عدد المساهمات : 11 نقاط : 33 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/11/2013
موضوع: دراسات في التصوف، في العلم و الجهل بآداب الطريق السبت نوفمبر 16, 2013 1:42 am
اللهم صل على سيدنا محمد و على ىله وصحبه ، أما بعد يمنع الأنسان من الأرتواء من معين العلم المنيف سوء أدبه مع من خصه الله بولايتهم. يسميها أهل الله بالحجب المانعة على بلوغ القصد. ومنها العلم بآداب الطريق و الجهل باسرارها.ومنها العلم باسرار الطريق و بالمقابل تكذيبها. واشدها العلم الذي هو عين الجهل. هنا مفارقة يتعلق بها العبد ، أن هذا العلم ليس بفرض عين لا يمكن لجميع الخلق أن يكونوا أولياء فالولاية انتساب. واللأنتساب في الدنيا أحزاب و جماعات و دول ، وهو أيضا انتساب و انقياد و تسليم ، وغياب احدها دون وجود الآخر أعتلال في الكون و أختلال في الوجود. فأن اندرس هذا العلم المنيف فليس الا بسبب قلة الطلب عليه. و الأنتساب في ميزان الشرع أما أن تكون وليا لله أو وليا للشيطان. أ في فضائل العقل: يعد العقل من شروط آداب الطريق ، فكمال العقل من شروط كمال الآدمية ، لايستطيع المجنون و المخبول و المجذوب أن يسر في الطريق. فالأول سلب قدرة التمييز و الثاني تختلط عليه الحقائق و الثالث في حالة سكر دائم في حضرة الحق ، ومن ثم تسقط تكاليف الطريق في شأنهم لأستحالة الوعي و فقدان الذاكرة. يتلقى العقل المرحوم حكمته من القلب المرحوم بذكر الله ومن هنا كانت احدى مقولات اهل الطريق الغير المفهومة عند البعض: الذكر يولد الفكر. فكيف يولد الذكر الفكر؟ ، يقول الشيخ عبد السلام ياسين في كتابه محنة العقل المسلم..... العقل في القرآن فعل حاسة باطنة في الإنسان تسمى القلب. العقل تلق لحقائق الوحي بواسطة القلب. والفقه في القرآن علم ينشأ في باطن الإنسان في قلبه. والتفكر حركة قلبية تتدبر الكون استدلالا على الله. هذا العقل المعاشي المشترك بين البشر إما يكون آلة للقلب يخدم تطلعات القلب إلى خالقه، وإما يكون آلة للهوى المتأله، أو للنفس والشهوات، أو للفلسفة والتأملات، أو للفعل في المكونات، أو لجمع المعلومات واستنتاج حصيلة الماجريات. وكمال العقل الآلة أن يخدم القلب وتطلعاته خدمة متزامنة متساوقة مترابطة هنا وهناك. هنا في الكون حيث يشترك مع كافة البشر في طرق تحصيل علوم الكون. وهناك وراء سجف الغيب من حيث لا تتأتى له معرفة إلا باستماعه للوحي. ذكرت مادة "قلب" في القرآن أكثر من مائة وثلاثين مرة. ما منها لفظة تنصرف للعضلة الصنوبرية اللحمية. وذكرت في القرآن مادة "عقل" خمسين مرة ما منها لفظة تدل على الآلة المشتركة. وذكرت مادة "فقه" عشرين مرة، ومادة "فكر" ثمان عشرة مرة. كل ذلك دلالة على الوظيفة القلبية الإيمانية. يأخذ العقل الآلة علومه عن الكون بواسطة الحواس، وبواسطة البديهيات الفطرية، ثم بواسطة المنطق الناشي، لديه من استقراء الثابتات والمترابطات والمستلزمات. ويأخذ العقل الكامل عن الوحي ما هو من عالم الغيب، وعن المدارك المشتركة ما هو من عالم الشهادة. يحدث للعقل المومن بالله المصدق للوحي عور إذا أغمض عن المدارك المشتركة، وعجز عن التعلم من الكون، وترك آلته للإهمال والصدإِ. فيفوته ركب