ردّ مذهب الواقفية
والسبب الذي لأجله قيل بالوقف على الإمام موسى الكاظم عليه السّلام
( من كتاب: بحار الأنوار )
1 ـ الغَيبة للطوسي: أمّا الذي يدلّ على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى عليه السّلام وقالوا: إنّه المهدي، فقولهم باطل بما ظهر من موته عليه السّلام واشتهر واستفاض، كما اشتهر موت أبيه وجدّه ومن تقدمه من آبائه عليهم السّلام، ولو شككنا لم ننفصل من الناووسية والكيسانية والغلاة والمفوضة الذين خالفوا في موت مَن تقدّم من آبائه عليهم السّلام، على أنّ موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه عليهم السّلام؛ لأنّه أظهر، وأحضروا القضاة والشهود، ونُودي عليه ببغداد على الجسر، وقيل: هذا الذي تزعم الرافضة أنّه حيّ لا يموت، مات حتف أنفه! وما جرى هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه.
أقول: ثم نقل الأخبارَ الدالة على وفاته عليه السّلام على ما نقلنا عنه في باب شهادته عليه السّلام، ثم قال: فموته عليه السّلام أشهر من أن يحتاج إلى ذكر الرواية به؛ لأنّ المخالف في ذلك يدفع الضرورات، والشك في ذلك يؤدي إلى الشك في موت كلّ واحد من آبائه وغيرهم، فلا يُوثَق بموت أحد، على أنّ المشهور عنه عليه السّلام أنّه وصّى إلى ابنه علي بن موسى عليه السّلام، وأسند إليه أمره بعد موته، والأخبار بذلك أكثر من أن تحصى، نذكر منها طرفاً، ولو كان حيّاً باقياً لما احتاج إليه.
أقول: ثم ذكر ما سنورده من النصوص على الرضا عليه السّلام، ثم قال: والأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تُحصى، وهي موجودة في كتب الإمامية معروفة مشهورة من أرادها وقف عليها من هناك، وفي هذا القدر ها هنا كفاية إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: كيف تعوّلون على هذه الأخبار وتدّعون العلم بموته، والواقفة تروي أخباراً كثيرة تتضمّن أنّه لم يمت، وأنّه القائم المشار إليه، وهي موجودة في كتبهم وكتب أصحابكم ؟ فكيف تجمعون بينها ؟ وكيف تدّعون العلم بموته مع ذلك ؟
قلنا: لم نذكر هذه الأخبار إلاّ على جهة الاستظهار والتبرّع، لا لأنّا احتجنا إليها في العلم بموته، لأنّ العلم بموته حاصل لا يُشَكّ فيه، كالعلم بموت آبائه، والمشكك في موته كالمشكك في موتهم، وموتِ كلِّ مَن علمنا بموته، وإنّما استظهرنا بإيراد هذه الأخبار تأكيداً لهذا العلم، كما نروي أخباراً كثيرة فيما نعلم بالعقل والشرع وظاهر القرآن والإجماع وغير ذلك، فنذكر في ذلك أخباراً على وجه التأكيد. فأما ما ترويه الواقفة فكلّها أخبار آحاد لا تعضدها حجّة، ولا يمكن ادّعاء العلم بصحّتها، ومع هذا فالرواة لها مطعونٌ عليهم لا يُوثَق بقولهم ورواياتهم، وبعد هذا كلّه فهي متأوَّلة. ثم ذكر ـ رحمه الله ـ بعض أخبارهم الموضوعة.
[ السبب الذي دعا قوماً إلى القول بالوقف ]
ثم قال: وقد رُوي السبب الذي دعا قوماً إلى القول بالوقف، فروى الثقات: أنّ أوّل مَن أظهر هذا الاعتقاد عليُّ بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حُطامها، واستمالوا قوماً فبدّلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري، وكرام الخثعمي، وأمثالهم، فروى عن يونس بن عبدالرحمان قال: مات أبو إبراهيم ( أي الكاظم ) عليه السّلام وليس من قوّامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موتَه طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، فلمّا رأيت ذلك وتبينت الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا ما علمت، تكلّمتُ ودعوت الناس إليه، فبعثا إليّ وقالا: ما يدعوك إلى هذا ؟ إن كنت تريد المال فنحن نُغنيك! وضَمِنا لي عشرة آلاف دينار وقالا لي: كُفَّ، فأبيت وقلت لهما: إنّا روينا عن الصادقِين عليهم السّلام أنّهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهر علمه، فإن لم يفعل سُلِب نور الإيمان. وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كلّ حال. فناصباني وأضمرا لي العداوة.
2 ـ الغيبة للطوسي: مضى أبو إبراهيم عليه السّلام وعند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار، وخمس جوار، ومسكنه بمصر، فبعث إليهم أبو الحسن الرضا عليه السّلام: أن احملوا ما قِبَلَكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوارٍ؛ فإنّي وارثُه وقائم مَقامَه، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولورّاثه قِبلكم. أو كلام يشبه هذا، فأمّا ابن أبي حمزة فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده، وكذلك زياد القندي، وأمّا عثمان بن عيسى فإنّه كتب إليه: إنّ أباك صلوات الله عليه لم يمت، وهو حي قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل، واعمل على أنّه قد مضى كما تقول فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وأمّا الجواري فقد أعتقتُهنّ وتزوّجتُ بهن.
