[مسألة 918] لو احتمل ارتداع الفاعل بالوعظ والقول اللين, تعين ذلك ولم يجز التعدي عنه. ولو علم عدم تأثيره وجبت الزيادة عليه، ويجب الاقتصار على الأيسر مهما أمكن, ولا يجوز التعدي إلى غيره، ولا سيما إذا كان فيه هتك الفاعل.
[مسألة 919] لو توقفت هذه الوظيفة على غلظة القول والتشديد والتهديد على المخالفة, جازت بل وجبت، بشرط ان لا يكون فيه كذب ولا فحش ولا إهانة.
[مسألة 920] لو فرض تساوي بعض مصاديق المرتبة الأولى, وهي الأعراض عن الفاعل مع بعض مصاديق المرتبة الثانية, وهي تنبيهه لم يتخير بينهما، بل يجب عليه اختيار الأخف والأقل, وكذلك القول في تساوي اية مرتبتين للامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[مسألة 921] لو احتمل التأثير وحصول الردع بالجمع بين بعض درجات المرتبة الأولى والثانية, أو اية مرتبتين, أو بالجمع بين كل درجاتهما, وجب ذلك بما أمكن.
[مسألة 922] لو توقف دفع منكر أو إقامة معروف أو إنقاذ حق، على الرجوع إلى ظالم أو الترافع إليه، وجب، ووجبت عليه الإجابة بصفته مشمولا لوجوب هذه الوظيفة الشرعية.
[مسألة 923] لو كان يحصل الردع بالمرتبة الدانية من شخص, وبالمرتبة التي فوقها من شخص آخر، فالظاهر وجوب ما هو تكليف كل منهما على نفسه,وان كان الاحوط[ ] اتفاقهما على تصدي ذي المرتبة الدانية للامر أو النهي.
[مسألة 924] لو كان إنكار شخص مؤثرا في تقليل الفاعل للمنكر, وكان إنكار الآخر ؤثرا في ردعه تماما.وجب على كل منهما القيام بتكليفه.لكن لو قام الثاني بتكليفه، واقلع الفاعل عن المنكر, سقط عن الآخر بخلاف العكس.
[مسألة 925] لو علم إجمالا بان الإنكار بإحدى مرتبتين مؤثر,وجب اختيار المرتبة الأدنى,فان لم يحصل الردع انتقل إلى التي بعدها.
[مسألة 926] لو توقف الردع على التصرف في الفاعل أو في آلة فعله، كأخذ سكينه أو كأسه أو الاخذ بيده أو طرده,جاز بل وجب، مع الإمكان.
[مسألة 927] لو توقف الامر بالمعروف أو النهي عن المنكر، على وقوع ضرر على الفاعل اقتصاديا، ككسر كأسه أو سكينه، فلا يبعد الجواز، وان كان الاحوط[ ] الضمان. واما الضرر الذي لا تتوقف عليه هذه الوظيفة الشرعية، فلا إشكال في حرمته وضمانه. ولو وقع الضرر من الفاعل على الآمر أو الناهي اقتصاديا أو جسديا أو معنويا، كان معتديا وضامنا بلا إشكال.
[مسألة 928] لو توقف ردعه على حبسه في محله, ومنعه من الخروج من منزله, فاما ان يكون للمكلف الأشراف الشرعي عليه, كما لو كان ابا أو اما أو مربيا أو وصيا، جاز ذلك بل وجب,مراعيا للأيسر فالأيسر, وان لم يكن كذلك لم يجز القيام بذلك، الا في صورة كون التكليف الشرعي مهما جدا في نظر الشارع.
خاتمة
وفيها مطلبان :
المطلب الأول : في ذكر أمور هي من المعروف :
منها : الاعتصام بالله عز وجل. قال تعالى : ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم. وقال أبو عبد الله : أوحى الله عز وجل إلى داود :ما اعتصم بي عبد من عبادي، دون أحد من خلقي, عرفت ذلك من نيته, ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن, إلا جعلت له المخرج من بينهن.
ومنها : التوكل على الله عز وجل. قال سبحانه : ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وقال أبو عبد الله :الغنى والعز يجولان فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا.
اقول : المراد الغنى بالقناعة والعز بطاعة الله عز وجل.