الحياة الدنيا، ويقعد مع القاعدين العاجزين. وذلك نقص من حقه، وقصور عن فهم رسالة الوحي الذي أنبأ بأن الله سخر لنا الكون وأمرنا أن نسير في الأرض ونستعمرها وندافع ونجاهد، وكل ذلك ممتنع إن لم نسخر بإرادتنا واجتهادنا وتعلمنا هذه الآلة العجيبة المسماة عقلا. ويصيب العقل المشترك، الآلة عاهة العمى الكلي. لا يبصر معها البصر المعتبر على أفق الأبدية وهو البصر بالله وبأمر الله وبالدار الآخرة وما يسعد الإنسان هنا وهناك. يصيب الشلل والعجز في الدنيا العقل المومن إن أغمض إحدى عينيه وأعرض عن الاكتساب في حلبة النظر العلومي الصناعي التدافعي الجهادي جنبا إلى جنب مع العقل الآلة المشتركة. ويضل العقل الأعمى المعرض عن الوحي فلا يهتدي سبيلا إلى الغاية الوحيدة المعتبرة على سلم الأبدية والخلود في الجنة أو النار. لا يهتدي سبيلا إلى سعادته الأخروية وإن كان بصيرا بسبل رخائه المادي في الدنيا. ذكرت مادة "عمى" في القرآن ثلاثا وثلاثين مرة، منها ثلاثة ألفاظ تدل على عمى الحاسة في الرأس. وثلاثون لفظة للدلالة على عمى القلب. هذه الحواس المشتركة من سمع وبصر تنغلق مسالكها وتنحبس، وتتعطل وظائفها، فيسمع السامع وهو غير سامع، وينظر وهو لا يهتدي. ذلك حين يحول كفر الكافر بينه وبين ضوئيات الوحي، ويقطع الشك مواصلاته مع مصادر السمع.) لا يمكن للولي المربي أن يكون مسلوب العقل ، كا يستحيل على المريد أنيتلقى الحككمة العقلية و الرحمة القلبية من غائب حاضر ، فمثل هذه التربية لا تنتج الا الأحوال و الوارد الذي لا يستطيع أن يزنه الشيخ و لا المريد لغلبة الفناء عليهم. الجمع بين الفضيلتين واجب لمن طلب الكمال. يقول الشيخ عبد السلام ياسين شارحا أحدى أصول العشرين للشيخ البنا رحمه الله في فقرة طلب الكمال من خصلة الذكر ....ا أشار إليه الشيخ البنا رحمه الله من النور والحلاوة والإلهام والكشف والرؤى الصالحة عطاء يخص الله به من يشاء من عباده المؤمنين الذاكرين السالكين طريق الحق. ومنتهى كل ذلك الفتح الأكبر الذي يحصل لأولياء الله. وهم درجات والفتح درجات. نترك الحديث في هذا لفحل من فحول الأولياء، هو الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله. قال رحمه الله يصف حال المفتوح عليهم : من قوي إيمانه وتمكن في إيقانه رأى بقلبه جميع ما أخبره الله عز وجل به من أمور القيامة. يرى الجنة والنار وما فيها. يرى الصور والملك الموكل به. يرى الأشياء كما هي. يرى الدنيا وزوالها وانقلاب دول أهلها. يرى الخلق كأنهم قبور يمشون. وإذا اجتاز القبور أحس بما فيها من عذاب ونعيم. يرى القيامة وما فيها من القيام والموافقة. يرى رحمة الله عز وجل وعذابه. ارجع لهذا الكتاب لتسمع واحدا من مؤمني الأمة يحدثك بما فتح الله على قلبه. ولا تخلط وتسيء الفهم، فالفتح رؤية قلبية بحاسة يفتحها الله في القلب. ولا تظن أنك ترى كل ذلك بحاسة الشحم. فتح الله لنا ولك. ارجع إلى كتاب حياة الصحابة للشيخ يوسف الكاندهلوي لتقرأ ما كان يحدث من فتح لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما أتينا بشهادة رجل متأخر زمنا عسى أن تستيقظ هممنا لنطلب إلى الله عز وجل كمال ذواتنا. والمؤمن الرشيد إن عثر