الشركة : هي الملكيه المشاعة للمال. فلو لم تكن ملكية، لم تكن شركة، كالمباحات العامة. ولو لم تكن مشاعة، لم تكن شركة، كما لو كانت الأرض لشخص والبناء لآخر. ولو لم يكن مالا، لم تكن شركة، كالهواء أو الاحترام. نعم، ما كان بمنزلة المال امكنت فيه الشركة. كحق الاختصاص في الخمر, أو في التحجير, أو المال في الذمة، كما لو استدان مالا مشتركا. أو كالحق ا لقابل للانتقال بالارث، كحق الفسخ.
[مسألة 659] اسباب الشركة في المال عديدة :
السبب الاول : الاختلاط بشكل لايتميز. كما لو اختلط مائعان أو مجموعتان متماثلتا الاجزاء من الحنطة أو الشعير مثلا، أو اختلط ماء وسكر أو ملح وذاب فيه. ولا فرق في ذلك بين حصول الاختلاط اختيارا أم قهرا.
السبب الثاني : الاختلاط الوهمي أو العلمي. بمعنى اشتباه الملكية بين شخصين أو اشخاص، كثوبين أو فرسين, أو مجموعة دراهم أو دنانير. وفرقه عن السابق هو تميز اجزائه عرفا، بخلاف الاول.
السبب الثالث : الارث، فانه سبب لاشتراك الورثه بالتركة، حسب الحصص الشرعية.
السبب الرابع : التوكيل. فيما اذا قال : اشتر لي هذا الثوب من مالك وبعه ويكون الربح بيننا، فان الثوب يكون عند شرائه مشتركا بينهما.
السبب الخامس : التسبيب الاختياري المعاملي. كما لو وهب النصف المشاع من داره أو باعه أو جعله صداقا للمراة، فان الدار تكون مشتركة بينهما.
السبب السادس : الاسترباح بالمال المشترك باجازة الشريكين. فان الربح يكون مشتركا ايضا. وكذلك لو اعطي المال مضاربة لاحدهما أو لثالث.
السبب السابع : المضاربة بمال غير مشترك، فان الربح يكون مشتركا بين المالك والعامل، بالنسبة المتفق عليها.
السبب الثامن : الحيازة المشتركة لشيء من المباحات العامة. كما لو اشتركا في قطع شجرة أو صيد حيوان، فانه يكون مشتركا بينهما، مالم يبادر احدهما بنية التملك عليه فيكون له، وعليه اجرة المثل للآخر على عمله معه.
وقد توجد للشركة اسباب اخرى غير هذه.
[مسألة 660] اشرنا إلى ما يصلح ان يكون متعلقا للشركة، ونذكره هنا تفصيلا. وهو امور :
الامر الاول : المال. كالدار المشتركة عينا بين شخصين أو اكثر، باي سبب من الاسباب السابقة.
الامر الثاني : المنفعة، كما لو استأجر شخصان دارا لسكناهما، بنسبة في الاجرة بينهما، فيشتركان في المنفعه بمقدار تلك النسبة ما لم يتفقا على خلافها.
الامر الثالث : حق الاختصاص، فيما هو غير قابل للملكية. كالخمر وحق التحجير واضرابهما. فلو قام اثنان بالتحجير لارض، كانت مشتركة بينهما.
الامر الرابع : الحق المالي القابل للانتقال بالارث. كحق الفسخ، فانه يكون مشتركا بين الورثة، الا ان في كونه من الشركه بحيث تترتب عليه احكامها اشكال، الا ان يمثل لذلك بانتقال حق الاختصاص بالارث. فيرجع إلى الامر الثالث، غير ان سببه الارث.
[مسألة 661] ذكر مشهور الفقهاء عقد الشركة كسبب مستقل لحصول الشركة. وهو في حقيقته راجع إلى السبب السادس السابق.وهو الاسترباح بالمال المشترك باجازة الشريكين. فان الربح يكون مشتركا بينهما، سواء تعاقدا على ذلك أم لم يتعاقدا. الا ان الفقهاء يريدون به التسبيب الاختياري للاشتراك بالمال، بان يأتي كل واحد منهما بكمية من الحنطة أو الدراهم فيخلطانها، فتصبح مشتركة. فيقول احدهما : شاركتك في هذا المال بنسبة الربح. أو نحو ذلك. فيتاجران به، ويكون الربح بينهما على نسبة الشركة، ما لم يتفقا على نسبة اخرى.
[مسألة 662] عقد الشركة بهذا المعنى، عقد جائز. فيجوز لكل من المتعاقدين فسخه، فاذا فسخ، لم يجز لاي منهما التصرف في المال المشترك بينهما، سوا كان اصل المال أو الربح الموجود. وينفسخ عقد الشركة، بعروض الموت أو الجنون أو الحجر بفلس أو سفه، على احد الشريكين. كما لا يتعين فيه الموجب من القابل. فلكل منهما ان يكون بادئا بالايجاب، حتى لو كانت حصته اقل.
[مسألة 663] هناك اسباب متصورة ولكنها غير منتجه للشركة. نذكر منها:
أولا : ما اذا قال على ماله المملوك : ليكن هذا المال شركة أو مشتركا بيننا، لم يؤثر ما لم يعد إلى هبة حصة منه للاخر.
ثانيا : ما اذا قال على مال له في الذمة لثالث : ليكن هذا المال مشتركا بيننا. لم يؤثر حتى بنحو الهبة.
ثالثا :اذا قال على حق اختصاصه، مثل ذلك، الا ان يعود إلى الهبة.
رابعا : اذا كان له خيار خاص به في معاملة، كخيار الشرط أو خيار تخلف الشرط أو خيار الحيوان. فقال للاخر أو الثالث: بعد العقد ليكن هذا الخيار مشتركا بيننا. لم يؤثر.
خامسا : اذا كان الخيار لهما معا بالاستقلال، كخيار المجلس, فهو مشترك بينهما في اصطلاح اللغة، ولكنه ليس مشتركا فقهيا. وكذلك لو كان مشتركا بينهما على عين غير مشتركة، بمعنى ان لهما ان يتفقا على الفسخ وليس لاحدهما الاستقلال به، فانه ليس من باب الشركه.
ونذكر في المسائل الاتيه اسبابا اخرى باطلة للشركة :
[مسألة 664] الشركة في الاعمال باطلة، وهي : ان يتعاقدا, على ان تكون اجرة عمل كل منهما مشتركة بينهما بنسبة محددة. فاذا تعاقدا على ذلك بطل، ولكل منهما اجرة عمله، وكذلك على الاحوط [ ] لو صالح كل منهما صاحبه, على ان يكون نصف منفعة عمله بنصف منفعة عمل صاحبه، فقبل الاخر.
[مسألة 665] لو تصالح العاملان, في ضمن عقد لازم اخر, على ان يعطي كل منهما نصف اجرته للآخر، صح ذلك، ووجب العمل بالشرط.
[مسألة 666] الشركة في الوجوه باطلة. وقد فسرت بعدة تفسيرات كلها ممنوعة شرعاً : منها :ان يتعاقدا على ان يشتري كل منهما مالا بثمن في ذمته إلى اجل، ثم يبيعانه، ويكون ربحه بينهما والخسران عليهما. ومنهما : ان يتوسط وجيه في المجتمع بين شخصين، ليرضى احدهما ان يبيع للآخر بثمن مؤجل، ويكون الربح بين المشتري وبين الوجيه. ومنها : ان يشترك وجيهان لا مال لهما في التجارة, ويكون رأس مالهما هو الوجاهة فقط. فيشتريان من الناس بذمه ويكون الربح بينهما. وهذا يرجع إلى الوجه الاول، مع فرقين :
احدهما : النص على ان يكونا وجيهين.
ثانيهما: ان تكون الذمة المطلوبة للآخرين مشتركة أيضا.فان لم يتعاقدا على اشتراك الذمة، فهو كالاول فقهياً
[مسألة 667] لا تصح شركة المفاوضة. بأن يتعاقدا على ان يكون ما يحصل لكل منهما من ربح, من تجارة أو زراعة أو ارث أو غير ذلك بينهما. وما يرد على كل منهما من غرامة، تكون عليهما.