3 ـ علل الشرائع، عيون أخبار الرضا عليه السّلام: عن أحمد بن حمّاد قال: كان أحد القوّام عثمان بن عيسى، وكان يكون بمصر، وكان عنده مال كثير، وستّ جواري، قال: فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السّلام فيهن وفي المال، قال: فكتب إليه: إنّ أباك لم يمت، قال: فكتب إليه: إنّ أبي قد مات، وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحّت الأخبار بموته. واحتجّ عليه فيه، فكتب إليه: إن لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء، وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري وتزوّجتُهن.
[ قول الصدوق قدس سره ]
قال الصدوق رحمه الله: لم يكن موسى بن جعفر عليه السّلام ممّن يجمع المال، ولكنه قد حصل في وقت الرشيد، وكثر أعداؤه، ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلاّ على القليل ممّن يثق بهم في كتمان السرّ. فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك. وأراد أن لا يحقّق على نفسه قولَ مَن كان يسعى به إلى الرشيد ويقول: إنّه تُحمَل إليه الأموال، وتُعتقَد له الإمامة، ويُحمَل على الخروج عليه، ولولا ذلك لَفرّق ما اجتمع من هذه الأموال. على أنّها لم تكن أموال الفقراء وإنّما كانت أمواله يصل بها مواليه لتكون له إكراماً منهم له وبِرّاً منهم به عليه السّلام.
أقول: قال الصدوق رحمه الله في كتاب ( عيون أخبار الرضا عليه السّلام ) بعد ذكر الأخبار الدالة على وفاته عليه السّلام ما نقلنا عنه في باب شهادته: إنّما أوردتُ هذه الأخبار في هذا الكتاب ردّاً على الواقفة على موسى بن جعفر عليه السّلام، فإنّهم يزعمون أنّه حي، ويُنكرون إمامة الرضا وإمامة مَن بعده من الأئمّة عليهم السّلام، وفي صحّة وفاة موسى عليه السّلام إبطالُ مذهبهم، ولهم في هذه الأخبار كلام، يقولون: إنّ الصادق عليه السّلام قال: الإمام لا يغسّله غيره، ولا حجّة لهم علينا في ذلك؛ لأنّ الصادق عليه السّلام إنّما نهى أن يغسّل الإمامَ إلاّ من يكون إماماً، فإن دخل مَن يغسّل الإمام في نهيه فغسّله لم تبطل بذلك إمامة الإمام بعده، ولم يقل عليه السّلام: إنّ الإمام لا يكون إلاّ الذي يُغسِّل مَن قَبلَه من الأئمّة عليهم السّلام، فبطل تعلّقهم علينا بذلك. على أنّا قد روينا في بعض هذه الأخبار: أنّ الرضا عليه السّلام غسّل أباه موسى بن جعفر عليه السّلام من حيث خَفِي على الحاضرين لغسله، غير مَن اطّلع عليه، ولا تنكر الواقفة أنّ الإمام يجوز أن يطوي اللهُ له البُعدَ حتّى يقطع المسافة البعيدة في المدة اليسيرة.
[ واللهِ واللهِ لقد مات موسى بنُ جعفر عليه السّلام ]
4 ـ إكمال الدين، عيون أخبار الرضا عليه السّلام: عن عليّ بن رباط قال: قلت لعلي بن موسى الرضا عليه السّلام: إنّ عندنا رجلاً يذكر أنّ أباك عليه السّلام حيّ وأنت تعلم من ذلك ما يعلم ؟ فقال عليه السّلام: سبحان الله! مات رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يمت موسى بن جعفر عليه السّلام ؟! بلى ـ واللهِ واللهِ ـ لقد مات، وقُسِّمت أمواله، ونُكحت جواريه.
[ كان موسى عليه السّلام من المتوسِّمين يعلم مَن يقف عليه ]
8 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام: عن ربيع بن عبدالرحمان قال: كان ـ واللهِ ـ موسى بن جعفر عليه السّلام من المتوسّمين يعلم مَن يقف عليه بعد موته، ويجحد الإمامَ بعدَه إمامته، فكان يكظم غيظه عليهم ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم، فسُمّي « الكاظم » لذلك.
[ ما رُوي من الطعن على رواة الواقفة ]
5 ـ الغَيبة للطوسي: عن الحسين بن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال قال: كنت أرى عند عمي علي بن الحسن بن فضال شيخاً من أهل بغداد، وكان يهازل عمي، فقال له يوماً: ليس في الدنيا شرّ منكم يا معشرَ الشيعة، أو قال: الرافضة! فقال له عمي: ولِمَ لعنك الله ؟ قال: أنا زوج بنت أحمد بن بِشْر قال لي لما حضرَتْه الوفاة: أنّه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر، فدفعت ابنه ( أي الرضا ) عنها بعد موته، وشهدت أنّه لم يمت، فاللهَ اللهَ خلّصوني من النار وسلِّموها إلى الرضا عليه السّلام، فو الله ما أخرَجْنا حبّة، ولقد تركناه يصلى في نار جهنم.
قال الشيخ رحمه الله: وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء كيف يُوثَق برواياتهم أو يُعوَّل عليها ؟ وأمّا ما رُوي من الطعن على رواة الواقفة فأكثر من أن يحصى، وهو موجود في كتب أصحابنا، نحن نذكر طَرَفاً منه.
روى الأشعري عن أبي داود: كنت أنا وعُيَينة ـ بيّاع القصب ـ عند علي بن أبي حمزة البطائني، وكان رئيس الواقفة، فسمعته يقول: قال أبو إبراهيم ( الكاظم ) عليه السّلام: إنّما أنت وأصحابك ـ يا علي ـ أشباهُ الحمير! فقال لي عيينة: أسَمِعت ؟ قلت: إي والله لقد سمعت، فقال: لا والله لا أنقل إليه قدَميّ ما حَيِيت.
وروى ابن عقدة عن محمد بن عمر بن يزيد وعلي بن أسباط جميعاً قالا: قال لنا عثمان بن عيسى الرواسي: حدثني زياد القندي وابن مسكان قالا: كنّا عند أبي إبراهيم عليه السّلام إذ قال: يدخل عليكم الساعةَ خيرُ أهل الأرض، فدخل أبو الحسن الرضا عليه السّلام، وهو صبيّ، فقلنا: خير أهل الأرض ؟! ثم دنا فضمه إليه فقبّله وقال: يا بُنيّ، تدري ما قال ذان ؟ قال: نعم يا سيدي، هذان يشكّان فيّ، قال علي بن أسباط: فحدّثت بهذا الحديث الحسنَ بن محبوب فقال: بَتَر الحديث، لا، ولكن حدثني علي بن رئاب: أنّ أبا إبراهيم قال لهما: إن جحدتماه حقَّه أو خنتماه فعليكما لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، يا زياد، ولا تُنجب أنت وأصحابك أبداً. قال علي بن رئاب: فلقيت زياد القندي فقلت له: بلغني أنّ أبا إبراهيم قال لك كذا وكذا! فقال: أحْسَبُك قد خُولِطت. فمرّ وتركني، فلم أكلّمه ولا مررت به، قال الحسن بن محبوب: فلم نزل نتوقع لزياد دعوةَ أبي إبراهيم عليه السّلام حتّى ظهر منه أيام الرضا عليه السّلام ما ظهر، ومات زنديقاً (1).
6 ـ الغيبة للطوسي: عن إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد قال: قال الرضا عليه السّلام: ما فَعلَ الشقيُّ حمزة بن بزيع ؟ قلت: هو ذا، هو قد قَدِم، فقال: يزعم أنّ أبي حيّ، هم اليوم شُكّاك ولا يموتون غداً إلاّ على الزندقة. قال صفوان: فقلت فيما بيني وبين نفسي: شُكّاك قد عرفتهم، فكيف يموتون على الزندقة ؟! فما لبثنا إلاّ قليلاً حتّى بلَغَنا عن رجل منهم أنّه قال عند موته: هو كافر بربٍّ أماته، قال صفوان: فقلت: هذا تصديق الحديث (2).
7 ـ الغيبة للطوسي: عن علي بن رباح قال: قلت للقاسم بن إسماعيل القرشي، وكان ممطوراً: أيَّ شيء سمعت من محمد بن أبي حمزة ؟ قال: ما سمعت منه إلاّ حديثاً واحداً، قال ابن رباح: ثم أخرج بعد ذلك حديثاً كثيراً فرواه عن محمد بن أبي حمزة! قال ابن رباح: وسألت القاسم هذا: كم سمعت من حنان ؟ فقال: أربعة أحاديث أو خمسة، قال: ثمّ أخرج بعد ذلك حديثاً كثيراً فرواه عنه.
وروى عن أحمد بن عمر قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول في ابن أبي حمزة: أليس هو الذي يروي أنّ رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن موسى، وهو صاحب السفياني ؟! وقال: إنّ أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر، فما استبان لهم كذِبُه ؟
وروى عن محمد بن سنان قال: ذُكِر علي بن أبي حمزة عند الرضا عليه السّلام فلعنه ثم قال: إنّ علي بن أبي حمزة أراد أن لا يُعبَد الله في سمائه وأرضه، فأبى الله إلاّ أن يُتمّ نورَه.. ولو كره المشركون، ولو كره اللعين المشرك، قلت: المشرك ؟! قال: نعم واللهِ رغم أنفه، كذلك هو في كتاب الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة يُريدُونَ أَنْ يُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة. وقد جرت فيه وفي أمثاله، أنّه أراد أن يُطفئ نورَ الله (3).
