عدد المساهمات : 6 نقاط : 18 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 07/11/2013
موضوع: كيد الشيطان كان ضعيفا السبت نوفمبر 16, 2013 1:12 am
بقلـــم : رويده الدعمي
قال تعالى في محكم كتابه الكريم " ان كيد الشيطان كان ضعيفا " سورة النساء / اية 76 يتخوف الكثير من المؤمنين من مكائد الشيطان ويعتبرونها قوة مسلطة عليهم ولا يمكن الفرار منها إلا ما رحم ربي ، حتى إن البعض عندما يريد أن يبرر معاصيه وما يقترفه من آثام فإنه يتعذّر بمكائد الشيطان ودهائه وبأنه أقوى منه بكثير ! فهل الشيطان فعلاً أقوى من الإنسان ؟! وهل مكائده لها من القوة والصلابة بحيث لا يستطيع الإنسان المؤمن أن يفلت منها إلا بصعوبة ؟؟ وتجيبنا عن كل هذه الأسئلة الآية الشريفة التي ابتدأ بها حديثنا والتي جعلتها عنواناً للبحث المتواضع هذا .. فلقد صرح الخالق جل وعلى بأن كيد الشيطان ( ضعيف ) وذلك قوله تعالى " إن كيد الشيطان كان ضعيفا " سورة النساء / آية 76 فإذا كان كيد الشيطان ضعيفاً هكذا فما مصدر القوة الزائفة التي يتصورها الكثير حتى إنهم يقعون فريسة للشيطان نتيجة إيمانهم بهذه القوة وخوفهم منها وبأن الشيطان ورائهم ورائهم مهما حاولوا الإفلات منه؟!! وكما هو الحال مع الأسئلة التي واجهتنا في بداية الحديث فإن هذه الأسئلة لن نجد لها جواباً شافيا إلا من القرآن أيضاً .. فقد قال تعالى في محكم كتابه :" إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " سورة آل عمران / آية 175 إذاً مصدر خوف الناس من الشيطان هو الشيطان نفسه !! وهذا ليس بمهم مقابل أن نعرف من هم الذين يخافونه ؟ إنهم وبحسب تعبير القرآن الكريم ( أوليائه ) أي أولياء الشيطان والعياذ بالله .. وبهذا علينا جميعاً أن نعي الحقيقة الأولى وهي ( ضعف الشيطان ) وبأن مكائده واهية وضعيفة ومكشوفة في كثير من الأحيان ، وعلى الإنسان المؤمن أن يحذر هذه المكائد لا أن يخاف صاحبها !! فالخوف مكروه للإنسان المؤمن الذي عليه أن لا يخاف– إلا من الله سبحانه وتعالى – وقد يتساءل البعض ما الفرق بين أن نحذر الشيطان وبين أن نخافه ؟ والحقيقة إن ( الحذر ) صفة حميدة ناتجة من ذكاء الشخص وفطنته فهو يحذر الوقوع في الحرام خوفاً من الله تعالى .. وبهذا فهو يحذر الشيطان . أما ( الخوف ) فهو صفة مكروهة وغير مستحبة للشخص المؤمن لأنه يتولد من الضعف والهوان ولقد أوضح لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأن ( المؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف ) .
والآن بعد أن عرفنا الحقيقة الثانية وفهمنا مصدر هذا الخوف وبأنه من الشيطان نفسه سنصل إلى الحقيقة التي علينا جميعاً أن نضعها نصب أعيننا وهي نتيجة لدمج الحقيقتين ( الأولى والثانية ) لنصل إلى ( إن الشيطان ونتيجة لضعفه وهوانه يحاول تخويف أوليائه حتى لا يحاولون – ولو حتى المحاولة – بعدم الإنصات له أو عدم العمل بوساوسه ) . ولنتساءل الآن : ممن يخوّف الشيطان بني آدم ؟ وما هي الأمور التي من خلالها يقوم هذا اللعين ببث الخوف في قلوبهم ونفوسهم ؟ وسنذكر في هذا البحث بعض هذه الأمور ومنها : 1- تخويفهم من عمل الخير كدفع الصدقات و كفالة اليتيم و تقديم المساعدات المالية للمحتاجين أو للمشاريع الخيرية ، و حتى من أداء بعض الفروض الواجبة كالزكاة والخمس ، فما أن يفكر المرء بهذه الأمور حتى يأتيه الشيطان محاولاً تثبيط عزيمته وإيهامه بأنه سيخسر الكثير أو البعض من أمواله وبأنه بحاجةٍ إليها وقد يؤدي به عمل الخير هذا إلى الإفلاس !! وإلى غير ذلك من الوساوس حتى يترك الإنسان فعل الخير الذي نوى عليه . وعلى المرء في هذه الحالة أن يضع الآية القرآنية أمام ناظريه حين يقول ربنا عز وجل ( من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة .. ) سورة البقرة / آية 245 اذاً الشيطان يعدنا بالإفلاس والله تعالى يعدنا بمضاعفة الأموال وزيادتها إن عملنا بها عملاً حسناً ، الشيطان يعدنا الحياة الصعبة والسيئة إن بذلنا أموالنا في أعمال الخير والله تعالى يعدنا بالحياة الطيبة والكريمة وحسن الخاتمة مقابل ما نقوم به من عملٍ صالح نريد بهِ وجهه الكريم وذلك قوله تعالى (( من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينهُ حيـــاةً طيـــبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسنِ ما كانوا يعملون )) سورة النحل – الآية 97 2- تخويفه من قول الحق ومجابهة الباطل ومحاولة إضعاف عزيمة المرء عند مواجهة قوى الشر والضلالة ، فيغدو الإنسان - ونتيجة لفعل الشيطان - ضعيفاً ليس له القدرة على الوقوف بوجه الأعداء والمتجبرين ، وهذا ما حدث لبعض المسلمين الأوائل عندما كانوا يخشون الحروب والجهاد في سبيل الله ، وهو ما يحصل في كل زمانٍ عندما يتسلط الحاكم الجائر على شعبه فلا يرى من يقف بوجهه ويردّه إلا القليل ممن مدحهم الله في كتابه الكريم حين قال (( فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومةَ لائم .. )) سورة المائدة / آية 54 3- الخوف من المستقبل فمن المخاوف التي يبثها إبليس في صدور المؤمنين هي الخوف من المستقبل المجهول فيجعله دائم التفكير فيما يمكن ان يحصل له ولذويه وأحبته فيبقى مهموماً مغموماً غافلاً عن ذكر الله سبحانه ، وقد يجعله خائفاً من شخص ما أو أمرٍ ما ويبقى ذلك الأمر كابوساً جاثماً على أنفاسه وقد يشل حركته العبادية ويشوّه روحه المعنوية فلا يكون له هم سوى التفكير بذلك الشخص أو الأمر المخيف ناسياً أن أمورنا كلها بيد الله سبحانه وتعالى ، فلو إن الإنسان في مثل هذه الحالة التجأ إلى خالقه وذكره في سره وعلانيته وسلّم أمره إليه لأراح نفسه وأراح من حوله ، فمن يوكل أمره إلى الله يجد راحة عجيبة نابعة من الإيمان به تعالى والتسليم لقضاءهِ وقدره ، فلقد أمرنا سبحانه وتعالى أن نفوض أمورنا إليه مهما بلغت من العسر والتعقيد ولنردد دائماً وأبداً الآية الشريفة " وأفوض أمري إلى الله إن اللهَ بصيرٌ بالعباد " . 