عدد المساهمات : 747 نقاط : 2249 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/05/2013
موضوع: آية الولاية الإثنين يونيو 24, 2013 6:45 am
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين . قال الله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(1) . هذه الاية المباركة تسمّى في الكتب بـ « آية الولاية » ، استدلّ بها الاماميّة على إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وكما ذكرنا من قبل ، لابدّ من الرجوع إلى السنّة لتعيين مَن نزلت فيه الاية المباركة ، وبعبارة أُخرى لمعرفة شأن نزول الاية . ____________ (1) سورة المائدة : 55 .
ثمّ بعد معرفة شأن نزول الاية المباركة ، لابدّ من بيان وجه الاستدلال بها على إمامة أمير المؤمنين ، ثمّ يأتي دور الاشكالات والاعتراضات والمناقشات التي نجدها في كتب الكلام والعقائد من قبل علماء السنّة في الاستدلال . فالبحث إذن يكون في جهات :
الجهة الاُولى : في شأن نزول هذه الاية المباركة
أجمعت الطائفة الاماميّة ، ورواياتهم بهذا الامر متواترة ، بأنّ الاية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين سلام الله عليه بخاتمه على السائل ، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع فالامر مفروغ منه من جهة الشيعة الاماميّة . إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال على الطرف المقابل ، كما ذكرنا من قبل ، فله أن يطالب برواة هذا الخبر من أهل السنّة ، من المحدّثين والمفسّرين ، وله أيضاً أن يطالب بصحّة سند هذا الخبر في كتب السنّة ، ليكون حجّة عليه . ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث والمناظرة ، نذكر في الجهة الاُولى أسماء بعض من روى هذه القضيّة ، ونزول هذه الاية المباركة في أمير المؤمنين ، في خصوص تصدّقه في حال الركوع بخاتمه على الفقير ، على السائل ، لتتمّ
الحجّة حينئذ على من يرى حجيّة كتبه ، على من يرى اعتبار رواياته ، على من يلتزم بلوازم مذهبه ، فحينئذ تتمّ الجهة الاُولى ، ويتعيّن مَن نزلت فيه الاية المباركة ، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين الطرفين ، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين . قول المفسّرين : 1 ـ يعترف القاضي الايجي في كتابه المواقف في علم الكلام وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين ، فالقاضي الايجي المتوفّى سنة 756 هـ يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الاية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير المؤمنين (عليه السلام)(1) . 2 ـ وأيضاً يعترف بهذا الاجماع : الشريف الجرجاني المتوفّى سنة 816 هـ ، في كتابه شرح المواقف في علم الكلام ، وهذا الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الان بين أيدينا(2) . 3 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الاية المباركة في شأن علي (عليه السلام) : سعد الدين التفتازاني المتوفّى سنة 793 هـ ، في ____________ (1) المواقف في علم الكلام : 405 . (2) شرح المواقف 8 / 360 .
كتابه شرح المقاصد(1) ، وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم في علم الكلام ، ومن شاء فليرجع إلى كتاب كشف الظنون ليجد أهميّة هذا الكتاب بين القوم ، وفي أوساطهم العلميّة ، حيث كان هذا الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة ، لذلك كثر منهم الشرح والتعليق على هذا الكتاب . 4 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة على نزول الاية المباركة في أمير المؤمنين ، في هذه القضيّة الخاصّة : علاء الدين القوشجي السمرقندي في كتابه شرح التجريد ، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا(2) . فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الامامة ، وعمّا يقول الطرفان في مقام الاستدلال ، وعمّا يحتجّ به كلّ من الطرفين على مدّعاه ، يقولون بنزول الاية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة . إذن ، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون على نزول الاية المباركة في هذه القضيّة ، والمعترِف بهذا الاجماع كبار علماء القوم في علم الكلام ، الذين يرجع إليهم ويعتمد على أقوالهم ويستند إلى كتبهم . ____________ (1) شرح المقاصد 5 / 170 . (2) شرح التجريد للقوشجي : 368 .
قول المحدّثين : فقد رأيت من رواة هذا الحديث في كتبهم : 1 ـ الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني ، صاحب كتاب المصنّف ، وهو شيخ البخاري صاحب الصحيح . 2 ـ الحافظ عبد بن حميد ، صاحب كتاب المسند . 3 ـ الحافظ رزين بن معاوية العبدري الاندلسي ، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة . 4 ـ الحافظ النسائي ، صاحب الصحيح ، روى هذا الحديث في صحيحه . 5 ـ الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ المعروف والتفسير المعروف المشهور . 6 ـ ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور ، الذي يعتقد ابن تيميّة في منهاج السنّة بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال من الموضوعات . 7 ـ الحافظ أبو الشيخ الاصفهاني . 8 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي . 9 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه الاصفهاني .
10 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني . 11 ـ الحافظ الخطيب البغدادي . 12 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي . 13 ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي . 14 ـ الحافظ المحبّ الطبري شيخ الحرم المكّي . 15 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ، المجدّد في القرن العاشر عند أهل السنّة . 16 ـ الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي ، صاحب كتاب كنز العمّال . هؤلاء جماعة من أعلام الائمّة في القرون المختلفة ، يروون هذا الحديث في كتبهم . يقول الالوسي صاحب التفسير المسمّى بروح المعاني : غالب الاخباريين على أنّ هذه الاية نزلت في علي كرّم الله وجهه(1). ____________ (1) روح المعاني 6 / 168 .
فالقضيّة بين المفسّرين مجمع عليها ، وغالب المحدّثين والاخباريين ينصّون على هذا ، ويقولون بنزول الاية في علي ويروون هذا الحديث . وذكرت لكم أسماء جماعة من أعلامهم ، منذ زمن البخاري إلى القرن الحادي عشر . ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الاية المباركة(1)، تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الاخبار ، واعتراف ابن كثير بصحّة بعض هذه الاسانيد يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم ، لانّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات ، وهو ممّن لا نرتضيه نحن ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه ، هذا الاعتراف له قيمته العلميّة . وأنا شخصيّاً راجعت عدّة من أسانيد هذه الرواية ، ولاحظت كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه الروايات والاسانيد ، ورأيت تلك الاسانيد صحيحة على ضوء كلمات علمائهم .
____________ (1) تفسير ابن كثير 2 / 64 .
منها هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره(1) ، فإنّه يرويه عن أبي سعيد الاشج ، عن الفضل بن دكين ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت الاية : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) إلى آخرها . فإذن ، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين ، وعليه غالب المحدّثين باعتراف الالوسي ، وذكرت لكم أسامي عدّة من رواته من الاعلام ، وذكرت لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده ، كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الاسانيد على ضوء كلمات علمائهم وصحّحتها على طبق قواعدهم . وقد اشتهر هذا الخبر وثبت ، بحيث يروى أنّ حسّان بن ثابت الشاعر الانصاري الصحابي المعروف ، قد نظم هذه المنقبة وهذه القضيّة في شعر له ، ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الالوسي البغدادي صاحب روح المعاني(2)ـ يقول في شعر له :
____________ (1) تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162 . (2) روح المعاني 6 / 168 .
فأنت الذي أعطيت إذكنت راكعاً
زكاةً فدتك النفس ياخيرَ راكعِ
فأنـزل فيـك الله خيـــــرَ ولايــــة
وأثبتهـا أثنى كتـاب الشــرايع
إذن ، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من الاشكال ، ولا مجال لان تكذّب هذه القضيّة . أو تضعّف روايات هذه القضيّة . مع ابن تيمية : وإذا بلغ الامر إلى هذه المرحلة ، فلا بأس لو أقرأ لكم عبارة ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الاستدلال ، نصّ عبارته هكذا ، يقول هذا الرجل : قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الاية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ، وكذبه بيّن .
ويضيف هذا الرجل : وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه ، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع ، وأنّ جمهور الاُمّة لم تسمع هذا الخبر(1). فليسمع المقلّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة ، ولينتبه أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم وسننهم وآدابهم . فالقاضي الايجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ـ وهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون على إجماع المفسّرين بنزول الاية المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه ، ويقول هذا الرجل : إنّ بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترى ، وعلي لم يتصدّق بخاتمه ، وأجمع أهل العلم في الحديث !! أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم حيث يدّعي الاجماع يقصد نفسه فقط أو مع بعض الملتفّين حوله ، فإذا رأى نفسه هذا الرأي ، ورأى اثنين أو ثلاثة من الاشخاص يقولون برأيه ، فيدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الاُمّة كلّهم على ما يراه هو ، وكأنّ ____________ (1) منهاج السنّة 2 / 30 .
الاجماع في كيسه ، متى ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه وصرفه إلى الناس ، وعلى الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي . وعلى كلّ حال ، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا ، في تفاسيرهم وتفاسيرنا ، في كتبهم في الحديث وكتبنا . مثلاً : لو أنّكم تراجعون من التفاسير : تفسير الثعلبي وهو مخطوط ، تفسير الطبري ،وأسباب النزول للواحدي ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير البغوي ، وتفسير النسفي ، وتفسير القرطبي ، وتفسير أبي السعود ، وتفسير الشوكاني ، وتفسير ابن كثير ، وتفسير الالوسي ، والدر المنثور للسيوطي . لرأيتم كلّهم ينقلون هذا الخبر ، بعضهم يروي بالسند ، وبعضهم يرسل الخبر(1) ، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الاُمّة . ____________ (1) تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162 ، تفسير الطبري 6 / 186 ، تفسير السمعاني 2/47 ، أسباب النزول : 113 ، تفسير العز الدمشقي 1 / 393 ، تفسير ابن كثير 2 / 64 ، الكشاف 1 / 649 ، الدرّ المنثور 3 / 105 . وراجع من كتب الحديث مثلاً : جامع الاصول 9 / 478 ، المعجم الاوسط 7 / 129 ، تاريخ دمشق 42 / 356 .
وعلى كلّ حال ، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من جهة السند ، ومن ناحية شأن النزول ، وحينئذ ينتهي بحثنا عن الجهة الاُولى ، أي جهة شأن نزول الاية المباركة وقضيّة أمير المؤمنين وتصدّقه بخاتمه وهو راكع .