[ إنّ أناساً يزعمون أنّ أباك عليه السّلام حيّ! ]
8 ـ عيون أخبار الرضا عليه السّلام: عن جعفر بن محمد النوفلي قال: أتيت الرضا عليه السّلام وهو بقنطرة إبريق، فسلّمت عليه ثم جلست وقلت: جُعلت فداك، إنّ أناساً يزعمون أن أباك عليه السّلام حيّ! فقال: كذبوا لعنهم الله، لو كان حيّاً ما قُسّم ميراثه ولا نكح نساؤه ( أي جواريه )، ولكنّه واللهِ ذاق الموت كما ذاقه عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام، قال: فقلت له: ما تأمرني ؟ قال: عليك بابني محمدٍ مِن بعدي ( أي الجواد عليه السّلام )، وأمّا أنا فإنّي ذاهب في وجه لا أرجع، بُورك قبرٌ بطوس وقبرانِ ببغداد، قال: قلت: جُعلت فداك، عرفنا واحداً فما الثاني ؟ قال: ستعرفونه، ثم قال عليه السّلام: قبري وقبر هارون هكذا ـ وضمّ إصبعَيه.
[ صدقتَ وصدق ذريح وصدق أبو جعفر عليه السّلام ]
9 ـ رجال الكشي: عن داود الرِّقّي قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: جُعلتُ فداك، إنّه واللهِ ما يلج في صدري من أمرك شيء إلاّ حديثاً من ذريح يرويه عن أبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام، قال لي: وما هو ؟ قال: سمعته يقول: سابعُنا قائمنا إن شاء الله، قال: صدقتَ وصدق ذريح وصدق أبو جعفر عليه السّلام. فازددت والله شكّاً، ثم قال لي: يا داود بن أبي كلدة، أما والله لولا أن موسى قال للعالِم: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة سَتَجِدنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (4) ما سأله عن شيء، وكذلك أبو جعفر عليه السّلام، لولا أن قال: إن شاء الله، لكان كما قال، فقطعت عليه.
[ أما استبان لكم كذبُه ؟! ]
10 ـ رجال الكشّي: عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: قلت: جُعِلت فداك، إنّي خلّفت ابن أبي حمزة وابن مهران وابن أبي سعيد أشدَّ أهل الدنيا عداوة لله ـ تعالى ـ. قال: فقال لي: ما ضَرَّك مَن ضَلّ إذا اهتديت ؟! إنّهم كذّبوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وكذبوا فلاناً وفلاناً، وكذبوا جعفراً وموسى عليه السّلام، ولي بآبائي أُسوة، فقلت: جُعلت فداك، إنّا نروي أنّك قلت لابن مهران: أذهب اللهُ نورَ قلبك، وأدخل الفقر بيتك! فقال: كيف حاله وحال برّه ؟ فقلت: يا سيدي أشدّ حال، هم مكروبون ببغداد، لم يقدر الحسين أن يَخرج إلى العمرة. فسكت، وسمعته يقول في ابن أبي حمزة: أما استبان لكم كذبُه ؟! أليس هو الذي روى أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن موسى وهو صاحب السفياني ؟! وقال: إنّ أبا الحسن عليه السّلام يعود إلى ثمانية أشهر.
[ جَهِد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور الله ]
11 ـ رجال الكشّي: عن أحمد بن محمد قال: وقف علَيّ أبو الحسن في بني زريق فقال لي ـ وهو رافع صوته ـ: يا أحمد، قلت: لبيك، قال: إنّه لما قُبِض رسول الله صلّى الله عليه وآله جَهِد الناس في إطفاء نور الله، فأبى الله إلاّ أن يُتِمّ نورَه بأمير المؤمنين عليه السّلام، فلمّا تُوفّي أبو الحسن ( أي الكاظم ) عليه السّلام جهد عليُّ بن أبي حمزة وأصحابه في إطفاء نور الله، فأبى الله إلاّ أن يُتِمّ نورَه، وإنّ أهل الحقّ إذا دخل عليهم داخل سروا به، وإذا خرج عنهم خارج لم يجزعوا عليه، وذلك أنّهم على يقين من أمرهم، وإنّ أهل الباطل إذا دخل فيهم داخل سروا به، وإذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه، وذلك أنّهم على شكّ من أمرهم، إنّ الله ـ جلّ جلاله ـ يقول: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة فَمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (5)، قال: ثمّ قال أبو عبدالله عليه السّلام: المستقرُّ الثابت، والمستودَع المُعار.
[ إنّ تركة صاحبنا عندك ]
12 ـ رجال الكشي: عن الحسين بن عمر قال: قلت له: إنّ أبي أخبرني أنّه دخل على أبيك فقال له: إنّي أحتجّ عليك عند الجبار أنّك أمرتني بترك عبدالله، وأنّك قلت: أنا إمام، فقال: نعم، فما كان من إثم ففي عنقي، فقال: وإنّي أحتج عليك بمثل حجة أبي على أبيك، فإنّك أخبرتني أنّ أباك قد مضى وأنّك صاحب هذا الأمر وذلك أنّ فلاناً أقرأني كتابك يذكر أنّ تركة صاحبنا عندك، فقال: صدقت وصدق، أما والله ما فعلتُ ذلك حتّى لم أجد بُدّاً، ولقد قلته على مثل جدع أنفي، ولكنّي خفتُ الضَّلال والفُرقة (6).
[ قال حسين: فجزمت على موت أبيه وإمامته ]
13 ـ رجال الكشي: عن الحسين بن بشار قال: لما مات موسى بن جعفر عليه السّلام خرجت إلى علي بن موسى عليه السّلام غير مؤمن بموت موسى، ولا مُقرّاً بإمامة علي عليه السّلام إلاّ أنّ في نفسي أن أسأله وأصدقه، فلمّا صرت إلى المدينة انتهيت إليه وهو بالصوار، فاستأذنت عليه ودخلت فأدناني وألطفني، وأردت أن أسأله عن أبيه عليه السّلام، فباردني فقال لي: يا حسين، إن أردت أن ينظر الله إليك من غير حجاب، وتنظر إلى الله من غير حجاب، فوالِ آلَ محمّد، ووالِ وليَّ الأمر منهم، قال: قلت: أنظر إلى الله ـ عزّوجلّ ـ؟ قال: إي والله، قال حسين: فجزمت على موت أبيه وإمامته، ثم قال لي: ما أردت أن آذن لك لشدّة الأمر وضيقه، ولكني علمتُ الأمر الذي أنت عليه. ثم سكت قليلاً، ثم قال: خبرت بأمرك ؟ قال: قلت له: أجل (7).
[ الواقفة كفّار ملعونون، يعيشون حيارى ويموتون زنادقة ]
14 ـ رجال الكشي: عن علي بن عبدالله الزبيري قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن الواقفة ؟ فكتب: الواقف حائد عن الحقّ، ومقيم على سيّئة، إنْ مات بها كانت جهنم مأواه وبئس المصير!
عن الرضا عليه السّلام قال: سُئل عن الواقفة ؟ فقال: يعيشون حيارى ويموتون زنادقة!
15 ـ رجال الكشي: عن يوسف بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: أُعطِي هؤلاء الذين يزعمون أنّ أباك حيّ من الزكاة شيئاً ؟ قال: لا تُعطِهم؛ فإنّهم كفار مشركون زنادقة!
16 ـ رجال الكشي: عدة من أصحابنا عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: سمعناه يقول: يعيشون شُكّاكاً ويموتون زنادقة، قال: فقال بعضنا: أمّا الشُّكّاك فقد علمنا، فكيف يموتون زنادقة ؟! قال: فقال: حضرت رجلاً منهم وقد احتضر، قال: فسمعته يقول: هو كافر إنْ مات موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: فقلت: هو هذا!
18 ـ رجال الكشي: عن محمد بن عاصم قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: يا محمد بن عاصم، بلغني أنّك تجالس الواقفة! قلت: نعم، جُعلت فداك، أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال: لا تجالسهم، فإنّ الله ـ عزّوجلّ ـ يقول: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة وَقَدْ نَزَّل عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (
، يعني بالآيات: الأوصياء، الذين كفروا بها الواقفة.
19 ـ رجال الكشي: عن سليمان بن الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن عليه السّلام بالمدينة إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة فسأله عن الواقفة، فقال أبو الحسن عليه السّلام: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (9)، واللهِ إنّ الله لا يبدّلها حتّى يُقتَّلوا عن آخرهم (10).
20 ـ رجال الكشي: عن الحكم بن عيص قال: دخلت مع خالي سليمان بن خالد على أبي عبدالله عليه السّلام فقال: يا سليمان، مَن هذا الغلام ؟ فقال: ابن أختي، فقال: هل يعرف هذا الأمر ؟ فقال: نعم، فقال: الحمد لله الذي لم يخلقه شيطاناً، ثم قال: يا سليمان، عوِّذْ بالله ولدَك من فتنة شيعنا، فقلت: جُعِلت فداك، وما تلك الفتنة ؟! قال: إنكارهم الأئمّة عليهم السّلام ووقوفهم على ابني موسى، قال: يُنكرون موته ويزعمون أن لا إمام بعده، أولئك شرّ الخلق!
21 ـ رجال الكشي: عن رجل من أصحابنا قال: قلت للرضا عليه السّلام: جُعلت فداك، قوم قد وقفوا على أبيك يزعمون أنّه لم يمت! قال: كذبوا، وهم كفّار بما أنزل الله ـ جلّ وعزّ ـ على محمّد صلّى الله عليه وآله، ولو كان الله يمدّ في أجَل أحد من بني آدم لحاجةِ الخلق إليه لَمدَّ الله في أجل رسول الله صلّى الله عليه وآله (11).
22 ـ رجال الكشي: عن محمد بن الفضيل قال: قلت للرضا عليه السّلام: ما حال قوم وقفوا على أبيك موسى عليه السّلام ؟ قال: لعنهم الله ما أشدّ كذبَهم، أما إنّهم يزعمون أنّي عقيم، وينكرونَ مَن يلي هذا الأمر مِن ولدي.
23 ـ رجال الكشي: عن عمر بن يزيد قال: دخلت على أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام فحدثني مليّاً في فضائل الشيعة، ثم قال: إنّ من الشيعة بعدنا مَن هم شرّ من النُّصّاب، قلت: جُعلت فداك، أليس ينتحلون حبّكم ويتولَّونكم ويتبرأون من عدوكم ؟ قال: نعم، قال: قلت: جُعلت فداك، بيّنْ نعرفْهم، فلسنا منهم ؟ قال: كلاّ يا عمر، ما أنت منهم، إنّما هم قوم يُفتَنون بزيد ويفتنون بموسى.