4- الخوف من الشيطان نفسه حتى يصبح ذلك الخوف مدعاةً لكسب الكثير من الذنوب والمعاصي موهماً إياه بأنه لن يتمكن من ردع نفسه والتي هي جند من جنود إبليس ، ولقد تكلمنا سابقاً عن هذا الأمر بما فيه الكفاية وقلنا بأن الإنسان عليه ان يعرف بأن هذا المخلوق ضعيف جداً وبأن مكائده واهية وضعيفة ايضاً ولا يحتاج الأمر إلا بعض الذكاء والفطنة لكشف تلك الخدع والمكائد حتى يتم تجنبها دائماً ، ولا يأتي هذا الذكاء وتلك الفطنة إلا بتوفيق من الله سبحانه بأن نذكرهُ دائماً وندعوه ان لا يتركنا وحدنا في مواجهة هذا المخلوق ، حينها سنجد الله معنا وقد أمدّنا بقوةٍ عجيبة لا تردع فقط شياطين الجن بل شياطين الإنس والجان .. كيف لا وهو القائل ( إذكروني أذكـــركـــم ) فإن مجرد ذكر الله سبحانه يطرد الشيطان ويشل حركته الخبيثة في صدور المؤمنين . 5- الخوف من شيء معين مثل عدم النظافة فيلجأ الإنسان إلى زيادة النظافة بشكل غير طبيعي ويذهب به الأمر إلى إن ينظر إلى كل شيء بأنه نجس وغير نظيف ، ويصبح كثير الشك بطهارته ووضوئه وطهارة من حوله من الأشياء والناس – وهو أمر مع الأسف مبتلى بهِ عدد غير قليل من المؤمنين - حتى سميت هذه الحالة بالوسواس ! وكذلك قد يخاف المرء من مرض معين ويبقى يفكر به ويخشى ان يُبتلى بهِ أو قد يخاف من أي مرض يمكن أن يصيبه أو يصيب عياله وذويه فيبقى يفكر به وبما سيحصل لهُ إن حدث ما يخشاه ، وهذه كلها وساوس ومخاوف لها علاقة ببحثنا هذا ويمكن معالجتها بما سنذكره من امور سنختم بها بحثنا هذا .. نعم - أخوتي الأعزاء - فهناك بعض الأمور التي تجعلنا كمؤمنين نترك عادة الخوف إلا من الله سبحانه وتعالى وتجعلنا من المؤمنين الأقوياء الذين يحبهم الله ورسوله ، وهي أمور تقربنا من الله عز وجل وبالتالي تبعدنا عن درب الشيطان وتصل بنا إلى مرفأ الأمان المتمثل بالهداية الإلهية والتوبة الحقيقية والإحساس بالاطمئنان المطلق الخالي من المخاوف والوساوس والأوهام .. وهذه الأمور هي :
1- الإرادة القوية النابعة من الإيمان : فمهما حاول الإنسان المؤمن التغلب على الشيطان ومخاوفه لن يتمكن إن لم تكن له إرادة قوية نابعة من إيمانه بالله تعالى وحبه له ولأوليائهِ الصالحين ، وبغضه للشيطان وأولياء الشيطان .. فبالإرادة القوية والعزم على ترك المعاصي وعدم الإصغاء لوساوس إبليس والتحدي الذي يمكن ان يكون بين المؤمن وبين الشيطان والعهد الذي يمكن ان يعمله الإنسان بينه وبين ربه ونفسه بأن يتغلب على هذا المخلوق ، كل هذه تجعل طريقة التغلب على الشيطان طريقة سهلة ويسيرة بإذن الله تعالى .. قال تعالى في سورة الحجر الآية 42 وهو يخاطب إبليس لعنة الله عليه بالقول : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلا من اتبعك من الغاوين " . 2- الدعاء : إن للدعاء أهمية بالغة في التخلص من الشيطان أو بالأحرى له أهمية في كشف خدع إبليس ومكائده .. فهذا إمامنا السجاد عليه السلام يعلمنا هذه القاعدة في دعائه المعروف لأولاده – وهو احد أدعية الصحيفة السجادية – حيث يقول عليه السلام حينما يذكر الشيطان : (( اللهم فاقهر سلطانهُ عنا بسلطانك ، حتى تحبسه عنا بكثرة الدعاء لك فنصبح من كيده في المعصومين بك )) وكثرة الدعاء لا يكون لنا فقط بل على المؤمن أن يُكثر الدعاء لوالديه ولأخوته وذريته وباقي أقربائه وذويه من المؤمنين بأن يقيهم الله شر هذا المخلوق اللعين . 3- قراءة القرآن : لا يوجد أفضل من القرآن الكريم وسيلة لطرد وساوس الشيطان والقضاء على مكائدهِ الخبيثة ، وخاصة أن البيت الذي يقرأ فيه القران كما تذكر الروايات الشريفة هو بيت ترتاده الملائكة دائماً وتهرب منه الشياطين . وخصصت ( المعوذتين ) لطرد الوسواس من صدور الناس والقرآن بصورة عامة لاتقاء شر الشيطان وما يبثه في النفوس من هم وغم وخوف وقلق ، فيأتي ذكر الله سبحانه وتعالى أمان لتلك النفوس الخائفة والقلوب المضطربة .. كيف لا وهو القائل في محكم كتابه العزيز : " وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله انه سميع عليم * إن الذين اتقوا إذا مسّهُم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " سورة الأعراف / الآية 