[مسألة 668] لو تعاقدا في شركة الوجوه, أو شركة المفاوضة على ما ذكرنا، بطل، وكان لكل منهما ربحه وعليه خسارته. ولكن لو تصالحا في ضمن عقد لازم آخر, على انه ان الربح احدهما اعطى صاحبه نصف ربحه, وان خسر احدهما تدارك الآخر نصف خسارته، صح في المقامين. ولكن الاحوط [ ] تركه. ويكون احتياطا وجوبيا فيما اذا صدق عرفا العنوان الباطل, وهو شركة الوجه أو شركة المفاوضة.
[مسألة 669] يلحق كلاً من الشريكين من الربح والخسران، بنسبة ماله، فان تساويا في الحصة كان الربح والخسران بينهما بالسوية, وان اختلفا بالنسبة.
[مسألة 670] اذا اشترط الشريكان المساواة بالربح، مع اختلاف الحصص, أو اشترطا الاختلاف، مع تساوي الحصص، صح. اذا كان للمشروط له عمل، وإلا لم يصح الشرط، مالم يعد إلى ابراء الذمة اختياراً.
[مسألة 671] لا يجوز لاحد الشريكين التصرف في العين المشتركة، بدون اذن شريكه. وإذا اذن له في نوع من التصرف، لم يجز التعدي إلى نوع آخر.
[مسألة 672] اذا كان الاشتراك في امر تابع، مثل البئر والطريق غير النافذ والدهليز ونحوها، مما كان به الانتفاع مقدمة للانتفاع بملكه, جاز التصرف. وان لم يأذن الشريك, وخاصة اذا كان الانتفاع به مبنياً عرفاً على عدم الاستئذان من الآخر.
[مسألة 673] اذا كان ترك التصرف موجباً لنقص العين, كما لو كانا مشتركين في طعام. فأذا لم يأذن احدهما في التصرف أدى ذلك إلى جوع صاحبه أو فساد الطعام. جاز للآخر الرجوع إلى الحاكم الشرعي ليأذن في اكله أو بيعه أو نحوهما، ليسلم من الضرر.
[مسألة 674] اذا كانا شريكين في دار مثلا، فتعاسرا وامتنع احدهما من الاذن في جميع التصرفات بحيث ادى ذلك إلى الضرر، رجع الشريك إلى الحاكم الشرعي, ليأذن في التصرف الاصلح حسب نظره.
[مسألة 675] لا يصح الاتفاق على الاشتراك في الديون، فأذا كان لزيد دين على احد, وكان لعمرو دين على آخر، لم يجز لهما ان يتعاقدا على ان يكون كلاً من الدينين مشتركاً بينهما بالنصف أو غيره من النسب. ومن امثلة ذلك ايضا، ان يكون شخص دائنا لشخص آخر، فيهب الدائن نصف ما في ذمة المدين إلى ثالث, فيكون ما في ذمة الاول مشتركا بينهما. فان هذه الهبه باطلة، وغير منتجة للتمليك. ومن امثلة ذلك ان يكون لشخصين دينا مشتركاً في ذمة شخصين آخرين, فيتفق الدائنان على تبديل حصته من هذه الذمة بحصة صاحبه من الذمة الاخرى, بحيث يكون كل مدين مدينا لواحد لا لأثنين. وكذلك العكس, كما لو كان كلا المدينين مشغولي الذمة لدائن بالاستقلال, فاراد الدائنان تبديل جزء مما في هذه الذمة بجزء مما في الذمة الاخرى, بحيث ينتج ان تكون ذمة كلا المدينين مشتركة, بعد ان كانت مستقلة.
[مسألة 676] لا يصح التعاقد على الاشتراك في المنافع, فأذا كان لكل من زيد وعمرو دار, لم يصح العقد بينهما لتكون منفعة كل واحدة من الدارين مشتركة. نعم، يصح ذلك بنحو الصلح أو الهبة المعوضة.
[مسألة 677] لا يصح التعاقد على الاشتراك بالحقوق, كحق الاختصاص وحق الخيار، ما لم يشترط ذلك في عقد لازم آخر.
[مسألة 678] العامل في عقد الشركة أمين، لا ضمان عليه الا مع التعدي أو التفريط, سواء ان كان هو احد الشريكين أم ثالث.
[مسألة 679] يجب على العامل في عقد الشركة الألتزام بقيودها المشروطة عليه، فاذا تعدى عامل الشركة في معاملته عما حدد له، لم تنفذ معاملته، الا باجازة شريكه.
