عدد المساهمات : 11 نقاط : 33 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 09/11/2013
موضوع: القبر و البرزخ الخميس نوفمبر 28, 2013 4:28 pm
القبر و البرزخ البرزخ هو المنزل الاَوّل للاِنسان بعد الموت، وقد صرّح القرآن على أنّ أمام الاِنسان بعد موته برزخ إلى يوم القيامة قال عزَّ من قائل: (وَمِنْ وَرائِهِمْ (1) بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . (2) ولكن الآية لا تدلّعلى وجود حياة في تلك الفاصلة، نعم هناك آيات يستفاد منها وجود حياة واقعية للاِنسان في تلك النشأة نأتي ببعضها: 1. قال تعالى: (قالُوا رَبَّنّا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَينِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَل إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبيلٍ) . (3) وهذه الآية تحكي عن تحقيق إحياءَين وإماتتين إلى يوم البعث، والظاهر أنّ (1) الوراء في الآية بمعنى الاَمام كما في قوله سبحانه وَكانَ وَراءهم مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصْباً) (الكهف|79) . (2) الموَمنون:100. (3) الموَمن: 11. (432) المراد ما يلي: الاِماتة الاَُولى هي الاِماتة عن الحياة الدنيا. والاِحياء الاَوّل هو الاِحياء في البرزخ، وتستمرّ هذه الحياة إلى نفخ الصور الاَوّل. والاِماتة الثانية، عند نفخ الصور الاَوّل، يقول سبحانه: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الاََرْض). (1) والاِحياء الثاني ، عند نفخ الصور الثاني، يقول سبحانه: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الاََجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) . (2) وتعدّد نفخ الصور يستفاد من الآيتين، فيترتّب على الاَوّل هلاك من في السماوات ومن في الاَرض، إلاّ من شاء اللّه، وعلى الثاني قيام الناس من أجداثهم، وفي أمر النفخ الثاني يقول سبحانه: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِفَجَمَعْناهُمْ جَمعاً) . (3) ويقول سبحانه: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتساءَلُونَ) . (4) واختلاف الآثار يدلّ على تعدّد النفخ. وعلى ضوء هذا فللاِنسان حياة بعد الاِماتة من الحياة الدنيا، وهي حياة برزخية متوسطة بين النشأتين. (1) الزمر:68. (2) يس:51. (3) الكهف:99. (4) الموَمنون:101. (433) 2. قوله سبحانه: (مِمّا خَطيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِأَنْصاراً) . (1) وهذه الآية تدلّ على أنّهم دخلوا النار بعد الغرق بلا فصل للفاء في قوله: (فأُدخلوا) ولوكان المراد هو نار يوم القيامة لكان اللازم الاِتيان بـ«ثمّ» أوّلاً، وارتكاب التأويل في قوله (فأُدخلوا) ، حيث وضع الماضي مكان المستقبل لاَجل كونه محقّق الوقوع، وهو خلاف الظاهر، ثانياً. 