200 – 201 وكما أن الاستعاذة من الشيطان تحتاج إلى قراءة القرآن فكذلك إن قراءة القرآن تحتاج إلى الاستعاذة من الشيطان – يعني ان العلاقة بينهما عكسية – فقد أرشدنا الله تعالى إلى أن نبدأ قراءتنا بالاستعاذة من ذلك المخلوق حتى نتقي شره وشر الشياطين من أعوانه ، وذلك قوله تعالى في سورة النحل / آية 98 - 99 : " فإذا قرأتَ القرآنَ فاستعذ باللهِ مِنَ الشيطانِ الرجيم * إنهُ ليسَ لهُ سلطانٌ على الذينَ آمنوا وعلى ربهم يتوكلون* إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم بهِ مشركون " . 4- الشكر : فكلما تخلص المؤمن من مكيدة كان الشيطان قد أعدّها له عليه حينها أن يشكر الله تعالى على هذه النعمة ، وأن لا يغتر بنفسه ويصيبه ( العُجب ) فهو وسيلة قذرة من وسائل الشيطان ، فلولاه سبحانه وتعالى ما استطاع ذلك المؤمن من عبور هذه العقبة وكشف هذه المكيدة والحذر منها ، وكلما شكر الله زاده سبحانه إيماناً به وحذراً من الشيطان فهو القائل " ولئن شكرتم لأزيدنكم " . 5- العلم والمعرفة : وذلك بأن نزيد معرفتنا بهذا المخلوق الذي أخذ عهداً على نفسه بأن يضلنا ويغوينا (( قال ربِ بما أغويتني لأزيننَ لهم في الأرضِ و لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلَصين " سورة الحجر / الآية 39 . فعندما يعرف الإنسان حقيقة الشيطان سيتخذه ( عدواً ) وبطبيعة الحال وحسب ما تقتضيه الفطرة البشرية فعلى الإنسان أن يحذر عدوه كائناً من كان فكيف إذا كان هذا المخلوق هو العدو الأول للإنسان؟ وهو الذي رفض السجود لأبينا آدم " عليه السلام " عاصياً أمر الله سبحانه وتعالى ومتخذاً من آدم وزوجه وذريته عدواً لدوداً ، أفليس حرياً بنا نحن البشر أيضاً أن نتخذه لنا عدواً إلى قيام يوم الدين ؟ وتتمثل المعرفة بالاستزادة من أحاديث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وروايات أهل البيت ( عليهم السلام ) التي تصف لنا إبليس ومكائده وطريقة التعامل معه و كيفية الانتصار عليه . 6- التسليم لقضاء الله : وهذا الأمر تكلمنا عنه بشكل مفصل في حديثنا عن وسائل الشيطان في تخويف الإنسان وخاصة من المستقبل والمجهول وقلنا بأن التسليم لقضاء الله وقدره هو الكفيل بردع هذه الوساوس وقلعها نهائياً من صدور الناس . 7- والوسيلة الأخيرة التي أود ذكرها في بحثنا القرآني هذا والتي تقلل من تأثير الشيطان في حياتنا بل وتجعل تأثيره ايجابي بدل من التأثير السلبي الذي اشتهر به الشيطان هو وجنوده ، وهي وسيلة لطيفة ومفيدة بإذن الله تعالى وقد جربها عدد لا بأس به من المؤمنين فكانت نتائجها مثمرة ولله الحمد وهي ان يقوم الإنسان بتخويف الشيطان بدل أن يقوم الشيطان بتخويفه ! وذلك للحد من تدخلات الشيطان في حياته والطريقة كالتالي : أن يعاهد الإنسان المؤمن نفسه بأن يقوم وبعد كل تدخل شيطاني في حياته بعمل صالح يغيض به الشيطان وجنوده ! وما أكثر الأعمال الصالحة من حولنا ، فيمكن أن يكون ذلك العمل استغفار ( ألف مرة ) أو صلاة على محمد وال محمد ( مئة مرة ) أو التصدق بالمال على الفقراء والمساكين أو أي عمل خيري يرضي الله سبحانه ويسخط الشيطان ويغيضه ، وبهذا و بعد كل تدخل شيطاني في حياتنا أو في حياة من حولنا من الأهل والأحبة سيكون هناك عمل صالح أو عملين أو حتى ثلاثة .. حينها سنرى ابتعاد الشيطان وهزيمته وكأننا من صرنا نستخدم التخويف ضده وليس العكس وسنكون قد انتصرنا عليه بفضل الله ورحمته وهذا هو الانتصار والفوز الحقيقي وهو ( الجهاد الأكبر ) كما وصفه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عندما يجاهد الإنسان المؤمن نفسه الأمّارةِ بالسوء وعدّوه الأول – الشيطان- فينتصر عليهما بتوفيقٍ من الله تعالى الذي أخبرنا في محكم كتابهِ الكريم بأنَ كيد الشيطانِ كان ضعيفا .