لعل البعض من الأخوة القراء الكرام يستغرب مني على اختيار هذا العنوان لهذا الموضوع .
ولكني رأيت أن بعض الناس عندما يُذكر لهم الموت وسكراته وما بعده من مراحل وعقبات يمر بها الانسان ، نراهم يتضايقون من هذا الكلام ولا يرغبون في سماعه وكأن الأمر لا يعنيهم أو أن الكلام ليس في محله وأن وقته لم يحن بعد !!!
لذا فاني أوجه الكلام الى نفسي أولاً والى هؤلاء الغافلين الذين يصكّون آذانهم ولا يرغبون في سماع الحقيقة المرة ولا يريدون رؤية اليقين المحتوم ، فأقول :
ليس منا - الا ما ندر - من لم تمر به مأساة فقدان حبيب ما أحبائه أو عزيز من أعزاءه ، فيصيبه جراء ذلك الحزن ، وتتألم نفسه لما حل به فيذرف لذلك الدموع وينفث الحسرات ويطلق الانات والآهات
ولعل الفقيد الذي فقده أحدنا قد امضى اغلب حياته بالطاعات والأعمال الصالحة ، فنتأمل أن يكون مصيره الى الجنة برحمة ربه ورأفته تبارك وتعالى ، ولكن ومع ذلك يصيبنا الوجد وتخيم علينا الكآبة ونحزن لفقده
ومهما تكن قرابة هذا الشخص الفقيد ومعزته عند من فقده ولكنها لا تصل الى قرابة الانسان من نفسه واعتزازه بها وخوفه عليها وحرصه على أن ينعّمها بكل ما يستطيع من نعم الدنيا المباحة ، ويرغب في نيل كل وسائل الراحة التي يستطيع الوصول اليها .
ولكن نرى الانسان يحزن على مصير غيره ولا يستعد لمصيره الذي هو لاقيه حتماً فكأن الحياة والخلود قد كتبا له وأن الموت كتب على غيره !!!
أ ليس الأجدر بالمرء ان رأى ميتاً محمولاً الى مثواه الأخير - وما أكثر هذا المنظر في هذه الأيام - أن يكون حريصاً على نفسه كحرصه على غيره فيبادر الى تهذيب نفسه وحملها على السير في جادة الحق ؟!
أ ليس من المهم للانسان أن يراجع حساباته ويفكر في مصيره وعاقبته ويجتهد ويسعى الى تفريغ ذمته من حقوق العباد والحقوق الالهية فلعل الموت قريب منه كظله أو أقرب ؟!
هل فكر أحدنا عند حضوره مراسم تشييع جنازة أنه سيأتي يوم يكون هو المحمول ؟!
قال الشاعر :
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته *** يوماً على آلة حدباء محمول
وعلى ذكر ملك الموت لنسمع ما يقوله ملك الموت ويخاطب به الأحياء قبل الأموات
نقل العلامة المجلسي في البحار ، قال :
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « دخل رسول الله (صلى الله عليه واله) على رجل من أصحابه وهو يجود بنفسه فقال(صلى الله عليه واله):
" يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن "
فقال[اي ملك الموت]: أبشر يا محمّد فإني بكلّ مؤمن رفيق، واعلم يا محمّد إني أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله
فأقوم في ناحية من دارهم فأقول:
(( ما هذا الجزع فوالله ما تعجّلناه قبل أجله، وما كان لنا في قبضه من ذنب، فإن تحتسبوه وتصبروا تؤجروا، وإن تجزعوا تأثموا وتوزروا،
واعلموا أن لنا فيكم عودة ثم عودة، فالحذر الحذر ! إنه ليس في شرقها ولا في غربها أهل بيت مدر ولا وبر إلا وأنا أتصفّحهم في كل يوم خمس مرات، ولأنا أعلم بصغيرهم و كبيرهم منهم بأنفسهم
ولو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتى يأمرني ربي بها ))
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) :
" إنما يتصفّحهم في مواقيت الصّلاة، فإن كان ممن يواظب عليها عند مواقيتها لقّنه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول الله، ونحّى عنه ملكُ الموت إبليس " »
بحار الأنوار - (6 / 169)
فاذا كان ملك الموت يتصفّحنا في كل يوم خمس مرات فماذا لا نتصفّح في صحائف أعمالنا ولا ننظر في كتبنا ؟؟؟!!!