إذا راجعنا الأحاديث التي تتحدث عن الانتظار و حقيقته ، و المنتظر الحقيقي و وظيفته ، فسوف نعرف بأن " الإنتظار " إنما هو مدرسة نموذجية تصنع الأبطال المتميزين ، فتلميذها المتخرج منها بدرجة امتياز هو " المنتظِر " . و المنتظر يتروَّض في مدرسة الإنتظار و يتربى فيها تربية كاملة تجعله يتحمل أعلى مراتب المسؤولية ، و هذه التربية تمكنه من أن يتحلى بكل صفات المؤمن الصادق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم . و متى استطاع هذا التلميذ " المنتظر " من إجتياز المراحل التربوية العالية و النموذجية من خلال جهاد النفس و الورع و التقوى و الأخلاق الإسلامية ، عندها يكون عبداً صالحاً مطيعاً لله و رسوله ( صلى الله عليه و آله ) و الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، و مقتدياً بإمام زمانه ( عليه السَّلام ) فيصح أن يُطلق عليه لقب " المنتظِر " و يكون مؤهلاً لأن يكون من أعوان الإمام المهدي المنتظَر و أنصاره ( عليه السَّلام ) حال غيبته و لدى ظهوره . فعَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [6] ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ذَاتَ يَوْمٍ وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : اللَّهُمَّ لَقِّنِي إِخْوَانِي " ـ مَرَّتَيْنِ ـ . فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ : أَ مَا نَحْنُ إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟! فَقَالَ : " لَا ، إِنَّكُمْ أَصْحَابِي ، وَ إِخْوَانِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ آمَنُوا وَ لَمْ يَرَوْنِي ، لَقَدْ عَرَّفَنِيهِمُ اللَّهُ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَ أَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ ، لَأَحَدُهُمْ أَشَدُّ بَقِيَّةً عَلَى دِينِهِ مِنْ خَرْطِ الْقَتَادِ [7] فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، أَوْ كَالْقَابِضِ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا [8] ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الدُّجَى [9] ، يُنْجِيهِمُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ " [10] . وَ قَالَ أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) : " الْآخِذُ بِأَمْرِنَا مَعَنَا غَداً فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ ، وَ الْمُنْتَظِرُ لِأَمْرِنَا كَالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [11] . فحقيقة الانتظار ليست إلا الإلتزام الديني و الورع عن محارم الله التي نهى عن إرتكابها ، و العمل بما افترض الله عَزَّ و جَلَّ على الإنسان من الواجبات و التكاليف الشرعية حتى في أحلك الظروف . و المنتظر وفقاً لهذا الفهم لا يُفوِّت أي فرصة لرفع مستواه العلمي و الإيماني و التحلي بالأخلاق الحسنة ، و إيجاد حالة الجهوزيته التامة لنفسه من كل النواحي لكي يكون من جند الإمام المهدي ( عجَّل الله فرَجَه ) . فالمنتظر الحقيقي هو دائماً على أهبة الاستعداد التام لإمتثال أوامر الإمام ( عليه السَّلام ) حال ظهوره و حال غيبته على حد سواء ، فحاله حال من يعيش مع الإمام المهدي ( عليه السَّلام ) و يرتبط به ارتباطاً وثيقاً ، بل كمن يلازم الإمام ( عليه السَّلام ) في غرفة قيادته . فعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ : " تَمْتَدُّ الْغَيْبَةُ بِوَلِيِّ اللَّهِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَوْصِيَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) وَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ . يَا أَبَا خَالِدٍ : إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ الْقَائِلُونَ بِإِمَامَتِهِ الْمُنْتَظِرُونَ لِظُهُورِهِ ، أَفْضَلُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَعْطَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ وَ الْأَفْهَامِ وَ الْمَعْرِفَةِ مَا صَارَتْ بِهِ الْغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاهَدَةِ ، وَ جَعَلَهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) بِالسَّيْفِ ، أُولَئِكَ الْمُخْلَصُونَ حَقّاً ، وَ شِيعَتُنَا صِدْقاً ، وَ الدُّعَاةُ إِلَى دِينِ اللَّهِ سِرّاً وَ جَهْراً