يشترط في وجوب الزكاة في الغلات الاربع امران :
الامر الاول : بلوغ النصاب. ويمكن تعيين مقداره على ثلاثة مستويات.
المستوى الاول : بالوزن القديم الذي كان سائدا في عصر صدر الاسلام. وهو خمسة اوسق، كل وسق ستون صاعاً, وكل صاع اربعة امداد, فيكون النصاب ثلاثمائة صاع, أو الف ومائتا مد. ويساوي بالرطل المدني الفا وثمانمائة رطل. وبالرطل المكي, الفاً وثلاثمائة وخمسون رطلا.وبالرطل العراقي الفان وسبعمائة رطل.
المستوى الثاني : تعيين النصاب بالوزن الذي كان سائداً عندنا في عهد قريب، ثم سيطر عليه وزن الكيلو. وهو نوعان : احدهما : ما يسمى بالحقة البقالية، والاخر: ما يسمى بالحقة العطارية، والحقة البقالية ثلاث حقق ونصف عطارية، وكذلك الحال في اجزائها ومضاعفاتها في الوزن. اما بحساب الحقة البقالية, فالنصاب يكون مائة وتسعة وسبعين حقة، واربعمائة وخمس وتسعين بالالف منها, أي حوالي نصف حقه. لان الوسق المشار اليه سابقاً يساوي تسع وثلاثيين ونصف حقه بقالية تقريباً، فيكون النصاب وهو خمسة اوسق بالغاً الناتج الذي قلناه. واما بحسب الحقة العطارية, فالنصاب ستمائة وثمان وخمسون وربع حقة. لان الوسق يساوي حوالي مائة واحدى وثلاثين حقة ونصف، فيكون النصاب خمسة اضعافه, وهو الناتج المشار اليه.
المستوى الثالث : تعيين النصاب بالوزن السائد في العصر الحاضر. وهو نوعان: احدهما: الكيلو الفرنسي, والآخر: الباوند الانكليزي, اما بحساب الكيلو فالنصاب يساوي تسعمائة كيلو, لان الصاع ثلاث كيلوات والوسق ستون صاعاً, فيكون الوسق مائة وثمانيين كيلو. وحيث ان النصاب خمسة اوسق فيكون الناتج ما ذكرناه. واما بحساب الباوند فالباوند اقل من نصف الكيلو, اذ يساوي اربعمائة وثلاث وخمسين بالالف منه. وحيث ان النصاب تسعمائة كيلو, فيكون النصاب الفاً وتسعمائة وست وثمانون باوند, وسبعمائة واربع وخمسون بالالف, أي حوالي ثلاثة ارباع الباوند.
الامر الثاني : لشرط وجوب زكاة الغلات: الملك في وقت تعلق الوجوب، سواء أكان بالزرع ام بالشراء ام بالارث ام غيرها من اسباب الملك.
[مسألة 183] المشهور ان وقت تعلق الزكاة عند اشتداد الحب في الحنطة والشعير، وعند الاحمرار والاصفرار في ثمر النخل, وعند انعقاده حصرما في ثمر الكرم، لكن الظاهر ان وقته اذا صدق انه حنطة أو شعير أو تمر أو عنب.
[مسألة 184] المدار في قدر النصاب هو الرطب, عند انتهاء القطف والتصفية, في الاجناس الثلاثة التمر والحنطة والشعير. فلو كان عندئذ نصاباً. ونقص مع الجفاف بقي وجوب الزكاة. وهذا بخلاف العنب، فانه لا يجب دفع الزكاة في العنب, بل في الزبيب وهو العنب الجاف, ويمكن حسابه على انه جاف ولو خرصاً أو تقديراً, وان وجب دفعه رطباً على الاحوط[ ].
[مسألة 185] وقت وجوب الاخراج, حين تصفية الغلة واجتذاذ الثمر وقطف العنب على النحو المتعارف، فاذا اخر المالك الدفع عن ذاك الوقت بدون عذر, ضمن مع وجود المستحق. بمعنى انه يجب عليه ان يدفع حصة مجددة للزكاة, ولا يجوز للساعي المطالبة قبله، نعم, يجوز الاخراج قبل ذلك بعد تعلق الوجوب، لكن يجب دفع الحصة بوزن الناضج ولو تقديراً. ويجب على الساعي القبول.
[مسألة 186] لا تتكرر الزكاة في الغلات بتكرر السنين، فاذا اعطى زكاة الحنطة، وبقيت العين عنده عدة سنين، لم تجب فيها زكاة الغلات. وهكذا غيرها. ولكن قد يجب فيها امر آخر كالخمس.
[مسألة 187] المقدار الواجب اخراجه في زكاة الغلات, العشر اذا سقي سيحاً كفيضان النهر عليه، أو بالمطر أو بمص عروقه من ماء الارض. ويجب نصف العشر اذا سقي بالدلاء والماكنة والناعور ونحو ذلك من العلاجات، وعلى العموم فاذا غرم المالك اجوراً للسقي, وجب نصف العشر, وان سقي طبيعياً مجانا وجب العشر. واذا تبرع له غيره بالاجور لم يعتبر مجاناً.