عن علي بن جعفر قال: رجل أتى أخي عليه السّلام فقال له: جُعلت فداك، مَن صاحب هذا الأمر ؟ فقال: أما إنّهم يُفتَنون بعد موتي فيقولون: هو القائم، وما القائم إلاّ بعدي بسنين.
عن الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد عن عمه قال: كان بدع الواقفة أنّه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاة أموالهم، وما كان يجب عليهم فيها، فحملوا إلى وكيلين لموسى ( الكاظم ) عليه السّلام بالكوفة: أحدهما حيان السراج، والآخر كان معه، وكان موسى عليه السّلام في الحبس، فاتخذوا بذلك دوراً وعقدوا العقود واشتروا الغلات، فلمّا مات موسى عليه السّلام فانتهى الخبر إليهما أنكرا موته، وأذاعا في الشيعة أنّه لا يموت لأنّه هو القائم، فاعتمدَتْ عليه طائفة من الشيعة، وانتشر قولهما في الناس حتّى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى عليه السّلام، واستبان للشيعة أنّهما قالا ذلك حرصاً على المال.
عن محمد ( الجواد ) بن علي الرضا عليه السّلام أنّه قال: الواقفة هم حمير الشيعة. ثم تلا هذه الآية نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة إنْ هُمْ إِلاّ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (12).
عن أبي علي قال: حكى منصور عن الصادق محمد بن علي الرضا عليه السّلام: أنّ الزيدية والواقفية والنصّاب عنده بمنزلة واحدة.
عن ابن أبي عمير عمّن حدّثه قال: سألت محمد ( الجواد ) بن علي الرضا عليه السّلام عن هذه الآية نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة وُجُوهٌ يَؤمَئِذٍ خاشِعَةٌ * عامِلَةٌ ناصِبَةٌ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (13) ؟ قال: نزلت في النصّاب والزيدية، والواقفة من النصّاب.
عن إبراهيم بن عقبة قال: كتبت إلى العسكري عليه السّلام: جُعِلت فداك، قد عرفت هؤلاء الممطورة، فأقْنتُ عليهم في صلواتي ؟ قال: نعم، أُقنتْ عليهم في صلواتك (14).
24 ـ رجال الكشي: عن عمرو بن فرات قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الواقفة ؟ قال: يعيشون حيارى ويموتون زنادقة.
عن جعفر بن محمد بن يونس قال: جاءني جماعة من أصحابنا معهم رقاع فيها جوابات المسائل إلاّ رقعة الواقف قد رجعت على حالها لم يُوقَّع فيها شيء.
عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: ذكرت الممطورة وشكَّهم ؟ فقال: يعيشون ما عاشوا على شكّ.. ثم يموتون زنادقة.
عن يحيى بن المبارك قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام بمسائل فأجابني، وذكرت في آخر الكتاب قول الله ـ عزّوجلّ ـ: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (15) ؟ فقال: نزلت في الواقفة. ووجدتُ الجواب كلّه بخطّه: ليس هم من المؤمنين ولا من المسلمين، هم ممّن كذّب بآيات الله، ونحن أشهر معلومات، فلا جدالَ فينا ولا رفَثَ ولا فسوق فينا، انصبْ لهم يا يحيى من العداوة ما استطعت.
عن ابن أبي يعفور قال: كنت عند الصادق عليه السّلام إذ دخل موسى عليه السّلام فجلس، فقال أبو عبدالله عليه السّلام: يا ابن أبي يعفور، هذا خير ولدي وأحبُّهم إليّ، غير أن الله ـ جلّ وعزّ ـ يُضلّ قوماً من شيعتنا، فاعلم أنّهم قوم نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ولا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ ولا ينظرُ إليهم يَوْمَ الْقيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (16)، قلت: جُعلت فداك، قد أزغتَ قلبي عن هؤلاء، قال: يَضلّ به قومٌ من شيعتنا بعد موته جزعاً عليه فيقولون: لم يمت، ويُنكرون الأئمّة عليهم السّلام مِن بعده، ويدعون الشيعة إلى ضلالتهم، وفي ذلك إبطال حقوقنا وهدم دين الله. يا ابن أبي يعفور، فاللهُ ورسوله منهم بريء، ونحن منهم بُرآء.
[ أوَ مِن شيعتكم مَن يتولّى عنكم بعد المعرفة ؟! ]
عن حمزة الزيات قال: سمعت حُمران بن أعيَن يقول: قلت لأبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام: أمِن شيعتكم أنا ؟ قال: إي واللهِ في الدنيا والآخرة، وما أحدٌ من شيعتنا إلاّ وهو مكتوب عندنا اسمه واسم أبيه، إلاّ مَن يتولّى منهم عنّا، قال: قلت: جُعلت فداك، أوَ مِن شيعتكم مَن يتولّى بعد المعرفة ؟! قال: يا حُمران نعم، وأنت لا تدركهم. قال حمزة: فتناظرنا في هذا الحديث، قال: فكتبنا به إلى الرضا عليه السّلام نسأله عمن استثنى به أبو جعفر، فكتب: هم الواقفة على موسى بن جعفر عليه السّلام.