ومنها : حسن الظن بالله عز وجل. قال أمير المؤمنين فيما قال : والذي لا اله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن. لان الله كريم بيده الخير يستحي ان يكون عبده المؤمن قد احسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه, فاحسنوا الظن بالله وارغبوا أليه.
ومنها : الصبر، وهو على أقسام : صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على البلاء. قال الله تعالى : إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب. وقال أيضا: فاصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تك في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.وقال رسول الله في حديث : واصبر فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا.واعلم ان النصر مع الصبر, وان الفرج مع الكرب، فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا.وقال أمير المؤمنين : لا يعدم الصبر الظفر وان طال به الزمان. وقال : الصبر صبران : صبر عند المعصية حسن جميل. واحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله تعالى عليك.
ومنها : العفة، قال أبو جعفر : ما عبادة افضل عند الله من عفة بطن وفرج. وقال أبو عبد الله : إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه رجاء ثواب ربه وخاف عقابه, فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر … .
ومنها : الحلم، وهو كظم الغيظ. قال رسول الله : ما اعز الله بجهل قط ولا اذل بحلم قط. وقال أمير المؤمنين : أول عوض للحليم على حلمه،ان الناس أنصاره على الجاهل. وقال الرضا : لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً.
ومنها : التواضع، قال الله تعالى :ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا، انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا.وقال رسول الله : من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله.ومن اكثر ذكر الموت احبه الله.
ومنها : أنصاف الناس ولو من النفس، قال رسول الله : سيد الأعمال أنصاف الناس من نفسك, ومواساة الأخ في الله تعالى على كل حال.
ومنها :اشتغال الإنسان بعيبه من عيوب الناس، قال رسول الله صلى الله عليه واله :طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين. وقال : ان أسرع الخير ثوابا البر، وان أسرع الشر عقابا البغي، وكفى بالمرء عيباً ان يبصر من الناس ما يعمى عنه في نفسه، وان يعير الناس بما لا يستطيع تركه، وان يؤذي جليسه بما لا يعنيه.
ومنها : إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر، قال الله تعالى: وما ابرىء نفسي ان النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربي. وقال سبحانه : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا.قال أمير المؤمنين : من اصلح سريرته اصلح الله تعالى علانيته.ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه ومن احسن فيما بينه وبين الله اصلح الله ما بينه وبين الناس.
ومنها : الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، قال أبو عبد الله : من زهد في الدنيا اثبت الله الحكمه في قلبه وانطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، واخرجه منها سالما إلى دار السلام. وقال رجل : قلت لابي عبد الله : انى لا القاك إلا في السنين فأوصني بشيء حتى آخذ به. فقال : أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد, واياك ان تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا. وقال تعالى : ولا تعجبك اموالهم ولا أولادهم. فان خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله فانما كان قوته من الشعير وحلواه من التمر ووقوده من السعف إذا وجده. وإذا اصبت في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله , فان الخلائق لم يصابوا بمثله قط.
المطلب الثاني : في ذكر بعض الأمور التي هي من المنكر.
منها : الغضب، قال رسول الله الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل. وقال أبو عبد الله : الغضب مفتاح كل شر. وقال أبو جعفر : ان الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار، فايما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فانه سيذهب عنه رجس الشيطان، وايما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه, فان الرحم إذا مست سكنت.
ومنها : الحسد، قال أبو جعفر وأبو عبد الله : ان الحسد لياكل الايمان كما تاكل النار الحطب.وقال رسول الله : ذات يوم لا صحابه : انه قد دب اليكم داء الامم ممن قبلكم، وهو الحسد, ليس بحالق الشعر ولكنه حالق الدين. وينجي فيه : ان يكف الإنسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على اخيه المؤمن.
ومنها : الظلم، قال أبو عبد الله : من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده. وقال : ما ظفر بخير من ظفر بالظلم.اما ان المظلوم ياخذ من دين الظالم اكثر مما ياخذ الظالم من مال المظلوم.
ومنها : كون الإنسان ممن يتقى شره. قال رسول الله : شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاءه شرهم. وقال أبو عبد الله : من خاف الناس لسانه فهو في النار. وقال : ان ابغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه.