وجوب الحج
يجب الحج على كل مكلف جامع للشرائط الآتية, ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة القطعية.
والحج ركن من اركان الدين، ووجوبه من الضروريات, وتركه- مع الاعتراف بثبوته ــ معصية كبيرة. كما ان انكار اصل الوجوب ــ اذا لم يكن مستنداً الى شبهه ــ كفر.
قال الله تعالى في كتابه المجيد: [ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا، ومن كفر فان الله غني عن العالمين].
وروى الشيخ الكليني ــ بطريق معتبر ــ عن أبي عبد الله قال: [من مات ولم يحج حجة الاسلام، ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق معه الحج، أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا].
وهناك روايات كثيرة تدل على وجوب الحج والأهتمام به, لم نتعرض لها للأختصار. وفي ما ذكرناه من الآية الكريمة والرواية كفاية للمراد. واعلم ان الحج الواجب على المكلف ــ في اصل الشرع ــ انما هو لمرة واحدة، ويسمى ذلك بـ [حجة الاسلام].
[مسألة 428] وجوب الحج بعد تحقق شرائطه فوري, فتجب المبادرة اليه في سنة الأستطاعة, وان تركه فيها عصيانا أو لعذر كالعسر والحرج, وجب في السنة الثانية وهكذا. ولا يبعد ان يكون التأخر من دون عذر من الكبائر، فان كان المال قد تلف, وجب الحج ولو بصعوبة نسبية أو اقتراض ونحوه على الاحوط[ ], الا ان يكون فيه ضرر أو حرج شديدان.
[مسألة 429] اذا حصلت الاستطاعة وتوقف الأتيان بالحج على مقدمات وتهيئة الوسائل، وجبت المبادرة الى تحصيلها, ولو تعددت الرفقة، فان وثق بالادراك مع التأخير جاز له ذلك، والا وجب الخروج من دون تأخير.
[مسألة 430] اذا امكنه الخروج مع الرفقة الأولى ولم يخرج معهم, لوثوقه بالادراك مع التأخير, ولكن اتفق انه لم يتمكن من المسير, أو انه لم يدرك الحج بسبب التأخير، استقر عليه الحج، وان كان معذوراً في تأخيره.
شرائط وجوب حجة الاسلام
الشرط الاول : البلوغ.
فلا يجب على غير البالغ، وان كان مراهقا، ولو حج الصبي لم يجزئه عن حجة الاسلام، وان كان حجه صحيحا على الاظهر.
[مسألة 431] اذا خرج الصبي الى الحج فبلغ قبل ان يحرم من الميقات، وكان مستطيعا، فلا اشكال في ان حجه حجة الاسلام، واذا احرم فبلغ بعد احرامه لم يجز له اتمام حجه ندبا، ولا عدوله الى حجة الاسلام، بل يجب عليه الرجوع الى احد المواقيت، والاحرام منه لحجة الاسلام بنية رجاء المطلوبية على الاحوط[ ]، فان لم يتمكن من الرجوع اليه ففي محل احرامه تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى, في حكم من تجاوز الميقات جهلاً أو ناسيا ولم يتمكن من الرجوع اليه.
[مسألة 432] اذا حج ندبا معتقدا بأنه غير بالغ, فبان بعد أداء الحج انه كان بالغا, اجزأه عن حجة الاسلام مالم يكن القصد تقييدياً.
[مسألة 433] يستحب للصبي المميز ان يحج, ولا يشترط في صحته اذن الولي, لكن مع حفظ حقوق الولي الواجبة والداً أو حاكماً شرعيا أو غيرهما.
