علاقةالتوسل بالدعاء
إن التوسل برسولالله (ص) بالروايات الصحيحة لا تتنافى مع منطوق الآيات القرآنية التي تحدد مساردعاء الداعي وتجعله مرتبطا بالله تعالى فقط لآنه القادر في استجابة دعوة الداعيوغيره فقير لا يستطيع ذلك مهما كانت منزلته ذاتيا . قال تعالى{وَقَالَ رَبُّكُمُادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَجَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}([1]) . وقال تعالى {وَإِذَاسَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِفَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }([2])لأن مفهوم التوسلبرسول الله (ص) لا يعني أن الطلب منه مباشرة وبصورة مستقلة من دون الله تعالى بليعتبر شرط من شروط تحقق الدعاء أو من آداب الدعاء وهذا ما دل عليه الدليل من السنةالمشرفة {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوااللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }([3]) ونحن نعلم ان جميعالعبادات في الدين الإسلامي تحتوي في مقدمتها على آداب وشروط تحقق صحتها وقبولهامن الله جل وعلا , وعلى سبيل المثال لا الحصر آداب وشروط السفر والمائدة والتخليوهذه الآداب والشروط حددها المشرع وجعله ضمن ميزان الوجوب والاستحباب والحرمةوالكراهة حتى يضفي على تلك العبادة درجة انضباط ترتقي من خلالها مرتبة إلى الصحةوالقبول والكمال وكذلك باقي العبادات مثل الصلاة والصيام والخمس والحج .... الخ .لذلك لا يوجد تنافيأو تعارض بين ما جاء في الآيات القرآنية التي تربي المسلم على ثقافة الطلب من اللهوحده دون سواه والاتكال علية والاستعانة به في كل عمل وحاجة وبين السنة النبويةالتي تبين للداعي شروط وآداب الدعاء كي تتحقق الاستجابة منه تعالى ضمن ضوابط وشروطوآداب حددها الرسول (ص) لأنه المبين لذلك كله وهذا ما أكدته الآية المباركة {بِالْبَيِّنَاتِوَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْوَلَعَلَّهُمْ تَفَكَّرُونَ}([4]) . وهذا بدا واضحا فيحديث الأعمى الذي طلب منه الدعاء حتى تشفى عينيه . فما كان منه (ص) إلا علمه شروطوآداب الدعاء الذي من خلاله يتحقق القرب الإلهي الذي تنصهر معه كل العوارض فيتحقيق المراد الذي يقصده العمى . - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْأَبِى جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَارَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَبْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلاً ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليهوآله وسلم- فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِى. قَالَ « إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُلَكَ وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ فَهُوُ خَيْرٌ ». فَقَالَ ادْعُهُ. فَأَمَرَهُأَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَاالدُّعَاءِ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍنَبِىِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّى فِى حَاجَتِىهَذِهِ فَتُقْضَى لِى اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِىَّ ». وعلى ما تقدم أنالدعاء يكون طلب من الله تعالى اسمه وحده لا شريك له لأنه هو الغني والقادر علىاستجابة طلب الداعي تفضلا منه على عبادةيعطيهم دون استحقاق منهم بل تفضل منه ونعمة .ولكن ضمن ما جاء بالسنة من آداب وشروطللدعاء كما جاء في متن الرواية الصحيحة السند عند جميع المسلمين أن الوسيلة أوالتوسل بذات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) هو الطريق الصحيح لتحقيق المرادمن الدعاء وبعكسه يكون مخالف لقوله تعالى في الآية (7) من سورة الحشر المتقدمة , وكذلك بقية العبادات التي تعتمد في صحتها علىتلك الأمور لأنها هي المدخل في صحة العمل العبادي وبدونها تكون العبادة فارغةوناقصة المحتوى ولا تحقق المراد أو المطلوب من الدعاء. قال تعالى:{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَإِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَعَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }([5]) الإسراء57والوسيلة هنا تعنيالواسطة ما بين العبد وربه وخير تلك الوسائط هو محمد وآله عليهم أفضل الصلاةوالسلام . ولو تأملنا جيدا في البعد التكويني والتشريعي للدين وخلق السموات والأرضنجد أن الوسيلة لها وجود تلازمي في كل أبعاده ومن هنا نستطيع أن نقول أن الوسيلةنظام تكويني جُبلَ عليه الوجود العام في عالم الأمكان بما فيها قوس النزول والصعودومن مصاديقها النبوة والأمامة والدليل على هذا واضح من خلال أحاديث كثيرة نصتعليها السنة الشريفة ومنها ما قاله الرسول الأكرم إلى جابر بن عبد الله الأنصارعندما سأله عن أول خلق الله فأجابه صلى الله عليه وآله بقوله (نور نبيكم ثم خلقمنه كل خير (( بالمعنى )) وكذلك عندما قال لأحد سائليه فأجاب(صلى الله عليه وآله))كنت نبيا عندما كان آدم بين الروح والجسد(([6])والأمر ألآخر قول المعصوم عليه السلام لولا الحجةلساخت الأرض .
[1]- سورة غافر60
[2]- سورة البقرة186
[3]- سورة الحشر7
[4]- سورة النحل44
[5]- سورة الاسراء -57
[6]- شرح أصول الكافي – ج 7 – ص 165- بحار الأنوار ج 16 – ص402