[مسألة 680] اذا ادعى احد الشريكين على الآخر الخيانة أو التعدي أو التفريط، فانكر، فالقول قول المنكر مع يمينه, سواء أكان المنكر عاملا أم لم يكن.
[مسألة 681] اذا اشترك شخصان في حيازة بعض المباحات العامة، كان مملوكا مشتركا بينهما, كما اذا احييا ارضا ً سوية, أو ضربا سهمين فمات الحيوان نتيجة لفعلهما معاً. اما لو اصطاد اثنان عدداً من الاسماك أو الطيور مثلاً، كان لكل منهما ما اصطاده. ولو اشتبه المجموع، لم يكن من الشركة المصطلحة، وامكن تمييزه بالقرعة.
فصل
في القسمة
يلحق الكلام عن الشركة الكلام عن القسمة، لأنها تقبلها اجمالاً في المعنى. فاذا كان معنى الشركة هو شيوع الملكية واختلاطها بين متعددين. كان معنى القسمة إفراد الاجزاء وافراز الحصص، بحيث تزول الشركة ويرتفع الشيوع ويحصل التعيين.
[مسألة 682] ليست القسمة بيعاً ولا معاوضة، ولا تجري فيها أحكام البيوع والمعاوضات. فلا يصدق فيها خيار المجلس أو خيار الحيوان، ولا أحكام الصرف واحكام الربا، وغير ذلك.
[مسألة 683] تنقسم القسمة إلى اكثر من صنف واحد من التقسيم, ستتضح فيما يأتي. أهمها التقسيم إلى ثلاثة أقسام : قسمة الافراز، وقسمة التعديل، وقسمة الرد. لأنا اذا علمنا ان التقسيم اساساً يحتوي على فكرة فصل المال وفرزه إلى سهام متعددة. وبدونه لا معنى للقسمة. فهذا الفرز له ثلاثة أنحاء :
النحو الأول : أن لا يتوقف الفرز على شيء آخر، بمعنى امكان فرز المال إلى عدة أقسام متساوية في النوعية والعدد والقيمة. كما هو الحال في غالب أجزاء الاموال المثلية، ككومة من الحنطة يراد تقسيمها نصفين أو أثلاثاً أو ارباعاً. فهذه هي قسمة الافراز.
النحو الثاني : قسمة التعديل. وهي تصدق فيما إذا كانت النوعية والعدد والقيمة غير متفقة. والمهم هو إختلاف القيمة مع النوعية أو العدد أو معهما. فتكون القسمة بحسب القيمة لا بحسب النوعية أو العدد. ومثال اإختلاف في النوعية : أن يملك إثنان عبداً وبعيراً بقيمة مئة دينار لكل منهما, فيأخذ أحدهما العبد والآخر البعير. ومثال الإختلاف في العدد. ما لو إشترك إثنان في ثلاثة أغنام, واحدة منها بثلاثين وأثنين منها بثلاثين. فيأخذ أحدهما الأولى والآخر الأثنين الآخرين.
النحو الثالث : قسمة الرد. وموردها نفس مورد قسمة التعديل غير أن الأجزاء هنا لا يمكن فرزها وتقسيمها بحسب القيمة, كما لا يمكن تقطيعها إلى أجزاء أصغر منها. فيتعين الرد وهو أن يعطي أو يرد أحد الشريكين فرق القيمة إلى صاحبه. كما لو كان عبدان مشتركان بين إثنين, وكانت قيمة أحدهما عشرة دنانير وقيمة الآخر تسعة. فيأخذ كل منهما لدى القسمة عبداً, ويدفع صاحب العشرة إلى صاحبه نصف دينار، وهو الرد.
[مسألة 684] تختلف الأموال المشتركة في قبول أنواع القسمة المذكورة. فبعض الأموال يمكن فيها نوع واحد من تلك الثلاثة. وبعضها يمكن فيها نوعان. وبعضها يمكن فيها الأنواع الثلاثة جميعاً. فهذه أربعة أقسام نذكرها في المسائل الأتية:
[مسألة 685] القسم الأول : أن يقبل المال قسمة الأفراز وقسمة التعديل. ومثاله : أن يشترك إثنان في منّ من الحنطة ومنّين من الشعير بالمناصفة. وقيمة المن من الحنطة عشرة دنانير, وقيمة المن من الشعير خمسة. فإذا أخذ كل من الشريكين نصف الحنطة ونصف الشعير : يعني منّ من الشعير ونصف منّ من الحنطة. كانت قسمة إفراز. واذا أخذ احدهما الحنطة كلها, وأخذ الآخر الشعير كله، كانت قسمة تعديل.