[مسألة 434] لا يجوز دخول الصبي للحرم الا باحرام, ويستحب للولي ان يحرم بالصبي غير المميز, ذكراً كان ام انثى, وذلك بأن يلبسه ثوبي الاحرام ويأمره بالتلبية ويلقنه اياها، ان كان قابلاً للتلقين, والا لبى عنه، ويجنبه عما يجب على المحرم الاجتناب عنه، ويجوز أن يؤخر تجريده عن الثياب الى فخ، اذا كان سائرا من ذلك الطريق، ويامره بالاتيان بكل ما يتمكن منه من افعال الحج، وينوب عنه فيما لا يتمكن، ويطوف به ويسعى به بين الصفا والمروة, ويقف به في عرفات والمشعر, ويأمره بالرمي ان قدر عليه، والا رمى عنه, وكذلك صلاة الطواف ويحلق رأسه، وكذلك بقية الاعمال.
[مسألة 435] نفقة حج الصبي فيما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي. نعم, اذا كان حفظ الصبي متوقفا على السفر به، أو كان السفر مصلحة له، جاز الانفاق عليه من ماله في الزائد على نفقة الحضر.
[مسألة 436] ثمن هدي الصبي على الولي، وكذلك كفارة صيدها, وأما الكفارات التي تجب عند الاتيان بموجبها عمداً, فالظاهر انها لا تجب بفعل الصبي لا على الولي ولا في مال الصبي.
الشرط الثاني : العقل.
فلا يجب الحج على المجنون وان كان ادواريا. نعم، اذا افاق المجنون في اشهر الحج وكان مستطيعا ومتمكناً من الاتيان باعمال الحج وجب عليه، وان كان مجنونا في بقية الاوقات.
الشرط الثالث : الحرية.
فلا يجب الحج على المملوك وان كان مستطيعا ومأذونا من قبل المولى, ولو حج باذن مولاه صح، ولكن لا يجزيه عن حجة الاسلام. فتجب عليه حجة الاسلام اذا كان واجداً للشرائط بعد العتق.
[مسألة 437] اذا أتى المملوك المأذون من قبل مولاه في الحج ما يوجب الكفاره فكفارته على مولاه.
[مسألة 438] اذا حج المملوك باذن مولاه وانعتق قبل ادراك المشعر, اجزأه عن حجة الاسلام, بل الظاهر كفاية ادراكه الوقوف بعرفات معتقا, وان لم يدرك المشعر، ويعتبر في الاجزاء الاستطاعة حين الانعتاق, بمعنى استطاعة اكمال الحج، فان لم يكن مستطيعا لم يجزىء حجه عن حجة الاسلام, ولا فرق في الحكم بالاجزاء بين اقسام الحج من الافراد والقران والتمتع, اذا كان المأتي به مطابقا لوظيفته الواجبة.
[مسألة 439] اذا انعتق العبد قبل المشعر في حج التمتع فهديه عليه، وان لم يتمكن فعليه ان يصوم بدل الهدي على ما يأتي, وان لم ينعتق فمولاه بالخيار، فان شاء ذبح عنه، وان شاء امره بالصوم.
الشرط الرابع : الاستطاعة.
ويعتبر فيها امور :
الأول : السعة في الوقت، ومعنى ذلك وجود القدر الكافي من الوقت للذهاب الى مكة والقيام بالاعمال الواجبة هناك، وعليه فلا يجب الحج اذا كان حصول المال في وقت لا يسع للذهاب والقيام بالاعمال الواجبة فيها, أو أنه يسع ذلك ولكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة, أو ضرر معتد به، وفي مثل ذلك يجب عليه التحفظ على المال الى السنة القادمة، فان بقيت الاستطاعة اليها وجب الحج فيها والا لم يجب.
الثاني : الأمن والسلامة، وذلك بأن لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض ذهابا وايابا, وعند القيام بالاعمال, كما ان الحج لا يجب مباشرة على مستطيع لا يتمكن من قطع المسافة, أو القيام باعمال الحج لهرم أو مرض أو لعذر اخر, ولكن تجب عليه الاستنابة على ما سيجيء تفصيله.
[مسألة 440] اذا كان للحج طريقان احدهما مأمون, والأخر غير مأمون لم يسقط وجوب الحج مع اجتماع سائر شرائطه، بل وجب الذهاب من الطريق المأمون، وان كان ابعد.
