الفصل الثالث أحكام التسليم في الإجارة

إذا وقع عقد الإجارة, ملك المستأجر المنفعة في إجار الأعيان, والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد. وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد. ولكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل إلا في حال تسليم الأجرة، وليس للآجير والمؤجر المطالبة بالأجرة إلا في حال تسليم المنفعة أو العمل، ويجب على كل منهما تسليم ماعليه تسليمه فورا بالفور العرفي والمناسب، الا في موردين : احدهما : مااذا اشترط التأجيل في العقد. ثانيهما: اذا كان الاخر ممتنعاً عن التسليم.
[مسألة 493] يكون تسليم العمل فيما لايتعلق بالعين باتمامه. وفيما يتعلق بالعين يكون تسليم المنفعة بتسليم العين, بمعنى التخلية بينها وبين المالك مع اتمام العمل فيها. وليس للاجير المطالبة بالاجرة قبل اتمام العمل إلا اذا كان قد اشترط تقديم الاجرة صريحا, أو كانت العادة السوقية جارية على ذلك، وكذا ليس للمستاجر المطالبه بالعين المستأجرة اوالعمل المستأجر عليه مع تأجيل الاجرة, إلا اذا كان قد شرط ذلك صريحا أو لاجل جريان العادة عليه.
[مسألة 494] أذا امتنع المؤجر عن تسليم العين المستأجرة, مع بذل المستاجر الاجارة، جاز للمستاجر اجباره على تسليم العين، كما جاز له الفسخ واخذ الاجرة اذا كان قد دفعها. وله ابقاء الاجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائته بالقيمة السوقية. وكذا اذا دفع المؤجر العين ثم اخذها من المستاجر بلافصل أو في اثناء المدة, أو وقع الفسخ في الاثناء, فانه يرجع بنسبة ما بقي من الاجرة. واذا امتنع المستاجر من تسليم الاجرة مع بذل المؤجر للعين، فسخ وبطلت الاجارة اساساً.
[مسألة 495] الاقوى انه لا فرق في وجوب تسليم العمل باتمامه بين ما لا يكون متعلقاً بعين اصلاً، كالحج الاستيجاري، أو متعلقاً بعين في يد المستأجر, كبناء الجدار في بيته، أو متعلقاً بعين في يد الأجير مثل خياطة ثوبه وكتابة كتابه. فإذا تلف الثوب مثلاً بعد إتمام خياطته قبل دفعه إلى المستأجر, إستحق المطالبة بالجرة. وإذا كان التلف بتعد وتفريط, ضمنه, وإلا لم يضمن. فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير إستحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً, وإلا لم يستحق عليه شيئاً. ولا يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين, إلا أن يستوفي الأجرة. إلا إذا كان الآخر ممتنعاً عنها، وفي مورد وجوب دفعها يضمنها أن تلفت بخلاف مورد عدم وجوب ذلك. فإنه يكون عندئذ بمنزلة الأمين لا يضمن إلا بالتفريط.
[مسألة 496] إذا تلفت العين المستأجرة قبل إنتهاء المدة, بطلت الإجارة. فإن كان التلف قبل القبض أو بعده بلا فصل، لم يستحق المالك على المستأجر شيئاً. وإن كان بعد القبض بمدة بطلت في الزائد ورجع على المؤجر بنسبة الفائت من الأجرة المسماة. واما إذا تلف بعضها ولم يمكن الإنتفاع به تبطل الإجارة بنسبته من أول الأمر، أو في أثناء المدة, ويثبت الخيار للمستأجر حينئذ.
[مسألة 497] إذا قبض المستأجر العين المستأجرة ولم يستوفي منفعتها. حتى إنقضت مدة الإجارة، كما إذا إستأجر دابة أو سفينة أو سيارة للركوب أو حمل المتاع، فلم يركبها ولم يحمل متاعه عليها، أو إستأجر داراً ولم يسكنها حتى مضت المدة, إستقرت عليه الإجارة، سواء كان عدم الإستيفاء إختيارياً أو إضطراراً أو إكراهاً. وكذا إذا بذل المؤجر العين المستأجرة فأمتنع المستأجر من قبضها وإستيفاء المنفعة منها حتى إنقضت مدة الإجارة.
[مسألة 498] الحكم المذكور في المسألة السابقة يسري على الأعمال أيضاً. فأنه إذا بذل الأجير نفسه للعمل, وأمتنع المستأجر من إستيفائه, كما إذا إستأجر شخصاً لخياطة ثوبه في وقت معين فهيأ الأجير نفسه للعمل، فلم يدفع المستأجر إليه الثوب حتى مضى الوقت، فإنه يستحق الأجرة, سواء إشتغل الأجير في ذلك الوقت بشغل لنفسه أو غيره أم لم يشتغل.
[مسألة 499] كما لا فرق في ذلك بين الإجارة الواقعة على العين الشخصية, كالمثال السابق, وبين أن تكون كلية، كما لو أجره دابة موصوفة، فسلم فرداً منها إليه أو بذله له ولم يركبها حتى أنقضت المدة، فإنه يستحق تمام الأجرة على المستأجر.