على ولي مرشد يسلكه وعورات الطريق لا يسأل الله الفتح طلبا لحظ نفسه و الكرامات. إنما يطلب من الله أن يغفر له، ويرفعه في درجات القربة ويعطيه كمال الإيمان والإحسان. فإن الفتح كرامة، والاستقامة إلى الله هي مطلوب القوم. ورحم الله الشيخ البنا فقد حذر من مزالق الاعتماد على الكشف وسائر المظاهر النوارنية التي قد تتماثل في شكلها مع المظاهر الشيطانية حتى لا يميز الجاهل بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان. ) . نقف هنا أمام مقولة خطيرة يستغلها أدعياء التصوف في استغلال عقول الناس ، و سلب أرادتهم و أستعبادهم ان تكون بين يدي شيخك كالميت بين يدي الغسال). الجملة تفيد اقصاء العقل ، و موت ارادة ، و سلب للحرية. ومن دلالاتها أن يكون المريد لا يتصرف في شان نفسه المادي و الأجتماعي الا بمشورة الشيخ. كان هذا في سلوك الأوائل لما كان الشيخ شيخا ، والمريد مريدا ، والتصوف حق ليس لقلقة لسان و رقص في المواسم و التشدق بأشارات أهل التحقيق. كان الشيخ يتورع فى الأموال و النفوس و الذمم، لكن التصوف اليوم شيخ ترابي و مريد راقص و علوم مشبوهة. من الحماقات التي تقرأها أحيانا ما يقع في الزوايا من استغلال النفوذ من طرف الأحفاد الطينيين للشيخ الترابي الراقد ، فتجمع الأتاوات و لا تنفق الا فيما بشتبه به من حاجيات العائلات الشريفة المصونة ، يرقد في خذمتهم أقوام استعبدنهم محبتهم للشيخ المرحوم . كان أهل الله في تربيتهم يربون المريد على قول الحق ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، ويصقلون شخصية المريد لتكون خاذمة للحق لا للهوى و النفس و الشيطان. نقف مع سلوك الأمام الغزالي قدس الله أسراره ، سبق الغزاليَّ في مضمار السلوك أجيالٌ من الزهاد والصوفية في البصرة والكوفة والعراق وجبال لبنان، وكتب في "علوم الآخرة" قبله أمثال الحارث المحاسبي والحكيم الترمذي وخصوصا أبو طالب المكي. وسبقه إلى طرح الدنيا والإقبال على الله عز وجل أمثالُ إبراهيم بن أدهم الذي كان من أبناء الملوك فتزهد وتصوف وسلك طريق القوم حتى أصبح من المشار إليهم بينهم. لكن امتازَ أبو حامد بأنه أول فقيه شهير طرح شهرته ودنياه الواسعة ودخل في صف القوم حتى تعلم علمهم، وهو الفارس المغوار الشديد الصولة، ثم خرج على الناس بفقه السلوك مقَعَّدا مرتبا. فَكان لكتاباته، ولا يزال، الأثر البالغ في تعليم الأجيال من بعده. خاصة لكتابه "الإحياء" الذي قيل عنه: "من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء". واختلف بعض الناس في تقويم الإحياء، فأحرقه علماء المغرب بعد وصوله. ورد عليهم ابن السبكي بعد نحو قرن ونصف بعد أن رحب بعودة المغاربة إلى تبجيل كتب الغزالي فقال: "وأين نحن ومن فوقنا وفوقهم من فهم كلام الغزالي أو الوقوف على مرتبته في العلم والدين والتأله!. وقال: "لا يعرف أحد ممن جاء بعد الغزالي قدر الغزالي ولا مقدار علم الغزالي، إذ لم يجئ بعده مثله. ثم إن المُدَانِيَ له إنما يعرف قدره بقدر ما عنده، لا بقدر الغزالي في نفسه". ثم برز لمحاربة فكر الغزالي على مستوى عال من المبارزة شيخ الإسلام ابن تيمية، فكان جل ما أخذ عليه ورَدَّ مدسوسات دسها عليه الأعداء