3. قوله سبحانه: (النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَونَ أَشَدَّ الْعَذابِ). (2) وهذه الآية تحكي عرض آل فرعون على النّار صباحاً ومساءً، قبل يوم القيامة، بشهادة قوله بعد العرض: (وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَة) ولاَجل ذلك، عبّر عن العذاب الاَوّل بالعرض على النّار، وعن العذاب في الآخرة، بإدخال آل فرعون أشدّ العذاب، حاكياً عن كون العذاب في البرزخ، أخفّ وطأً من عذاب يوم السّاعة. ثمّ إنّ هناك آيات تدلّ على حياة الاِنسان في هذا الحدّ الفاصل بين الدنيا والبعث، حياة تناسب هذا الظرف، تقدّم ذكرها عند البحث عن تجرّد النفس، ونكتفي هنا بهذا المقدار، حذراً من الاِطالة. وأمّا من السنّة، فنكتفي بما جاء عن الصادق _ عليه السلام _ ، عندما سُئِلَ عن أرواح الموَمنين، فقال: (1) نوح:25. (2) الموَمن:46. (434) «في حجرات في الجنّة، يأكلون من طعامها، ويشربون من شرابها، ويقولون ربّنا أتمم لنا السّاعة وأنجز ما وعدتنا». وسئل عن أرواح المشركين، فقال: «في النّار يعذّبون، يقولون لا تقم لنا السّاعة، ولا تنجز لنا ما وعدتنا».(1) السوَال في القبر وعذابه ونعيمه إذا كانت الحياة البرزخية هي المرحلة الاَُولى من الحياة بعد الدنيا، يظهر لنا أنّما اتّفق عليه المسلمون من سوَال الميّت في قبره، وعذابه إن كان طالحاً، وإنعامه إن كان موَمناً صالحاً، صحيح لا غبار عليه، وأنّ الاِنسان الحيّ في البرزخ مسوَول عن أُمور، ثمّ معذّب أو منعَّم. قال الصدوق في عقائده: «إعتقادنا في المساءلة في القبر أنّها حقّلابُدّ منها، ومن أجاب الصواب، فاز بروحٍ وريحان في قبره، وبجنّة النعيم في الآخرة، ومن لم يجب بالصواب، فله نُزُلٌ من حميم في قبره، وتصلية جحيم في الآخرة». (2) وقال الشيخ المفيد: «جاءت الآثار الصحيحة عن النبي أنّ الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم عن أديانهم، وألفاظ الاَخبار بذلك متقاربة، فمنها أنّ (1) البحار:6|169، باب أحوال البرزخ، الحديث 122؛ص 270، الحديث 126. (2) الاعتقادات في دين الاِمامية: 37، الباب 17. (435) ملكين للّه تعالى، يقال لهما ناكر ونكير، ينزلان على الميت فيسألانه عن ربّه ونبيّه ودينه و إمامه، فإن أجاب بالحقّ، سلّموه إلى ملائكة النعيم، وإن ارتجّ سلّموه إلى ملائكة العذاب. وفي بعض الروايات أنّ اسمي الملكين الذين ينزلان على الكافر: ناكر و نكير، و اسمي الملكين الذين ينزلان على الموَمن: مبشّر وبشير». إلى أن قال: «وليس ينزل الملكان إلاّ على حيّ، ولا يسألان إلاّ من يفهم المساءلة ويعرف معناها، وهذا يدلّ على أنّ اللّه تعالى يحيي العبد بعد موته للمساءلة، ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقّه، أو لعذاب إن كان يستحقّه». (1) وقال المحقّق الطوسي في التجريد: «وعذاب القبر واقع، للاِمكان، وتواتر السمع بوقوعه». وقال العلاّمة الحلي في شرحه: «نقل عن ضرار أنّه أنكر عذاب القبر، والاِجماع على خلافه». (2) والظاهر اتّفاق المسلمين على ذلك، يقول أحمد بن حنبل: «وعذاب القبر حقّ، يُسأل العبد عن دينه وعن ربّه، ويرى مقعده من النار والجنّة، ومنكر ونكير حق». (3) وقد نسب إلى المعتزلة إنكار عذاب القبر، والنسبة في غير محلّها، وإنّما المنكر (1) تصحيح الاعتقاد: 45ـ 46. (2) كشف المراد: المقصد 6، المسألة 14؛ ولاحظ إرشاد الطالبين:425. (3) السنّة: 47؛ ولاحظ الاِبانة للاَشعري:27. (436) واحدٌ منهم، هو ضرار بن عمرو، كما تقدّم، وقد انفصل عن المعتزلة، صرّح بذلك القاضي عبد الجبار المعتزلي . (1) هذا كلّه ممّا لا ريب فيه، إنّما الكلام فيما هو المراد هنا من القبر، والاِمعان في الآيات الماضية التي استدللنا بها على الحياة البرزخية، والروايات الواردة حول البرزخ، تعرب بوضوح عن أنّ المراد من القبر، ليس هو المكان الذي يدفن فيه الاِنسان، ولا يتجاوز جثَّته في السَّعة، وإنّما المراد منه هو النشأة التي يعيش فيها الاِنسان بعد الموت وقبل البعث، وإنّما كنّي بالقبر عنها، لاَنّ النزول إلى القبر يلازم أويكون بدءاً لوقوع الاِنسان فيها. والظاهر من الروايات تعلّق الروح بأبدان تماثلُ الاَبدان الدنيوية، لكن بلطافة تناسب الحياة في تلك النشأة، وليس التعلّق بها ملازماً لتجويز التناسخ، لاَنّ المراد من التناسخ هو رجوع الشيء من الفعلية إلى القوّة، أعني عودة الروح إلى الدنيا عن طريق النطفة، فالعلقة، فالمضغة إلى أن تصيرإنساناً كاملاً، وهذا منفي عقلاً وشرعاً، كما تقدّم، ولا يلزم هذا في تعلّقها ببدن ألطف من البدن المادي، في النشأة الثانية. قال الشيخ البهائي: «قد يتوهم أنّ القول بتعلّق الاَرواح، بعد مفارقة أبدانها العنصرية، بأشباح أُخر ـ كما دلّت عليه الاَحاديث ـ قولٌ بالتناسخ، وهذا توهم سخيف، لاَنّ التناسخ الذي أطبق المسلمون على بطلانه، هو تعلّق الاَرواح بعد خراب أجسادها، بأجسام أُخر في هذا العالم، وأمّا القول بتعلّقها في عالم آخر، بأبدان مثالية، مدة البرزخ، إلى أن تقوم قيامتها (1) شرح الاَُصول الخمسة:730. (437) الكبرى، فتعود إلى أبدانها الاَوّلية بإذن مُبدعها، فليس من التناسخ في شيء».(1) قال الرازي: «إنّ المسلمين يقولون بحدوث الاَرواح وردّها إلى الاَبدان، لا في هذا العالم، والتناسخية يقولون بقدمها، وردّها إليها، في هذا العالم، وينكرون الآخرة والجنّة والنار، وإنّما كُفّروا من أجل هذا الاِنكار». (2) نَفْخُ الصور إنّ الاِنسان الذي يعيش في هذا الكوكب، بالنسبة إلى المعارف الغيبية، كالجنين في بطن أُمّه، فلو قيل له إنّوراء الرحم أنجُماً وكواكب وشموساً وأقماراً، وبحاراً ومحيطاتٍ ، لا يفقه منها شيئاً، لاَنّها حقائق خارجة عن عالمه الضيّق، والاِنسان الماديّ القاطن في هذا الكوكب لا يفقه الحقائق الغيبية الموجودة وراء هذا العالم، فلاَجل ذلك لا مناص له من الاِيمان المجرّد من دون تعمق في حقيقتها، وهذا أصل مفيد جداً في باب المعاد، وعلى ذلك تبتني مسألة نفخ الصور، فما هو المراد من الصور، أهو شيء يشابه البوق المتعارف أو شيء غيره؟ وما هو المراد من النفخ؟ لا مناص لنا من الاعتقاد بوجوده وتحقّقه، وإن لم نتمكن من التعرّف على واقعيته، ومع ذلك فلابدّ أن تكون هناك حقيقة وواقعية، لها صلة بين نفخ الصور في هذا العالم، ونفخه في النشأة الاَُخرى. تدلّ الآيات على أنّ الاِنسان يعيش في البرزخ إلى أن يفاجئه نفخ الصور، فعند ذلك يهلك كلّمن في السماوات والاَرض إلاّمن شاء اللّه، يقول سبحانه: (1) بحا رالاَنوار:6|277. (2) نهاية العقول، للرازي، نقلاً عن البحار:6|278. (438) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الاََرْضِإِلاّمَنْ شاءَ اللّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرونَ) . (1) ففي النفخ الاَوّل موت كلّ ذي حياة في السماوات والاَرض، كما أنّ في النفخ الثاني، إحياءهم. يقول سبحانه: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِفَإِذا هُمْ مِنَ الاََجْداثِإِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) . (2) (1) الزمر:68. (2) يس: 51.