الآية أطلقت عنوان أهل البيت على زوجة إبراهيم (ع) ألا يدل ذلك على ان الزوجة من أهل بيت زوجها؟
الجواب:
أما أن الزوجة هل هي من أهل بيت زوجها أو لا فذلك يتحدَّد بالقرائن المحيطة بكلام المتكلم، فإن كانت القرينة مقتضية لكون مراد المتكلم من البيت هو محل السكنى فالزوجة داخلة ضمن أهل بيت الزوج بل إنَّ مطلق عيال الرجل ممن يسكنون معه مشمولون لعنوان أهل بيته وإن لم يكونوا من أقاربه، كما لو كان يعول يتيماً أو كان في بيته أمةٌ تخدمه أو امرأة ربته أو أرضعته فأصبحت بعد ذلك من عياله وفي كنفه، فكل هؤلاء من أهل بيت الرجل وبناءً على ذلك تكون البنت وكذلك الولد من غير أهل بيت الرجل لو كانا مستقلين عنه ويسكنان في غير بيته، وكذلك يخرج عموم الأقارب من بني العمومة وغيرهم فلا يشملهم عنوان أهل بيت الرجل.
ولو كانت القرينة مقتضية لكون مراد المتكلم من البيت هو بيت النسب فحينئذٍ لا تكون الزوجة مشمولة لعنوان أهل بيت الرجل إذا لم تكن من ذوي نسبه، ويدخل تحت عنوان أهل بيت الرجل كلُّ أقاربه ممن ينتسب إليهم وينتسبون إليه وإن كانوا يسكنون في غير بيته بل وإن كانوا يسكنون في غير بلده.
ولو كانت مقتضية لكون المراد من البيت هو بيت النسب القريب فحينئذٍ لن تكون الزوجة مشمولة لعنوان أهل بيت الرجل وكذلك لن يشمل العنوان الأقارب من ذوي النسب البعيد. وهكذا يدور مدلول عنوان البيت سعة وضيقاً مدار القرائن المحتفة بكلام المتكلم.
وهذا الذي ذكرناه لا ينبغي أن يكون محلاً للنزاع وبه لا يصح التمسُّك بقوله تعالى: *﴿رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾(سورة هود الآية 73 ) لإثبات دعوى أن زوجات النبي (ص) مشمولات لعنوان أهل البيت الوارد في آية التطهير. وذلك لأنَّ استفادة دخول زوجة النبي إبراهيم (ع) تحت عنوان أهل البيت الوارد في قوله: ﴿رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ إنما نشأ عن القرينة التي اشتملت عليها الآية المباركة، وهي أن المخاطب بهذا العنوان هي زوجة إبراهيم فذلك هو الذي اقتضى استظهار دخولها تحت هذا العنوان، فالمنشأ لدخولها تحت هذا العنوان هو القرينة الخاصة التي اشتملت عليها الآية المباركة وليس هو اقتضاء نفس اللفظ، ولذلك لا يصح الاستدلال بالآية المباركة على استظهار إرادة زوجات النبي (ص) من عنوان أهل البيت الوارد في آية التطهير. بعد ان لم يكن استظهار دخول زوجة إبراهيم (ص) في الآية الأولى ناشئاً من حاقِّ اللفظ.
فلفظ أهل المضاف إلى بيت لو جُرَّد عن كلِّ قرينة فإنه إن لم يكن ظاهراً في أهل بيت النسب فإنه سيكون مجملاً، ولأن البحث في ذلك لما لم يكن له محصِّل نظراً لندرة أن تجد استعمالاً لهذا المركب مجرداً عن كل قرينة، ونظراً لكثرة الاختلاف فيما هو مدلول هذا المركب، ونظراً لكون المركب الوارد في آية التطهير ليس مجرداً عن القرينة المعيِّنة للمراد لذلك كان الأجدر هو البحث عما تقتضيه آية التطهير من ظهور تبعاً للقرائن المتصلة بها والقرائن المنفصلة عنها.
وقد تصدَّى العلماء لاستعراض تلك القرائن فلا نرى مبرِّراً لاستعراضها في المقام.
نعم لا بدَّ من الإشارة في المقام إلى أن عمدة ما نتمسك به في مقابل قول علماء السنة لإثبات اختصاص آية التطهير بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين وعدم شمولها لزوجات النبي (ص) هو ما ورد في السنة الشريفة بأسانيد معتبرة ومتواترة تصدّى لنقلها المحدثون من الفريقين.