والحساد كما شكا الغزالي ذلك في إحدى رسائله فقال: "هاج حسد الحساد، ولم يجدوا أيَّ طعن مقبول غير أنهم لَبَّسوا الحق بالباطل وغيروا كلمات من كتاب "المنقذ من الضلال" وكتاب "مشكاة الأنوار"، وأدخلوا فيها كتاب كفر". كان الغزالي قبل خروجه في طلب شيخ يُسَلِّكه عالم خراسان والعراق. وكان له في بغدادَ صولة وجاه عظيمان. قال معاصره العارف به عبد الغافر الفارسي: "وعلت حِشْمَتُه (ثروته وأبهته ومكانته الاجتماعية) ودرجته في بغداد حتى كانت تغلب حشمته الأكابر والأمراء ودار الخلافة". ثم زهد في ذلك كله. قال: "وسلك طريق الزهد والمِثَالَة، وترك الحشمة، وطرح ما نال من الدرجة للاشتغال بأسباب التقوى وزاد الآخرة. فخرج عما كان فيه". هذه الهجرة من الدنيا ورئاستها في طلب الله عز وجل هي بداية طريق كل صادق، يَجْفُل مما هو فيه ويَعَافُه وتستولي عليه فكرة الطلب. نقرأ هذه الخطوة في سلوك الغزالي العملي قبل أن نقرأها في مكتوباته. سَمِّها يقظة وإرادة. الخطوة الثانية الضرورية هي طلب الدليل على الله عز وجل الولي المرشد. وقد خطاها الغزالي بنفسه قبل أن يكتبها. قال عبد الغافر: "وأخذ في مجاهدة النفس وتغيير الأخلاق وتحسين الشَّمائل(...) والانقياد لكل من يتوسم فيه أو يشُمُّ منه رائحة المعرفة أو التيقظ بشيء من أنوار المشاهدة". تلا هذا الاختلاط بالصالحين، وقد تَزَيَّا بزِيِّهم الخشن بعد لباس "الحشمة" وجَهَازِها، البحْثُ عن رجل يَقتدي به ويُسَلِّكه، حتى لقي الشيخ الفارمدي. قال عبد الغافر: "فابتدأ بصحبة الفارمدي وأخذ منه استفتاح الطريقة، وامتثل ما كان يشير به عليه". والفارمدي تلميذ من تلامذة الأستاذ القُشيري الشيخ الجليل. إن امتثال حجة الإسلام لشيخ الطريقة وبحثه عنه قبل ذلك هو في حد ذاته أكبر درس عمليٍّ لطلاب السلوك. فالصحبة هي نقطة البداية وشرط الاستفتاح. هي المفتاح وكفى. وهذا ما يؤكده أبو حامد رحمه الله في كتاباته بعد أن عاشه وسجله تاريخُهُ الحافل. يحدد حجة الإسلام للشيخ المصحوب وظيفتين، ويشترط في أهليته شرطا أساسيا. الشرط الأساسي هو أن يكون الشيخ قد تعلم بالصحبة من شيخ أخذ عن شيخ صحب من صحب... إلى أن ينتهي السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا شرط جوهري ينفيه ويتجاهله ويرفضه من لا يدري ولا يحِب أن يعترف بأنه لا يدري، ففاته نصف العلم، بل فاته العلم كله، والخير كله. وهذا شرط يتبناه النصَّابون والدخلاء فينتسبون إلى سلسلة من سلاسل المشايخ تمريرا لبضاعتهم المزَوّرة. والمؤونة في هذا الانتساب يَسيرة، إذ ليس ثمة رواية تُنْتَقد ولا علم تجريح وتعديل وتاريخ كما هو الشأن في سند الحديث. ثم إن من أهل النِّسْبَة الحقيقيين من يصحب عارفا وأصلا موصول السند، لكنه في نفسه يقصر عن مرتبة المشيخة التربوية. ولا يعرف كثير من الناس كيف يُمَيِّزُون بين الشيخ المربي الذي هو بغية الطالبين وكنز الأسرار وبين شيخ التبرك الذي جلس على السجادة بعد وفاة شيخه. وقد يكون هذا صاحب كشف وكرامات ويكون ذاك لا يظهر عليه شيء من ذلك، فينحاز الناس إلى المظهر وتروج الإجازات المكتوبة شيخا عن شيخ، والإذن الشفوي. ولله الأمر من قبل ومن بعد. لم يترك الغزالي سلسلة