فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ومَنْ عَمِلَ صَلِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (الروم: 43-44) في آية من أوائل سورة الروم يبين ربنّا أنّ الإنسان يرى ظاهراً من الحياة الدنيا ويعني ذلك انه لا يرى العمق وانه لا يرى جميع الظواهر وإنما بعض الظواهر وهذا الجهل هو أساس مشكلة البشر ومن هنا كان احد أهداف الأنبياء أنهم يزيدون من علم الناس ويبينون لهم الحقائق . فهم يريدون أن يرفعوا من مستوى فهَم الإنسان لكي يكتشف بنفسه الحقائق لأن الدنيا هي مختصرة جداً إذا ما قيست بالآخرة ولذلك في الحديث عن لحظة موت الإنسان (كأن الدنيا لم تكن) ولو لم يصل الإنسان إلى الكمال في الدنيا فإنه لن يستطيع أن يصل إلى ذلك في الآخرة لأن الدنيا (سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون) والربح أو الخسارة بيد الإنسان نفسه ولكن الإنسان لا يعلم سوى ظاهر الحياة الدنيا.ما هي حقيقة الدنيا ؟
حقيقة الدنيا كما هي حقيقة أنفسنا إن الله خلق جنة فيها منتهى الفضائل والكمالات وفيها كل ما تشهتي الأنفس وخلق النارعلى طرف النقيض ففيها كل شر وكل عذاب وعقاب ثم اخذ ضغثاً من هذا وضغثاً من ذاك وخلطهما فصارت الدنيا بل وصرنا نحن .. فالذي يغلب نوره على ناره يكون من أهلا لجنة والذي يكون ناره أكثر من نوره يكون من أصحاب النار . فكل شيء في جوهره متكون من هذه الحقيقتين ولكن قد لا يميز الإنسان هذه عن تلك كيف؟
وضرب سماحته أمثلة للتوضيح: إليهما الفرد يحسب كأنهما مثل بعض ولكن حين يشتد الوطيس يتبين من يحارب من اجل الله والمبادئ ومن يحارب خوفاً من جور السلطان او طمعاً في جائزته يقول الله تعالى: (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ في فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فيسَبيلِ اللَّهِ وأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (13آل عمران) لأنهما ليست بحقيقية واحدة . تكون كضربة طفل يتيم وان كانت في الظاهرتتشابهان أو المال الذي يستحصله الإنسان من كد يمينه وعرق جبينه مع ما يأكله من أموالا ليتامى ظلماً . لأن الذي يأكل مال اليتيم ظلماً (إِنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعيراً) (10النساء)وهکذا الكلام قد يكون ذكراً لله فهونورٌ يخرج من فم الإنسان وقد يكون كذباً تفوح منه رائحة نتنة وهذه الأمور لا نراها ولكن لو أردنا فباستطاعتنا رؤيتها يقول ربنا ( من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون) ومعنى المهد هو تعديل الطريق للتقرب إلى الله وطريقه ذلك الذي كان أمير المؤمنين ينتهجه فيسهر في الليالي ليقول (آه آه من قلة الزاد ووحشة الطريق)هو نفس الطريق لكنه طويل و ينبغي علينا ان نمهده وطريق ذلك هو أن ننمي أنفسنا ففي البدء لا نعصي ومن ثم نكره المعصية لأننا ندرك أن المعصية تعني العقارب والثعبان والنار والعذاب ومن ثم يكون لدينا فرقاناً نميز به الصواب عن الخطأ وهكذا يكون للإنسان سير صعودي إلى أن يحصل على الفراسة وقد جاء في الحديث (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) ومن ثم يحصل عنده (علم البلايا والمنايا) تعالوا إخواني لنستفيد من أيام الدنيا لكي ننمي أنفسنامعنوياً (اللهم ارزقني التجافي عن دار الغرور) وهناك أشخاص رغم أنهم في الدنيا إلا أنهم يعيشون في الآخرة وذلك لأنهم سلكوا هذا الطريق. آية الله محمد تقي المدرسي