فقد اشتملت هذه الروايات على كلٍّ من الإثبات والنفي، ففي الوقت الذي أفادت أن أهل البيت الوارد في آية التطهير هم الأربعة المذكورين أفادت صريحاً بأن زوجات النبي (ص) غير مشمولين لعنوان أهل البيت الوارد في الآية المباركة فآية التطهير نزلت كما في أكثر الروايات الواردة من طرق السنة في بيت أم سلمة، وجميعها صريح في انَّ علياً وفاطمة والحسن والحسين مقصودون بأهل البيت (ع) واشتمل الكثير منها على التصريح بأنَّ أم سلمة وإن كانت على خير وإلى خير إلا انها ليست مشمولة لعنوان أهل البيت الوارد في آية التطهير، وكذلك ما ورد عن السيدة عائشة حيث أفادت انَّ الرسول قال لها بعد ان جلَّل الأربعة بثوبٍ وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً" "تنحِّي فإنك إلى خير" بعد قالت له عائشة: يا رسول الله أنا من اهلك.
هذا مضافاً إلى توافق الروايات على ان الرسول (ص) جلَّلهم حين نزول الآية المباركة بكساء أو ثوب أو رداء وجمعهم تحته، ولا نفهم مبرِّراً لذلك إلا إرادة التعبير عن الاختصاص وإخراج أقاربه ونسائه وإلا فما معنى أن يجمعهم تحت رداءٍ ثم يقول: "هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً" ويكون ذلك في محضر بعض نسائه، لا معنى لذلك إلا إرادة التأكيد على عدم شمول عنوان أهل البيت لنسائه، هذا بقطع النظر عن تصريحه بذلك.
ثمّ انَّه لو كانت زوجاته مشمولات للعنوان الوارد في آية التطهير لكان عليه ان يُشير إلى الأربعة فيقول: هؤلاء من أهل بيتي، لا ان يقول: "هؤلاء أهل بيتي وحامتي" في محضر بعض نسائه وفي بيتها ويجلّلهم دونها بردائه ويجمعهم تحته، وإذا كان المانع من إدخالها تحت الرداء هو وجود عليٍّ كما قيل لأنه ليس من المحارم لكان بالإمكان الإشارة إلى أنها مشمولة للمدح الوارد في الآية المباركة، على أنَّ وجود عليٍّ وإن كان من غير المحارم ليس مانعاً من وضع الرداء عليها بأن تُجعل خلف رسول الله (ص) أو خلف فاطمة (ع)، فقد كانت معهم في نفس الدار وكانت بكامل حجابها، فإذا لم يكن وجود عليٍّ مانعاً من بقائها في الدار فلماذا كان مانعاً من تجليلها معهم بالرداء.
ثمّ إنَّ الكثير من الروايات أفادت انه حينما نزلت الآية أرسل إلى فاطمة وعليٍّ والحسن والحسين ثمّ جلَّلهم بالكساء أو الرداء وهذا مؤشر واضح على انهم وحدهم المعنيون بالمدح الوارد في هذه الآية وإلا كان له ان يرسل إلى نساءه أيضاً أو يفعل معهنّ ما فعله مع الأربعة المذكورين ولو في أوقات مختلفة، ولو كان ذلك قد وقع منه لذاع وشاع لان كل الدواعي مقتضية لعدم خفاء هذا الأمر لو كان وقع. فهو مصدر للفخر من جهة وهو مناسب للاحتجاج به على عدم الاختصاص، والذي بذل من يتبنى ذلك كل جهدٍ لإثباته دون جدوى.
فإذا أضفنا إلى هذه الروايات ما ورد بأسانيد معتبرة ان رسول الله (ص) كان يمرُّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر فيقول: "الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيراً" فإن سياق هذه الرواية ونظائرها يُعبِّر أيضاً عن الاختصاص مع الالتفات إلى ان مثل هذا الفعل لم يصدر عن رسول الله (ص) مع بيتوتات زوجاته رغم انه كان يمرُّ عليها كما يمرُّ على بيت فاطمة، فقد كان يبيت في كل ليلة مع إحدى زوجاته في بيتها المختص بها وكانت البيوت متقاربة وكان بيت فاطمة ضمن هذه البيوت، فلماذا لم يُؤْثَر عنه هذا القول وهذا السلوك مع سائر بيتوتات زوجاته رغم ان الدواعي مقتضية لنقل ذلك لو كان قد وقع.