ذكرت كتب التاريخ والسير، موقف عائشة من دفن الإمام الحسن (عليه السلام)، و إليك بعضها :
اولاً: روى الشيخ الكليني في (الكافي 1 / 302)، بسنده عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لما احتضر الحسن بن علي (عليهما السلام) قال للحسين : يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجّهني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاحدث به عهدا، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة (عليها السلام) ثم ردّني فادفنّي بالبقيع.
و اعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها، و عداوتها لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) و عداوتها لنا أهل البيت، فلما قبض الحسن (عليه السلام) وضع على سريره، فانطلقوا به إلى مصلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يصلي فيه على الجنائز، فصلّى على الحسن (عليه السلام) فلمّا أن صلّي عليه حمل فادخل المسجد، فلما اوقف على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلغ عائشة الخبر وقيل لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فوقفت وقالت : نحوا ابنكم عن بيتي، فإنه لا يدفن فيه شيء، ولا يهتك على رسول الله حجابه.
فقال لها الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) : قديما هتكت أنت و أبوك حجاب رسول الله، و أدخلت بيته من لا يحب رسول الله قربه، و إن الله سائلك عن ذلك يا عائشة، إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليحدث به عهدا.
و اعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله ستره، لأن الله تبارك و تعالى يقول : (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم )) (الاحزاب:35) وقد أدخلت أنت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الرجال بغير أذنه، وقد قال الله عزوجل : (( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي )), ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند اذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعاول، وقال الله عزوجل : (( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى )) ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقربهما منه الاذى، و ما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إن الله حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء، وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله (صلوات الله عليهما) جائزا فيما بيننا و بين الله لعلمت أنه سيدفن، و إن رغم معطسك.
قال : ثم تكلّم محمد بن الحنفية وقال : يا عائشة يوما على بغل، و يوما على جمل، فما تملكين نفسك، ولا تملكين الارض عداوة لبني هاشم.
قال : فأقبلت عليه فقالت : يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين (عليه السلام) : و أنى تبعدين محمدا من الفواطم، فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، و فاطمة بنت أسد بن هاشم، و فاطمة بنت زائدة بن الاصم ابن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر.
قال : فقالت عائشة للحسين (عليه السلام) : نحوا ابنكم و اذهبوا به فإنكم قوم خصمون.
قال : فمضى الحسين (عليه السلام) إلى قبر أمّه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع.
ثانياً: قال الحر العاملي في (وسائل الشيعة 1 / 35 / ط آل البيت) : لمّا توفّي الحسن (عليه السلام) مسموما, و خرج به أخوه الحسين (عليه السلام) ليجدد به العهد بقبر جدّه (صلى الله عليه وآله), خرجت عائشة على بغلة شهباء يحف بها بنو أمية، وهي تصيح : لا تدخلوا بيتي من لا أحب، إن دفن الحسن في بيتي لتجز هذه, و أومأت إلى ناصيتها.
وليت شعري ألم تسمع أم المؤمنين قول جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقه : اللهم إنّي أحبه و أحب من يحبّه (صحيح مسلم 4 / 1882 و 2421, تاريخ دمشق لإبن عساكر ترجمة الإمام الحسن 37).
وقوله (صلى الله عليه وآله) : اللهم إنّ هذا إبني و أنا أحبّه, فأحبّه و أحبّ من يحبّه ( كنز العمّال 13 / 652 و 37653, ومجمع الزوائد 9 / 176 ).
وقوله (صلى الله عليه وآله) : من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنة، فلينظر إلى الحسن ( البداية والنهاية 8 / 35 ).
ثالثاً: روى ابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق 31 / 287), بسنده عن أبي عتيق, قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : شهدنا حسن بن علي يوم مات, فكادت الفتنة أن تقع بين حسين بن علي و مروان بن الحكم, وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فان خاف أن يكون في ذلك قتال, فليدفن بالبقيع, فأبى مروان أن يدعه, و مروان يومئذ معزول, يريد أن يرضي معاوية بذلك, فلم يزل مروان عدوا لبني هاشم حتى مات.
قال جابر : فكلّمت يومئذ حسين بن علي فقلت : يا أبا عبدالله اتق الله فإنّ أخاك كان لا يحب ما ترى, فادفنه بالبقيع مع أمّه ففعل.
و عن ابن عمر قال : حضرت موت حسن بن علي, فقلت للحسين : اتق الله ولا تثر فتنة, ولا تسفك الدماء, و ادفن أخاك إلى جنب أمّه, فإنّ أخاك قد عهد بذلك إليك, فأخذ بذلك الحسين ( الخبر نقله الذهبي في سير الاعلام 3 / 275 ).
رابعاً: جاء في (تاريخ اليعقوبي 2 / 225) : و قيل : إن عائشة ركبت بغلة شهباء، وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد. فأتاها القاسم بن محمد بن أبي بكر، فقال لها : يا عمّة ! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء ؟ فرجعت.