من المشايخ ترثه مثلما ترك المشايخ عبد القادر والرفاعي والشاذلي وغيرهم رضي الله عنهم. وإنما مدرسته وطريقته كتبه. ومن أجلة العلماء، كانوا ولا يزالون، من يعتقد أن التصوف السني يتلخص وينحصر في ترقيق القلوب بقراءة الكتب الجليلة مثل الإحياء. وهذا ما يُعارض وصية الإمام الغزالي وعمله، حين بحث عن شيخ، وحين امتثل، وحين صحب، وحين تأكدت لديه ضرورة الصحبة فكتب يقول: "شرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون عالما(...). وكان قد تابع لشخص بصيرٍ تتسلسل متابعته إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم". قال: "متابعة شخص". لم يقل: "متابعة كتاب". بعد هذا الشرط الأساسي في الشيخ المصحوب، وهو أن يكون "شخصا" تابع شخصا في تسلسل موصول، نَعْرِض للوظيفتين اللتين حددهما حجة الإسلام لشيخ التربية تُجَاهَ مريده. أولهما أن يُعَرِّفَه بنفسه ومعايبها. وهذا مقدمة ضرورية لتطبيب الأمراض القلبية. قال رحمه الله: "يجلس (المريد) بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطَّلِع على خفايا الآفات. ويُحَكِّمه في نفسه، ويتبع إشارته في مجاهدته. وهذا شأن المريد مع شيخه، والتلميذ مع أستاذه. فَيُعَرِّفه شيخه وأستاذه عيوب نفسه، ويعرفه طريق علاجها. وهذا قد عزَّ في هذا الزمان وجوده". قلت: وهو في كل زمان عزيز، والكتب موجودة، والذاكرون المتبركون بالنسبة وفرة. والمفتاح يضعه الله عز وجل في يد من شاء. فقم من الليل وصل لربك وتضرع إليه: "يا رب من أصحب" كما أوصاك الناصح عبد القادر يأتِك رزقك. الوظيفة الثانية للشيخ كما يراها حجة الإسلام رضي الله عنه هي وظيفة الدليل الخفير في عقبات الطريق ووُعورَتها، يحفظ السالك من صولة لصوص الطريق، ويُجِيزُه على أهوالها، كما يُطبِّب أمراضه النفسية، ويصفي رَيْنَهُ القلبِيَّ. قال رحمه الله: "المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهدِيه إلى سواء السبيل. فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة. فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة. فمن سلك سُبَل البوادي المُهْلِكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه وأهلكها.(...) فمُعتصَم المريد بعد الشروط المذكورة شيخُه. فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد بحيث يفوض أمره إليه بالكلية. ولا يخالفه في وِرْده ولا صَدَرِهِ ولا يُبْقِي في متابعته شيئا ولا يَذَر. وليعلم أن نفعه في خطإ شيخه لو أخطأ أكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب. فإذا وجد مثل هذا المُعْتَصَم وجب على معتَصَمِه أن يَعْصِمَهُ ويحميَه بحصن حصين يدفع عنه قواطع الطريق". فضائل العقل عند أهل الله ينافي مايلي: 1. الظن لايسلك المريد الطريق عن ظن وهمي بتخيل ملا يوجد من الحقائق ، فكل شيء عند أهل الله مؤصل عن علم لا عن ظن.لكن يؤسس البصيرة ، المضي على بصيرة في الطريق عن علم وعمل و اتباع لا عن ظن و ابتداع و اختلاف.ووحدة المربي من دعامات الطريق التسليم عقلا و قلبا لبركة ولي لا لتعدد الصحبة لا تولد الا انفجار و تخبط في الروح. و استنباط للحقائق عن منازلة حقة مقيدة بأدب الشيخ لا عن هوى نفس و اختيار. 