[مسألة 441] اذا كان له في بلده مال معتد به, وكان ذهابه الى الحج مستلزما لتلفه, لم يجب عليه الحج، وكذلك اذا كان هناك ما يمنعه عن الذهاب شرعا، كما اذا استلزم حجه ترك واجب اهم من الحج، كانقاذ غريق أو حريق أو وجوب في مصلحة عامة، أو توقف حجه على ارتكاب محرم كان الاجتناب عنه أهم من الحج.
[مسألة 442] اذا حج مع استلزام حجه ترك واجب اهم, أو ارتكاب محرم كذلك, فهو وان كان عاصيا من جهة ترك الواجب أو فعل الحرام, الا ان الظاهر انه يجزي عن حجة الاسلام, اذا كان واجداً لسائر الشرائط, وان كان الاحوط[ ] الاعادة برجاء المطلوبية, مع تحقق الاستطاعة في عام قادم, ولا فرق في ذلك بين من كان الحج مستقراً عليه ومن كان اول سنة استطاعته.
[مسألة 443] اذا كان في الطريق عدو لا يمكن دفعه الا ببذل مال معتد به، لم يجب بذله, ويسقط وجوب الحج, سواء كان المال الباقي كافياً لاستمرار الحج ام لا.
[مسألة 444] لو انحصر الطريق بالبحر لم يسقط وجوب الحج، الا مع خوف الغرق أو المرض احتمالاً معتداً به، ولو حج مع الخوف صح حجة على الاظهر.
الثالث : الزاد والراحلة.
ومعنى الزاد هو وجود ما يتقوت به في الطريق من المأكول والمشروب وسائر ما يحتاج اليه في سفره, أو وجود مقدار من المال [النقود وغيرها] يصرفه في سبيل ذلك ذهاباً واياباً. ومعنى الراحلة هو وجود وسيلة يتمكن بها من قطع المسافة ذهاباً واياباً، ويلزم في الزاد والراحلة ان يكون مما يليق بحال المكلف, بحيث لا يكون في استعماله خلة وذلة, واما اكثر من ذلك فلا على الاحوط[ ].
[مسألة 445] لا يختص اشتراط وجود الراحلة بصورة الحاجة اليها, بل يشترط مطلقا ولو مع عدم الحاجة اليها، كما اذا كان قادراً على المشي من دون مشقة ولم يكن منافيا لشرفه.
[مسألة 446] العبرة في الزاد والراحلة بوجودهما فعلاً, ولا يجب على من كان قادراً على تحصيلهما بالاكتساب ونحوه, ولا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد.
[مسألة 447] الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج انما هي الاستطاعة من مكانه لا من بلده، فاذا ذهب المكلف الى المدينة المنورة مثلاً للتجارة أو غيرها، وكان له هناك ما يمكن ان يحج به من الزاد والراحلة أو ثمنهما, وجب عليه الحج، وان لم يكن مستطيعاً من بلده.
[مسألة 448] اذا كان للمكلف ملك, ولا يوجد من يشتريه بثمن المثل, وتوقف الحج على بيعه بأقل منه بمقدار معتد به لم يجب البيع، واما اذا ارتفعت الأسعار, فكان اجرة المركوب مثلا في سنة الاستطاعة اكثر منها في السنة الآتية, فلو علمنا بذلك لم يجز التأخير.
[مسألة 449] انما يعتبر وجود نفقة الاياب في وجوب الحج, فيما اذا اراد المكلف العود الى وطنه, وأما اذا لم يرد العود واراد السكنى في بلد آخر غير وطنه، فلابد من وجود النفقة الى ذلك البلد، ولا يعتبر وجود مقدار العود الى وطنه. نعم، اذا كان البلد الذي يريد السكنى فيه ابعد من وطنه, لم يعتبر النفقة الى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود الى وطنه.
الرابع : الرجوع الى الكفاية.
