هناك شبهة يقولون بها ويستشكلون بها علينا: أنتم تقولون أيها الشيعة بأنّ إمامكم عمره ست أو سبع سنين ومات أبوه، إذن هو في مرحلة الحضانة، وماله عند من يحفظه، يعني عند الأولياء، إذن من يكون في مرحلة الحضانة ويكون ماله عند من يحفظه، أي أنه محجور عليه ولا يجوز له التصرف حتّى بأمواله، فكيف يكون هو إماماً ومعصوماً؟! هذه شبهة.
الجواب:
طبعاً الجواب مرة يكون واضحاً وبسيطاً ومرة يكون جواباً شرعياً من القرآن.
الجواب الواضح: من الذي جعل الطفل في سن ما قبل البلوغ محجوراً من التصرف في ماله؟ إنّه الله، نعم الله، هذه قاعدة شرعية، فإن الله شرّع أن الطفل في ما قبل البلوغ محجور عليه من التصرف.
جيد، هذه القاعدة قابلة للتقييد، إلا من ثبت أنه إمام ومعصوم، أو إلا من ثبت رشده فإنه ليس محجوراً.
إذا كانت القاعدة شرعية _ من الشرع _ إذن يقيدها الشرع، وما أكثر القواعد الشرعية التي تقيد، فلنقل: إن كل طفل قبل أن يبلغ الحلم يكون محجوراً عليه من التصرف ولكن دل الدليل على أن هذا الطفل المعين الذي له ست أو سبع سنين ليس محجوراً من التصرف حتى بالأدلة التي ذكرناها سابقاً، هذا الرد البسيط.
كما أن هناك رد آخر شرعي، وهو: إذا كان الله قد جعل الصبي إماماً هل نعترض على الله، نقول له: هذا صبي في حضانة أمه وماله محفوظ عند غيره فكيف تجعله يا رب إماماً؟
والله فعل هذا الشيء بالنسبة إلى يحيى، قال في القرآن الكريم (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(1)، الحكم يعني الإمامة، وهل أكثر صراحة من هذه، فهل نقول: يا ربنا هذا في حضانة أمه وهذا محجور عليه من التصرف في أمواله كيف تجعله حاكماً؟! هذا لا يكون لأنه قرآن لا اعتراض عليه، إذن جعل القرآن الصبي حاكماً.
فإذا القرآن جعل الصبي حاكماً فالسنة النبوية أيضاً جعلت هذا الصبي الذي نتكلم عنه حاكماً، فما المانع؟ فإنّ القرآن مصدر تشريع، والسنة مصدر تشريع، فإذا قبلنا القرآن الذي يقول (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)، هنا أيضاً نقبل ما جاء من السنة المتواترة أن هذا في سن السابعة أصبح إماماً. هذا أولاً.
وثانياً: الله سبحانه وتعالى جعل عيسى نبياً وهو في المهد، وليس بعمر ست سنين أو سبع بل في المهد: بسم الله الرحمن الرحيم (فأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا * يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).(2)
أي أن الله قادر على أن يجعل هذا الصبي الذي في المهد يتكلم، وجعله معصوماً وجعله نبياً، فلا نستطيع أن نقول: هذا في حضانة أمه وماله محجور عند من يحفظه كيف يكون معصوماً وكيف يكون نبياً! هذا نص قرآني إذا قبلناه فنقبل ذاك، لأنه سنة نبوية متواترة.
إذن هذا الإشكال يزول من أساسه لو كنا نحن نعتقد بالقرآن ونلتزم بالقرآن، أما أن نقول شيئاً في القرآن ونترك شيئاً قاله القرآن وقالته السنة فهذا أمر غير صحيح، فإذا قبلنا أن الصبي يكون حاكماً كما في يحيى، والوليد الذي في المهد يكون نبياً كما في تصريح هذه الآية، لماذا تستبعدون هذا الشيء؟!
والاستبعاد لا يجعل هذا الشيء الذي وردت فيه السنة النبوية غير متحقق، نحن نستبعد أن طفلاً في المهد يتكلم لكن هذا قرآن ولا يحق لنا أن ننكر القرآن أو ننكر السنة النبوية بسبب أننا نستبعد.
ماذا تقول في هذه الآية حينما جعل موسى وأصحابه يسيرون في البحر بين جانبين من ماء، حينما لحقهم فرعون وأصحابه ووصلوا إلى البحر ومن ورائهم هؤلاء (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ)(3) وإذا البحر أصبح له جانبان فنـزل فيه موسى وأصحابه حتى عبروا إلى تلك الناحية (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى)(4) هذه حقيقة قرآنية لكن نحن نستبعدها.
استبعادنا لا ينفي الحقائق القرآنية التي جاء بها القرآن، بل لابد من التصديق بها، فسليمان تكلم مع الطير ومع الجن ومع النمل، ونحن نستبعد هذه، لكن هذا قرآن لابدّ من التصديق به.
الذي له علم من الكتاب حينما قال سليمان عليه السلام: من يأتيني بعرش بلقيس قبل أن أقوم قال له (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُك)(5) فالذي له علم من الكتاب يأتي بعرش بلقيس من اليمن بأقل من طرفة عين، هذا أيضاً نحن نستبعده لكنه قرآن.
أصحاب الكهف الذين ماتوا 309 سنين ثم أحيوا، هذا نستبعده لكنه موجود في القرآن.(6)
يعني نحن كلما يستبعده عقلنا نتركه وإن كان حقيقة قرآنية وسنة نبوية؟! هذا من الخطأ الفظيع، والذي يكون عبارة عن إخضاع الحقائق القرآنية إلى عقلنا، فما قبله العقل نقبله وما تركه العقل نتركه، وبذلك يحذف النص القرآني، ولا يقول بهذا أحد من المسلمين.
إذن الحقيقة التي توصلنا إليها أن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر كلهم من قريش، مازالت هذه الأرض قائمة والدنيا قائمة، حقيقة نبوية عليها الأدلة النبوية والسنة النبوية والاستبعاد فيها لا معنى له.
فلا معنى لقول أن هذا طفل في حضانة أمه ماله محفوظ عند من يحفظه فكيف يجعله إماماً (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(7)، والنبي (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى).(
إذا انتهى هذا الشيء وحصلنا على دليل من القرآن والسنة ينتهي كل شيء، وأي اعتراض يكون اعتراضاً سخيفاً ومردوداً في مقابل مصدري التشريع في الإسلام.
إذن هذا الإشكال الذي يذكرونه ليس بوارد.
الهوامش
(1) مريم (19): 12.
(2) مريم (19): 27 _ 35.
(3) الشعراء (26): 63.
(4) طه (20): 77.
(5) النمل (27): 40.
(6) لاحظ الكهف (18): 25.
(7) يس (36): 82.
(
النجم (53): 3 و4.