[مسألة 686] القسم الثاني : أن يقبل المال قسمة التعديل وقسمة الرد معاً. ومثاله : أن يشترك رجلان في أربع شياه بالمناصفة, وتكون قيمة شاة كبيرة منها خمسة عشر ديناراً، وقيمة شاتين متوسطتين عشرون ديناراً، كل واحدة عشرة دنانير. وقيمة شاة صغيرة خمسة دنانير، ومجموع ذلك أربعون ديناراً، فهنا يمكن القسمة بأن يجعل الشاتان المتوسطتان لأحدهما. والشاة الكبيرة مع الصغيرة للآخر، فتكون قسمة تعديل كما يمكن القسمة بجعل الشاة الكبيرة مع احدى المتوسطتين لأحد الشريكين وللآخر المتوسطة الأخرى مع الصغيرة. فيكون ما وصل إلى الأول قيمته خمس وعشرون. وما وصل إلى الثاني خمسة عشر, فيجب أن يرد الأول للثاني بمقدار نصف قيمة الفرق بين السهمين, وهو خمسة دنانير. فتكون قسمة رد.
[مسألة 687] القسم الثالث : أن يقبل المال قسمة الافراز وقسمة الرد. كما لو اشترك اثنان في منين من الحنطة ومنين من الشعير. وتكون قيمة من الحنطة عشرة دنانير وقيمة من الشعير خمسة. فهنا تمكن قسمة الافراز بأن يأخذ كلا الشريكين منا من الحنطة ومنا من الشعير. وتمكن قسمة الرد، بأن يأخذ أحد الشريكين الحنطة كلها والآخر الشعير. فيكون الفرق في القسمة عشرة دنانير. فيجب أن يرد صاحب الحنطة إلى صاحبه خمسة, أي بمقدار نصف الفرق.
[مسألة 688] القسم الرابع : أن يقبل المال الانواع الثلاثة السابقة للقسمة. ومثاله : قطعة من الارض مشتركة بين اثنين مناصفة, غير ان أجزائها غير متساوية في القيمة, بأن يكون أحد جانبيها رملياً والآخر طينياً، أو لأن أحد الجانبين متجه إلى أحد الشوارع العامة, وليس الجانب الآخر مثله. فهنا : تمكن قسمة الافراز. بأن يأخذ كلا الشريكين نصف الجانب الأهم ونصف الجانب الآخر. وتمكن قسمة التعديل : بأن يأخذ أحدهما : الجانب الرديء وبعض الجانب الأهم, ويأخذ الآخر القسم الآخر من الاهم. بحيث يتساويان في القيمة. وتمكن قسمة الرد, بأن يأخذ أحد الشريكين الجانب الاهم ويأخذ الآخر الجانب الرديء. ويرد الاول على الثاني نصف قيمة الفرق.
[مسألة 689] اذا طلب أحد الشريكين القسمة وأمتنع الآخر. فإن كان امتناعه عن ضرر أو ضرورة، لم يكن للآخر أجباره على القسمة. وان كان الطالب هو المتضرر اجبر الآخر عليها. واذا لم يكن أحدهما متضرراً لوحظت جهة الانتفاع دون التشهي.
[مسألة 690] اذا اتفقا على القسمة فهي قسمة اختيار, وأن اجبر أحدهما فهي قسمة اجبار. وهو تقسيم آخر للقسمة كما أشرنا في مسألة [683].
[مسألة 691] تنقسم القسمة إلى ممكنة ومتعذرة، فإنه ليس كل ما يكون مشتركاً يكون قابلاً للقسمة. فإن ما يكون متعلقاً للشركة كما ذكرنا بالمسألة [660] عدة أمور, ينتج فيها بالتلفيق أقسام عديدة، لا تكون كلها قابلة للقسمة، نذكر منها الأمثلة التالية :
أولاً : الإشتراك بين ملكين. كالدار المشتركة بين شخصين، فتكون قابلة للقسمة. وكذلك أي ملك آخر.
