الفصل الاول
القضاء
[مسألة 1227] للحاكم الشرعي المخول شرعا بالقضاء، البت في كل أنواع المرافعات والمخاصمات. ومن هنا فتقسيم المحاكم إلى الاختصاصات المتعددة، لا يكون في القاعدة الاولية في الشريعة. وانما يكون بأحد أساليب:
الأسلوب الاول: الاختيار. حيث يأخذ القاضي على نفسه ان ينظر في نوع معين من المرافعات دون الأخرى. وخاصة مع كونها اسهل عليه نظريا او علميا.
الأسلوب الثاني: إذا اشترطنا في جواز القضاء, صفة الأعلم. ولم يكن للآخرين القضاء بدون إذنه. أو كان مبسوط اليد, فيتعين فيه ذلك على القاعدة . وعندئذ له تعيين القضاة من المجتهدين الاخرين مع اشتراط اختصاص معين, ليس له أن يتجاوزه.
الأسلوب الثالث: إذا جوزنا لغير المجتهد, القضاء باذن المجتهد، فللمجتهد أن يشرط عليه النظر في نوع معين من الاختصاص دون غيره.
[مسألة 1228] هل يتعين في نتيجة المرافعة القضائية إصدار الحكم, ليكون هو الحجة التعبدية لتنفيذه، فيقول مثلا لدى ثبوت القتل العمد: حكمت بقتل فلان قصاصا. أو يقول لدى ثبوت الدين: حكمت بوجوب دفع فلان إلى فلان هذا المقدار من المال وفاء لما في ذمته, ونحو ذلك , أو لا يتعين الحكم، بل يكفي للتنفيذ, قيام الدليل القضائي خلال المرافعة، [كقيام البينة ونحوها] ؟ وجهان, المشهور والاحوط[[1]] الاول . والأقرب الثاني . وهو ماتدل عليه الروايات التفصيلية لقضاء أمير المؤمنين C وغيرها. فانها جميعا خالية عن النطق بالحكم. [مسألة 1229] لا يجوز استعمال الإكراه والإحراج في أي مرحلة من مراحل المرافعة. لا لشهادة البينة, ولا ليمين المنكر, ولا لرد اليمين, ولا لليمين المردود, ولا لطلب تنفيذ الحكم. نعم، يمكن بل يجب استعمال الإكراه في التنفيذ, إذا ثبت الحكم ضد المدعى عليه, وطلب المدعي أخذ حقه منه، سواء كان حقا مالياً أم عائلياً أم قصاصاً أم دية أم غيرها.
[مسألة 1230] يجوز استعمال بعض القرائن الخارجية, لدعوى أي من الطرفين المترافعين، ولكن لا يجوز العمل عليها, الا اذا اوجبت اليقين للحاكم نفسه، فيحكم بعلمه، كما سبق جوازه. وهي على أقسام, وكلها سواء في هذا الحكم . كالكلاب البوليسية, والأجهزة الحديثة, والصور الفوتوغرافية الثابتة والمتحركة، والتسجيلات الصوتية, والوثائق الاخرى كرسالة أو وقفية أو وصية وغيرها. وكذلك الاستدلال من أشخاص خارجيين عن المرافعة حول ما يخصها من امور، وأوضح ذلك: إقامة القرائن على عدالة الشهود أو خصائص وأسلوب وقوع الجناية وغيرها كثير .
[مسألة 1231] ثبت في عدد من المسائل السابقة, وجود السجن بحكم الشريعة الإسلامية المقدسة، سواء قصدنا توقيف الفرد حتى يبت بأمره، أو الحكم عليه بالسجن مدى الحياة. فما قد يقال: بان الدين الإسلامي خال من استعمال السجون, امر ليس بصحيح . فراجع.
[مسألة 1232] لا يجوز الكذب على كل احد, وفي كل الأمور. وإذا أصبح الكذب طريقا الى ظلم الآخرين, كان أشد حرمة. ومن ذلك الكذب الذي قد يستعمل في المرافعات. وإذا اقترن الكذب باليمين, كان أشد حرمة.
[مسألة 1233] هل يجوز اليمين كاذبا ,لاحقاق الحق. فيه تفصيل, فان كان اليمين سببا لإنقاذ مؤمن من موت محقق أو من ضرر عظيم ونحو ذلك، جاز, وإلا فلا.
[مسألة 1234] لا يجوز الترافع شرعا بغير الطريقة الشرعية، ولدى غير القاضي الشرعي، ولا يجوز ترتيب الأثر عليه، إلا مع الانحصار والضرورة أو التقية, والعلم بكون النتيجة حقا.
[مسألة 1235] أي حكم أو نتيجة صدرت من قاض شرعي أو غير شرعي، وعلم الفرد بعدم مطابقتها للواقع، فانه لا يجوز العمل بها بينه وبين الله، وان كانت في مصلحته. ويكون سارقا وغاصبا, ان كانت من الأموال, وزانيا, ان كانت من الفروج, وظالما, ان كان من الدماء.
[مسألة 1236] يجوز استعمال الأجهزة الحديثة في ايصال أي شيء أو فقرة من فقرات المرافعة، مع حصول الاطمئنان بالصحة. كالشهادة أو دعوى المدعي أو إنكار المنكر أو حكم الحاكم. ومثاله: الشهادة عن طريق التلفون اللاسلكي او الراديو أو التلفزيون أو شريط الصور المتحركة او الكمبيوتر, و غير ذلك كثير . ويشبه ذلك ايجاد المعاملات عن هذه الطرق, كالبيع والايجار والرهن والوقف والنكاح والطلاق وغيرهما، مع اجتماع سائر الشرائط.
[مسألة 1237] إذا وقعت في مجلس القضاء الشرعي, بعض المحرمات, كوجود المرأة غير المحجبة أو التعرض للأجنبيات أو شرب الخمر او غير ذلك. فهذا لا يخلو امره من أحد شكلين:
الشكل الأول: ان لا يكون ذلك مؤثرا على سير المرافعة، فيكون المورد مشمولا لوجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرائطهما سواء في ذلك الحاكم نفسه أم غيره. وان كان هو اولى الناس بذلك.
الشكل الثاني: ان يكون ذلك مؤثرا على سير المرافعة، كما لو كان الشاهد امرأة غير محجبة او كان ينظر الى امراة أجنبية بريبة. ونحو ذلك مما يخل بعدالته، فتسقط شهادته عن الاعتبار. وكذلك لو فرض ان الحاكم كان من هذا القبيل, فيسقط حكمه عن الاعتبار, وهكذا.
[مسألة 1238] من كان يحتمل في حقه أقامة اليمين كذبا بصفته منكرا أو مدعيا احيانا، فيمكن التأكد من عدم كذبه بعدة أمور: كوعظه والتشديد في ذلك وإيضاح أهمية اليمين امام الله عز وجل. ومثله: التغليظ الذي سبقت الإشارة الى انواعه. في اللفظ والمكان والزمان ونحوها مثل ان يضم الى اليمين بالله سبحانه ذكر غيره من المعصومين والاولياء حين لا يكون الفرد مستعدا للكذب باليمين بأسمائهم. ومثل: تهديده بالعقاب الدنيوي ان ثبت ان يمينه كاذبة. ولا اقل من ان يقال له: ان التعزير ثابت شرعا على كل من فعل محرما. واليمين الكاذبة من أشد المحرمات، وخاصة إذا كان فيها غصب لحقوق الآخرين ومن ثم سيقام عليه التعزير ان ثبت عليه شيء من ذلك.
