الإحساس بالمسؤولية، والنظر إلى المرأة بأنها أمانة الله تعالى في الأرض :
إذا نظرنا إلى الزوجة على أنها أمانة إلهية، وعلى أنها أسيرة بأيدينا، وعلى أن المرأة لا خيار لها بالزواج بعد الزواج الأول، فالرجل له خياراته، ولكن المرأة بحسب الشريعة لا خيار لها.. بعض الأوقات تضطر المرأة أن تعيش في زاوية محشورة، لا ترضى بأن تبقى متألمة بما هي فيه، من دون أن تفكر في حياة بديلة، فتتحول إلى عصفورة في القفص.. ومن هنا ينبغي أن نقدر هذه الحالة، بأن المرأة لا مفر لها من الحياة الزوجية..
وكم من القبيح أن يستغل الرجل هذا الجانب، عندما يرى أن زوجته مجبرة على العيش معه، وبالتالي تصبح هذه الحالة أداة ابتزاز بيد الرجل، لأنه يعلم بأن هذه المرأة لا خيار لها في الحياة!.. والحال بأن هذه الدنيا تنقضي، ويأتي ذلك اليوم الذي يخاطب رب العالمين عبده قائلاً: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}، وفي آية أخرى صريحة يقول: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.. في جوف الليل وخلف الأبواب المغلقة، حيث لا أهل ولا أرحام ولا عشيرة، والرجل يظن بأنه قد استفرد بزوجته، والحال بأن الله عزوجل يسمع التحاور، لا سمعاً مجرداً، بل سمعاً مراقِباً ومنتقِماً أو مثيباً.. ينتقم للمظلوم، ويجازي الذي يرفع الظلامة.. فإذن، إن هذه الآية:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} من الآيات المخيفة في القرآن الكريم، ولو اعتقدنا بهذا المضمون اعتقاداً حقيقياً، لانقلب نمط الحياة في التعامل الزوجي.روي عن النبي (ص) أنه قال
أقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحسنكم أخلاقاً، وخيركم لأهله.. وأنا ألطفكم بأهلي)
أقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحسنكم أخلاقاً..): نلاحظ هنا أن النبي (ص) لم يذكر عالم الأوراد، ولم يذكر الأدعية، ولم يذكر العبادات المجردة من تطبيق في ساحة الحياة، وإنما قال: (أحسنكم أخلاقاً).. إن هناك معنى ساذجا خاطئا للخلق الحسن بين الناس، وهو أنهم يحصرون الخلق الحسن بالابتسامة، وبالمزاح الكثير، وبحالة التهريج.. ولكن الحقيقة أن المراد بحسن الخلق هنا، هو الحالة الجامعة، بمعنى أن يكون الإنسان مستقيماً في كل حركاته الباطنية.. حيث أن للإنسان حركات في الظاهر، وحركات في الباطن: ميلاً، وحباً وبغضاً، وانجذاباً وابتعاداً؛ فكل هذه الحركات الباطنية لابد وأن تكون منسجمة مع رضا الخالق. (وأنا ألطفكم بأهلي): من المعلوم بأن رسول الله (ص) لم يتزوج من الطبقة العليا من المسلمات.. فالنبي (ص) لم يتزوج قمة النساء المؤمنات في عصره، ومع ذلك نلاحظ بأن خلق النبي (ص) مع زوجاته على اختلاف مراتبهن، كان هو الخلق المثالي صبراً وتحملاً.. والنبي (ص) هو الذي كان يعيش في ساعات تحليقاً مع الله عزوجل، لا تحليقاً مجرداً، وإنما كان في معراج متكرر، ويرجع من عند رب العالمين ليعاشر الناس على اختلاف أمزجتهم كأعراب البادية، ويتحمل بعض التصرفات الصادرة من الصحابة ومن المقربين للنبي (ص).. لقد كان النبي (ص) يعيش حالة التأقلم مع كل هذه الحالات، رغم أنها ثقيلة على طبعه وعلى مزاجه. فإذن، إن الذي يريد أن يضفي على حياته الزوجية عنصراً ثابتاً، لا يتغير مع مرور الزمان؛ فلينظر إلى زوجته على أنها أمانة الله بيده، ومخلوقة لله.. وليعلم بأن أشد المدافعين عن المرأة لا هو أبوها ولا أمها، إنما أشد المدافعين عن هذه المخلوقة هو ربها الذي خلقها وأحسن خلقها.. وخاصةً إذا كانت المرأة متفوقة إيمانياً، لها صلتها بربها، ولها حالاتها، ولها عبادتها.. فإن هذه الزوجة قد ينتصر لها الله عزوجل، كما هو دأبه في الانتصار للذين لا ناصر لهم إلا الله.
( الشيخ حبيب الكاظمي )