ثانياً : الإشتراك بين ملك وحق إختصاص. كقطعة من الأرض, قام أحدهما بتحجيرها فأكتسب حق الإختصاص, وقام الآخر بإحيائها فأكتسب الملك. وأتفقا على أن يكون عملها سوية زماناً, وإنقسام الأرض بينهما بالسوية. وفي مثل ذلك تكون قابلة للقسمة أيضاً.
ثالثاً : الإشتراك بين الملك والوقف. كدار مشتركة بين إثنين وقف أحدهما منها حصته. وهي قابلة للقسمة أيضاً.
رابعاً : الإشتراك بين الوقف وحق الإختصاص، كأحد الكلاب الأربعة يكون مشتركاً بين إثنين، وتكون الملكية هنا بنحو حق الإختصاص، فيقف أحد الشريكين حصته من الكلب. ويجوز مثل هذا الوقف على الأقوى. ويكون قابلاً للقسمة بإحد أشكالها السابقة.
خامساً : الإشتراك بين وقفين. كدار مشتركة بين إثنين، فوقف كل واحد حصته على جهة تختلف عن الآخر. أحدهما للفقراء والآخر للعلماء مثلاً. وقابلية القسمة متحققة هنا أيضاً.
سادسا : الإشتراك بين الحرية والرقية، كما في العبد المكاتب المطلق إذا أدى بعض مال الكتاب. وفي مثله لا معنى للقسمة.
سابعاً : الإشتراك بين الملك [الطِلق][ ] والرهن. كما لو وضع أحد الشريكين حصته رهناً على دين في ذمته دون الآخر. والقسمة ممكنة في هذه الصورة.
ثامناً : الإشتراك بين الملك والإباحة. كما لو أباح أحد الشريكين للآخر التصرف في حصته، أو أباح ذلك لثالث. والقسمة هنا لا مورد لها من جهة الإباحة. وإن كانت ممكنة من جهة الملك.
تاسعاً : الإشتراك بين الملك والإباحة العامة. كما لو حاز نصف الشجرة, يعني أدخلها تحت سيطرته، وبقي النصف الآخر في الإباحة العامة لعجز الفرد عن السيطرة عليها جميعاً. وكما لو نبتت شجرة طبيعية، وكان نصف جذعها وجذرها في أرض مملوكة ونصفها في أرض مباحة. لكن الكلام في مثل تلك الملكية في أنها قابلة للقسمة أم لا [ ].
عاشراً : الإشتراك بين الملكية والزواج. مثاله : أمة مملوكة لشخصين, فزوج أحدهما حصته لصاحبه أو أباحها له. ولا يبعد نفوذ مثل هذا الزواج, وإن كان بعيداً عن الإرتكاز. والأحوط [ ] العمل على الإباحة. والقسمة تكون ممكنة في الملك, وغير ممكنة بلحاظ الزواج.
إلى غير ذلك من الأقسام والأحتمالات.
[مسألة 692] تكون القسمة ممكنة ما دام المال من جنس ما يمكن ملكيته سوقياً. سواء كان مملوكاً أم مباحاً أم مرهوناً أم موقوفاً, أو فيه حق إختصاص. ولا تكون القسمة ممكنة بخلاف ذلك, كما لو كان الإشتراك في الديون أو الحقوق أو الحرية, مع الرقية أو الملكية, مع الزواج
ونحوها.
[مسألة 693] قد يلزم من التقسيم نقصان قيمة القسمين معاً عن المجموع، كالأحجار الكريمة, فإن قسمتها تذهب كثير من قيمتها, وكذلك بكثير من الأعيان الآخرى كبعض الأراضي والآثاث والمفروشات والملبوسات. وفي مثله يكون تقسيمها تبذيراً محرماً، لا يجوز إلا لدى تعلق مصلحة مهمة به. ولا يجبر الآخر عليها لو إمتنع. نعم، يمكن تقسيمها ببيعها وتقسيم قيمتها. ويجبر الشريك عليه لو إمتنع.
[مسألة 694] يكفي في تحقق القسمة فرز السهام وتعديلها, ثم إجراء القرعة. وفي الإكتفاء بمجرد التراضي وجه، لكن على الأحوط إستحباباً خلافه.
