عدد المساهمات : 25 نقاط : 77 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 10/11/2013
موضوع: للهجرة الى العراق الأحد نوفمبر 10, 2013 12:44 am
لدافع الواقعي للهجرة الى العراق
رغم انّ الدافع الظاهري لهجرته (ع) إلى العراق كانت رسائل أهل الكوفة ورسلهم حتى أنّ الإمام احتجّ بها عندما واجه الحر بن يزيد الرياحي وعمر بن سعد عندما سألاه عن سرّ مجيئه الى العراق فقال: «كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم» . إلاّ ان السر الحقيقي لهجرته (ع) رغم إدراكه الواضح لما سيترتب عليها من نتائج خطرة ستؤدي بحياته الشريفة، وهو ما وطّن نفسه (ع) عليه، يمكن إدراكه من خلال الاستقراء الشامل لمسيرة حياته وكيفية تعامله مع مجريات الأحداث. انّ الأمر الذي لا مناص من الذهاب إليه هو إدراك الإمام (ع) ما يشكله الإذعان والتسليم لتولّي يزيد بن معاوية خلافة المسلمين رغم ما عُرف عنه من تهتك ومجون وانحراف واضح عن ابسط المعايير الإسلامية، وفي هذا مؤشّر خطر عن عظم الانحراف الذي أصاب مفهوم الخلافة الإسلامية، وابتعادها الرهيب عن مضمونها الشرعي.
ومن هنا فكان لابد من وقفة شجاعة تعيد للأمّة جانباً من رشدها المضاع وتفكيرها المسلوب. إنّ الإمام الحسين (ع) قد أعلنها صراحة بقوله لما طالبه مروان بن الحكم بالبيعة ليزيد، حيث قال: « فعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد» كما عرفت سابقاً.نعم إنّ رسول الله (ص) قال: «صنفان من أُمّتي إذا صلحا صلحت أمّتي وإذا فسدا فسدت أُمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ فقال: الفقهاء والأمراء» فإذا كان صلاح الأمة وفسادها رهن صلاح الخلافة وفسادها، فقيادة مثل يزيد لا تزيد الأمر إلاّ عيثاً وفساداً.
إنّ القيادة الإسلامية بين التنصيص والشورى، ولم يملك يزيد السلطة لا بتنصيص من الله سبحانه ولا بشورى من الأمة، وهذا ما أدركه المسلمون آنذاك حيث كتبوا إلى الحسين (ع) رسالة جاء فيها: أمّا بعد فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الامّة فابتزّها أمرها وغصبها فيئها وتأمّر عليها بغير رضى منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها ولم يكن الولد (يزيد) فريداً في غصب حق الأمّة بل سبقه والده معاوية إلى ذلك كما هو معروف وليس بخاف على أحد، وإلى تلك الحقيقة الممجوجة يشير الإمام علي (ع) في كتاب له إلى معاوية، حيث يقول:«فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور، فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الأباطيل واقتحامك غرور المين والأكاذيب، وبانتحالك ما قد علا عنك، وابتزازك لما قد اختزن دونك فراراً من الحق وجحوداً لما هو ألزم لك من لحمك ودمك ممّا قد وعاه سمعك، وملئ به صدرك، فماذا بعد الحق إلاّ الضلال المبين»
هذا ونظائره المذكورة في التاريخ ما دفع الحسين إلى الثورة، وتقديم نفسه وأهل بيته قرابين طاهرة من أجل نصرة هذا الدين العظيم، مع علمه بأنّه وفقاً لما تحت يديه من الإمكانات المادية لن يستطع إن يواجه دولة كبيرِة تمتلك القدرات المادية الضخمة ما يمكنها من القضاء على أي ثورة فتية، نعم إنّ الإمام الحسين (ع) كان يدرك قطعاً هذه الحقيقة، إلاّ أنّه أراد أن يسقي بدمائه الطاهرة المقدسة شجرة الإسلام الوارفة التي يريد الأمويون اقتلاعها من جذورها. كما أنّ الإمام (ع) أراد أن يكسر حاجز الخوف الذي أصاب الامّة فجعلها حائرة مترددة أمام طغيان الجبابرة وحكّام الجور، وان تصبح ثورته مدرسة تتعلّم منها الأجيال معنى البطولة والتضحية من اجل المبادئ والعقائد، وكان كل ذلك بعد استشهاد الإمام (ع) ، والتاريخ خير شاهد على ذلك. كان المعروف منذ ولادة الإمام الحسين (ع) أنّه سيستشهد في العراق في أرض كربلاء وعرف المسلمون ذلك في عصر النبيّ الأكرم (ص) ووصيّه، لذا كان الناس يترقّبون حدوث تلك الفاجعة، كما أنّ هناك الكثير من القرائن التي تدلّ بوضوح على حتمية استشهاده (ع) ، ومن ذلك:
1 _ روى غير واحد من المحدّثين عن أنس بن الحارث الذي استشهد في كربلاء أنّه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «إنّ ابني هذا يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره» فخرج انس بن الحارث فقتل بها مع الحسين (ع) .