2. الحجب المانعة عن القصد : قال الشيخ عبد القادر: "باب قرب الحق لا يقبل الزحمة". نداء الله عز وجل المتلو شهادة والمُلْقى غيبا في الثلث الأخير من الليل لا يجد من العباد الاستجابة. فأكثرُ العباد لا يريدون الله، إنما يريدون ما عند الله. يا حسرة على العباد. حَجَبَ العباد عن ربهم، وعن الإسراع إليه والسير والسلوك والمشي والتقرب والوصول ما كسبت أيديهم. حَجَبَ القلوبَ ما ران عليها وعلاها من أوساخ الذنوب والمعاصي والنفاق وسوء الظن بالله وبعباده والكسل عن الطاعات. حَجَبَهم قرناء السوء واستخفافُهم بالصالحين وحسدُهم وقياسهم للآخرين على أنفسهم عن صحبة الأخيار وهي الشرط الأول في السلوك. حجبهم الغفلة والعادة والطبع والهوى والأنانية وتأويل كلمة الحق عن ذكر الله وعبادته على قدم السنة، والذكر هو الشرط الثاني في السلوك. وحجبهم كذبهم وتكذيبهم بالحسنى ونفاقهم عن صدق التوبة، وصدق النية، وصدق اليقظة، وصدق الاعتقاد، وصدق الطلب مع الصادقين، والصدق هو الشرط الثالث. ومن تركيب هذه الموانع والحجب وضرب بعضها في بعض تنتُج الأعداد الهائلة، حتى يُقال: إن بين بعض العباد وربهم سبعين ألف حجاب من ظلمة ونور. وما وضع هذه الحُجُبَ غيرهم، ولا كسب سيئاتِها سواهم. قال الله تبارك وتعالى يخبرنا عن حال المجرمينكَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ. كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (سورة المطففين، الآية: ). الرَّيْنُ: الصدأ. وقد شرح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يتكون هذا الصدأ ويعلو القلوب فتنحجب عن ربها عز وجل، فقال فيما رواه مسلم عن حذيفة: "تُعْرَض الفتن على القلوب كالحصير عَوْداً عَوْداً. فأي قلب أُشْرِبَهَا نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء. وأي قلب أنكرها نُكِت فيه نكتةٌ بيضاء. حتى تصير على قلبين: أبيضَ مثلَ الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسودُ مُرْبادّاً كالكُوز مُجَخِّياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشْرِبَ من هواه". الحديث. تعرض الفتن كالحصير عودا عودا: قال ابن الأثير: تحيط بالقلوب كالمحصور المحبوس. عَوْدا عَوْدا: أي مرة بعد مرة. قال: أشربها. دخلت فيه وقبلها وسكنت فيه. مُرْبَادّاً: الذي في لونه رُبدة وهي بين السواد والغُبْرة. كالكوز مُجَخِّياً: كالإناء المائل عن الاستقامة والاعتدال. هكذا يعلمنا الله ويعلمنا رسوله أثر مكاسبنا على قلوبنا. ما من عمل حسن إلا يزداد به القلب بياضا ونورا. وما من خطيئة وفتنة يُشْرَبُها القلب ولا يتوب فاعلها ويستغفر إلا نَكَتَتْ في قلبه سوادا. ويتراكم السواد طَبَقا عن طبق حتى يؤلِّفَ صدأ يرين على القلب فيحجبه عن ربه عز وجل دنيا وأخرى. السلوك سير قلبي، والمشايخ المسلِّكون أطباء في تصفية القلوب. ليس طِبُّهم من قبيل وصف الدواء من بعيد، بل هم أنفسهم دواء، صُحْبتهم ومجالستهم ومحبتهم ومخاللَتهم تَعَرُّضٌ مباشر للإشعاع القلبي الشافي بإذن الله الذي يودعه الله عز وجل في قلوب أوليائه. لكن كيف يعتَرِف عليلُ القلب، وداؤه مستورٌ عن الأبصار، أنه مريض! داء العُجْب