء؟".
وقد اشتهرت بين الرّواة مواقفه في عرفات أيّام موسم الحجّ، ودعاؤه المعروف بدعاء عرفة الذي يعرج بروح المؤمن إلى قُمّم العرفان، وممّا جاء في هذا الدعاء: "إلهي، لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار والأحقاب لو عمرتها أنّ أؤدّي شكر واحدة من نِعَمِكَ ما استطعتُ ذلك إلّا بمنِّك الموجب عليّ شكراً جديداً، اللَّهم اجعلني أخشاك كأنّي أراك، واجعل غناي في نفسي واليقين في قلبي، والاخلاص في عملي، والنور في بصري، والبصيرة في ديني... إلهي كيف يُستَدلُّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بَعُدْتَ حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقةُ عبد لم يجعل لك من حبِّه نصيباً...".
وتظهر قُمّّة عرفان الإمام الحسين في كربلاء حينما اشتدّ به الحال فرفع صوته إلى السماء وقال: "اللّهمَّ متعال المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلايق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرّحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دُعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، تدرك ما طلبت، شَكور إذا شُكِرتَ، ذكور إذا ذُكرت، أدعوك محتاجاً وأرغب إليك فقيراً! وأفزع إليك خائفاً، وأبكي مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً، وأتوكّل عليك كافياً، اللّهمّ احكم بيننا وبين قومنا، فإنهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيّك ووُلْد حبيبك محمّدالذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرَجاً ومخرجاً، يا أرحم الراحمين".
نكتفي بما مرَّ من بيان جانب من اهتمام النبيّ وأهل بيته بالأمور المعنويّة تاركين تفصيل ذلك للكتب المختصّة لا سيَّما فيما يتعلق بالحالات المعنويّة لباقي أئمّة أهل البيت من أبناء الإمام الحسين 1.
الحياة المعنويـّة في سيرة النبيّ صلى الله عليه واله وأهل بيته عليه السلام