الفصل الثاني
الشهادات
[مسألة 1239] كل شهادة من شخص غير عادل, لا تكون نافذة في القضاء. وان قلنا بكفاية خبر الثقة من اهل الخبرة في الموضوعات، فان ذلك لا يجعل مفهوم [ البينة] متحققا من دون وجود العدالة. فكل مدع ليس له شهود عدول، فكأنه لا شهود له إطلاقا. ويؤول الامر الى يمين المنكر. ما لم يحصل الاطمئنان الشخصي من شهوده، على إشكال. [مسألة 1240] مع عدم تحقق العدالة أو الشك فيها، لا يكفي في ايجادها مما عليه بعضهم, من امر الحاضرين بالاستغفار من الذنوب. كما لا يكفي أخذ القسم من الشاهد عن شهادته. بل اليمين غير مشروع في البينة الاعتيادية. فانه ان كان الشاهد عادلا, لم يحتج الى اليمين، وان لم يكن عادلا, لم يفده اليمين. نعم، يمين الشهود نافذة في [القسامة], كما سبق. وهناك لا تشترط عدالة الشهود شرعا.
[مسألة 1241] ولا يكفي ايضا مع عدم تحقق العدالة: تعدد الشهود وزيادتهم عن الاثنين، ما لم يحدث الاطمئنان بالصحة، على إشكال كما قلنا. نعم، إذا كان في الشهود المتعددين اثنان من العدول, كفى، ولو علم بوجودهم اجمالا، ولا دخل لمعرفتهم تفصيلا.
[مسألة 1242] لا يمكن شرعا اعتبار بعض الأجهزة الحديثة, شهودا, وان كانت غير قابلة للخطأ، كالكمبيوتر والرجل الآلي وغيرهما. بل هي مجرد وثائق, قد تحصل الاطمئنان في صحة دعوى أحد الطرفين المترافعين.
[مسألة 1243] مقتضى القاعدة الأولية ان كل مخلوق بالغ عاقل رشيد عادل, يجوز سماع شهادته، وان لم يكن من البشر. غير ان التاكد من صحة النقل, صعب جدا. فان الطرق الناقلة للشهادة, قابلة للخطا جدا، كالتنويم المغناطيسي واستحضار الجن والتخاطر من بعيد وغير ذلك. فلا تكون معتبرة شرعا, إلا بعد الاطمئنان بصحتها من جميع الجهات.
[مسألة 1244] قد يتعرض الشاهد خلال كلامه الى أمور خارج الشهادة. اما دنيوية او دينية أو فتاوى شرعية أو قانونية. فكل ذلك لا يؤخذ منه وليس من وظيفته بصفته شاهدا. بل يختص باخذ الخبر منه عن مورد المرافعة دون غيره. فقد يحتاج ذلك الى التاكد منه بإعادة السؤال او تحليل الجواب بدقة.
[مسألة 1245] لا إشكال في اعتبار الدلالة المطابقية لكلام الشاهد, من حيث انها دلالة مقصودة له بالمباشرة. اما الدلالات الأخرى, كالدلالة التضمنية والالتزامية والاطلاقية وغيرها، فيتوقف اعتبارها وجواز الاخذ بها على القصد. فان علمنا ان الشاهد قصدها كانت, معتبرة، وإلا فالاحوط[[1]] عدم الاعتماد عليها . نعم، تصلح كقرينة أو وثيقة في مجال المرافعة. [مسألة 1246] يضاف الى الشروط الثمانية التي ذكرناها للشاهد, شرطان آخران, لم يشر اليهما الفقهاء, لكونهم أخذوا الأمر فيها مسلما:
أحدهما : الاختيار. فلا اعتبار بشهادة المكره على شهادته.
ثانيهما: القصد. يعني الى المعنى، من حيث دلالة الكلام على قناعة المتكلم بصدقه. ولا يراد هنا القصد الى الشهادة بذاتها، يعني شعور الشاهد بكونه شاهدا. فان هذا غير ضروري, كما سبق في كتاب الشهادات. وبهذا تكون شرائط الشاهد عشرة.
[مسألة 1247] لا يشترط في الشاهد: الثقافة والمعرفة في أي نوع، الا بالمقدار الذي يكون به عادلا دينيا وفاهما لشهادته. ولا يشترط ان يكون خبيرا في بابه ولا انه يقرأ ويكتب، كما انه لا تشترط عمق العدالة وزيادتها على الأقل المجزئ من وجودها.