2 _ إنّ أهل الخبرة والسياسة في عصر الإمام كانوا متّفقين على أنّ الخروج إلى العراق يشكّل خطراً كبيراً على حياة الإمام (ع) وأهل بيته ولأجل ذلك أخلصوا له النصيحة، وأصرّوا عليه عدم الخروج، ويتمثّل ذلك في كلام أخيه محمّد ابن الحنفية، وابن عمّه ابن عباس، ونساء بني عبد المطلب، ومع ذلك اعتذر لهم الإمام وأفصح عن عزمه على الخروج 3- _ لما عزم الإمام المسير إلى العراق خطب وقال: « الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله وصلّى الله على رسوله، خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى إسلافي، اشتياق يعقوب إلى يوسف،وخُيّر لي مصرع أنا ألاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلاء فيملأن منّيأكراشاً جُوّفاً وأجربة سغباً لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله (ص) لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تَقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده، ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فانّي راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى» 4_ لمّا بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسين (ع) دخل عليه فلامه في المسير، ولما رآه مصرّاً عليه قبّل ما بين عينيه وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل . 5_ لمّا خرج الحسين (ع) من مكة لقيه الفرزدق الشاعر فقال له: إلى أين يا بن رسول الله (ص) ما أعجلك عن الموسم؟ قال: « لو لم أعجل لاخذتُ، ثمّ قال له: أخبرني عن الناس خلفك: فقال: الخبير سألت، قلوب الناس معك، وأسيافهم عليك . 6 _ لما أتى الى الحسين خبر قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، قال لأصحابه: « لقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس معه ذمام» فتفرّق الناس عنه، واخذوا يميناً وشمالاً، حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير مّمن انضمّوا إليه. ومع ذلك فقد واصل (ع) مسيره نحو الكوفة، ولما مرّ ببطن العقبة لقيه شيخ من بني عكرمة يقال عمر بن لوذان، فسأل الإمام: أين تريد؟ فقال له الحسين (ع) «الكوفة» فقال الشيخ: أنشدك لما انصرفت، فو الله ما تقدِمُ إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف، فقال حسين: «ليس يخفى علي الرأي، وأنّ الله تعالى لا يُغلب على أمره» وفي نفس النص دلالة على أنّ الإمام كان يدرك ما كان يتخوفّه غيره، وأنّ مصيره لو سار إلى الكوفة هو القتل، ومع ذلك أكمل السير طلباً للشهادة من أجل نصرة الدين ورد كيد أعدائه، وحتى لا تبقى لأحد حجة يتذرّع بها لتبرير تخاذله وضعفه.
نعم لقد كان الحسين (ع) على بيّنة من أمره وما سيؤول إليه سفره من مصير محتوم، فلا شيء يقف أمام إرادته من اجل إعلاء كلمة الدين وتثبيت دعائمه التي أراد الأمويون تقويضها، أنظر إليه وهو يخاطب الحر بن يزيد الرياحي الذي يحذّره من مغبّة إصراره على موقفه حيث يقول له: «أفبالموت تخوّفني، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، وسأقول كما قال أخو الاوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله فخوّفه ابن عمّه وقال: أين تذهب فإنّك مقتول، فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما
وواسى الرجـــال الصالـــــحين بنفسه وفارق مثبوراً وخالف مجرما فإن عشـــت لم أنــــدم وإن مِتُّ لمَ أُلم كــفى بك ذلاً أن تعيش وترغم ثمّ إنّه كان لشهادة الحسين (ع) أثر كبير في إيقاظ شعور الأمّة وتشجيعها على الثورة ضدّ الحكومة الأموية التي أصبحت رمزاً للفساد والانحراف عن الدين، ولأجل ذلك توالت الثورات بعد شهادته من قبل المسلمين في العراق والحجاز، وهذه الانتفاضات وإن لم تحقّق هدفها في وقتها ولكن كان لها الدور الأساسي في سقوط الحكومة الأموية بعد زمان. ولقد أجاد من قال: لولا نهضة الحسين (ع) وأصحابه (رض) يوم ألطف لما قام للإسلام عمود، ولا اخضرّ له عود، ولاماته معاوية وأتباعه ولدفنوه في أوّل عهده في لحده. فالمسلمون جميعاً بل الإسلام من ساعة قيامه إلى قيام الساعة رهين شكر للحسين (ع) وأصحابه (رض) بلى، أنّى للإمام الحسين (ع) الإذعان لحقيقة تسلّم يزيد مقاليد خلافة رسول الله (ص)، يزيد المنحرف الفاسد، عدوّ الله وعدوّ رسوله، الذي لم يستطع إخفاء دفائنه عندما أحضر رأس سيد الشهداء بين يديه حيث أنشد: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلنا قتل بـــدر فاعتـــــدل لأهلّوا واستهّلــــوا فرحـــا ثمّ قالـــــوا يا يزيد لا تــــشل لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحــــمد ما كان فعل لعبت هاشـــــــم بالملك فلا خبر جــــاء ولا وحـــي نزل فسلام الله عليك يا مولاي الحسين يوم ولدت، ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّاً.