وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين.
[آل عمران: 144].
الإهداء:
إلى شرف ومقام النبي المصطفى وآل بيته النجباء صلوات الله عليهم أجمعين
والى مقام ناموس الدهر وسلطان العصر صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف
وسماحة فقيه ألامه وعالمها الفقيه الجامع للشرائط أية الله العظمى السيد الصرخي الحسني
وجميع المؤمنين والمؤمنات من الأنصار الأخيار والزينبيات الطاهرات أهدي هذا المجهود المتواضع.
المقدمة:
إن من دواعي سرور وفخر الإنسان المسلم أن يكتب في ولفضل الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله الكرام..ونزولا عند رغبة مؤسستنا الغراء في أن يكون هناك شهرا في نصرة رسول الإنسانية المبارك..نشارك بهذا البحث المتواضع.
كما لا يخفى على الجميع أننا مهما أردنا ان نكتب ونحلل في شخصيته صلوات الله عليه واآله لا يكون إلا كمثل قطرة في بحر وما عسى أن يعو ا قاصري التفكير والهابطين من أمثالي من هذه الشخصية العظيمة والعملاقة لشخص الخاتم صلوات الله عليه ..إلا انه وكما يقال:
( ما لا يدرك كله لا يترك جله)..
ومن هذه المقولة وبتشجيع من مؤسستنا الرائدة
(مؤسسة مهدي الأمم العالمية)
اكتب هذه الكلمات واني لعلى آمل ورجاء أن تكون شفيعة لنا في يوم لا ينفع مال ولا بنين إلا من أتى الله بقلب سليم.
وحاصل البحث يتكون من شذرات ومحطات عبر مراحل من شخصية الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله الكراام وهي بالتفصيل:
بساطة وعظمة شخصية (صلوات الله عليه وآله الكراام)
إتباع للمنهج وليس لشخص الرسول فقط
بعض من ووصاياه للأمّة
مواصفات حامل الأمانة
ارتباط الرّسالة
هكذا يجب أن نقتدي
لحظة حزن وذكرى وألم
وهي ربما تكون كمقال اقرب مما هي كبحث وكل هذا ناشئ من التقصير والغفلة عن ممارسة الانتصار للرسول الكريم وآل بيته الطاهرين في طريقة البحوث,ولعل يكون هذا البحث فاتحة خير إن شاء الله تعالى لبحوث قادمة ببركة وشفاعة الصلاة على محمد وآآل محمد ..ودعواتكم الكريمة والمباركة.اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرج قائم آل بيت محمد.
بساطة وعظمة شخصية (صلوات الله عليه وآله الكراام)
نلتقي ، بذكرى شهادة الرسول الله(صلوات الله عليه وآله الكراام)، أن هذه الذّكرى الّتي أدمعت عيون المسلمين، وأبكت قلوبهم، وهزَّت مشاعرهم. لقد غاب عنهم محمد بن عبدالله، الصّادق الأمين، بعد أن أخرجهم من ظلمات الجهل والتخلّف، إلى نور الإيمان والعلم.
كان الرّسول(صلوات الله عليه وآله الكراام ) بالنّسبة إلى المسلمين الّذين عايشوه في مكّة والمدينة، الأب والنّاصح والمعلّم والمربّي والمحبّ. وكان(صلوات الله عليه وآله الكراام )صلة الوصل بربّهم، ينقل لهم ما ينقله له الوحي جبريل عن الله.. كما كان(صلوات الله عليه وآله الكراام ) رغم سموّ منزلته وعظيم شأنه، يجالس الجميع، الكبير والصّغير، ولم يكن يميّز نفسه عنهم، حتَّى إنَّ القادم كان عندما يأتي إلى
المكان الّذي يتواجد فيه، يسأل
"أيّكم محمّد..."
لم يعش رسول الله(صلوات الله عليه وآله الكراام ) أبداً في برج عالٍ بعيداً عن المسلمين، وهذا ما عبّر عنه(صلوات الله عليه وآله الكراام )، عندما جَاءَه رَجُلٌ، فَأَخَذَتْهُ الرّعْدَةُ، حِينَ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ له النبيّ(صلوات الله عليه وآله الكراام
"هَوِّنْ عَلَيْكَ، إِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ".
وفي حياته الخاصَّة، كان المسلمون يرون نبيَّهم يجلس على الأرض، وينام عليها، ويرقّع الثّوب، ويحلب الشّاة، ويطحن مع الخادم
يحبوه ولكلّ ذلك، أحبّه أصحابه حبّاً لم يحبّوه لأحد، حتّى تقدّم هذا الحبّ على الولد والوالد والزّوج وحبّ المال، كانوا على استعداد أن يفدوه بأنفسهم وأهلهم وأموالهم، وكان المهمّ عندهم أن يسلم...
لم يكن أصحاب رسول الله يصبرون على فراقه طويلاً، فما إن يفارقه واحدهم، حتّى يسرع بالعودة إليه، كي لا يفوته شيء من فضله وعلمه
. ووصل الأمر ببعض صحابته أنّه كان يبكي لأنّه سيفارقه يوم القيامة في الجنّة، لعلوّ منزلته عنهم، ولم يهدؤوا حتّى بشّرهم الرّسول(صلوات الله عليه وآله الكراام) قائلاً بأنّ:
."(يوم القيامة) مع من أحبّ المرء"
لقد كان رسول الله بالنّسبة إليهم ما قاله الله سبحانه عنه:
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}
[التّوبة: 128].
فقط الإتباع للمنهج وليس لشخص الرسول
لقد تحوَّل رسول الله إلى قدوةٍ وأسوة، وإلى سندٍ ومثالٍ يقتدى به ما دام حيّاً، وما دام النّاس يرونه أمامهم، ويناقشونه ويسألونه
لكن ماذا سيحدث للأمَّة لو رحل فجأةً؟
وماذا سيصير حال أولئك الّذين تعلّقوا به؟
وكم سيكون الفراق صعباً عليهم وشاقّاً..؟
في مقاييسنا المعاصرة، فإنّ رحيل أيّ قائد حقّق لأمّته نصراً أو استقلالاً أو مجداً ما، سيترك فراغاً في حياتها، وربَّما يعرِّض إنجازاته للخطر والزَّوال. والنبي(صلوات الله عليه وآله الكراام) لم يكن يبني حكماً أو دولةً فحسب، بل كان يبني أمّة، ويبني رسالة، ويؤسّس نهجاً، ويبلّغ ديناً سيصبح رافداً لبناء حضارات وممالك، ودول.
وقد حرص رسول الله( صلوات الله عليه وآله الكراام) وفي كلّ مراحل دعوته، على أن يعدّ أمّته للوقت الّذي يُغادر فيه الحياة، كان دائماً يتحدّث أمامهم أنّه لن يُخلّد، فهو بشر، والبشر يموتون، وكثير ما كان يردّد آيات الله:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[العنكبوت: 57]، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} [الرّحمن: 26-27].
كما حرص(صلوات الله عليه وآله الكراام ) أيضاً على أن يربّي أصحابه أتباعاً للإسلام، ويربطهم بالله لا بشخصه، وقد تجلّى نوع هذا الارتباط في معركة أحد؛ فعندما علا صوت أحد المشركين صائحاً: مات محمّد، فرّ الكثير من المسلمين من ساحة المعركة، لأنَّ ارتباط هؤلاء بالإسلام كان رهن وجود الرَّسول(صلوات الله عليه وآله الكراام ) أمامهم وبينهم، ويومها نزلت هذه الآية
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}
[آل عمران: 144]
ا القلَّة الّتي صمدت في الميدان، وحول الرَّسول(صلوات الله عليه وآله الكراام))، فقد عبَّرت عن نوع انتمائها، وذاك النَّضر بن الحارث، وهو أحد عاشقي الرَّسول سمع هذا الصَّوت، قال
"يا قوم، إن كان قد قتل محمّد فربّ محمّد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله، وموتوا على ما مات عليه"
.. وقاتل حتّى استشهد..
بعض من ووصاياه للأمّة
وفي أشدّ لحظات مرض رسول الله(صلوات الله عليه وآله الكراام)، أخبروه أنّ النّاس نساءً ورجالاً تبكيه، حينها، توكّأ على عليّ(عليه السلام
)، والعبّاس وابنه الفضل، وخرج إلى
المسجد، وخطب فيهم قائلاً فيما قال:
"أمّا بعد، أيّها النّاس، فماذا تستنكرون من موت نبيّكم؟
ألم ينع إليكم نفسه، وينع إليكم أنفسكم، أم هل خلّد أحد ممّن بعث قبلي، فيمن بعثوا إليه.
فأخلّد فيكم؟
ألا إنّي لاحق بربّي، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله بين أظهركم، تقرؤونه صباحاً ومساءً، فيه ما تأتون وما تدعون، فلا تنافسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم الله، وأوصيكم بعثرتي...".
نعم أوصاهم بالعثرة الطاهرة:
لقد حرص رسول الله(صلوات الله عليه وآله الكراام) على أن يرسم خريطة طريق لمن يأتي من بعده، ففي حجّة الوداع، ذكّر النّاس، ثم بلّغ
"ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة إلا وأمرتكم به، وما من شيء يقرّبكم من النّار إلا ونهيتكم عنه. أيّها النّاس، إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهد...
أيّها النّاس، المؤمنون أخوة ولا يحلّ لامرئ مسلم مال أخيه إلا عن طيب نفسه، ألا هل بلّغت، اللّهمّ فاشهد...
أيّها المسلمون، فلا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم أعناق بعض، فإنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي...".
مواصفات حامل الأمانة
إنَّ سرَّ نجاح رسول الله (صلوات الله عليه وآله الكراام ) في إنجاز مشروعه النَّبويّ، أنَّه ربط الشِّعار بالعمل، والعقيدة بالسّلوك، والقول بالفعل. وهكذا ربَّى أصحابه، في إطار مشروع إعداد البديل، كي لا يحدث الفراغ من بعده، فوضع الأمانة الّتي حملها وأجهد نفسه من أجلها، بيد من هو أهلٌ لحمل هذه المسؤوليّة الثّقيلة والصّعبة..
ومن غير عليّ(عليه السلااام) يحمل الأمانة؛ عليّ(عليه السلام
الّذي لا يملك أحد من المسلمين، غير رسول الله، علمه ولا زهده ولا معرفته بربّه ولا وعيه ولا شجاعته ولا فكره ولا صبره ولا صدقه ولا أمانته ولا حكمته ولا عدله ـ والقائمة تطول مع عليّ ـ ولذلك، أوصى المسلمين وبلّغهم في حجّة الوداع، حيث قال:
"من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه..
اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيثما دار
ليتمّ الإعلان بعد ذلك في الآية المباركة:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا...}
ارتباط الرّسالة
لقد غادرنا رسول الله جسداً، ولكنَّه بقي روحاً وفكراً وقدوةً وأسوةً وعملاً، بقي الإسلام، هذا الدّين الّذي لم يصل إلينا إلا بعد مسيرة من الجهاد والتّعب والجهد والصَّبر ومتابعة التّبليغ من الرّسول(صلوات الله عليه وآله الكراام )، حتَّى أنزل الله عليه:
{طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه: 1-2]
إنّنا نرتبط برسول الله(صلوات الله عليه وآله الكراام ) من خلال ارتباطنا بالإسلام، ولأنّ الرَّسول(صلوات الله عليه وآله الكراام ) لم يعش لنفسه كي ننتسب إليه، لذلك فنحن مسلمون كما سمانا الله {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ}، واسمنا ليس محمديّين كما يصفنا الغرب أو ، مع أنَّنا محمديّون في كلِّ مضمون وجودنا، لأنَّ انتماء النَّاس إلى الإسلام
وفي تشهّدنا، في صلواتنا الخمس، نقول: أشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. لهذا، ومن هذا التشهّد، ومن هذه العبوديّة، جاءت عظمة محمد(صلوات الله عليه وآآله) وعزّته وتاريخه.
هكذا يجب أن نقتدي
أيها الاكاارم: أن نكون مسلمين، يعني أن ننتمي إليه قولاً وعملاً؛ أن ندعو كما كان يدعو، وأن نجاهد كما كان يجاهد، وأن نضحّي كما كان يضحّي، وأن نصبر كما كان يصبر، وأن نحبّ كما كان يحبّ، ونكره كما كان يكره:
لله، وفي سبيل الله، أن لا نخضع لإغراءات المال والجاه كما لم تُغرِه، وصوته لا يزال يتردّد:
"يا عم! والله لو وضعوا الشّمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، حتّى يظهره الله أو أهلك دونه.
وأخيراً، أن لا نتراجع عن إيماننا وانتمائنا خوفاً من إساءة أو استهزاء أو سخرية، فرسول الله علّمنا أنّ الإيمان ليس نزهة، بل هو جهاد ودرب طويل من المعاناة.
وسط كلّ هذا التمزّق الّذي تشهده الساحة الإسلاميَّة وواقع المسلمين، وحيث تضجّ الفتن، نؤكِّد أنَّ الخلاص هو في ما أوصانا به رسول الله(صلوات الله عليه وآله الكراام) وما دعانا إليه الله؛ أن نعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرّق، أن لا نتنازع فنفشل وتذهب ريحنا، أن لا يضرب بعضنا رقاب بعض، أن نكون أمّةً، لا أفراداً ولا جماعات متفرّقة متنازعة.
لحظة حزن وذكرى وألم
في ذكرى شهادة رسول الإنسانيّة، رسول المحبّة، لا بدّ من أن نستعيد حزن المسلمين، وهم يرون رسول الله أمامهم مسجّى، أن نستعيد حزن السيّدة الزّهراء الّتي بكت طويلاً على أبيها، عندما وقفت على قبره الشّريف وشمّت تربته وقالت.
ماذا على من شمّ تربة أحمد
أن لا يشمّ مدى الزّمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها
صبّت على الأيّام صرن لياليا
ونستعيد حزن عليّ(عليه السلام) وهو يقول.
"بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النّبُوَّةِ وَالإِنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ
... بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبّك...".
السّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليك يا خير خلق الله، السّلام عليك أيّها البشير النّذير، السّلام عليك أيّها السّراج المنير، السّلام عليك أيّها الطّهر الطّاهر، أشهد أنّك قد أقمت الصّلاة، وآتيت الزّكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين، فجزاك الله عنّا وعن أمّتك خيراً كثيراً.
والحمد لله ربّ العالمين.
أقلكم عطاء ونصرة
العبد الحقير الذليل الجاني العاصي