[مسألة 500] كما لا فرق في الإجارة الواقعة على الكلي بين تعيين الوقت وعدمه. إذا كان قد قبض فرداً من الكلي بعنوان تطبيق الإجارة فإن الأجرة تستقر عليه وأن لم يستوف المنفعة.
[مسألة 501] إذا كان عدم إستيفاء المستأجر للمنفعة لعذر، فهذا العذر على عدة أشكال، فقد يكون عذراً عاماً مثل نزول المطر المانع من السفر على الدابة وفي السفينة حتى أنقضت المدة. فإذا كان كذلك بطلت الإجارة وليس على المستأجر شيء من الأجرة. وقد يكون العذر خاصاً بالمستأجر، كما إذا مرض فلم يتمكن من السفر، فلا إشكال في الصحة فيما لم تشترط المباشرة. ويستحق الأجير الأجرة المسماة، بل الأقوى الصحة أيضاً فيما إذا أشترطت مباشرته في الأستيفاء أيضاً. إلا إذا كان العذر على نحو يوجب بطلان الإجارة. فإذا إستأجره لقطع ضرسه فبرئ من الألم، وكان القلع حينئذ محرماً، بطلت الإجارة.
[مسألة 502] إذا لم يستوف المستأجر المنفعة في بعض المدة، جرت الأقسام المذكورة بعينها من المسائل السابقة بنسبة الفائت.
[مسألة 503] إذا غصب العين المستأجرة غاصب، فهذا الغصب قد يكون بمنزلة التلف للعين، كما إن لم يكن الغاصب معروفاً أو لم يكن جوره مأموناً، فتبطل الإجارة. وإن لم يكن كذلك، فإن كان الغصب قبل القبض تخير المستأجر بين الفسخ، فيرجع على المؤجر بالأجرة إن كان قد دفعها إليه، وبين الرضا فيرجع على الغاصب بأجرة المثل. وإن كان الغضب بعد القبض وقبل إستيفاء شيء من المنفعة تعين الثاني. وإن كان خلال المدة وإستيفاء بعض المنفعة رجع على الغاصب بالباقي. وكذلك إذا منعه ظالم من الانتفاع بالعين المستأجرة من دون غصبها. فيرجع عليه بالمقدار الذي فوته عليه من المنفعة.
[مسألة 504] إتلاف المستأجر للعين المستأجرة عملاً بمنزلة قبضها وإستيفاء منفعتها, وتلزمه الأجرة مضافاً إلى ضمان قيمة العين بالتفريط.
[مسألة 505] إذا أتلفها المؤجر تخير المستأجر بين الفسخ والرجوع بالأجرة، وبين لرجوع عليه بقيمة المنفعة.
[مسألة 506] إذا أتلفها الأجنبي, فإن كان بعد القبض رجع المستأجر عليه بالقيمة, وهي القيمة السوقية للمنفعة. وإن كان قبل القبض تخير المستأجر بين الفسخ والرجوع إلى المؤجر بالأجرة, إذا كان قد دفعها وبين الأمضاء والرجوع على المتلف بالقيمة.
[مسألة 507] إذا إنهدم بعض الدار التي استأجرها, فبادر المؤجر إلى تجديدها, فالأقوى إنه إن كانت الفترة غير معتد بها فلا فسخ ولا إنفساخ. وإن كانت معتداً بها رجع المستأجر بما يقابلها من الأجرة، أعني بمقدار ما حصل من التباطئ والاهمال. كما أن له الفسخ في الجميع لتبعض الصفقة. فإذا فسخ رجع بنسبة الأجرة إلى المنفعة المستوفاة من القسم القائم من الدار. وإذا إنهدمت جميع الدار قبل الاستيفاء فالظاهر إنفساخ العقد.
[مسألة 508] المواضع التي تبطل فيها الإجارة, وتثبت للمالك أجرة المثل, لا يفرق فيها بين أن يكون المالك عالماً بالبطلان أو جاهلاً به.
[مسألة 509] تجوز تجارة الحصة المشاعة من العين, لكن لا يجوز تسليمها إلى المستأجر إلا بأذن الشريك, إذا كانت العين مشتركة.
[مسألة 510] يجوز أن يستأجر إثنان داراً أو دابةً، فيكونان مشتركين في المنفعة, فيقتسمانها بينهما كالشريكين في ملك العين, وتكون المنفعة بينهما بنسبة ما دفع كل منهما إلى مجموع المال، أو بحسب الاتفاق، أو بحسب ما هو مشترط بالعقد.
[مسألة 511] يجوز أن يستأجر شخصين لعمل شيء معين, كحمل متاع أو بناء جدار أو هدمه أو غبر ذلك، فيشتركان في الأجرة. وعليهما القيام بالعمل الذي أستأجرا عليه.
[مسألة 512] لا يشترط إتصال مدة الإجارة بالعقد على الأقوى, فيجوز أن يؤجر داره سنة مثلاً, متأخرة عن العقد لسنة أو أقل أو أكثر. ولا بد من تعين مبدأ المدة. وإذا كانت المدة محدودة ولم يذكر زمان البدأ إنصرف إلى الاتصال.
[مسألة 513] إذا أجره دابة كلية ودفع فرداً منها فتلف, كان على المؤجر دفع فرد آخر. سواء كان التلف مضموناً أو غير مضمون.