((حوارية عقَديَّةٌ حول الإمامة))
================================
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].
سجاد: ما معنى الإمامة؟
الأب: الإمامة هي الرئاسة العامة, في أمور الدين والدنيا, نيابة عن الرسول’, بأمر الله عز وجل. والإمام هو المقتدى به, في أفعاله وأقواله, والذي يقوم بمهام النبي’نفسها.
سجاد: ما الصفات التي يتصف بها الإمام؟ وكيف نعرف الإمام من غيره؟
الأب: إن أهم شيء يتصف به الإمام يا عزيزي, هو العصمة، وقد أوضحنا معنى العصمة في حديثنا عن صفات النبي’. فالإمام كالنبي معصوم، هذا أولاً، وثانياً يجب أن يكون منصَّباً من قبل الله سبحانه وتعالى, ومُبلغاً عنه على لسان النبي’, أو على لسان الإمام الذي قبله.
سجاد: إذا كان الإمام معصوماً, ومنصوصاً عليه، ويقوم بالمهام نفسها التي يقوم بها النبي’, فما هو الفرق بين النبي والإمام؟
الأب: لا يوجد أي فرق يا عزيزي بين النبي والإمام, سوى الوحي بطريق جبرائيل، فالنبي’ يُوحى إليه, ويتلقى التعليمات والأحكام من قبل الله سبحانه وتعالى، بواسطة الملَك جبرائيل×، بينما يأخذ الإمام معلوماته, من النبي’, أو الإمام الذي يسبقه.
سجاد: ما هي الأدلة التي تَثبت بها الإمامة, ويعيّن بها الإمام؟
الأب: بعد أن عرفت أن مهمة الإمام ومسؤوليته, لا تختلف عن مهمة النبي’ ومسؤوليته, فلا بد للنبي’ أن يخبر عن الإمام الذي يأتي من بعده ويخلفه, ويواصل الطريق من بعده, حتى قيامِ الساعة. والعقل يحكم لضرورة ذلك، إذ لو تصورنا أن راعي أغنام دنت منه الوفاة,
فمن الطبيعي أنه يوصي بمصير هذه الأغنام، وربُّ الأسرة حينما يسافر, نجد أنه يوصي ولدَه الكبير بتصريف أمور الأسرة, وقضاء حوائجها, ما دام الأب مسافراً، ومدير المدرسة حينما يغيب لعذر ما, فإنه يستنيب من يقوم بإدارة أمور المدرسة, في حال غيابه، وهكذا عند الحاكم, أو رئيس الدولة، فلقد بات من المسلّم به, أن الملوك يعيّنون أولياءً للعهد في حياتهم, كي يقوموا بأداء مهامهم عند غيابهم, أو في حال وفاتهم.
ولم يعرف التاريخ البشري, قائداً ورئيساً وحاكماً، أكثر رأفة وعطفاً ورحمةً، من نبي الرحمة محمّد’
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]
وقد بلغ من حرصه الشديد, ورأفته على أمته ورسالته، أنه’ وهو -بأبي وأمي- على فراش الموت, يأمر بإنفاذ جيش أُسامة بن زيد؛ لمحاربة الروم,
وكان يشدّد على ذلك حتى لقد لعن كلّ من يتخلف عن إنفاذه، وإذا كان الملوك والحكام قد تركوا أموالاً وقصوراً, وذهباً وفضةً، نجده’ ترك أغلى من ذلك وأكبر ، فقد ترك’ دين الله القويم, في بدء فطرته وأوّل نشأته, ولهو أحوج إلى الوصي ولمن يأتي من بعده, مِن الذهب والفضة والأموال...،
فالأمة بأسرها محتاجة إلى وصيّه؛ ليقوم مقامه في الوَلاية على أمور المسلمين, وإدارة شؤونهم الدينية والدنيوية, ويستحيل عليه’ أن يترك أمته من دون وصي أو نائب، وقد أوصى لعلي×, وأولاده من بعده.
أما النصوص الواردة في القرآن الكريم, والسنة النبوية المطهرة، في تعيين الوصي أو الإمام الذي يخلف النبي’, فهي أكثر من أن تعد وتحصى, ونختار بعضاً منها:
1- عندما نزل قوله تعالى {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]
وذلك في أول الدعوة إلى الإسلام, جمع الرسول’ عشيرته المقربين منه, وفيهم أعمامه، وقال من جملة ما قال لهم: >من منكم يؤازرني على هذا الأمر, على أن يكون أخي ووصيي, وخليفتي فيكم؟<. فلم يجبه أحد من عشيرته الأقربين غير علي×, وأخذ’ يكرر سؤاله ذلك لثلاث مرات, وفي كل مرة يقوم الإمام علي×,
وكان آنذاك صبياً،
ويقول له: >أنا يا رسول الله< فأخذ الرسول’ برقبته, وقال’: >إنَّ هذا أخي ووصيي, وخليفتي فيكم, فاسمعوا له وأطيعوا<.