[مسألة 188] المدار في التفصيل المتقدم على الثمر لا على الشجر. فاذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء، ولكنه عند اول ثمره يسقى سيحاً, وجب فيه العشر. ولو كان بالعكس، وجب فيه نصف العشر.
[مسألة 189] الامطار المعتادة في السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه، الا اذا كثرت بحيث يستغنى عن الدوالي, فيجب حينئذ العشر. أو كانت بحيث توجب صدق الاشتراك في السقي فيجب التوزيع بالنسبة.
[مسألة 190] المهم في طريقة سقي الغلات, هو دفع الاجور وعدمه. سواء اتحد شكل السقي ام اختلف, ما دام متحداً في احدى الصفتين. فلو كان سقية بدون اجور, ولكنه تارة على المطر, واخرى على السيح, وثالثة على المياه الباطنية، وجب دفع العشر ولو كان سقية باجور لكنها تارة في حفر ساقية, واخرى في حفر بئر, وثالثة في اجور ناعورة أو مضخة ماء, ورابعة لنقل الماء الى المزرعة عن طريق السيارات أو الحيوانات، وجب نصف العشر.
[مسألة 191] لو كان سبب السقي مما حصل بالاجر في نبات سابق, ولكنه في هذا العام اصبح سبباً للسقي مجاناً، كما لو فاضت العين المحفورة, أو جرت الساقية طبيعياً، وجب العشر.
[مسألة 192] اذا أخرج شخص الماء بالدوالي عبثا أو لغرض, فسقى به آخر زرعه, فالظاهر وجوب العشر ان بقي الماء بعد اخراجه, من المباحات العامة ووصل الى الزرع بنفسه بدون تعمل, والا وجب نصف العشر. وكذا اذا اخرجه هو عبثا أو لغرض آخر، ثم بدا له فسقى به زرعه. واما اذا اخرجه لزرع, فبدا له فيه وسقى به زرعا آخر أو زاد الماء به غيره، فالظاهر وجوب نصف العشر.
[مسألة 193] ما يأخذه السلطان من الحاصل، باي عنوان أو سبب، لا يجب اخراج زكاته. ويعتبر حصول النصاب بعد دفعه. فلو كان نصابا ولكنه اصبح اقل بعد دفع هذه الحصة, لم تجب الزكاة فيه.
[مسألة 194] المشهور استثناء المؤن التي يحتاج اليها الزرع والثمر، من اجرة الفلاح والحارث والساقي والعوامل التي يستأجرها للزرع، واجرة الارض ولو غصبا، ونحو ذلك مما يحتاج اليه الزرع أو الثمر، ومنها ما يأخذه السلطان من النقد المضروب على الزرع المسمى بالخراج. ولكن الاحوط[ ] عدم استثناء المؤن جميعا الا حصة السلطان المأخوذة بسبب الزكاة أو النبات الزكوي.
[مسألة 195] يمكن احتساب المؤن التي تتعلق بالزرع أو الثمر على الزكاة، بالنسبة، مع اخذ الاذن من الحاكم الشرعي.
[مسألة 196] يضم النخل بعضه الى بعض، وان كان في امكنة متباعدة وتفاوتت في الادراك، بعد ان كانت الثمرتان لعام واحد. وان كان بينهما شهر أو اكثر. وكذا الحكم في الزروع المتباعدة, فيلحظ النصاب في المجموع, فاذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة, وان لم يبلغه كل واحد منها. واما اذا كان النخل يثمر في العام مرتين، ففي الضم اشكال، وان كان هو الاحوط وجوبا.
[مسألة 197] يجوز دفع القيمة عن الزكاة, من النقدين وما بحكمهما من الاثمان والاوراق النقدية. واما دفع اعيان اخرى بدلها فهو منوط باذن الحاكم الشرعي.
[مسألة 198] اذا مات المالك بعد تعلق الوجوب، وجب على الوارث اخراج الزكاة. واما لو مات قبله وانتقل الى الوارث, فاذا بلغ نصيب كل واحد النصاب, وجبت على كل واحد منهم زكاة نصيبه, وان كان النصاب في حصص البعض, وجبت عليه دون الباقين. وان لم يبلغ نصيب أي منهم لم تجب اصلا. وكذا اذا كان الانتقال بغير الارث كالشراء والهبة.
[مسألة 199] اذا ملك النبات الزكوي بارث أو هبة، وجبت الحصة، باعتبار السقي الذي فعله المالك السابق. فان كان باجور دفع المالك الثاني نصف العشر، وان كان بدونها دفع العشر.
[مسألة 200] اذا اختلفت انواع الغلة الواحدة، جاز دفع الجيد عن الاجود, والردىء عن الردىء, وفي جواز دفع الردىء عن الجيد اشكال، احوطه[ ] العدم.
