اليك العناوين العامة لهذا البحث اجمالا لنشرع بتفصيلها بعد ذلك :
المبحث الاول : { إمامة اولي الأمر وولايتهم } . المبحث الثاني : { عصمة أولي الأمر } . المبحث الثالث : { المراد من اولي الأمر } .
*** *** *** المبحث الأول : إمامة اولي الأمر وولايتهم ، بيان ذلك بمقدمات ثلاث : 1ـ تحدث القرآن الكريم عن وجود منصبين ومقامين للنبي الخاتم ص : الأول : تلقي الوحي وتبليغه ، وهو ما نسميه بالنبوة والرسالة . قال تعالى :{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25] وقال : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة : 67] الثاني : الولاية والزعامة والقيادة وهو ما نسميه بالإمامة .قال تعالى :{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب : 6]وقال : {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء : 105] . اذن : فالنبي رسول مبلغ وإمام قائد . 2ـ النبي واجب الطاعة في مقاميه طاعة مطلقة .أما في رسالته : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء : 64] وأما في إمامته : فالأصل هو تفرد الله تعالى بالطاعة المطلقة وهو مقتضى توحيد الطاعة فالمطاع يجب ان تكون طاعته مستمدة من الله وباذنه تعالى وكل ما دل على وجوب طاعته طاعة مطلقة فهو دال على إمامته " ص " . {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء : 80] 3ـ وطاعة أولي الأمر في الآية الشريفة من سنخ طاعة الرسول بل هي عينها للعطف مع عدم تكرر العامل " اطيعوا " { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ } . هذا وقد دلت الأدلة على ختم النبوة دون الإمامة فهي مستمرة باقية . *** *** *** المبحث الثاني : أثبات عصمة أولي الأمر . بوجوه أهمها ثلاثة : • الأول : بيانه بقياسين اقترانيين : 1ـ طاعة اولي الأمر عين طاعة الرسول . 2ـ وطاعة الرسول مطلقة . فطاعة اولي الامر مطلقة . 3ـ كل من كانت طاعته مطلقة فهو معصوم . فالنتيجة : ( اولو الأمر معصومون ) وهو مفيد للعصمة القولية والفعلية . • الثاني : بقياس استثنائي وهو : لو لم يكونوا معصومين للزم التضاد والتالي باطل فالمقدم مثله وهو مفيد للعصمة الفعلية . وقد صرح الرازي بذلك في تفسيره للآية ـ مع اختلافه معنا في مصداق اولي الأمر ـ قائلا : "المسألة الثالثة : اعلم أن قوله : { وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ } يدل عندنا على أن إجماع الأمة حجة ، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولى الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وانه محال ، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ ، فثبت قطعاً أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما .." اهـ • الثالث : لو كانت طاعتهم مقيدة او مخصصة للزم تقييد طاعة الرسول والتالي باطل فالمقدم مثله ، حيث ان طاعتهم واحدة ، والا لقيدها سيما انه قيد فيما هو اقل شأنا منها كما في قوله تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت : 8] *** *** *** المبحث الثالث : المراد من أولي الأمر، ـ أولو الأمر : اصحاب الشأن ، وهم فئة خاصة لهم القيادة والتقدم والمرجعية والنيابة العامة عن الرسول في الدين والدنيا ، ومصداقه هم ائمة اهل البيت عليهم السلام ابتداءً من امير المؤمنين علي وانتهاءً بالحجة بن الحسن المهدي صلوات الله عليهم اجمعين لإدلة جمة نستغني بإيراد ثلاثة منها . • الدليل الأول : اجماع المسلمين على انطباقها وشمولها لإهل البيت عليهم السلام وهو دليل منجر معذر لكل مسلم . بيانه بلسان الفضل بن شاذان رضوان الله على روحه الطاهرة كما ورد في البحار ج4 ص 336 : " ..سئل أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري رحمه الله فقيل له: ما الدليل على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فقال: الدليل على ذلك من كتاب الله عزوجل، ومن سنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ومن إجماعه المسلمين.فأما كتاب الله تبارك وتعالى فقوله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم) فدعانا سبحانه إلى طاعة اولي الامر كما دعانا إلى طاعة نفسه وطاعة رسوله، فاحتجنا إلى معرفة اولي الامر كما وجبت علينا معرفة الله تعالى، ومعرفة الرسول عليه وآله السلام، فنظرنا في أقاويل الامة فوجدناهم قد اختلفوا في اولي الامر، وأجمعوا في الآية على ما يوجب كونها في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال بعضهم: اولي الامر هم امراء السرايا، وقال بعضهم: هم العلماء، وقال بعضهم: هم القوام على الناس، والامرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، وقال بعضهم: هم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والائمة من ذريته عليهم السلام، فسألنا الفرقة الاولة فقلنا لهم: أليس علي بن أبي طالب (عليه السلام) من امراء السرايا ؟ فقالوا: بلى، فقلنا للثانية: ألم يكن (عليه السلام) من العلماء ؟ قالوا: بلى، فقلنا للثالثة: أليس علي (عليه السلام) قد كان من القوام على الناس بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ فقالوا: بلى، فصار أمير المؤمنين (عليه السلام) معينا بالآية باتفاق الامة واجتماعها، وتيقنا ذلك بإقرار المخالف لنافي الامامة والموافق عليها، فوجب أن يكون إماما بهذه الآية لوجود الاتفاق على أنه معني بها، ولم يجب العدول إلى غيره والاعتراف بإمامته لوجود الاختلاف في ذلك وعدم الاتفاق وما يقوم مقامه من البرهان ...إهــ • الدليل الثاني : تفسير حديث الثقلين لإولي الأمر وهو واضح الدلالة متواتر صدورا فلا نطيل الكلام في . • الدليل الثالث : تعيين الولي الأول بالنص عليه قرآنا وسنة . أما القرآن فقوله تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة : 55] وأما السنة : فجميع الأحاديث الناصة على عين امير المؤمنين وشخصه كحديث الغدير وحديث : ( انت ولي كل مؤمن بعدي ) و( لا ينبغي ان اذهب الا وانت خليفتي من بعدي ) وغيرها من الاحاديث المستفيضة عند جميع المسلمين، وهو بدوره يعين الإمام الذي يليه .