سنتعرف خفايا "أهل السنّة والجماعة" إلى أيّ مدى وصل بهم الحقد على عترة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يتركوا شيئاً من فضائل أهل البيت (عليهم السلام) إلاّ وحرَّفوه.من ذلك الصلاة على محمّد وآل محمّد التي نزل بها القرآن الكريم، فقد أخرج البخاري ومسلم وكلّ المحدّثين من "أهل السنّة والجماعة" بأنّ الصحابة جاؤوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نزل قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(1) فقالوا: يا رسول الله، عرفنا كيف نسلّم عليك، ولم نعرف كيف نصلي عليك؟!فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "قولوا: اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنّك حميد مجيد.."(2).وزاد بعضهم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ولا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء"، قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال: "أن تقولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وتسكتوا، وإن الله كامل لا يقبل إلاّ الكامل"(3).
ممّا حدا بالإمام الشافعي أن يقول ويصرّح بأنّ الذي لا يصلّي على أهل البيت لا يقبل الله صلاته.وفي سنن الدارقطني بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من صلّى صلاة لم يصلِّ فيها عليَّ ولا على أهل بيتي لم تقبل صلاته"(4).وأخرج ابن حجر في صواعقه قال: أخرج الديلمي أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "الدعاء محجوب حتى يصلّ على محمّد وأهل بيته"(5).كما أخرج الطبراني في الأوسط عن عليّ (عليه السلام) قال: "كلّ دعاء محجوب حتى يُصلَّى على محمّد وآل محمّد"(6).وبعدما عرفنا من صحاح "أهل السنّة والجماعة" كيفيّة الصلاة على محمّد وآل محمّد، وعرفنا أيضاً بأنّ الله لا يقبل صلاة عبد إذا لم يصلِّ فيها على محمّد وآل محمّد، كما وأنّ دعاء المسلم محجوب حتى يصلّي على محمّد وآل محمّد.وإنّها لعمري فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة، فضَّلَتْ أهل البيت على سائر البشر، فبهم يتقرَّب المسلم إلى ربّه.ولكنّ "أهل السنّة والجماعة" غاظهم أن يتركوا هذه الفضيلة لأهل البيت وأحسوا بخطورتها، إذ إنّ أبا بكر وعمر وعثمان وكلّ الصحابة مهما قيل
فيهم من فضائل مكذوبة ومناقب مزعومة، فإنّهم لا يبلغون هذه المنزلة ولا يطاولون هذه المنقبة; لأنّهم وبأجمعهم لا يقبل الله صلاتهم إذا لم يتقربوا إلى الله بالصلاة على علي بن أبي طالب بعد محمّد لأنّه سيّد العترة كما لا يخفى; فعمدوا إلى تحريفها بإضافة جزء من عندهم لم يأمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليرفعوا بذلك مكانة أسيادهم من الصحابة، كما عمدوا على بترها من القرن الأوّل، فإذا ما كتبوا كتاباً تراه خال من الصلاة الكاملة، وعند ذكرهم لاسم محمّد أو النبيّ أو رسول الله يكتبون فقط، صلى الله عليه وسلّم بدون ذكر آل محمّد.وإذا تكلَّمت اليوم مع أحدهم وقلت له: صلِّ على محمّد، فسيجيبك صلّى الله عليه وسلّم بدون ذكر الآل حتى إنّ بعضهم يلفلفها لفاً، فلا تسمع منه إلاّ (صلّ وسلم).أمّا إذا سألت أيّ شيعي عربي كان أو فارسي أن يصلّي على محمّد فسيقول: اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد.وقد جاء في كتب "أهل السنّة والجماعة" قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): قولوا: اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد بصيغة الحاضر والمستقبل وبصيغة الدعاء والطلب منه سبحانه.ولكنّهم مع ذلك يكتفون بعبارة صلّى الله عليه وسلّم بصيغة الماضي الإخباري وبدون ذكر الآل.وقد حاول زعيم "أهل السنّة والجماعة" معاوية بن أبي سفيان أن يمحو ذكر محمّد من الأذان(7).فلا غرابة أن يعمد أتباعه ومقلِّدوه على بتر الصلاة وتحريفها، ولو قدروا على حذفها لفعلوا، ولكن هيهات هيهات.وقد تسمع اليوم في كلّ منبر من منابرهم وبالخصوص منابر الوهابية الصلاة المحرفة، فإمّا أنّهم يصلّون صلاة بتراء، وإذا ما اضطروا إلى إكمالها فإنّهم عندئذ يزيديون عليها لفظاً: وعلى أصحابه أجمعين، أو يقولون: وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين، ويحوِّلون بذلك آية التطهير النازلة في أهل البيت إلى الصحابة; ليموِّهوا على عامة الناس بأنّ أهل البيت والصحابة في الفضل سواء.وقد أخذوا علم التمويه والتحريف على فقيههم الأوّل، ومرشدهم الكبير عبد الله بن عمر الذي عرفنا بغضه لأهل البيت.فقد أخرج مالك في الموطأ أنّ عبد الله بن عمر كان يقف على قبر النبيّ، فيصلّي على النبيّ وعلى أبي بكر وعلى عمر(
.وأنت أيّها الباحث إذا تأمّلت في الواقع، فإنّك لا تجد لهذه الزيادة من الصلاة على الصحابة أصلا لا في الكتاب ولا في السنّة النبويّة، وإنّما أمر الكتاب والسنّة بالصلاة على محمّد وآل محمّد، والأمر هو موجه للصحابة قبل غيرهم من المكلّفين.وإنّك لا تجد هذه الزيادة إلاّ عند "أهل السنّة والجماعة" فكم لهم من بدعة في الدين ابتدعوها وسمّوها سنّة، وهم يريدون من ورائها طمس فضيلة أو ستر حقيقة. {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(9).وبهذا يتبيّن لنا أيضاً من هم أهل السنّة الحقيقيين من الأدعياء المزيفين
1- الأحزاب: 56
2- صحيح البخاري 4: 118 (باب قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً })، صحيح مسلم 2: 16 (كتاب الصلاة، باب كيفية الصلاة على النبيّ).
3- نحوه الصواعق المحرقة 2: 430، الآية الثانية من الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام).
4- سنن الدارقطني 1: 348.
5- الصواعق المحرقة لابن حجر 2: 434، الآية الثانية.
6- المعجم الأوسط للطبراني 1: 220، عنه مجمع الزوائد 10: 160 وقال: رجاله ثقات، كنز العمال 2: 269 ح3988.
7- راجع في ذلك كتاب "فأسألوا أهل الذكر".
8- الموطأ: 183 ح68، باب 22 فيما جاء في الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
9- الصف: 8.