ـ القرآن يتجلى في تكوين القمر: مصباح الأرض و رفيقها ، قال الله تعالى : ( ألم ترَ كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً * و جعل القمر فيهن نوراً و جعل الشمس سراجا ) ، ( نوح/ 15 ـ 16) . و قال تعالى : ( و سخر لكم الشمس و القمر دائبين ) ، ( إبراهيم/ 33) . و قال سبحانه : ( فائقُ الإصباح و جعل الليل سكناً و الشمس و القمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم ) ، ( الأنعام/ 96) . هذه بعض الآيات التي ذكرها الله في كتابه المجيد ، و التي تتحدث عن القمر.
فالقمر جرم غير منير بذاته ، ولكنه يستمد نوره بانعكاس ضوء الشمس عليه ، فهو كالمرآة يعكس نور الشمس إلى الأرض ، بينما نور الشمس ذاتي ، فهي مشتعلة أبداً إلى ما شاء الله سبحانه. و هذا ما صرح به القرآن الكريم بقوله تعالى : ( و جعل القمر فيهن نوراً و جعل الشمس سراجاً ) ، ( نوح/ 16) .
و صرح العلم أيضاً بأن القمر تابع للأرض ، يسايرها ، و يدور معها ، بنفس دورتها من الغرب إلى الشرق . و أن له وجهين : وجهاً مضيئاً أبداً لمواجهته للشمس ، و وجهاً مظلماً أبداً لأنه مول لها ظهره . و أن له دورتين : دورة حول نفسه ، و دورة حول الأرض .
و قد قضت حكمة البارئ سبحانه أن يتم الدورتين في آن واحد . ذلك أن الأرض تتم دورتها حول نفسها في يوم كامل ، و تتم دورتها حول الشمس في سنة كاملة ، أي تدور حول نفسها 365 دورة في السنة . أما القمر فيتم دورته حول نفسه ، و حول الأرض معاً في مدة شهر قمري واحد أي أنه في المدة ، التي يدور بها حول الأرض لايدور على نفسه إلا مرة واحدة ، يتجه بها دائماً بوجه نحو أمه الأرض ، لايوليها ظهره أبداً . و قضت حكمة الخالق الحكيم ، أن يقطع القمر في دورته الشهرية كل يوم 13 درجة ، و يتأخر كل يوم 49 دقيقة نحو الشرق ، ليكشف للأرض عن جانبه المنير كشفاً متدرجاً ، يبدأ به هلالاً ، ثم بدراً ، ثم يرجع كالعرجون القديم ، حتى يختفي ، و يطلع بعد 29 يوماً و 8 ساعات هلالاًجديداً ، نعرف به عدد السنين و الحساب.
و هذا ما أشار إليه سبحانه في الآية : ( .. و القمر نوراً ، و قدره منازل لتعلموا عدد السنين ، و الحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ) ، ( يونس/ 5) ، و يُعتبر القمر أقرب أجرام السماء إلى الأرض ، فإن بعده عنها حوالي 240 ألف ميل تقريباً . و لايوجد قمر متناسب مع أرضه ، كما هو قمرنا الحالي ، مع كثرة ما اكتشف العلم من أقمار تابعة إلى الكواكب الأخرى ، فلو لم يكن القمر يدور حول نفسه و حول الأرض في آن واحد ، ولو لم يكن يقطع في دورته كل يوم 13 درجة ، و يتأخرنحو 49 دقيقة ، لما كان يتنقل في منازله المختلفة ، لنرى وجوهه المتغيرة ، و لما كان يتم الدورة في شهر واحد ليستأنف شهراً جديداً ، نعرف به عدد السنين و الحساب.
لو نظر أهل العلم إلى هذا التكوين البديع ، المحكم ، المقدر بدقة متناهية ، لتعرفوا على الخالق القادر الحكيم سبحانه . إن العالم العاقل يعلم ، أن القمر له تأثير كبير على الأرض ، و على دوام الحياة عليها . فلو كانت المسافة بين القمر و الأرض أقل مما هي أو أكثر ، أو كان حجمه أكبر مما هو أو أصغر ، أو كانت دورته أطول أو أقصر ، لاختل هذا النظام كله ، بل لربما زال القمر من الوجود ، لأنه لو قرب من الأرض لزاد جذبه ، فأصب المد في البحار طاغياً ، يغمر اليابسة كلها ، ولو زاد أكثر لجذبته الأرض إليها ، و زال من الوجود . ولوبعد عن الأرض لتعطل عمل المد و الجزر بقلة الجذب ، ولو زاد البعد أكثر لانجذب لكوكب آخر غير الأرض ، و خسرت الأرض فوائده . ولو كان حجمه أكبر مما هو عليه لزادت قوة جذبه ، ولو كان أصغر من ذلك لقلت . و هكذا لو كانت دورته مثل دورة بقية الأقمار التابعة لكواكب أخرى قصيرة قصيرة في ساعات، أو طويلة طويلة في سنين لاختل النظام الذي جعله الله لأهل الأرض حسباناً ، و عاد شهرنا القمري أسبوعاً ، أو سنين!.
فهل هذا النظام الدقيق ، وذ اك القانون المتقن ، إلادليل على عظمة المكون و المدبر عز و جل !! ، سبحان الله و تعالى عن جهل الجاهلين ، و عناد المعاندين ؟ ، ( و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه سبحانه و تعالى عما يشركون ) ، ( الزمر/ 67 ) .