وهو التمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع, وبعبارة واضحة, يلزم ان يكون المكلف على حالة, لا يخشى معها على نفسه وعائلته العوز والفقر المضرين بالحال, بسبب صرف ماعنده من المال في سبيل الحج، وعليه فلا يجب على من يملك مقداراً من المال يفي مصاريف الحج, وكان ذلك وسيلة لاعاشته وإعاشة عائلته, مع العلم بانه لا يتمكن من الاعاشة عن طريق آخر يناسب شأنه. فبذلك يظهر انه لا يجب بيع ما يحتاج اليه في ضروريات معاشه من امواله, فلا يجب بيع دار سكناه اللائقة بحاله وثياب تجمله واثاث بيته، ولا آلات الصنائع التي يحتاج اليها في معاشه، ونحو ذلك مثل الكتب بالنسبة الى اهل العلم مما لابد منه في سبيل تحصيله، وعلى الجملة كل ما يحتاج اليه الانسان في حياته, وكان صرفه في سبيل الحج موجبا للعسر والحرج لم يجب بيعه. نعم، لو زادت الاموال المذكورة عن مقدار الحاجة, وجب بيع الزائد في نفقة الحج, بل من كان عنده دار قيمتها الف دينار ــ مثلاً ــ ويمكنه بيعها وشراء دار اخرى بأقل منها دون عسر وحرج, لزمه ذلك اذا كان الزائد وافيا بمصاريف الحج ذهابا وايابا وبنفقة عياله.
[مسألة 450] اذا كان عنده مال لا يجب بيعه في سبيل الحج لحاجته اليه، ثم استغنى عنه, وجب عليه بيعه لاداء فريضة الحج, فمثلا، اذا كان للمرأة حلي تحتاج اليه ولابد لها منه, ثم استغنت عنه لكبرها أو لأمر آخر, وجب عليها بيعه لاداء فريضة الحج.
[مسألة 451] اذا كانت له دار مملوكة, وكانت هناك دار اخرى يمكنه السكنى فيها من دون حرج أو خلة اجتماعية عليه, كما اذا كانت موقوفة تتطبق عليه, وجب عليه بيع الدار المملوكة اذا كانت وافية بمصاريف الحج، ولو بضميمة ما عنده من المال. ويجري ذلك في الكتب العلمية وغيرها مما يحتاج اليه في حياته.
[مسألة 452] اذا كان عنده مقدار من المال يفي بمصاريف الحج, وكان بحاجة الى الزواج أو شراء دار لسكناه أو غير ذلك مما يحتاج اليه, فان كان صرف ذلك المال في الحج موجبا لوقوعه في الحرج أو العسر أو الضرر أو الحرام لم, يجب عليه الحج، والا وجب عليه.
[مسألة 453] إذا كان ما يملكه دين في ذمة شخص, وكان الدين حالاً, وجبت عليه المطالبه, فأن كان المدين مماطل وجب اجباره على الأداء مع الامكان، وان توقف تحصيله على الرجوع الى المحاكم العرفية, لزم ذلك على الاحوط[ ]، الا ان يلزم حكمها ضده فيحرم. ولا تجب المطالبة فيما اذا كان الدين مؤجلاً, ولكن المدين يؤديه لو طالبه. واما اذا كان المدين معسراً أو مماطلاً لا يمكن اجباره, أو كان الأجبار مستلزماً للحرج، أو كان الدين مؤجلاً والمدين لا يسمح باداء ذلك قبل الأجل, ففي جميع ذلك ان امكنه بيع الدين بما يفي بمصاريف الحج ولو بضميمة ما عنده من المال, ولم يكن في ذلك ضرر ولا حرج, وجب البيع، والا لم يجب.
[مسألة 454] كل ذي حرفة, كالحداد والبناء والنجار وغيرهم ممن يفي كسبهم بنفقتهم ونفقة عوائلهم, يجب عليهم الحج اذا حصل لهم مقدار من المال, بأرث أو غيره, وكان وافياً بالزاد والراحلة ونفقة العيال مدة الذهاب والأياب.
