رأيت الطلعة الرشيدة ... ولكن! نقل آية الله النهاوندي (قدس سرّه) في موسوعته العبقري الحسان عن العالم التقي الشيخ الجليل الميرزا عبد الجواد المحلاتي، قال: كان الشيخ محمد تقي القزويني يسكن في مدرسة الصدر في النجف الاشرف وقد بلغ مرتبة فذّة في العلم والعمل والتقوى والزهد بعد سبعة عشر عاماً من مجاورة مرقد مولى الموحدين (عليه السّلام) وكان يقول: منذ مدة وانا ادعو الله عزّ وجلّ، باستمرار لحاجة اذهب طلباً لقضائها الى حرم امير المؤمنين (عليه السّلام)، وحاجتي هي الفوز برؤية مولاي ولي العصر وبقية الله المهدي (ارواحنا فداه) وكنت اتضرع باستمرار الى ربي عزّ وجلّ، داعياً بدعاء: اللهم ارني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة. ويتابع الميرزا المحلاتي نقل هذه الحكاية التي يعود تاريخها الى اواسط القرن الهجري الرابع عشر، فيذكر ان الشيخ محمد تقي القزويني قد اصيب في غضون ذلك بمرض السّل، ولكن فقره لم يمكنه من الاسراع بمعالجته كما كان من الذي تحسبهم اغنياء من التعفف، ولذلك لم يظهر ما به لأحد. وطال المرض بالشيخ محمد تقي، وكان مرض السّل يومذاك من الامراض التي لا يرجى الشفاء منها، وهو من الامراض المعدية، ولذلك انتقل من حجرته الى مخزن المدرسة تجنبا للتلوث خاصة وان سعاله المتواصل امسى يخرج معه كثير من الدم، واشتدت حالته حتى عرف الجميع بمرضه ثم يئسوا من شفائه، لكنهم بعد ايام رأوه وقد استعاد عافيته بافضل مما كان عليهم، فعلموا ان الله عزّ وجلّ، قد من عليه بلطف وكرامة من عالم الغيب بعد ان عجزت الاسباب المألوفة عن علاجه! ولما الحوا في السؤال من الشيخ محمد تقي عما جرى قال: ساءت صحتي في احدى الليالي الى درجة فقدت معها القدرة على الحركة والشعور بما حولي... وقبيل الفجر... شاهدت في عالم المعنى مولاي امير المؤمنين (عليه السّلام). فقال لي: اما المرض فقد عافاك الله منه. قلت: يا مولاي ... ان لي حاجة طالما دعوت الله في حرمك من اجل قضائها، فهل لها من سبيل. قال (عليه السّلام): تخرج غداً قبل طلوع الشمس الى وادي السّلام وتجلس على مرتفعه متوجهاً نحو جادة كربلاء، فسيأتي ولدي صاحب العصر من كربلاء ومعه اثنان من اصحابه، فسلم عليه واذهب معهم حيثما ذهبوا. وعندما انتبه الشيخ محمد تقي وعاد الى وعيه، تصور ان ما شاهده كان مجرد توهمات ناتجة من اشتداد حالته الصحية. قال (رضوان الله عليه): لكنني شعرت بتحسن صحتي بصورة عجيبة، ولم يعاودني السعال اصلاً، لم اكد اصدق ما ارى اولاً ... ثم قلت في نفسي: لقد تحقق الوعد الاول الذي وعدني به (عليه السّلام) وها انا قد عوفيت، ولا ريب ان وعده الثاني سيتحقق وسافوز برؤية الطلعة الرشيدة لمولاي صاحب الزمان روحي فداه وفي ذلك اعظم السعادة. اضاف هذا العالم الزاهد قائلاً: ذهبت في اول الصبح الى المحل الذي دلني عليه امير المؤمنين (عليه السّلام) وجلست حيث امرني متطلعاً الى جادة كربلاء ... ومع شروق الشمس رأيت ثلاثة رجال آتين يتقدمهم سيد يسير بهيبة ووقار وسكينة ... سيطرت عليّ هيبته وبهاؤه الى درجة لم استطع ان اقول له شيئاً عندما اقترب مني سوى ان اسلم عليه تابعته حتى دخل المقام المعروف باسم مقام الامام المهدي في وادي السّلام، ووقف صاحباه بكل ادب عند الباب ووقفت بالقرب منهما وهما صامتان... لكنني لم اطق صبراً على البقاء على تلك الحالة عندما ارتفعت الشمس، وقلت في نفسي: لأدخل المقام واتشرف بتقبيل قدمي مولاي... لكنني عندما دخلت المقام لم ار فيه احداً. ويتابع الشيخ الزاهد محمد تقي القزويني حديثه واصفاً حاله بعد ذلك بقوله: لقد اظلمت الدنيا في عيني، وبقيت الى المساء عند بحر النجف القديم تقطعني الحسرات وقررت ان ابقى هناك حتى اقضي نحبي... الى ان قادني التفكير الى انني لم اطلب اكثر من رؤيته (عليه السّلام) حيث كان دعائي هو فقط: اللهم ارني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة. ترى لو كان الشيخ الزاهد محمد تقي القزويني (رضوان الله عليه) قد صبر حتى يخرج الامام (عجلّ الله فرجه) كما فعل صاحباه، فماذا كان سيحصل عليه من البركات المهدوية؟