عدد المساهمات : 151 نقاط : 461 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 16/08/2013
موضوع: الرفق والاِيمان السبت سبتمبر 21, 2013 4:06 pm
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرفق والاِيمان عن الاِمام الباقر عليه السلام : « من قسم له الرفق قسم له الايمان » (1)، هذا يعني أن الرفق يفضي إلى الاِيمان .وعن الاِمام الباقر عليه السلام : « لكلِّ شيء قفل ، وقفل الاِيمان الرفق » (2) فمن كان رفيقاً بنفسه وبالناس وبالحيوان كان قلبه منفتحاً للاِيمان .نتائج عدم الرفق بالنفس : إنَّ قصة البقرة في القرآن قصة طريفة تحكي سهولة التشريع الاِلهي ، وتشديد الاِنسان على نفسه فيما يضعه من قيود وضوابط لم يكن ملزم بها من قبل ربه ، فبنو إسرائيل بعد أن ضيّقوا على أنفسهم ضيّق الله عليهم ، أولم يطلب منهم إلاّ ذبح بقرة نكرة غير معرّفة بوصف معين كما هو منطوق الآية الشريفة ( وإذ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ إنَّ اللهَ يأمُرُكُم أن تَذبَحُوا بَقَرَةً: البقرة 67) فهو سبحانه لم يعرّفها بالالف واللام ليسهل عليهم التكليف وليتحقق مراده بذبح أي بقرة أرادوا ذبحها ، وتحل مشكلتهم تلك بمعرفة الجاني الذي قتل أحد مشايخهم الاثرياء بضربه ببعضها ليحيا ويشخّص لهم القاتل وينتهي الخلاف المتأزم بينهم .إلاّ أنهم مارسوا اللجاجة وماطلوا كثيراً في أداء التكليف ، متّهمين موسى عليه السلام بالهزو فيهم ، إذ قالوا : ( أتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أعُوذُ بِاللهِ أن أكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ :البقرة 67) ؛ لاَن الهزو يناسب الجُهّال وهو كليم الله ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَنَا مَا هِيَ :البقرة 68) ظناً منهم أنها ذات خصوصية فريدة في أوصافها قال : (إنّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ لا فَارضٌ وَلا بِكرٌ :البقرة 68) أي ليست مسنة ولا صغيرة وإنّما هي ( عَوَانٌ بَينَ ذَلِكَ ) أي متوسطة ( فَافعَلُوا مَا تُؤمَرُونَ: البقرة68) في ذبح هكذا بقرة ولا تماطلوا ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَنَا مَا لَونُهَا ) متكلفين البحث فيما ليس مطلوباً منهم ومشددين على أنفسهم بما لم يشدد به عليهم ( قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ صَفرَاءُ فَاقِعٌ لَونُهَا تَسُرُّ النَاظِرِينَ :البقرة69) غير أنّهم لم يقفوا عند هذا الحد من اللجاجة والمماطلة فيذبحوا بقرة صفراء متوسطة العمر ، وما أكثر البقر الذي يتمتع بهذه المواصفات ، فلم يريحوا أنفسهم ولا نبيهم من عناء البحث والتدقيق بل نراهم اندفعوا في أسئلتهم التي تعقّد عليهم الاَمر ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّك يُبَيّن لَنَا مَا هِيَ إنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَينَا ) ؟!! ( وإنَّا إن شَاءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ :البقرة70) يالهم من حمقى لا يرفقون بأنفسهم ولا يتأدبون مع نبيهم ، إذ لم يسكتوا عما سكت عنه ، ويالهم من متكبرين في نفوسهم والفاظهم إذ لم يقولوا ادعُ لنا ربنا وإنّما قالوا ادعُ لنا ربك ؟!!ومثل هذا الطرح يدلل على ضعف الاِيمان وغلظة الجَنان ، ولعل المقصود من قولهم ( وإنّا إن شَآءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ ) يعني إلى التصديق العملي بأوامرك وتنفيذها ، قال : ( إنّه يَقُولُ إنّها بَقَرَةٌ لا ذَلولٌ ) بين يدي مالكها ، طبعها النفور وعدم الانصياع ، صعباء لا تنقاد . فهي متمردة على العمل لا ( تُثِيرُ الاَرضَ :البقرة71)أي لا تستخدم في حراثة الاَرض كغيرها من البقر الذلول الذي ذُلّل بين يدي صاحبه ( وَلا تَسقِي الحَرثَ ) إذ هي ترفض العمل كغيرها في إدارة الناعور ( مُسَلَّمَةٌ ) من العيوب الجسدية ( لا شِيَةَ فِيهَا ) لونها أصفر بالكامل حتى قرنها وظلفها . وهكذا شدّد الله عليهم بتشديدهم على أنفسهم ( قَالُوا الآنَ جِئتَ بِالحَقِّ ) أي بالوصف الشامل الكامل ( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفعَلُونَ :البقرة71) للجاجتهم وقد أتعبتهم هذه المواصفات وأبهضهم ثمنها ، إذ لم تكن هناك إلاّ بقرة واحدة تتمتع بهذه الاَوصاف النادرة ، ولم يعثروا عليها إلاّ بشق الاَنفس ، فلو رفقوا بأنفسهم لرفق الله بهم ، ولكنّهم ضيقوا على أنفسهم فضيق الله عليهم .روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّه قال : « لولا أنّ بني إسرائيل قالوا : ( وإنّا إن شَاءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ ) ما اُعطوا أبداً ، ولو أنّهم اعترضوا بقرةً من البقر فذبحوها لاَجزأت عنهم ، ولكنّهم شدّدوا فشدّد الله عليهم » (3).وعن الاِمام علي عليه السلام : « لكلِّ دين خلق وخلق الاِيمان الرفق » (4).فالرفق إذن خلق الاِيمان وهذا يعني إنّك لا تجد مؤمناً حقاً إلاّ وتجده رفيقاً وسهلاً ليّناً عطوفاً رؤوفاً ، ولا تجد متمتعاً بهذه الخصال إلاّ ووجدته سهل الانقياد إلى الاِيمان .اللّهم أعنا على أن نرفق بأنفسنا وبمن حولنا ولا تحرمنا رفقك ولطفك يا أرحم الراحمين . المصدر: (1) الكافي 2 : 118 | 2 باب الرفق . (2) الكافي 2 : 118 | 1 باب الرفق . (3) الميزان في تفسير القرآن 1 : 104 . والكشاف ، للزمخشري 1 : 151 . وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير 1 : 115 . (4) غرر الحكم : 542 | 32 ، ط دار الكتاب الاسلامي .