[مسألة 455] من كان يرتزق من الوجوه الشرعية, كالخمس والزكاة وغيرهما, وكانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقة, لا يبعد وجوب الحج عليه فيما اذا ملك مقداراً من المال يفي بذهابه وايابه ونفقة عائلته، وكذلك من قام احد بالانفاق عليه طيلة حياته، وكذلك كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده, من جهة المعيشة ان صرف ما عنده في سبيل الحج. واما اذا كان المال مما لا يملك, أو لا يجب تملكه كحق الامام وخراج الارض المفتوحة عنوة, فوجوب الحج به مبني على الاحتياط [ ]. واذا حج به وملك مالاً آخر فالاحوط[ ] له الحج به ايضاً.
[مسألة 456] لا يعتبر في الاستطاعة الملكية اللازمة, بل تكفي الملكية المتزلزلة ايضا، فلو صالحه شخص بما يفي بمصارف الحج, وجعل لنفسه الخيار الى مدة معينة, وجب عليه الحج، وكذلك الحال في موارد الهبة الجائزة.
[مسألة 457] لا يجب على المستطيع ان يحج من ماله، فلو حج متسكعا[ ] أو من مال شخص آخر اجزأه. نعم، اذا كان ثوب طوافه أو ثمن هديه مغصوبا لم يجزئه ذلك.
[مسألة 458] لا يجب على المكلف تحصيل الاستطاعة بالاكتساب أو غيره، فلو وهبه احد مالا يستطيع به لو قبله، لم يلزمه القبول، وكذلك لو طلب منه ان يؤجر نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً, ولو كانت الخدمة لائقة بشأنه. نعم، لو أجر نفسه للخدمة في طريق الحج واستطاع بذلك, وجب عليه الحج, ولكن لا يجب عليه قبول ذلك لو عرض عليه.
[مسألة 459] اذا أجر نفسه للنيابة عن الغير في الحج واستطاع بمال الاجارة، قدم الحج النيابي اذا كان مقيداً بالسنة الحالية, فان بقيت الاستطاعة الى السنة القادمة وجب عليه الحج والا فلا، ولا يجب المحافظة عليها. وان لم يكن الحج النيابي مقيداً بالسنة الفعلية قدم الحج عن نفسهم يكن ذلك مفوتا للحج النيابي بالمرة, أو مؤخرا له بعدد من السنين غير متوقع عرفا فيقدم الحج النيابي عندئذ.
[مسألة 460] اذا اقتّرض مقدارا من المال يفي بمصارف الحج, وكان قادراً على وفائه بعد ذلك, وجب عليه الحج.
[مسألة 461] اذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج, وكان عليه دين, ولم يكن صرف ذلك في الحج منافيا لاداء ذلك الدين, وجب عليه الحج، والا فلا. ولا فرق في الدين بين ان يكون حالاً أو مؤجلا, ولا بين ان يكون سابقا على حصول ذلك المال أو بعد حصوله.
[مسألة 462] اذا كان عليه خمس أو زكاة, وكان عنده مقدار من المال, ولكن لا يفي بمصاريف الحج لو اداهما, وجب عليه اداؤهما، ولم يجب عليه الحج، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الخمس والزكاة في عين المال أو يكونا في ذمته.
[مسألة 463] اذا وجب عليه الحج, وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة, لزمه أداؤها ولم يجز له تأخيره لاجل السفر الى الحج. ولو كان ثياب طوافه وثمن هديه من المال الذي قد تعلق به الحق, لم يصح حجه.
[مسألة 464] اذا كان عنده مقدار من المال, ولكنه لا يعلم بوفائه بنفقات الحج، لم يجب عليه الحج، ولا يجب عليه الفحص، وان كان الفحص احوط[ ].
[مسألة 465] اذا كان له مال غائب يفي بنفقات الحج منفردا أو منضما الى المال الموجود عنده، فان لم يكن متمكنا من التصرف في ذلك المال, ولو بتوكيل من يبيعه هناك، لم يجب عليه الحج, والا وجب.
