الصلح : عقد منتج للتراضي والتسالم بين شخصين, لقطع مادة الاختلاف بينهما في أمر، مثل تمليك عين أو منفعة أو إسقاط دين أو حق مجاناً أو بعوض. وقد يحصل بدون حصول خلاف أصلاً.
[مسألة 921] الصلح عقد مستقل لا يرجع إلى سائر العقود، وإن أنتج نتائجها. فهو يفيد فائدة البيع, إذا كان الصلح على عين بعوض. وفائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض. وفائدة الهبة إذا كان على عين بغير عوض. وفائدة الإبراء إذا كان على إسقاط حق أو دين. ولكنه مع ذلك عقد مستقل ما دام الإيجاب فيه بعنوان الصلح. وإن كان الاحتياط أحياناً بخلافه.
[مسألة 922] إذا تعلق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح، سواء أكان مع العوض أو بدونه. وكذا إذا تعلق بدين على غير المصالح له, أو حق قابل للانتقال، كحقي التحجير والاختصاص, ولو تعلق بدين على المتصالح أفاد سقوطه. وكذا الحال إذا تعلق بحق قابل للإسقاط, وغير قابل للنقل والانتقال، كحق الشفعة ونحوه. وأما ما لا يقبل الانتقال ولا الإسقاط. فلا يصح الصلح عليه.
[مسألة 923] يصح الصلح على مجرد الانتفاع بالعين، كأن يصالح شخصاً على أن يسكن داره, أو يلبس ثوبه مدة معينة, أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه, أو يجري ماؤه على سطح داره, أو يكون ميزابه على عرصة داره, أو يكون الممر والمخرج له من داره أو بستانه, أو على أن يخرج جناحاً في فضاء ملكه, أو على أن يكون أشجاره في فضاء أرضه, إلى غير ذلك. ولا فرق في ذلك كله بين أن يكون مجانياً أو بعوض، في صدق عنوان الصلح أو معناه, ما دام لفظه مستعملاً في العقد.
[مسألة 924] يتضح من ذلك إن استعمال لفظ الصلح أو ما في معناه عرفاً. ضروري لصدق هذا العقد. فإذا لم يكن كذلك لم ينعقد صلحاً. سواء كان بلفظ آخر غير مؤد للصلح, أو بالتسليم العملي، وهو المعاطاة. ومن هنا يتضح إن المعاطاة في الصلح باطلة، وإن قصدا مؤداه، على الأحوط [ ].
[مسألة 925] يجري حكم الفضولي في الصلح، كما يجري في البيع وغيره.
[مسألة 926] لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به. فإذا أختلط مال أحد الشخصين بمال الآخر، جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو بالاختلاف، كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال معين بازاء المال المختلط. ولا يفرق في ذلك بين ما إذا كان التخيير بين المالين متعذراً, وما إذا لم يكن متعذراً. ولكن يجب عدم إحراز التفاضل بين العوضين, إذا كان من النقدين أو النقد المتعارف.
[مسألة 927] يجوز للمتداعيين أن يتصالحا بشيء من المدعى به أو بشيء آخر، حتى مع إنكار المدعى عليه. ويسقط بهذا الصلح حق الدعوى، ويسقط حق اليمين الذي كان للمدعي على المنكر. فليس للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة، ولكن هذا قطع للنزاع ظاهراً, ولا يحل لغير المحق أن يأخذ ما يأخذه بالصلح. وكذا إذا بقيت من الحق بقية خارج تلك المعاملة. والأقوى جواز متعلق الصلح, وعدم جواز غمط الزائد على تقدير صحته واقعاً. مثل ما إذا إدعى شخص على آخر بدين فأنكره, ثم تصالحا على النصف. فهذا الصلح وإن أثر في سقوط الدعوى، ولكن المدعي لو كان محقاً فقد وصل أليه نصف حقه. ويبقى نصفه الآخر في ذمة المنكر. ولكن إذا كان المنكر معذوراً في اعتقاده, لم يكن عليه إثم. نعم، لو رضي المدعي بالصلح عن جميع ما في ذمته، فقد سقط حقه كله.
[مسألة 928] لو قال المدعى عليه للمدعي : صالحني، لم يكن ذلك منه إقراراً بالحق. لما عرفت من الصلح يصح مع الإقرار والإنكار. وأما لو قال : بعني أو ملكني، كان إقراراً.