2- عندما كان الإمام علي× يصلي بعض النوافل في المسجد، دخل فقير يسأل الناس أن يتصدّقوا عليه, فلم يعطه أحد، وكان الإمام× راكعاً، فأومأ إلى الفقير بإصبعه, وكان فيه خاتمُه الشريف، فانتزع الفقير الخاتمَ من إصبع الإمام علي×،
عندها نزل قوله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55- 56]
فالله سبحانه وتعالى جعل ولاية الإمام×, كولايته, وولاية رسوله على الناس.
3- وفي حجّة الوداع -وهي آخر حجة للنبي’, وكانت قبل وفاته’ بأشهر- وحينما كان راجعا من مكة,
نزل عليه جبرائيل× بالآية الكريمة
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]
جمع الرسول’ الناس, في مكان يُدعى غدير خم, وعددهم يقرب من مئة وعشرين ألفاً، فخطب فيهم خطبة طويلة, ونعى لهم نفسَه الشريفة،
ومن جملة ما قاله’: >ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال’: فمن كنتُ مولاه, فهذا عليٌ مولاه -وأخذ بيد علي× ورفعها- وقال’: اللهم والِ من والاه, وعادِ من عاداه, وأنصر من نصره, وأخذل من خذله<
وذكّرهم’ بحديث الثِقلين: >إني تارك فيكم الثقلين, كتابَ الله حبلُ ممدود من السماء إلى الأرض, وعترتي أهل بيتي, وإنهما لن يفترقا, حتى يردا عليَّ الحوض، ما إن تمسكتم بهما, فلن تضلوا بعدي أبدا<،
وأخذ المسلمون بعد أن أنهى خُطبته’, يهنئون الإمام× بولاية العهد, والإمامة من بعد الرسول’،
وعندها نزل قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3].
سجاد: قد فهمت من أقوالك وأدلّتك, والنصوصِ التي ذكرتها, أنها تخصّ الإمام علي× فقط، فهل لك أن تحدثني عن النصوص والأدلة بشأن بقية الأئمة, من ولد الإمام×.
الأب: قد ذكرت لك قبلَ قليل, أن هنالك الكثير من النصوص والأدلة، التي لا يحصيها مثلُ هذا الخطاب، وسأذكر لك المزيد منها؛ من أجل أن يطمئن قلبك, وترسخ عقيدتك بأئمتك، وقبل ذكر هذه الأدلة,
أود أن أذكرك أنك لو تدبّرت قوله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]
فقد جاء الخطاب بصيغة الجمع (الذين آمنوا)،
وهذا يعني أنها تشمل الإمام علي× والأئمة من بعده, وذلك حسب ما ورد عنهم^ من أحاديث في هذا الشأن.
وأما حديث الثقلين, الذي مر ذكره قبل قليل -ولا حاجة لتكراره- فواضح أنه يريد (بأهل بيتي) مجموعَ الأئمة^, وإليك بعض الشواهد الأخرى.
قوله تعالى {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]
هذه الآية واضحة، أن لكل قومٍ إمام من أهل البيت×, يهديهم ويرشدهم. وعن الإمام الصادق× قال: >كل إمامٍ, هادٍ في زمانه<،
وقال الإمام الباقر×: >المنذر الرسول’, والهادي علي×<
ثم قال×: >والله ما زالت فينا -أي الهداية والإمامة- إلى الساعة<.
وقوله تعالى {اهدِنَــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6 - 7]
فقد اخرج المفسّرون في كتبهم, أن الصراط المستقيم, هو صراط محمّد وآل محمّد،
فعن ابن عباس (رض) في قوله تعالى {اهدِنَــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}
قال: قولوا أرشِدنا إلى حُبّ محمّد وآل محمّد, وأهل بيته,
وفي الآية الكريمة التفاتةٌ جميلة، حيث أن عدد حروف كلمتَي (الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) أربعة عشر حرفاً,
وهذا العدد ينطبق على عدد المعصومين الأربعة عشر, من أهل البيت^, وهم النبي’, وفاطمة, والأئمة الإثني عشر^.
وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري، سُئل رسول الله’
عن قوله تعالى, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}
مَن هم الذين وجبت طاعتهم؟
فقال’: >هم خلفائي يا جابر, وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن, ثم الحسين, ثم علي بن الحسين, ثم محمّد بن علي, المعروف في التوراة بالباقر، ستدركه يا جابر, فإذا لقيته فأقرأهُ عني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد, ثم موسى بن جعفر, ثم علي بن موسى, ثم محمّد بن علي, ثم علي بن محمّد, ثم الحسن بن علي, ثم حجة الله في أرضه وبقيته في عباده، محمّد بن الحسن بن علي<.
سجاد: من خلال حديثك عن الأئمة^, أفهم أن واجباتنا اتجاههم هي نفسها، كما لو كانت للنبي’, أليس كذلك؟
الأب: نعم يا ولدي, بارك الله فيك.
/تحقيق/مرتضى علي الحلي/ النجف الأشرف/