[مسألة 466] اذا كان عنده ما يفي بمصارف الحج وجب عليه الحج, ولم يجز له التصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة ولا يمكنه التدارك, ولا فرق في ذلك بين تصرفه بعد التمكن من المسير وتصرفه فيه قبله، بل الظاهر عدم جواز التصرف فيه قبل اشهر الحج ايضاً. نعم، اذا تصرف فيه ببيع أو هبة أو عتق أو غير ذلك, حكم بصحة التصرف وان كان آثما بتفويته الاستطاعة.
[مسألة 467] الظاهر انه لا يعتبر في الزاد والراحلة ملكيتهما، فلو كان عنده مال يجوز له التصرف فيه, وجب عليه الحج اذا كان وافيا بنفقات الحج, مع وجدان سائر الشروط.
[مسألة 468] كما يعتبر في وجوب الحج وجود الزاد والراحلة حدوثا, كذلك يعتبر بقاءاً الى تمام الاعمال، بل الى العود الى وطنه, فان تلف المال في بلده أو في اثناء الطريق, لم يجب عليه الحج, وكشف ذلك عن عدم الاستطاعة من اول الأمر، ومثل ذلك ما إذا حدث عليه دين قهري، كما اذا تلف مال غيره خطأ بنحو شاغل الذمة, ولم يمكنه اداء بدله اذا صرف ماعنده في سبيل الحج. نعم، الاتلاف العمدي لا يسقط وجوب الحج, بل يبقى الحج في ذمته مستقرا فيجب عليه اداؤه ولو متسكعاً، هذا كله في تلف الزاد والراحلة, واما تلف مابه الكفاية من ماله في بلده فهو لا يكشف عن عدم الاستطاعة من اول الأمر, بل يجتزىء حينئذ بحجه، ولا يجب عليه الحج بعد ذلك اذا تلف المال بعد خروجه وجهل حصول التلف، واما بخلاف ذلك فالاقوى سقوط الاستطاعة.
[مسألة 469] اذا كان عنده ما يفي مصارف الحج, لكنه معتقد بعدمه، أو كان غافلا عنه، أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه غفلة عذر، لم يجب عليه الحج، واما اذا كان شاكاً فيه، أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه, غفلة ناشئة عن التقصير, ثم علم أو تذكر بعد ان تلف المال فلم يتمكن من الحج، فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه اذا كان واجدا لسائر الشرائط حين
وجوده.
[مسألة 470] كما تتحقق الاستطاعة بوجدان الزاد والراحلة, تتحقق بالبذل اذا لم يكن منافيا لشأنه اجتماعيا أو دينيا، ولا يفرق في ذلك بين ان يكون الباذل واحدا أو متعددا، واذا عرض عليه الحج والتزم بزاده وراحلته ونفقة عياله, وجب عليه الحج, وكذلك لو اعطي مالاً ليصرفه في الحج, وكان وافيا بمصارف ذهابه وايابه وعياله. ولا فرق في ذلك بين الاباحة والتمليك، ولا بين بذل العين وثمنها.
[مسألة 471] لو اوصي له بمال ليحج به, وجب الحج عليه بعد موت الموصي, اذا كان المال وافيا بمصارف الحج ونفقة عياله، وكذلك لو وقف شخص لمن يحج أو نذر، أو اوصى بذلك, وبذل له المتولي أو الناذر أو الوصي وجب عليه الحج.
[مسألة 472] لا يجب الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة البذلية.نعم،لو كان له مال لا يفي بمصارف الحج, وبذل له ما يتمم ذلك, وجب عليه القبول, ولكن يعتبر حينئذ الرجوع الى الكفاية.
[مسألة 473] اذا اعطى مالا هبة على ان يحج, وجب عليه القبول, واما لو خيره الواهب بين الحج وعدمه، أو انه وهبه مالا من دون ذكر الحج لا تعيينا ولا تخييرا, لم يجب عليه القبول.
