قال عز من قائل:
- ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ {الدخان/37}
- ﴿ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾. {ق/14}
لقد كانت أرض اليمن-الواقعة في جنوب الجزيرة العربية- من الأراضي العامرة الغنية، وكانت في الماضي مهد الحضارة والتمدن، وكان يحكمها ملوك يسمّون (تبّعا)- وجمعها تبابعة، أو لأنّ أحدهم كان يخلف الأخر ويتبعه في الحكم.
ومهما يكن، فقد كان قوم تبع يشكلون مجتمعا قويا في عدته وعدده، ولهم حكومتهم الواسعة ومترامية الأطراف.
من هم قوم تبّع ؟
لقد وردت كلمة تبّع في القرآن الكريم مرتين فقط: مرة في الآية (27) من سورة الدخان، وأخرى في الآية (14) من سورة (ق) حيث تقول ﴿ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾.
إن (تبعا) كان لقبا عاما لملوك اليمن، ككسرى لسلاطين إيران، وخاقان لملوك الترك، وفرعون لملوك مصر، وقيصر لسلاطين الروم.
وكانت كلمة (تبع) تطلق على ملوك اليمن من جهة أنهم كانوا يدعون الناس إلي إتباعهم، أو لأن أحدهم كان يتبع الأخر في الحكم.
ولكن يبدو أن القرآن الكريم يتحدث عن أحد ملوك اليمن خاصة- كما أن فرعون المعاصر لموسى عليه السلام والذي يتحدث عنه القرآن كان معينا ومحددا-وورد في بعض الروايات أن اسمه (أسعد أبا كرب).
ويعتقد البعض أنه كان رجلا مؤمنا, واتبروا تعبير (قوم تبّع) الذي ورد في آيتين من القرآن دليلا على ذلك، حيث أنه لم يذم في هذه الآيتين، بل ذم قومه والرواية المروية عن النبي (ص) شاهدة على ذلك ففي هذه الرواية أنه قال: (لا تسبّوا تبّعا فأنه كان قد أسلم).
تبّع بالقرب من المدينة:
وورد في رواية أخرى: إن تبعا لما قدم المدينة - من أحد أسفاره- ونزل بفنائها، بعث إلى أحبار اليهود الذين كانوا يسكنوها فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقومه يهودية، ويرجع الأمر إلي دين العرب.
فقال له شامول يهودي - وهو يومئذ أعلمهم -أيها الملك أن هذا البلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل, مولده بمكة واسمه أحمد. ثمّ ذكروا له بعض شمائل نبّي الإسلام (ص) فقال تبّع - وكأنّه كان عالما بالأمر - ما إلي هذا البلد من سبيل, وما كان ليكون خرابا على يدي.
بل ورد في الرواية في ذيل تلك القصة أنه قال لمن كان معه من الأوس والخزرج: أقيموا بهذا البلد، فان خرج النبي الموعود فآزروه وانصروه، وأوصوا بذلك أولادكم حتى أنّه كتب رسالة أودعهم إياها ذكر فيها إيمانه بالرسول الأعظم (ص).
تبّع في مكة:
ويروي صاحب أعلام القرآن أن تبعا كان أحد ملوك اليمن الذين فتحوا العالم، فقد سار بجيشه إلى الهند واستولى على بلدان تلك المنطقة. وقاد جيشا إلي مكة وكان يريد هدم الكعبة، فأصابه مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه.
وكان من بين حاشيته جمع من العلماء، كان رئيسهم حكيما يدعى شامول، فقال له: إن مرضك بسبب سوء نيتك في شأن الكعبة، وستشفى إذا صرفت ذهنك عن هذه الفكرة واستغفرت، فرجع تبع عن ما أراد ونذر أن يحترم الكعبة، فلما تحسن حاله كسا الكعبة ببرد يماني.
وقد ورد قصة كسوة الكعبة في تواريخ أخرى حتى بلغت حد التواتر. وكان تحرك الجيش هذا، ومسألة كسوة الكعبة في القرن الخامس الميلادي، ويوجد اليوم في مكة مكان يسمى دار (التبابعة).
وعلى أيه حال، فان القسم الأعظم في تأريخ ملوك التبابعة في اليمن لا يخلو من الغموض من الناحية التاريخية، وحيث لا نعلم كثيرا عن عددهم، ومدة حكومتهم، وربما نواجه في هذا الباب روايات متناقضة، وأكثر ما ورد في الكتب الإسلامية-سواء كتب التفسير أو التاريخ أو الحديث-يتعلق بذلك الملك الذي أشار إليه القرآن في موضعين.