لما خلق الله تبارك وتعالى الخلائق عمد الى جعل التفاوت بينهم في معظم الأمور ليختبرهم على ما خولهم به من نِعَمٍ ويبتليهم على ما فوض اليهم من قابليات . فأوجب على الغنيّ مواساة الفقير بجزء من ماله ، وجعل في عنق العالم تعليم الجاهل وارشاد الضال وفرض على القوي نصرة الضعيف والدفاع عنه بما يستطيع ، وهكذا أوجب واجبات وفرض فرائض ، فمن امتثلها اجتاز الامتحان واستحق الثواب ومن قصر فيها عرّض نفسه للعقاب .
ثم عمد الى أمور جعلها في خانة النوافل ، فيها تهذيب للنفس وصلاح لشؤون الناس واستقامة أمورهم ، فحث اليها ورغّب فيها ، ووعد عليها الجزاء الوافي والأجر فوق الكافي ، كصلاة النوافل ، وحج بيت الله تعالى غير الحج الواجب ، وعيادة المريض ، واماطة الاذى عن طريق المسلمين ، وابتداء السلام ، واكرام الضيف ، وغيرها . كما جعل لبعض هذه النوافل من الأجر أكثر من غيره مثلا جعل الحج المستحب خير من الصدقة المستحبة فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" صلاة فريضة أفضل من عشرين حجة، وحجة خير من بيت من ذهب يتصدق به حتى لا يبقى منه شيء "(1)
فجعل للحج مرتبة أعلى من الصدقة وأن كانت النفقة في الصدقة أكبر وأكثر ،وجعل من النوافل ما هو أفضل مرتبة وأعلى رتبة من الحج ألا وهو قضاء حاجة المؤمن وذلك لما في قضاء حاجة المؤمن مضافاً لإدخال السرور والفرح على قلب المؤمن وتفريج همّه من رصٍّ لصفوف المؤمنين وسبباً في تآلفهم وتكاتفهم وبالتالي تقارب لأفراد المجتمع الاسلامي وصونه من التمزق والتفكك فالضياع والانحلال ، فيبقى المجتمع بالتعاون قوياً ، وتبقى هيبة الاسلام حاضرة في نفوس مناوئيه فلا يقربه الأعداء اذا اذا دبّ في جسده الضعف والوهن .
عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال:
" من طاف بهذا البيت طوافاً واحداً كتب الله عزّ وجلّ له ستة آلاف ، حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة ، ورفع الله له ستة آلاف درجة ، حتى إذا كان عند الملتزم(2) ، فتح الله له سبعة أبواب من أبواب الجنة "
قلت له: جعلت فداك هذا الفضل كله في الطواف؟
قال(عليه السلام): " نعم وأخبرك بأفضل من ذلك ، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف " حتى بلغ عشراً (3)
وعن إبراهيم الخارقي قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول:
"من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى تقضى له كتب الله عزّ وجلّ له بذلك مثل أجر حجة وعمرة مبرورتين وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام .
ومن مشى فيها بنية ولم تقض كتب الله له بذلك مثل حجة مبرورة، فارغبوا في الخير "(4)
وعن أبي عبدالله (عليه السلام) يقول:
« سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحبّ الناس إلى الله؟ قال(صلى الله عليه وآله) :
" أنفع الناس للناس " »(5)
ومن هنا نقول أن العبادة ليست بكثرة الصلاة وكثرة الصيام والانفاق والحج الاعتمار فقط ، بل هناك اعمال أخرى توازيها أو ربما تفوقها في الأجر ، رغم كون هذه الأعمال أقل مؤونة ، وقد نكون نحن في غفلة عنها ومن قضاء حاجة المؤمن . وينبغي الإلتفات الى أمر مهم وهو أن الروايات لم تقيّد حاجة المؤمن بالحاجات الصعبة أو الكبيرة وانما أطلقت الكلام في هذا المقام فكما يمكن صدق حاجة المؤمن على الدَّين الكبير مثلا كذلك يمكن صدقها الدَّين اليسير بل يمكن ان تصدق على كسوة المؤمن واشباع جوعته وريّ عطشه اذا كان ذلك المؤمن محتاجا لها ، أو ربما يصدق حتى على حمل متاعه ولو لمسافة محدودة في سوق او شارع أو مستشفى أو وتصدق على مساعدة ضرير أو معاق أو طفل أو كبير في السن على عبور الشارع أو غيرها . فكل ذلك من مصاديق قضاء حاجة المؤمن فلمَ لا نبادر اليها ، ونتسابق فيها .
___________________________________________ (1)وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي - (11 / 114) (2) أي المستجار، مقابل باب الكعبة، سمى به لانه يستحب التزامه والصاق البطن به. (3) الكافي للشيخ الكليني - (ج 2 / ص 195) (4) نفس المصدر السابق (5) وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي - (16 / 342)