[مسألة 1248] لا يشترط التعدد ولا العدالة في قول أهل الخبرة على الأرجح. في غير القضاء. وان كان الاحوط استحبابا هو ذلك او حصول الاطمئنان الشخصي في مورده. واما في القضاء فالاحوط وجوبا هو التعدد والعدالة حتى في أهل الخبرة. بل هو المتعين.
[مسألة 1249] المهم في الشاهد إسماع الحاكم لشهادته، سواء سمعه المنكر وغيره ام لم يسمعه. وان كان ذلك أوضح وأرجح. ومن هنا يتضح صحة الشهادة من خلال الأجهزة الحديثة التي يختص بها الحاكم, كالتلفون وغيره، وقد سبق انه لا يجب ان يكون الشاهد حاضرا لجلسة المرافعة.
[[1]
] مقتضى القاعدة ، الاحتياط وجوبي . الفصل الثالث
الحدود والتعزيرات
[مسألة 1250] سبق في [المسألة 293], انه لا يثبت حد الزنا بالتلقيح الصناعي المحرم. مهما كانت صفته، حتى ولو كان في المحارم أو زمن الاحرام أو العدة البائنة, وغير ذلك. كما لا يثبت بنقل الجنين من رحم الى رحم.
[مسألة 1252] لا يجوز إقامة الحد, بالرجم بغير الطريقة الشرعية، كما لو لم يدفن المرجوم أصلا. أو دفن أكثر من المطلوب، الى كتفيه مثلا، أو أقل منه. وكما لو قتل بالسلاح او الغاز أو بالحرارة, ونحو ذلك. وكما لو استعملت بعض الأجهزة في سرعة قذف الأحجار عليه. بل الاحوط[[1]] ان يكون الحجر ملقى من قبل البشر الواقفين حوله اختيارا. وكما لو تسببوا الى موته بالطم بالأرض أو بالجوع والعطش, الى غير ذلك. وقد سبق في [المسألة 365], ما يفيد في ذلك. [مسألة 1252] يجب ان يكون السوط الذي يجلد به، مصنوعا بالشكل العرفي، من حيث مادته وطوله وعرضه ومقبضه, ونحو ذلك. فان اختلف عن ذلك, كان ظلما للمضروب. ومن جملة آثاره الشرعية, تحديد ما يسمى بنصف الضربة التي قد تجب أحيانا. وقد كان للسوط وجود في الأزمنة المتقدمة. فان حصل الشك في تحديده في عصرنا, وجبت صناعة أقرب ما يحتمل شباهته له، قبل استعماله في الحد. فان تعذر ذلك, استعمل الأقرب فالأقرب.
[مسألة 1253] الاحوط[[2]], بل المتعين تنفيذ الجلد بيد بشرية مستوية القوة عرفا. فلا يجزي الضارب الضعيف, ولا يجوز الضارب القوي جدا. كما لا يجوز استعمال الآلة في الضرب، وان كانت تشابه الضرب المطلوب على الاحوط[[3]] . [مسألة 1254] لا يجوز كون الضارب في حالات نفسية غير اعتيادية, كالحزن الشديد أو الفرح أو الغضب أو النعاس أو السكر أو الألم أو نحوها, إذا كان أي منها شديدا عرفا. وخاصة إذا كان غاضبا من المضروب نفسه لأمر دنيوي.
[مسألة 1255] يستحب للحاكم تعيين شخص مقيم للحدود. فهو يتولاها أو ينيب عنه من يتولاها. ولا يشترط فيه غير القدرة على التنفيذ والتفقه فيه والرشد في تدبيره. اما العدالة والذكورة والتفقه في الأمور الأخرى والسلامة من العمى أو السفه في غير هذا المورد, وغير ذلك، فهو غير مشروط. بل حتى البلوغ والحرية وعدم الحجر في التصرف المالي، مع حفظ تلك الشرائط . ونحوه لو لم يكن مقيم الحد معيناً بل مؤقتاً.