25 ـ رجال الكشي: عن إسماعيل بن سهل قال: حدثنا بعض أصحابنا ـ وسألني أن أكتم اسمه ـ قال: كنت عند الرضا عليه السّلام فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن السرّاج وابن المكاري، فقال له ابن أبي حمزة: ما فعل أبوك ؟ قال: مضى، قال: مضى موتاً ؟ قال: فقال: نعم، قال: فقال: إلى مَن عَهِد ؟ قال: إليّ، قال: فأنت إمام مفترض الطاعة من الله ؟ قال: نعم.
قال ابن السراج وابن المكاري: قد واللهِ أمكنك من نفسه، قال عليه السّلام: ويلك! وبما أُمكِنت ؟ أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون: إنّي إمام مفترض طاعتي ؟! واللهِ ما ذاك علَيّ، وإنّما قلتُ ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم وتشتّت أمركم لئلاّ يصير سرّكم في يد عدوكم. قال له ابن أبي حمزة: لقد أظهرتَ شيئاً ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلّم به! قال: بلى والله، لقد تكلّم به خيرُ آبائي رسولُ الله صلّى الله عليه وآله لمّا أمره الله أن ينذر عشيرته الأقربين، جمع من أهل بيته أربعين رجلاً وقال لهم: إنّي رسول الله إليكم. فكان أشدَّهم تكذيباً وتأليباً عليه عمُّه أبو لهب، فقال لهم النبيّ صلّى الله عليه وآله: إن خدشني خدش فلستُ بنبيّ. فهذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة، وأنا أقول: إن خدشني هارون خدشاً فلست بإمام، فهذا أول ما أبدع لكم من آية الإمامة. قال له علي: إنّا روينا عن آبائك عليهم السّلام أنّ الإمام لا يلي أمره إلاّ إمام مثله، فقال له أبو الحسن: فأخبرني عن الحسين بن علي عليه السّلام كان إماماً أو كان غير إمام ؟ قال: كان إماماً، قال: فمَن وَلِيَ أمرَه ؟ قال: عليُّ بن الحسين. قال: وأين كان علي بن الحسين ؟ كان محبوساً في يد عبيدالله بن زياد، قال: خرج وهم كانوا لا يعلمون حتّى وَلِيَ أمر أبيه ثمّ انصرف، فقال له أبو الحسن ( الرضا ) عليه السّلام: إنّ هذا أمكن علي بن الحسين عليه السّلام أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه، فهو يمكّن صاحبَ الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف، وليس في حبسٍ ولا في إسار، قال له علي: إنّا روينا أنّ الإمام لا يمضي حتّى يرى عقبه، قال: فقال أبو الحسن عليه السّلام: أما رويتم في هذا غير هذا الحديث ؟ قال: لا، قال: بلى والله، لقد رويتم إلاّ القائم، وأنتم لا تدرون ما معناه، ولِم قيل ؟! قال: فقال له علي: بلى والله، إنّ هذا لفي الحديث، قال له أبو الحسن عليه السّلام: ويلك! كيف اجترأتَ على شيء تدع بعضه ؟! ثم قال: يا شيخِ اتّقِ الله ولا تكن من الذين يصدّون عن دين الله تعالى (17).
[ ما إخالُك تسمع منّي ولستَ مِن غنمي ]
26 ـ رجال الكشي: عن ابن أبي سعيد المكاري قال: دخل على الرضا عليه السّلام فقال له: فتحتَ بابك للناس وقعدت تُفتيهم، ولم يكن أبوك يفعل هذا! قال: فقال: ليس علَيّ مِن هارون بأس، ثمّ قال له: أطفأ الله نورَ قلبك وأدخل الفقر بيتك، ويلك أما علمت أنّ الله تعالى أوحى إلى مريم: أنّ في بطنك نبياً، فولدت مريمُ عيسى، فمريم من عيسى وعيسى من مريم، وأنا من أبي وأبي مني، قال: فقال له: أسألك عن مسألة، فقال له: ما إخالك تسمع مني ولست من غنمي، سل. فقال له: رجل حضرته الوفاة فقال: ما ملكتُه قديماً فهو حُرّ، وما لم يملكه بقديم فليس بحُرّ! قال: ويلك! أما تقرأ هذه الآية نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقِدَيمِ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (18)، فما مَلَك قبل الستة الأشهر فهو قديم، وما ملك بعد الستة الأشهر فليس بقديم، قال: فقال: فخرج من عنده، قال: فنزل به من الفقر والبلاء ما الله به عليم (19).
27 ـ رجال الكشي: دخل ابن المكاري على الرضا عليه السّلام فقال له: بلغ الله من قَدْرك أن تدّعي ما ادّعى أبوك! فقال له: ما لَكَ أطفأ اللهُ نورَك، وأدخل بيتك من الفقر! أما علمت أنّ الله جلّ وعلا أوحى إلى عمران: أنّي أهب لك ذَكَراً، فوهب له مريم، فوهب لمريم عيسى، وعيسى من مريم. ثم ذكر مِثْلَه، وذكر فيه: أنا وأبي شيء واحد (20).