[مسألة 474] لا يمنع الدين من الاستطاعة البذلية. نعم, اذا كان الدين حالا وكان الدائن مطالبا والمدين متمكنا من ادائه ان لم يحج، لم يجب عليه الحج.
[مسألة 475] اذا بذل مالاً لجماعة ليحج احدهم, فان سبق احدهم بقبض المال المبذول سقط التكليف عن الآخرين, ولو ترك الجميع مع تمكن كل واحد منهم من القبض, استقر الحج عليهم جميعهم على الاحوط استحبابا.
[مسألة 476] لا يجب بالبذل الا الحج الذي هو وظيفة المبذول له على تقدير استطاعته، فلو كانت وظيفته حج التمتع, فبذل له حج القرآن أو الافراد لم يجب عليه القبول، وبالعكس، وكذلك الحال لو بذل لمن يحج حجة الاسلام، واما من استقرت عليه حجة الاسلام, وصار معسرا فبذل له, وجب عليه ذلك. وكذلك من وجب عليه الحج لنذر أو شبهه ولم يتمكن منه.
[مسألة 477] لو بذل له مال ليحج به, فتلف المال اثناء الطريق سقط الوجوب. نعم، لو كان متمكنا من الاستمرار في السفر من ماله, وجب عليه الحج واجزأه عن حجة الاسلام، الا ان الوجوب حينئذ مشروط بالرجوع الى الكفاية.
[مسألة 478] لا يعتبر في وجوب الحج البذل نقدا, فلو وكله على أن يقترض عنه ويحج به وجب عليه.
[مسألة 479] الظاهر ان ثمن الهدي على الباذل, فلو لم يبذله وبذل بقية المصاريف لم يجب الحج على المبذول له, الا اذا كان متمكنا من شرائه من ماله. نعم، اذا كان صرف ثمن الهدي فيه موجبا لوقوعه في الحرج, لم يجب عليه القبول، واما الكفارات فالظاهر انها واجبة على المبذول له دون الباذل.
[مسألة 480] الحج البذلي يجزيء عن حجة الاسلام, ولا يجب عليه الحج ثانياً، اذا استطاع بعد ذلك.
[مسألة 481] يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الاحرام أو بعده، ولكن اذا رجع بعد الدخول في الاحرام, وجب على المبذول له اتمام الحج اذا كان مستطيعا فعلا, وعلى الباذل ضمان رجوعه, واذا رجع الباذل في اثناء الطريق وجبت عليه نفقة العود.
[مسألة 482] اذا اعطي من الزكاة من سهم سبيل الله على ان يصرفها في الحج, وجب عليه ذلك, وان اعطي من سهم السادة أو من الزكاة من سهم الفقراء, واشترط عليه ان يصرفه في سبيل الحج, لم يصح الشرط, فلا يجب عليه الحج من هذه الجهة.
[مسألة 483] اذا بذل له مال يحج به, ثم انكشف انه كان مغصوبا أو مجهول المالك أو لقطة غير معرّفة ونحو ذلك, لم يجزئه عن حجة الاسلام. وللمالك ان يرجع الى الباذل أو الى المبذول له، لكنه اذا رجع الى المبذول له رجع هو الى الباذل ان كان جاهلا بالحال، والا فليس له الرجوع.
[مسألة 484] اذا حج لنفسه أو عن غيره تبرعا أو اجارة, لم يكفه عن حجة الاسلام, فيجب عليه الحج اذا استطاع بعد ذلك.
[مسألة 485] اذا اعتقد انه غير مستطيع فحج ندباً, قاصداً امتثال الأمر الفعلي، ثم بان انه كان مستطيعا, اجزأه ذلك ولا يجب عليه الحج ثانياً.
[مسألة 486] لا يشترط اذن الزوج للزوجة في الحج اذا كانت مستطيعة، كما لا يجوز للزوج منع زوجته عن الحج الواجب عليها.نعم، يجوز له منعها من الخروج في اول الوقت مع سعة الوقت. والمطلقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العدة.