[مسألة 1256] ورد تحديد التعزير بما بين العشرة الى العشرين ضربة. كما ورد إيكال تعيينه الى الحاكم، كما ورد تحديده بما دون الحد. والأقرب الأوسط، ويكون الحاكم هو الذي يأخذ الشرطين الآخرين بنظر الاعتبار, وفقا لما يرى من المصلحة في مقدار المعصية وتحمل المحدود .
[مسألة 1257] يجب على الحاكم ان يسمي المقدار الذي يراه مناسبا، لا ان يجعله قابلا للنقص أو الزيادة أو يوكله الى الحداد .
[مسألة 1258] الآلة المستعملة في التعزير عادة في العرف الشرعي السابق، هي السوط. وهو أحوط[[4]] بالتأكيد. كما انه المتعين في الحدود. لا يجوز استعمال غيره, كما سبق.
[[1]
] مقتضى القاعدة ، الاحتياط وجوبي . [[2]
] مقتضى القاعدة ، الاحتياط وجوبي . [[3]
] مقتضى القاعدة ، الاحتياط وجوبي . [[4]
] مقتضى القاعدة ، الاحتياط وجوبي . واما تعيينه في التعزير فمحل إشكال. والأقرب جواز غيره من مختلف اسباب الإيلام كالعصا والحجر, وغيرهما. [مسألة 1259] إذا أدى الضرب في التعزير الى جناية كالإدماء أو كسر عظم, وغير ذلك، كانت مضمونة على الضارب، ما لم تكن متعارفة في مثل ذلك الضرب. فتكون عندئذ هدراً .
[مسألة 1260] هل يجوز في التعزير الإيذاء بغير الإيلام الجسدي, كالتجويع أو التقييد أو قطع الراتب او الضرب باليد دون السوط أو الآلة أو الاحتقار بالشتم وغيره. الاحوط[[1]] عدم إجزاء كل ذلك فيه، وإذا لم يجز, فقد حرم, لكونه إيذاءاً ظلما بدون أداء الوظيفة الشرعية. نعم، لو كان المطلوب هو التأديب فقط, كتأديب الأب لولده أو المولى لعبده, ونحو ذلك، جاز, في حدود ما يؤدي الى المطلوب. [مسألة 1261] في التعزير يجوز استعمال آلة مساعدة على الضرب. اذا كانت مماثلة نسبيا في العمل لليد البشرية. بخلاف ما لو كانت أشد أو أضعف بمقدار معتد به.
[مسألة 1262] في غير مورد التعزير, كالتأديب، يجوز استعمال بعض الأساليب الحديثة وغيرها للإيذاء، بشرط أن لا تؤدي الى جناية او ظلم . كالحرارة او البرودة أو الغاز أو الضوء أو غير ذلك.
[[1]
] مقتضى القاعدة ، الاحتياط وجوبي . الفصل الرابع
القصاص
[مسألة 1263] إذا حصلت الوفاة من خطأ الطبيب أو أية مضاعفات, فهو من [شبه العمد]. ويضمنه الطبيب في ماله وانظر [مسالة 897] .
[مسألة 1264] إذا حصلت الوفاة في الحيوان من خطأ الطبيب البيطري أو أية مضاعفات كان مضمونا عليه.
[مسألة 1265] إذا حصلت الوفاة أو أية مضاعفات, بسبب التجارب المختبرية للأدوية أو الأساليب النفسية او غيرها. فان كان السبب قاتلاً غالباً، أو قصد به القتل, فهو عمد يتعين معه القود، وإلا فهو من قبيل شبه العمد تتعين فيه الدية.
[مسألة 1266] ونحو ذلك إذا حصلت الوفاة أو أية مضاعفات, لتجارب الكون في أجهزة معينة أو أمكنة مجهولة أو أساليب للغوص مثلا, غير ناجحة, ونحو ذلك. فحكمها ما قلناه في المسالة السابقة. ولا يفرق في ذلك بين رضا الشخص الذي هو محل التجربة [وهو المجني عليه] أو اضطراره أو إكراهه. فحتى لو كان راضيا, فان الجناية مضمونة للجاني, ما دام المجني عليه غافلا عن النتيجة او محرزاً للسلامة. نعم، لو عرض نفسه للهلاك مع الالتفات فلا ضمان.