يمنعه عن الاعتراف. أم كيف يقصد رجلا مثلَه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق يقول له: داوني! الكبرياءُ وسوءُ الظن يمنعان من ذلك. حُجُبٌ بعضُها فوق بعض وظلمات. ويموتُ مريض القلب بدائه، لم يعرفه، أو عرفه ولم يرض بعرضه على أصحاب البصائر. وتسمعه يقول: هذا كتاب الله وهذه سنة نبيه. وما عنده علم بالمصيبة الجُلَّى التي أصابت قلبه وسره فمَنعته من ملامسة نور الكتاب ونور السنة. ألا وهي مصيبة الرين والحجاب. قال الإمام الرفاعي رحمه الله: "أيْ بُنيّ! اعلم أن أعظم مصائب السر حجابُه عن الله تعالى. فكل من حلت به هذه المصيبةُ فقد تلاشت سائر مصائبه في جنبها. فإن المحجوب سكران، والسكران لا يجد حالة سكره وجعَ المصيبة. فإذا أفاق وجد الألم. "ومصيبة المحجوب لا تنجبر أبدا إلا بتجريد السر عن كل ما دون الله تعالى. ولا وعيد في القرآن أصعب من قوله تعالى : كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم )سورة المطففين. "فكم من طاعة حَجَبت صاحبها عن المطاع (سبحانه)، وكم من نعمة قطعت صاحبها عن المُنعم. ورُبَّ نائمٍ رُزق الانتباه بعد رقدته، ومنتبهٍ نام بعد طول الانتباه. ورب فاجر رُزق الولاية، وبلغ منازل الأبرار، وزاهد سقط عن ولايته وسلك مسالك الفجار. وكم من عامل حجبته رؤية أعماله عن رؤية امتنان ربه حتى عميَتْ بصيرته فصار مبعدا وهو يحسب أنه واصل. "ولا مصيبة أشد على العارف من الحجاب ولو طرفة عين. وأعظم عقوبة على العبد البُعد من الله والحجابُ". قال رحمه الله:«واعلم أن الكفار محجوبون بظلمة الضلالة عن نور الهدى. وأهل المعصية محجوبون بظلمة الغفلة عن نور التقوى. وأهل الطاعة محجوبون بظلمة رؤية الطاعة (أي الاعتزاز بعملهم من دون الله واهب المنن والاستكبار به والاستغناء) عن أنوار رؤية التوفيق وعناية المولى."فإذا رفع الله عنهم هذه الحجب نظروا بأعين النور إلى النور. فعند ذلك يحجبون عن غيره به. "فكل من نظر إلى حركاته وأفعاله في طاعة الله صار محجوبا عن وليها (سبحانه) مفلسا. ومن نظر إلى وليها صار محجوبا به عن رؤيتها. لأنه إذا رأى عجزه عن تحقيقها وإتمامها صار مستغرقا في امتنانه. وربما يُحْجَب برؤية العبادة عن وجدان حلاوتها. وربما يُحْجَبُ برؤية وِجدان الحلاوة عن صحة الإرادة. وربما يُحْجَبُ برؤية المنة عن رؤية المنان سبحانه". قلت: نَعَمْ! المحجوب سكران: سكرة العقل بعلمه ومخزون مكتسباته، وسكرة النفس بأنانيتها واستكبارها، وسكرة الماجن بلذاته، والرئيس برئاسته، والمالك بمِلْكِهِ، والمعافَى بصحة بدنه، والمريض بمرضه، والفقير المُعْوِز بعَوَزه، حتى تحيط بالدنيا وهوسها عدّاً، عكسا وطردا. الدنيا دار فتنة، وما من فتنة عينية جزئية أُشْرِبَها القلبُ حتى استقرت فيه إلا أظلمت ركنا منه وتكاثف عليه الريْنُ فما بالك بمن أُشْرب حبَّ الدنيا كلها، وهي الفتنة مُجَسَّدة! لذا كان حب الدنيا رأسَ كل خطيئة، وكانت حجابا عن الآخرة، وكانت هي والآخرة، لمن وقف عندهما بسره، حجابا عن الله عز وجل. والموفَّق من لا يقف مع شيء من دون الله، خصوصا مع طاعته يَعتَدُّ بها ويباهي. الموفق من يخرق الحجاب الأكبر، وهو الزمان، وهو العمر، وهو حظه من الدنيا، ويطويه فيطلِّقُ الدنيا من قلبه، ثم يطلق الآخرة من سره، ويقطع المراحل كأنه في الدنيا غريب أو عابر سبيل. يقطع المراحل وهمُّه الله لا غيره. قال شيخ الإسلام ابن القيم: "العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه. ومدة سفره هي عمره الذي كتب له. فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه. ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره. فكلُّ يوم وليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها مرحلة مرحلة حتى ينتهي السفر. "فالكيِّس الفطن (الموفق) هو الذي يجعَل كل مرحلة نُصْبَ عينيه، فيهتم بقطعها سالما غانما. فإذا قطعها جعل الأخرى نُصْبَ عيْنيه. ولا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه، ويَمْتَدَّ أمله، ويحضر بالتسويف والوعد والتأخير والمطل. بل يعدّ عمْرَه تلك المرحلة الواحدة. فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته. "فإذا تيقن قِصَرَها وسرعة انقضائها هان عليه العمل، فطوعت له نفسه الانقياد إلى التزوُّدِ. فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره استقبلها كذلك. فلا يزال هذا دأبه حتى يطوي مراحل عمره كلها. فيحمد سعيه، ويبتهج بما أعده ليوم فاقته وحاجته. فإذا طلع صبح الآخرة، انقشع ظَلاَمُ الدنيا، فحينئذ يحمد سُرَاهُ، وينجاب عنه كَراهُ. فما أحسن ما يستقبِلُ يومه وقد لاح صباحُه، واستبان فلاحه. قال الشيخ عبد القادر: "ويحك يا جاهل! بدل ما تشغل نفسك بالاعتراض، اشغلها بالسُّؤال من الحق عز وجل. شاغِلْها به حتى تذهب أوقات البلايا وتنطفئ نيران الآفات(...) "إذا تحيرت قل : يا دليلَ المتحيرين دُلني. إذا ابْتُليتَ وعجزت عن الصبر قل: إلهي أعِنِّي وصبِّرني واكشف عني. وأما إذا وصلت، وأُدْخِل قلبُك وقُرِّبَ منه، فلا سؤال ولا لسان! بل سكون ومشاهدة. تصير ضيفاً. والضيف لا يَتَشَهَّى، بل يُحْسِنُ الأدبَ، ويأكل ما يُقَدَّم له، ويأخذ ما يعطى. إلا أن يقال له: تشهَّ! فيتشهى امتثال أمر لا اختياراً منه. "السؤال عند البعد، والسكوت عند القرب. القوم لا يعرفون غير الحق عز وجل. تقطعت الأرباب عنهم، وانخلعت الأسباب من قلوبهم(...) . "من ادعى محبة الله عز وجل وطلب منه غيره فقد كذب في محبته. أما إذا صار محبوبا واصلا ضيفا مقربا فيقال له: اطلب وتشَهَّ وقل ما تريد فإنك مُمَكَّنٌ!(...) اطلبوا منه طيبة القلوب معه، فإنه يُوَسِّع طيبة القلوب على من يشاء، يُكثِر أرزاق القلوب على من يشاء". سكون ومشاهدة. تصير ضيفاً. والضيف لا يَتَشَهَّى، بل يُحْسِنُ الأدبَ، ويأكل ما يُقَدَّم له، ويأخذ ما يعطى. إلا أن يقال له: تشهَّ! فيتشهى امتثال أمر لا اختياراً منه. "السؤال عند البعد، والسكوت عند القرب. القوم لا يعرفون غير الحق عز وجل. تقطعت الأرباب عنهم، وانخلعت الأسباب من قلوبهم(...) . "من ادعى محبة الله عز وجل وطلب منه غيره فقد كذب في محبته. أما إذا صار محبوبا واصلا ضيفا مقربا فيقال له: اطلب وتشَهَّ وقل ما تريد فإنك مُمَكَّنٌ!(...) اطلبوا منه طيبة القلوب معه، فإنه يُوَسِّع طيبة القلوب على من يشاء، يُكثِر أرزاق القلوب على من يشاء". نسأل الله أن يرحمنا آمين