مراتب الاِيمان
إذا كان الاِيمان هو العلم بالشيء مع الالتزام به بحيث تترتب عليه آثاره العملية، وكان كل من العلم والالتزام مما يزداد وينقص ويشتد ويضعف، كان الاِيمان المؤلف منهما قابلاً للزيادة والنقيصة والشدة والضعف، فاختلاف المراتب وتفاوت الدرجات من الضروريات التي ينبغي أن لايقع فيها اختلاف. هذا ماذهب إليه الاَكثر، وهو الحق. ويدل عليه من النقل قوله تعالى: (ليزدَادُوا إيماناً مع إيمانِهِم) وغيره من الآيات.
كما ورد في أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام الدالة على أنّ الاِيمان ذو مراتب (1).
كالذي رواه عبدالعزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: «ياعبدالعزيز أنّ الاِيمان عشر درجات بمنزلة السلَّم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولنَّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتى ينتهي إلى العاشر» (2).
وكذلك ما ورد عن الاِمام الصادق عليه السلام أنه قال: «الاِسلام درجة
والاِيمان عن الاِسلام درجة. واليقين على الاِيمان درجة. وما أوتي الناس أقلَّ من اليقين» (3).
وعن أبي عمرو الزبيدي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: «.. الاِيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه، ومنه الناقص البيّن نقصانه، ومنه الراجح الزائد رجحانه، قلت: إنَّ الاِيمان ليتم وينقص ويزيد ؟ قال عليه السلام: نعم.. قلت:.. فمن أين جاءت زيادته ؟ فقال عليه السلام: قول الله عزَّ وجلَّ: (وإذا ما أُنزلت سُورةٌ فمنهُم من يقُولُ أيُّكُم زادتُهُ هذه إيماناً فأمَّا الَّذينَ آمنُوا فزادتهُم إيماناً وهُم يستبشرُونَ * وأمّا الَّذينَ في قُلوبِهِم مرضٌ فَزَادتهُم رجِساً إلى رِجسِهِم) (4).
وقال: (نحنُ نقُصُّ عليكَ نبأهُم بالحقِ إنّهُم فتيةٌ آمنُوا بربّهِم وزدناهُم هُدىً) (5). ولو كان واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاَحد منهم فضل على الآخر ولاستوت النعم فيه ولاستوى الناس وبطل التفضيل، ولكن بتمام الاِيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الاِيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرّطون النار» (6).
ومن كلِّ ما تقدم تبين أنّ الاِيمان له مراتب ودرجات متفاوتة بتفاوت العلم والمعرفة والعمل الصالح، والناس يختلفون تبعاً لذلك قال تعالى: (هُم درجاتٌ عندَ اللهِ واللهُ بَصيرٌ بما يَعمَلُونَ) (7).
وروى الفضيل بن يسار عن الاِمام الرضا عليه السلام قوله: «إنَّ الاِيمان أفضل من الاِسلام بدرجة، والتقوى أفضل من الاِيمان بدرجةٍ، ولم يُعط بنو آدم أفضل من اليقين» (
.
ولا شكّ أنّ أكثر الخلق إيماناً بالله تعالى هم الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام، لاَنهم صفوة الخلق من العباد، ثم يليهم رتبة من خلص لله سراً وعلانية.
ومنهم دون ذلك، يقول الاِمام الصادق عليه السلام: «إنَّ الاِيمان عشر درجات بمنزلة السلّم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة.. وكان المقداد في الثانية، وأبو ذر في التاسعة، وسلمان في العاشرة» (9).
ومنهم من عصفت بهم موجة الشك في أوقات الشدّة والعسر.
ولا بدَّ من التنويه على أنّ الترقي الممدوح هو أن يرتفع المؤشر البياني للاِيمان؛ لاَنّ كل هبوط فيه إنّما هو نتيجة الشك أو الشبهة مما يكسب ذلك صاحبه المذمة والملامة ويبعده عن ساحة الحق تعالى.
عن الحسين بن الحكم قال: كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام ـ الاِمام الكاظم ـ أُخبره إنّي شاك وقد قال إبراهيم عليه السلام: (... ربِّ أرِنِي كيفَ تُحيي الموتى) (10) وإنّي أحبُّ أن تريني شيئاً، فكتب عليه السلام: «إنّ إبراهيم كان مؤمناً وأحبَّ أن يزداد إيماناً وأنت شاك والشاك لا خير فيه...» (11).
____________
(1) تفسير الميزان 18: 259. والآية من سورة الفتح 48: 4.
(2) اُصول الكافي 2: 45 | 2 كتاب الاِيمان والكفر باب آخر من درجات الاِيمان.
(3) تحف العقول: 358.
(4) سورة التوبة 9: 124 ـ 125.
(5) سورة الكهف 18: 13.
(6اُصول الكافي 2: 33، 37 | 1 كتاب الاِيمان والكفر.
(7) سورة آل عمران 3: 163.
(
تحف العقول: 445.
(9) الخصال، للشيخ الصدوق: 448 / 87 باب العشرة.
(10) سورة البقرة 2: 260.
(11) اصول الكافي 2: 399/ 1 كتاب الايمان والكفر.