[مسألة 1267] متولي الجناية [ يعني طرفها] ومن له الحق في المرافعة واخذ الدية والقصاص, هو في غير النفس[ يعني إذا لم تحدث الوفاة], هو المجني عليه نفسه, مع بلوغه وعقله, وإلا فوليه. وفي النفس [يعني إذا حصلت الوفاة], فالمتولي هو ولي الدم. وهو مما قل حديث الفقهاء عن تعيينه. وله عدة صور:
الصورة الأولى: ان يكون الفرد وليا حال الحياة، فيبقى وليا بعد الوفاة. كما لو كان المجني عليه قاصرا أو مملوكا.
الصورة الثانية: ولي الدم للزوجة, هو الزوج, لا الأب ولا الأخ. فضلا عمن سواهما.
الصورة الثالثة: ولي الدم من الأولاد أو الأخوة او الأعمام، قد يكون متعينا بواحد، كما لو كان بالغا رشيدا بين قاصرين.
الصورة الرابعة: إذا كان فيهم عدد من البالغين الراشدين، فهل يكون أكبرهم وليا للدم خاصة, أم تنبسط الولاية عليهم جميعا. الأحوط[[1]] الثاني، والأقرب الأول. الصورة الخامسة : إذا لم يكن له بعض طبقات الإرث القريبة, فهل يكون البعيد من الورثة وليا للدم. الظاهر ذلك. وان كان الأحوط[[2]] معه استئذان الحاكم الشرعي . الصورة السادسة : إذا لم يكن له شيء من طبقات الإرث الثلاث الوارثين بالقرابة, فهل يكون المولى المعتق وليا للدم، بصفته وليا للعتق ووارثا للمال . الظاهر ذلك، وان كان الأحوط[[3]] معه مراجعة الحاكم الشرعي . الصورة السابعة : إذا لم يكن قرابة ولا معتق. وكان له ضامن للجريرة, فهل يكون وليا لدمه . لا أشكال في ارثه للدية. واما حق القصاص له, فهو محل أشكال، يتعين معه مراجعة الحاكم الشرعي .
الصورة الثامنة : إذا لم يكن له شيء من تلك الطبقات الوارثة، تعين ارثه وولاية دمه على الإمام C او وكيله الخاص او العام .
[[1]
] مقتضى القاعدة , الاحتياط استحبابي . [[2]
] مقتضى القاعدة , الاحتياط استحبابي .[مسألة 1268] يحجب ولاية الدم, من يحجب الميراث . [مسألة 1269] لا ولاية للدم لمن لا يرث, كالكافر عن المسلم والعبد والقاتل. ماعدا الحاكم الشرعي, بناء على بعض الوجوه السابقة.
[مسألة 1270] يشترط في ولي الدم فعلا : البلوغ والعقل . فان لم يكن كذلك، أمكن الانتظار الى حين كماله لو كان محتملا. وإلا انتقلت الولاية الى غيره.
[مسألة 1271] لا يشترط في الولاية كما لا يشترط في الميراث, العدالة ولا الذكورة ولا الصحة الجسدية ولا الرشد ولا ان يكون مطلق السراح من السجن أو غير من أقيم عليه الحد, ونحو ذلك من المحتملات.
[مسألة 1272] ابن الزنا لا يرث، فلا تكون له ولاية الدم، بل تنتقل الى الوارث من إحدى الطبقات . ولكن لو انحصر الأمر به, وكان الواث الإمام C . فهل يصلح لذلك. وجهان, أحوطهما وجوب الاستئذان من الحاكم الشرعي . ومع موافقة الحاكم, يكون له حق القصاص، ولكنه لا يرث الدية بأية حال .
[مسألة 1273] هناك أنواع من القصاص ، تعرض الفقهاء لقاعدتها العامة ولم يتعرضوا لها خاصة. وكلها ثابتة بلا أشكال. مثل جناية المرأة على المرأة, بجعلها عقيما أو أنها سببت لها نزول دم الحيض أو الاستحاضة في غير وقته المعتاد او انقطاع الحليب من المرضع أو زيادة الألم في الوالدة جديداً, ونحو ذلك، فان كانت المرأة الجانية بنفس الصفة أمكن القصاص منها بالمثل . وإلا كان المجني عليها مخيرة بين الدية المناسبة لمثلها وبين الانتظار بالجانية لحصول نفس الصفة في المستقبل .
[مسألة 1274] كل ما يوجب أسقاط الجنين, فلا قصاص فيه, بل على الجاني دية الجنين . ولو اوجب تشويه الجنين , فأن كان له مقدر شرعي, اخذ بنسبته من دية الجنين . والا كان المرجع الحكومة ,
[مسألة 1275] من موارد القصاص التي لم يتعرض لها الفقهاء: القصاص في منافع الأعضاء . وهو ثابت بإطلاق القرآن الكريم, ولا إجماع بخلافه, لقلة من تعرض لهذه المسالة. فاذا حصلت الجناية على العقل او السمع او البصر او الإنجاب او الشم او الذوق أو حتى عمى الألوان أو غيرها ، وأمكن إيجاد نفس النقص في الجاني ، تعين ذلك, ولا حاجة الى المصير الى الدية. وانما يصار اليها مع تعذر القصاص او توقفه على امور لم تحصل في المجني عليه. كما لو ذهب بصره مع سلامة الحدقة وتعين في الجاني اذهاب بصره من إتلافها . فانه لا قصاص عندئذ, ولو فعله المجني عليه, سقط حقه في الدية, وكان ضامنا للجناية الزائد .
[مسألة 1276] من جملة موارد تعذر القصاص الذي قلناه، وجود نفس النقص في الجاني لدى الجناية. كما لو ذهب بصره وهو أعمى او أذهب سمعه وهو أصم . ومن جملة ذلك انعدام وجود العضو المقتص منه لدى الجاني. ومنها : كونه مخالفاً للتقية. الى غير ذلك من الموانع. فيصار على كل حال الى الدية، إذا كانت مقدرة شرعا، وإلا فإلى الحكومة.
الفصل الخامس
الديات
[مسألة 1277] سبق ان الواجب اصلا في الديات دفع الاصل. راجع [مسألة 887], وما بعدها. يشمل ذلك كل ما هو معين شرعاً من دية النفس والاعضاء والمنافع والجراح. ولا يصار الى القيمة الا بالتراضي او التعذر. وكلا هذين السببين كافيين شرعاً بالانتقال الى غير القيمة من اصناف المتاع. كما لو تراضيا بملكية الدار بدل الابل او الدنانير الذهبية. لا يفرق في ذلك كل ما له قيمة سوقية وجاز استعماله شرعاً، مما ينقل او مما لا ينقل.
[[3]
] مقتضى القاعدة , الاحتياط استحبابي .
[[1]
] مقتضى القاعدة , الاحتياط استحبابي . [مسألة 1278] يجب دفع الدية من اموال مخمسة ومزكاة, وليست من مجهول المالك، ونحو ذلك، والا بقيت الذمة مشغولة بها او ببعضها. [مسألة 1279] لا يجوز الدفع من اموال الغير بدون رضاه. نعم، مع الرضا يكون ذلك جائزاً باحد اسلوبين :
اولا : تمليك المال للجاني, ودفع الجاني الدية منه.
ثانياً : تمليك المال للمجني عليه او وليه, بعنوان تفريغ ذمة الجاني من الدية. وكلا القصدين انما يصدران من المالك الاصلي للمال. فان لم يقصد ذلك، لم تبرأ ذمة الجاني .
[مسألة 1280] في غير الجناية على النفس تدخل الدية في ملك المجني عليه، وتكون كباقي امواله الشخصية, وتشملها احكامها من جواز التصرف المعاملي ووجوب الخمس وحصول الاستطاعة للحج, وغير ذلك. ولا يكفي تخميسها عن ذمة الدافع في عدم تخميسها عن ذمة الاخذ.