[مسألة 695] إذا كان الوقف واحداً لم تصح قسمته. كدار موقوفة على ذرية أو على الفقراء مثلاً. فلا أثر لقسمتها بين الموقوف عليهم, بل يبقى كلا القسمين على إشتراكه السابق بينهم. سواء كانت القسمة منافية لشرط الواقف أو لا.
[مسألة 696] إذا دار الأمر بين قسمين من أقسام القسمة التي ذكرناها في المسالة رقم [685] وثلاثة بعدها. فإن إتفق الشريكان أو الشركاء على أحدها فهو. وإن أمتنع البعض وجب إختيار القسمة التي لا تكون فيها ضرر إلى أحدهم. وإختيار القسمة التي لا ضر ر فيها أو التي يكون الضرر فيها متساوياً, ولا يكون على أحدهم أكثر. فإن كان فيها ضرر على أحدهم دون الباقين, أو كان الضرر عليه أكثر، لم يجبر، ووجب إختيار قسم آخر من إصناف القسمة يدفع به الضرر. وإن كانت كل أقسامها خالية من الضرر لوحظ جانب النفع، غير إن العمل عليه مبني على الإحتياط الإستحبابي. وإن كان الأمتناع لمجرد الرغبة جاز تقديمة, ما لم يتعاسر الشريكان على إسلوب القسمة، فيقدم ما هو أخف مؤونة. وهي كذلك على التوالي: قسمة الإفراز فقسمة التعديل فقسمة الرد. ويكون أمرها عندئذ إلى الحاكم الشرعي.
[مسألة 697] يترتب على المسألة السابقة : إنّ طالب القسمة, إن طلب القسمة المتقدمة شرعاً، كما اتضح، وأمتنع الآخر، أجبر عليها. وإن طلب القسمة المتأخرة شرعاً. لم يجبر الآخر عليها، وإن كان الأظهر كونه إحتياطاً إستحبابياً ما لم يكن ضرر في البين.
[مسألة 698] الضرر الذي يسقط معه إجبار الشريك على قبول القسمة, هو أن تكون القسمة موجبة لنقصان في العين أو في القيمة بما لا يتسامح به عادة.
[مسألة 699] إذا إشترط أحد الشركاء على الآخرين أن لا يقتسم المال المشترك مدة معينة، وكان الشرط في ضمن عقد لازم, وجب الوفاء بالشرط، فلا تجوز لهم القسمة. وإذا طلبوها منه لم تجب عليه الإجابة, ولم يجبر الممتنع، حتى تنقضي المدة. نعم، لو أنه يطلب هو القسمة إذا كان الشرط في مصلحته صرفاً، فيتنازل عن إشتراطه. فإن إمتنع الآخرون أجبروا.
[مسألة 700] إذا تمت القسمة في الأعيان لم يجز لإحد الشركاء فسخها أو إبطالها, بل هو غير منتج شرعاً قطعاً، لإن معناه رجوع الأقسام المقبوضة بيد الشركاء الى الإشتراك. وهذا لا يحدث حتى مع التراضي, إلا أن يحصل سبب الشركة من جديد. أو بتعبير آخر : إن القسمة ليست عقداً أو إيقاعاً قابلاً للفسخ شرعاً. فلا يكون للفسخ أي أثر.
[مسألة 701] إذا وقعت القسمة وادعى أحد الشريكين وقوع غلط فيها أو عدم التعديل في السهام فأنكر الآخر. فالقول قول الأول مع يمينه. فإن ثبت الغلط نقضت القسمة، إلا أن تحصل من جديد على الوجه الشرعي.
[مسألة 702] إذا طلب أحد الشريكين الانتفاع بالعين بينهما بنحو المهاباة, وهي تقسيم الزمان بالنسبة. فيسكن الدار أحدهما شهراً والآخر شهراً, أو يؤجرها هذا شهر والآخر شهراً، أو يكتسب هذا في الدكان المشترك شهراً وذاك شهراً، جاز ذلك بالتراضي, سواء كانت المهاباة بنسبة الملكية أو بغيرها. ولكن لا يجب على الآخر قبول ذلك حتى لو كانت بنفس النسبة, ولا يجبر عليها لو إمتنع ولا يجب عليهما الإستمرار عليها, فيجوز لهما أو لإحدهما الرجوع عنها.