عدد المساهمات : 38 نقاط : 114 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 09/10/2013
موضوع: لبغوا في الأرض.. الخميس أكتوبر 10, 2013 3:53 pm
و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض
«و لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزل بقدر ما يشاء أنه بعباده خبير بصير» سورة الشورى
القدر مقابل البسط معناه التضييق و منه قوله السابق: «يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر» و القدر بفتح الدال و سكونها كمية الشيء و هندسته و منه قوله: «و لكن ينزل بقدر ما يشاء» أو جعل الشيء على كمية معينة و منه قوله: «فقدرنا فنعم القادرون» و البغي الظلم، و قوله: «بعباده» من وضع الظاهر موضع الضمير، و النكتة فيه الإشارة إلى بيان كونه خبيرا بصيرا بهم و ذلك أنهم عباده المخلوقون له القائمون به فلا يكونون محجوبين عنه مجهولين له، و كذا قوله السابق: «لعباده» لا يخلو من إشارة إلى بيان إيتاء الرزق و ذلك أنهم عباده و رزق العبد على مولاه.
و معنى الآية: و لو وسع الله الرزق على عباده فأشبع الجميع بإيتائه لظلموا في الأرض - لما أن من طبع سعة المال الأشر و البطر و الاستكبار و الطغيان كما قال تعالى: «إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى»: العلق: 7 - و لكن ينزل ما يشاء من الرزق بقدر و كمية معينة أنه بعباده خبير بصير فيعلم ما يستحقه كل عبد و ما يصلحه من غنى أو فقر فيؤتيه ذلك.
ففي قوله: «و لكن ينزل بقدر ما يشاء» بيان للسنة الإلهية في إيتاء الرزق بالنظر إلى صلاح حال الناس أي إن لصلاح حالهم أثرا في تقدير أرزاقهم، و لا ينافي ذلك ما نشاهد من طغيان بعض المثرين و نماء رزقهم على ذلك فإن هناك سنة أخرى حاكمة على هذه السنة و هي سنة الابتلاء و الامتحان، قال تعالى: «إنما أموالكم و أولادكم فتنة»: التغابن: 15، و سنة أخرى هي سنة المكر و الاستدراج، قال تعالى: «سنستدرجهم من حيث لا يشعرون و أملي لهم إن كيدي متين»
فسنة الإصلاح بتقدير الرزق سنة ابتدائية يصلح بها حال الإنسان إلا أن يمتحنه الله كما قال: «و ليبتلي الله ما في صدوركم و ليمحص ما في قلوبكم»: آل عمران: 154 أو يغير النعمة و يكفر بها فيغير الله في حقه سنته فيعطيه ما يطغيه، قال تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»: الرعد: 11.
و كما أن إيتاء المال و البنين و سائر النعم الصورية من الرزق المقسوم كذلك المعارف الحقة و الشرائع السماوية المنتهية إلى الوحي من حيث إنزالها و من حيث الابتلاء بها و التلبس بالعمل بها من الرزق المقسوم.
فلو نزلت المعارف و الأحكام عن آخرها دفعة واحدة - على ما لها من الإحاطة و الشمول لجميع شئون الحياة الإنسانية - لشقت على الناس و لم يؤمن بها إلا الأوحدي منهم لكن الله سبحانه أنزلها على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) تدريجا و على مكث و هيأ بذلك الناس بقبول بعضها لقبول بعض، قال تعالى: «و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث»:
و كذا المعارف العالية التي هي في بطون المعارف الساذجة الدينية لو لم يضرب عليها بالحجاب و بينت لعامة الناس على حد الظواهر المبينة لهم لم يتحملوها و دفعته أفهامهم إلا الأوحدي منهم لكن الله سبحانه كلمهم في ذلك نوع تكليم يستفيد منه كل على قدر فهمه و سعة صدره كما قال في مثل ضربه في ذلك: «أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها»:
و كذلك الأحكام و التكاليف الشرعية لو كلف بجميعها جميع الناس لتحرجوا منها و لم يتحملوها لكنه سبحانه قسمها بينهم حسب تقسيم الابتلاءات المقتضية لتوجه التكاليف المتنوعة بينهم.
فالرزق بالمعارف و الشرائع من أي جهة فرض كالرزق الصوري مفروز بين الناس مقدر على حسب صلاح حالهم.