[مسألة 1281] في صور الجناية على النفس، تدخل الدية في ملك الوارث. وتقسم على حسب حصص الارث، ويشملها احكامه من الميراث, بالفرض والقرابة والحجب وغيرها. واذا وصلت لكل وارث حصته, كانت كامواله الشخصية، بالتفصيل الذي قلناه في المسألة السابقة .
[مسألة 1282] بالرغم من ان مقتضي القاعدة الاولية اعتبار ارث الدية من الارث غير المحتسب, فيجب تخميسه، ولو كان المجني عليه، مورثاً محتسب الارث, كالاب والولد. لان الخارج عن الاحتساب هو قتله، وميراث ديته. غير ان سياق الادلة لا يقتضى ذلك. فيكون ميراث الدية من المورث المحتسب محتسب, ومن غيره غير محتسباً، فيجب تخميس الثاني من هذه الناحية. وان كان الاحوط استحباباً وجوب التخميس، في كلتا الصورتين.
[مسألة 1283] من جملة موارد الجناية على منافع الاعضاء, حصول الجناية على بعض ملكات العقل، كما لو ضربه على رأسه مثلا, فصار كثير النسيان او سفيها او كان مجتهداً فزال اجتهاده او كان حاد الذاكرة فزالت حدتها او عارفاً ببعض الامور الطبيعية او الاجتماعية فزالت معرفته، وخاصة اذا كانت مما يستعملها في معيشته. فكل ذلك مما له دية لا محالة في الشريعة. غير ان الفتوى بالدية الكاملة, اشكال, وببعضها اشكال، فالاحوط[[1]] المصير الى الحكومة. ولا ينبغي ان يقل مقدارها عن الدية الكاملة, اذا كان الاثر شديداً وغير قابل للزوال غالباً. [مسألة 1284] ومن جملة تطبيقات ذلك، ما لو كان للمجني عليه بعض العلوم الخفية غير المحرمة شرعاً او بعض الفعاليات الروحية, كالمداواة او وجدان السارق او المسروق او اعطاء احراز الرزق او الحفظ او دفع السحر, وغير ذلك. فزالت عنه تلك الخصوصية بالجناية. فيكون مشمولا لحكم المسألة السابقة. غير ان الحكومة هنا, لا ينبغي ان تصل الى الدية الكاملة.
[مسألة 1285] مع الجناية على العضو او على منفعته، وكان ذلك سبباً لاسترباحه، فهل يكون معدل الربح مضموناً زائداً على الدية، الاحوط[[2]] ذلك, بلا اشكال. وانما الكلام في انه على وجه الوجوب. [مسألة 1286] مع الجناية على النفس، لا اشكال في اندراج الجناية على الاعضاء ومنافعها فيها. فلا تجب اكثر من الدية. كما لا يجب ما اشرنا اليه في المسألة السابقة. كما لا تفرق ديته من حيث اهمية المجني عليه, علمياً او دينياً او اجتماعياً او اقتصادياً. فكلهم له دية واحدة, وقصاص واحد. ولا يجوز قتل الاثنين بواحد, وان اختلفت الاهمية. كما لا يجوز الاخذ لمقدار اكثر من الدية المقدرة.
[[1]
] مقتضى القاعدة ، الاحتياط وجوبي .[مسألة 1287] كفارة القتل غير شاملة للجناية على ما دون النفس, مهما كان. فلا يجب معه دفع اية كفارة. [مسألة 1288] من الواضح ان كفارة القتل مما لا يستفيد منها ولي الدم شيئاً. بخلاف الدية, فانها له وللورثة. وانما المستفيد من الكفارة هو العبد الذي يتم عتقه او الفقير الذي يتم اطعامه.
[مسألة 1289] كل رق يعتق في كفارة, فعتقه [سائبة]، يعني ليس لمولاه حق ميراثه مع انعدام القرابة. وانما ذاك هو المعتق لوجه الله خالصاً.
16 محرم الحرام عام 1415
محـمـد الـصـدر
[[2]
] مقتضى القاعدة ، الاحتياط وجوبي .