مقارنة بين أصحاب عيسى ع وأصحاب الحسين ع
يتعجَّب الإنسان من سؤال الحواريين رضي الله عنهم وهم أصحاب عيسى× الخاصّين ، وقد رأوا آياته ومعجزاته!لأن هذا السؤال لا يمكن أن يسأله أحدٌ من أئمَّة العترة النبوية وكبار أصحابهم. ومعناهأنَّ الحواريين مهما بلغوا من الفضل والعلم ، لا يصلون إلى مقامات أهل البيت^. بل إن أستاذهم ومُعلمهم نبي الله عيسى صلوات الله على نبينا وآله وعليه ، لم يصل إليها , لأن نبينا وآله مشروعٌ رباني خاص ، كانت ولايتهم مفروضة على الأنبياء^، وقد أخذ الله عز وجل ميثاقهم علىولايتهم. فالآية المباركة تدلُّ على نقطةضعفٍ في إيمان الحواريين ، خاصّة في صيغة سؤالهم: هل يقدر الله عز وجل أن ينزل علينامائدة! ومعناه أن صحبتهم لعيسى×لم توصلهم إلى درجة اليقين القوي بقدرة الله عز وجل ، وبقيت درجة إيمانهم دونه. وموقف إبراهيم×أرقى من موقف الحواريين، لأنه ×قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي , فأراد أن يرى قدرةالله عز وجل حسّياً ، فمستوى اليقين عنده كان عالياً ، وأراد أن يرفع مستواه إلى مستوى الحس. وبذلك نفهم عمق مستوى إيمان أمير المؤمنين علي×ويقينه حيث يقول: لوكشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً! فمقام الحواريين: هل يستطيع ربك ؟ومقام ابراهيم×: بلى ولكن ليطمئن قلبي. أما أمير المؤمنين×فمقامه: يقينيبالغيب كيقيني بالمحسوس. بل الأمر عند علي أكثر من هذا ، يقول صلوات الله عليه: ( أخبرني رسول الله ’ بما الأمة صانعة بي بعده ، فلم أكُ بماصنعوا حين عاينته ، بأعلم مني ولا أشد يقيناً مني به قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول الله ’ أشد يقيناً مني بما عاينت وشهدت). (كتاب سليم بن قيس/215). يعني أن يقيني بما قاله لي رسول الله ص أكثر من يقيني بما أراه بحواسِّي لأن الحواس قد تخطئ ، لكن كلام النبي’وحيٌ ويقينٌ لا يخطئ. أما نبينا’فهو أفضل الخلق وأقواهم يقيناً على الإطلاق. وذكرت الآية الوحي إلى الحواريين،وعن الإمام الباقر×أُلهموا. (البرهان: 1/493). وهو كالوحي في قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَاإِلَى أُمِّ مُوسَى. وقوله تعالى: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ. وهذه الأنواع غيروحي النبوة ، ومنها الوحي إلى أئمتنا^أيضاً فهو غير وحي النبوة. بل سُمِّيت وسوسات الشياطين وحياًفي قوله عز وجل: شَيَاطِينَ الاْنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْض (الأنعام 112 وقد ذكر الحواريون أهدافهم من طلبهم، وهي: أن يأكلوا من المائدة. وتطمئن قلوبهم. ويعلموا صدق نبيهم×. ويكونوا شهوداًعليها عند الناس. حينئذٍ طلب عيسى×من الله عز وجل ، ولابد أن الله أجازه بذلك: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْعَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَاوَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ. ولماذالم يقل لوسطنا ؟ الجواب: لأن أولهم زمن عيسى×وآخرهمعندما ينزل×من السماء عند خروج الإمام المهدي#، فتكون عيداً لهم بعد نزوله أيضاً ،وآيةً من الله عز وجل ، وحُجةً على الناس في عصره. وتذكر الروايات أن المائدة نزلت وهيمنضدة لها أربعة قوائم ، وعليها أطباق طعام مرتبة ، وقد أكل منها الحواريون ، ولمينقص منها شئ ثم ارتفعت. وأنها سوف تنزل ثانية ، وتكون آية لنبي الله عيسى ولإمامناالمهدي#. وقد استجاب الله عزوجل لطلب عيسی×، وأنزل المائدة ، لكن بشرط أن لايكفروابعدها ، لأنهم إن كفروا استحقوا عذاباً أليماً أكثر من غيرهم.قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَاعَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاأُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. اللهم ارزقنا اليقين والبصرية ، والعقل الوافر وأعذنا من الضعف والشك. فهؤلاء أصحاب عيسى بضعة عشر نفر ، وكان مستواهم في الإيمان متوسطاً كما عرفت. وكان بينهم شخص خائن هو الذي وشى بعيسى×الى الرومان واليهود ، فجاؤوا ليقبضوا عليه ويقتلوه ، فرفعه الله اليه ، وألقى شبهه على الخائن يهودا الإسخريوطي ، فأخذوه مكانه. أما أصحاب الحسين×فكانوا أكثر من سبعين نفراً ، وقد خطب فيهم ليلة عاشوراء فقال كما في الإرشاد(2/93): (أثني على الله أحسن الثناء ،وأحمده على السراء والضراء ، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتناالقرآن وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، فاجعلنا منالشاكرين. أما بعد: فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيتأبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيراً ، ألا وإني لأظن أنه آخر يوم لنامن هؤلاء ، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام. هذاالليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً. فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيهوابنا عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعل ذلك! لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبداً.بدأهم بهذا القول العباس بن علي رضوان الله عليه ، واتبعته الجماعة عليه ، فتكلموابمثله ونحوه. فقال الحسين×: يا بني عقيل ، حسبكم من القتل بمسلم ، فاذهبوا أنتمفقد أذنت لكم. قالوا: سبحان الله ، فما يقول الناس! يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدناوبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ، لا والله ما نفعل ذلك ، ولكن نفديك أنفسنا وأموالناوأهلونا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك! وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنخلي عنك ولما نعذر إلى الله سبحانه في أداء حقك! أما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، والله لا نخليك حتى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، فكيف لاأفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هيالكرامة التي لا انقضاء لها أبداً! وقام زهير بن القين البجلي رحمة الله عليهفقال: والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة ، وأن الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك ، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. وتكلم جماعةأصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد ، فجَزَّاهم الحسين خيراً وانصرف إلى مضربه). قالالمسعودي في أخبار الزمان/274: (وروي أن الحسين×كشفلأصحابه عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم ، وعرّفهم منازلهم فيها. قال شاعرأهل البيت الفرطوسي& في ملحمة أهل البيت ج3 ص291:
وأراهم وقد رأى الصدق منهم
في الموالاة بعد كشف الغطاء
مالهم من منازل قد أعدت
في جنان الخلود يوم الجزاء
ولعمري وليـس ذا بعسيــر أو غريب من سيد الشّهــداءِ
فلقد أطلـعَالكليــمُ عليهــا منهم كـلَّ ساحـر بجــلاءِ
حينما آمنـوا بما جـاءَ فيـه عندَ إبطال سحرِهم والريـاءِ
بعد خوف من آلِ فرعونَ مرد لهم منـذر بسـوءِ البــلاءِ
فـأراهم منـازلَ الخيرِ زلفىً وثواباً في جنـةِ الاتقيــاءِ
لازدياد الـيقين بـالحق فـيهم بعد دحض للشك والافتــراءِ
وثَباتاً منهم على الدين فيمــا شاهدوه من عالم الارتقاء