[مسألة 487] لا يشترط في وجوب الحج على المرأة وجود المحرم لها اذا كانت مأمونة على نفسها, ومع عدم الأمن لزمها استصحاب محرم لها, ولو باجرة اذا تمكنت من ذلك، والا لم يجب الحج عليها.
[مسألة 488] اذا نذر ان يزور الحسين في كل يوم عرفة- مثلاً- واستطاع بعد ذلك, وجب عليه الحج وانحل نذره لتلك السنة، وكذلك كل نذر يزاحم الحج.
[مسألة 489] يجب على المستطيع الحج بنفسه اذا كان متمكنا من ذلك, ولا يجزيء عنه حج غيره تبرعا أو باجارة.
[مسألة 490] اذا استقر عليه الحج ولم يتمكن من الحج بنفسه لمرض أو حصر أو هرم، أو كان ذلك حرجا عليه ولم يرج تمكنه من الحج بعد ذلك من دون حرج, وجبت عليه الاستنابة، وكذلك من كان موسراً ولم يتمكن من المباشرة، أو كانت حرجية، ووجوب الاستنابة كوجوب الحج فوري.
[مسألة 491] اذا حج النائب عمن لم يتمكن من المباشرة, فمات المنوب عنه مع بقاء العذر, اجزأه حج النائب وان كان الحج مستقراً عليه, وأما اذا اتفق ارتفاع العذر قبل الموت، فالاحوط[ ] ان يحج هو بنفسه عند التمكن والاستطاعة. واذا كان قد ارتفع العذر بعد ان احرم النائب, وجب على المنوب عنه الحج مباشرة, ولا يجب على النائب اتمام عمله.
[مسألة 492] اذا لم يتمكن المعذور من الاستنابة سقط الوجوب, ولكن يجب القضاء عنه بعد موته ان كان الحج مستقرا عليه، والا لم يجب. ولو امكنه الاستنابة ولم يستنب حتى مات, وجب القضاء عنه.
[مسألة 493] اذا وجبت الاستنابة ولم يستنب, ولكن تبرع متبرع عنه لم يجزئه ذلك على الاحوط[ ]، ووجبت عليه الاستنابة.
[مسألة 494] يكفي في الاستنابة, الاستنابة من الميقات، ولا تجب الاستنابة من البلد.
[مسألة 495] من استقر عليه الحج اذا مات بعد الاحرام في الحرم, اجزأه عن حجة الاسلام، سواء في ذلك حج التمتع والقران والافراد، واذا كان موته في اثناء عمرة التمتع اجزأ عن حجه ايضاً, ولا يجب القضاء عنه، وان مات قبل ذلك وجب القضاء حتى اذا كان موته بعد لاحرام وقبل دخول الحرم, أو بعد الدخول في الحرم بدون احرام. والظاهر اختصاص الحكم بحجة الاسلام, فلا يجري في الحج الواجب بالنذر ونحوه، بل لا يجري في العمرة المفردة ايضاً.
[مسألة 496] اذا اسلم الكافر المستطيع وجب عليه الحج، واما لو زالت استطاعته ثم اسلم لم يجب عليه.
[مسألة 497] المرتد يجب عليه الحج, ولكن لا يصح منه حال ارتداده، فان تاب صح منه، وان كان مرتدا فطريا على الاقوى.
[مسألة 498] اذا حج المخالف ثم استبصر, لا تجب عليه اعادة الحج اذا كان ما أتي به صحيحاً في مذهبه, وان لم يكن صحيحاً في مذهبنا.
[مسألة 499] اذا وجب الحج، واهمل المكلف في ادائه حتى زالت الاستطاعة, وجب الاتيان به بأي وجه تمكن ولو متسكعا، ما لم يبلغ حد العسر والحرج, واذا مات وجب القضاء من تركته، ويصح التبرع عنه بعد موته من دون اجرة.