[ هذا ابني عليّ، قولُه قولي وفعلُه فعلي ]
28 ـ رجال الكشي: عن محمد بن إسماعيل بن أبي سعيد الزيّات قال: كنتُ مع زياد القندي حاجّاً، ولم نكن نفترق ليلاً ولا نهاراً، في طريق مكة وبمكة وفي الطواف، ثم قصدته ذات ليلة فلم أره حتّى طلع الفجر، فقلت له: غَمَّني إبطاؤك، فأيّ شيء كانت الحال ؟! قال: ما زلت بالأبطح مع أبي الحسن عليه السّلام ـ يعني أبا إبراهيم الكاظم ـ وعليٌّ ابنه عليه السّلام على يمينه، فقال: يا أبا الفضل ـ أو: يا زياد ـ هذا ابني عليّ، قولُه قولي وفعله فعلي، فإن كانت لك حاجة فأنزلها به، واقبَلْ قوله؛ فإنّه لا يقول على الله إلاّ الحقّ. قال ابن أبي سعيد: فمكثنا ما شاء الله حتّى حدث من أمر البرامكة ما حدث، فكتب زياد إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام يسأله عن ظهور هذا الحديث والاستتار، فكتب إليه أبو الحسن: أظهرْ فلا بأس عليك منهم. فظهر زياد، فلمّا حَدَث الحديث قلت له: يا أبا الفضل، أيّ شيء يعدل بهذا الأمر ؟ فقال لي: ليس هذا أوان الكلام فيه، قال: فلمّا ألححتُ عليه بالكلام بالكوفة وبغداد، وكلُّ ذلك يقول لي مثل ذلك، إلى أن قال لي في آخر كلامه: وَيْحك فتبطل هذه الأحاديث التي رويناها! (21).
[ قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينك ]
29 ـ رجال الكشي: قال عبدالله بن المغيرة: كنتُ واقفاً، فحججت على تلك الحالة، فلمّا صرت في مكة خلج في صدري شيء، فتعلقت بالملتزم ثم قلت: اللهمّ قد علمتَ طلبتي وإرادتي، فأرشِدْني إلى خير الأديان. فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه السّلام، فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام: قل لمولاك: رجل من أهل العراق بالباب. فسمعت نداءه: ادخل يا عبدالله بن المُغيرة. فدخلت، فلمّا نظر إليّ قال: قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينك، فقلت: أشهد أنّك حجّة الله وأمينه على خلقه.
30 ـ رجال الكشي: عن يزيد بن إسحاق، وكان من أدفع الناس لهذا الأمر، قال: خاصمني مرّة أخي محمد، وكان مستوياً، قال: فقلت له لمّا طال الكلام بيني وبينه: إن كان صاحبك بالمنزلة التي تقول فاسألْه أن يدعو الله لي حتّى أرجع إلى قولكم، قال: قال لي محمد: فدخلت على الرضا عليه السّلام فقلت له: جُعلت فداك، إنّ لي أخاً، وهو أسنُّ مني، وهو يقول بحياة أبيك وأنا كثيراً ما أُناظره، فقال لي يوماً من الأيام: سل صاحبك إن كان بالمنزلة التي ذكرتَ أن يدعو الله لي حتّى أصير إلى قولكم، فأنا أُحِبّ أن تدعو الله له، قال: فالتفت أبو الحسن عليه السّلام نحو القبلة فذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم قال: اللّهمّ خُذْ بسمعه وبصره ومجامع قلبه حتّى تردّه إلى الحق. قال: كان يقول هذا وهو رافع يده اليمنى، قال: فلمّا قدم أخبرني بما كان، فو اللهِ ما لبثت إلاّ يسيراً حتّى قلتُ بالحقّ.
[ إنّي ما رأيت مقاتلاً ولكنّه آمن وصدق فاستوصِ به ]
32 ـ رجال الكشي: عن حسين بن عمر بن يزيد قال: دخلت على الرضا عليه السّلام، وأنا شاكّ في إمامته، وكان زميلي في طريقي رجل يقال له « مقاتل بن مقاتل »، وكان قد مضى على إمامته بالكوفة، فقلت له: عَجّلت! فقال: عندي في ذلك برهان وعلم، قال الحسين: فقلت للرضا عليه السّلام: مضى أبوك ؟ قال: إي والله، وإنّي لفي الدرجة التي فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام، ومن كان أسعدَ ببقاء أبي منّي ؟! ثم قال: إنّ الله تبارك وتعالى يقول: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة وَالسّابِقُونَ السّابِقُون * أُولئِكَ المُقَرَّبُون نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة (22)، العارف للإمامة حين يظهر الإمام، ثم قال: ما فعل صاحبك ؟ فقلت: مَن ؟ قال: مقاتل بن مقاتل، المسنون الوجه، الطويل اللحية، الأقنى الأنف! وقال: أما إنّي ما رأيته ولا دخل علَيّ، ولكنّه آمنَ وصدّق، فاستوصِ به! قال: فانصرفتُ من عنده إلى رحلي، فإذا مقاتل راقد، فحرّكتُه ثم قلت: لك بشارة عندي لا أخبرك بها حتّى تحمد الله مائة مرة! ففعل، ثم أخبرتُه بما كان (23).