[مسألة 929] يعتبر في المتصالحين البلوغ والعقل والاختيار والقصد والرشد بمعنى عدم السفه. أما عدم الفلس, فما لا يجوز للمفلس من المعاملات بغير الصلح لم تجز صلحاً. وما جاز منها بغيره جاز صلحاً.
[مسألة 930] لو تصالح شخص مع الراعي بأن يسلم أليه نعاجه ليرعاها سنة - مثلاً - ويتصرف في لبنها. ويعطيه مقداراً معيناً من الدهن - مثلاً - صحت المصالحة. بل لو كان ذلك بنحو الإجارة جاز. نعم، لو لم يكن العوض مقدراً صحت صلحاً وبطلت بنحو الإجارة.
[مسألة 931] لا يحتاج إسقاط الحق أو الدين إلى القبول. فإنه الإبراء, وهو إيقاع ينفذ حتى مع كراهة الآخر. وأما المصالحة عليه فتحتاج إلى القبول.
[مسألة 932] لو علم المدين بمقدار الدين، ولم يعلم به الدائن, وصالحه بأقل منه. لم تبرأ ذمته عن المقدار الزائد, إلا أن يعلم برضا الدائن بالمصالحة, حتى لو علم بمقدار الدين. أو يعلم إجمالاً بوجود الزيادة قبل الصلح. ولكن لو أنكشف كون الفرق كثيراً بحيث يعد الآخر مغبوناً عرفاً, لم يحل الزائد.
[مسألة 933] لا تجوز المصالحة على مبادلة مالين من جنس واحد, إذا كانا مما يكال أو يوزن، مع العلم بالزيادة في أحدهما على الأحوط [ ]. ولا بأس بها مع احتمال الزيادة.
[مسألة 934] لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين، فيما إذا كانا قيميين أو مثليين من غير المكيل والموزون. أو لم يكونا من جنس واحد. أو كانا متساويين في الكيل والوزن. وأما إذا كانا من المكيل أو الموزون ومن جنس واحد، فجواز الصلح على مبادلتهما مع الزيادة مخالف للاحتياط الوجوبي. نعم، مع النص في عقد الصلح على قصد المبادلة بين القيمتين لا المثلين كان للجواز وجه.
[مسألة 935] يصح الصلح في الدين المؤجل بأقل منه إذا كان الغرض إبراء ذمة المديون من بعض الدين, وأخذ الباقي منه نقداً، سواء كان من المكيل والموزون أو غيره.
[مسألة 936] عقد الصلح لازم في نفسه، حتى في ما إذا كان بلا عوض, وكانت فائدته فائدة الهبة. ولا ينفسخ إلا باشتراط حق الفسخ لأحدهما أو كلاهما، أو بالمقايلة وهي اتفاق الطرفين على الفسخ.
[مسألة 937] لا يجري في الصلح ما يجري في البيع, من خيار الحيوان, ولا خيار المجلس, ولا خيار تخلف الرؤية, ولا خيار تخلف الوصف, ولا خيار تخلف الشرط, ولا خيار العيب, ما لم يشترط بعضها في العقد.
[مسألة 938] يجري في الصلح خيار التأخير، فيما لو أخر العوض عن الحد المتعارف أو أشترط تسليمه نقداً, أو في موعد محدد فلم يفعل، وكذا يجري فيه خيار الاشتراط كما سبق. وهو جعل الخيار لأحدهما.
[مسألة 939] لو أشترط في عقد الصلح, وقف المال المصالح به على جهة خاصة ترجع إلى المصالح نفسه أو إلى غيره، أو جهة عامة في حياة المصالح أو بعد وفاته، صح ولزم الوفاء بالشرط مع الإمكان.
[مسألة 940] الأثمار والخضر والزرع يجوز الصلح عليها قبل ظهورها في عام واحد من دون ضميمة. وإن كان لا يجوز ذلك في البيع على ما مر.
[مسألة 941] إذا كان لأحد الشخصين سلعة تسوى بعشرين درهماً مثلاً, وللآخر سلعة تسوى بثلاثين واشتبهتا، ولم تتميزا. فإن تصالحا على أن يختار أحدهما فلا إشكال. وإلا بيعت السلعتان وقسم الثمن بينهما بالنسبة، فيعطى لصاحب العشرين سهمان, وللآخر ثلاثة أسهم, هذا مع لحاظ المالية والتراضي عليها. وأما إذا كان المراد شخص المال. كان المرجع في التعيين هو القرعة.