[مسألة 201] لا يضم بعض النبات الزكوي الى بعض, وانما يعتبر النصاب في كل منها مستقلا. فلو كان التمر والعنب معا نصابا, أو الحنطة والشعير, لم تجب الزكاة في أي منها.
[مسألة 202] المدار هو صدق العنوان عرفا, وهي التسميات الاربعة: التمر والزبيب والحنطة والشعير. وهذا له عدة نتائج :
اولاً : ما قلناه من عدم وجوب الزكاة قبل صدقها على النبات حال تكونه.
ثانياً : عدم وجوب الزكاة على ما يشك في الحاقه بذلك من النبات.
ثالثاً : عدم وجوب الزكاة على ما خالط هذه النباتات من الادغال, وان كانت مشابهة لها, كالدنان والسلت[ ] والعلس[ ].
رابعاً : وجوب الزكاة على الانواع المختلفة من أي قسم، فيضم اقسام الحنطة الى بعضها البعض، وتعتبر نصابا واحدا، وكذا النباتات الثلاثة الاخرى.
خامساً : انه لا فرق في وجوب الزكاة في عمر الثمرة أو الغلة، ما دام العنوان صادقا. فمثلا تجب في ثمرة النخل سواء كانت بسرا [خلالا] أم منصّفاً أم رطبا أم جافا أم مكبوساً أم غيره. واذا لم يدفع في حال وجب عليه الدفع في الحال الاخرى. وكذا الحال في الحنطة والشعير. ويستثنى من ذلك ثمرة الكرم, فان العنوان الماخوذ في وجوب الزكاة هو الزبيب لا العنب كما سبق.
[مسألة 203] الاقوى ان الزكاة حق متعلق بالعين، على نحو الشركة في المالية على وجه الاشاعة. فالاحوط[ ] انه لا يجوز التصرف في النصاب ولا ببعضه المعين, قبل اخراج الزكاة بدون اذن الحاكم الشرعي. لا يختلف في ذلك التصرف المعاملي كالبيع, أو غيره كالنقل. واما التصرف المعاملي بالكسر المشاع الذي لا يشمل الحصة الزكوية، فلا اشكال فيه، فلو باع النصف المشاع جاز ودفع الحصة من الباقي، لكن لا يجوز تسليمه الى المشترى الا بعد دفع الحصة, أو اجازة الحاكم الشرعي. واما نية تعيينها في النصف الآخر، فلا حجية فيه حتى باذن الحاكم الشرعي على الاحوط[ ].
[مسألة 204] لو باع المال الزكوي باذن الحاكم الشرعي, انتقل كله الى المشتري، وكانت الزكاة في الثمن. وان كان بدون اذنه, انتقل الى المشتري ما زاد عن الحصة الزكوية فيه. فيجب ان يدفعها البائع قبل التسليم، والا فتجب على المشتري، ولا يجوز احتساب الثمن بازائها.
[مسألة 205] لا يجوز التأخير في دفع الزكاة من دون عذر, فان اخره لعذر كطلب المستحق، فتلف المال قبل الوصول اليه لم يضمن, وان اخره مع العلم بوجود المستحق وامكان دفعه اليه ضمن.
[مسألة 206] لا حجية في عزل المالك للحصة الزكوية، بل يبقى حكم النصاب وحكمها واحداً, ما لم يقبضها المستحق. نعم، لا يبعد ان يكون العزل في طريق الدفع حجة, فيشمله حكم المعزول من عدم الضمان مع التلف بدون تأخير ولا تفريط, سواء كان المال المعزول من العين أم من مال آخر، وجد المستحق ام لم يوجد، تأخر الدفع ام تنجز. والمهم ان يكون العزل في طريق الدفع عرفاً. ولو اقتضى الحال التأخير الزائد لغير ضرورة أو حرج, كشهر أو شهرين, لم يجز لا باذن الحاكم الشرعي.
[مسألة 207] نماء الزكاة تابع لها في المصرف، قل أو كثر, ولا يجوز للمالك ابدالها بعد العزل، الا باذن الحاكم الشرعي.
[مسألة 208] اذا باع الزرع أو الثمر، وشك في ان البيع كان بعد تعلق الزكاة حتى تكون عليه، أو قبله حتى تكون على المشتري, لم يجب عليه شيء, الا اذا علم زمان التعلق وشك في زمان البيع, فتجب عليه. وان كان الشاك هو المشتري فان احتمل اداء البائع للزكاة على تقدير كون البيع بعد التعلق, لم يجب عليه اخراجها. وان علم بعدم دفعها من قبل البائع على هذ التقدير وجب عليه الدفع.
[مسألة 209] يجوز للحاكم الشرعي أو وكيله خرص[ ] ثمر النخل والكرم على المالك, بشرط ان يكون الخارص من اهل الخبرة، وان يكون الخرص قبل القطف والاختراف, والا لم يكن حجة. وفائدته تعيين مقدار الزكاة، وجواز تصرف المالك في الباقي. واما خرص المالك لنفسه، فلا يخلو من اشكال حتى لو كان الخارص خبيراً.