بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
عندما نقف أمام المرآة ننظر كما كان النبي (ص) ينظر.. ننظر إلى مرآة الداخل. هل ترى أخلاقك الحسنة؟ وهل ترى أخلاقك السيِّئة؟ أيهما يغلب على الآخر؟ وأكثر من دعاء النبي (ص): "اللّهمّ كما حسّنْتَ خَلقي فحسِّن خُلُقي".
وعندما تعامل الناس، انظر إلى مرآة أخلاقهم قبل وجوههم. عندما تريد الزواج انظر في مرآة أخلاق الفتاة قبل النظر إلى خلقتها.
والله عزّ وجلّ يعلمنا أن ننظر إلى الأخلاق أوّلاً. قال رسول الله (ص): "إنّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
خُلق من الأخلاق المهمة. فهو خُلق قامت عليه السماوات والأرض.. تخيل السماوات والأرض استقامت بهذا الخلق، ولا يمكن أن تقوم نهضة لأي أُمّة من الأُمم من دون هذا الخلق.
بل إنّ الله تعالى يبقي الدولة الكافرة لو معها هذا الخلق، ويزيل الدولة المسلمة لو فقدت هذا الخلق، وهو خلق العدل والإنصاف.
لا نهضة ولا بقاء إلا بهذا الخلق. وبالتالي، قمة الحكمة للأُمّة وللدولة وللمجتمع وللأفراد المحافظة على خلق العدل. ولكن، إذا انتشر الظلم وأصبح واضحاً معلناً بين المسلمين، لن ينهضوا أبداً. قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) (الأنعام/ 152). اعدل إذا تكلمت، بل إذا حكمت بين الناس. قال: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) (النساء/ 58).
هذا الذي يعظكم به هو العدل والإنصاف.
وهو أمر من الله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90). انظر إلى الآيات، وكأنّها كلها تقول: عليكم بالعدل والإنصاف.
عن الحسن البصري قال: "إنّ الله عزّ وجلّ جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة. فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئاً إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه".
فالعدل هو رأس الأخلاق والقيم، وهو صفة ربانية جعلها الله تعالى اسماً من أسمائه، واختص بها ذاته لعظمتها وأهميتها في كل زمان ومكان، وهو إحدى صفات المؤمنين، ومبدأ أساسي من مبادئ الشريعة الإسلامية، ليس فيه استثناء ولا تهاون.
أمر رباني لرسولنا ولأُمته من بعده، وبه بعث الله عزّ وجلّ الرسل مبشرين ومنذرين. به يكتمل صلاح العباد والبلاد، ويشمل حقوق الله وحقوق العباد.
وأولى الإسلام أهمية كبيرة للعدل وجعله قضية مركزية. فلا يوجد ركن في الإسلام إلا والعدل فيه مطلوب، سواء ارتبط بالفرد أم الجماعة أم الأُمّة، أم ارتبط بالعقيدة أم المعاملة أم العبادة، بل إنّ الإسلام جعله أعظم المقاصد التي يقصد إليها الشرع، وصلب الدين. فقضية العدل ليست اختيارية أو من فضائل الأعمال، إنما هي أمر إلزامي لا تقوم الشريعة إلا به، ولا يستقيم لمؤمن أن يحكم بغيره، وهو من الأسس التي عليها عمار الكون، وصلاح العباد، حث عليه الإسلام وجعله أساساً للحكم بين الناس، ومعناه لغة الإنصاف.
ومن العجيب هذا الخلق أنّ الله تعالى عندما أمر بالعدل بدأ بالأعداء. تخيل.. يأمر الله بالعدل والإنصاف مع العدو وليس مع الصديق. فكيف عدلك مع أولادك ومع زوجتك وجيرانك وأقاربك، حتى لو اختلفوا معك في الرأي؟
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة/
. وقيل في تفسير الآية: "إنّ الله جلّ ثناؤه يعني بذلك: يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعدواتهم لكم، ولا يحملنكم عداوة قوم على ألا تعدلوا في حكمكم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة".
ولكن، أين يكون العدل؟ ومع من أعدل حتى أصل إلى التحلي بهذا الخلق العظيم؟
توجد ثلاثة مواطن إذا عدل فيها الإنسان يصل إلى قمة الإنصاف والعدل، وهي:
1- أن تعدل مع عدوك.
2- أن تعدل مع من هو أضعف منك، امرأة كانت أو إنساناً ضعيفاً.
3- أن تعدل مع منافسك وقرينك.
لو تحلى الإنسان بالعدل والإنصاف في هذه المواطن الثلاثة، فهو سيكون عادلاً في باقي الأمور، لأنّها ستكون أسهل بكثير.
العدل ليس معناه تقسيم الأموال بالعدل فقط، ولكن العدل أوسع من ذلك. وما نركز عليه اليوم هو أن تنصف عدوك وتعدل معه، حتى في الكلام.
هل تستطيع أن تنصف عدوك وتذكر ما فيه من أشياء جيِّدة؟
النبي (ص)، على الرغم من أنّ العاص بن الربيعة، وهو زوج ابنته، لم يؤمن به وكفر بما جاء به النبي (ص)، ومع ذلك يقول النبي عنه: "لكنا ما ذممناه صهراً". هل أنت تتعامل مع المنافسين لك والمختلفين كما فعل النبي؟ هل تنصفهم هكذا؟
استمع إلى ربنا جلّ وعلا في كتابه كيف يعلمنا هذا الأدب. يقول الله جلّ وعلا عن أهل الكتاب وهو يلعنهم ويذمهم: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ...) (آل عمران/ 112).
ثمّ قال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران/ 112)، انظر إلى كل هذه الجرائم. ولكن الله أنصفهم، انظر الإنصاف بعد كل ذلك الذنب، قال الله: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (آل عمران/ 113)، وقال تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا...) (آل عمران/ 75). وقال تعالى: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (الأعراف/ 159). كل هذه الآيات تدعو إلى الإنصاف وعدم التعميم، لأنّ التعميم عمى يجعلك لا تعطي كل صاحب حق حقه، ويجعلك تبتعد عن العدل. فاعدلوا هو أقرب للتقوى.
المأخذ:مواقع>موقع البلاغ