وفيه مقاصد
المقصد الأول
التلقيح الصناعي
أو اولاد الانابيب
يمكن تعريف التلقيح الصناعي بانه تلقيح البويضة الانثوية بالحويمن الذكري خارج الجسد. يعني ليس في الرحم، بل في ظرف ومجال اصطناعي خاص به. وهو معنى عام للانسان وغيره من الحيوانات [الوالدة]. وينبغي ان يقع الحديث أولاً عن اقسامه :
اقسام التلقيح الصناعي
نذكر فيما يلي ما يحتمل ان يكون تقسيما نظريا للتلقيح الصناعي لنأتي بعد ذلك على ذكر أحكامه. فان لكل مما يلي من الامور اقساماً عديدة :
أولاً : المني المستعمل في التلقيح الصناعي.
ثانيا : البويضة الانثوية المستعملة فيه.
ثالثا : الرحم الذي تم استعماله لتربية البويضة الملقحة.
رابعا : الطريقة التي استعملت في استخراج المني.
خامسا : الطريقة التي استعملت في استخراج البويضة.
ونذكر لكل من هذه الأمور تقسيما مستقلا :
التقسيم الأول : تقسيم المني المستعمل في التلقيح الصناعي. فانه قد يكون مأخوذا من المصادر التالية :
أولاً : من الزوج.
ثانيا : من رجل أجنبي متزوج.
ثالثا : من رجل أجنبي غير متزوج.
رابعا : من رجل من المحارم. كما لو كان أخا للمرأة أو أبا أو ابنا. ونحوه.
خامسا : من رجل مجهول الهوية.
سادسا : من حيوان مأكول اللحم.
سابعا : من حيوان غير مأكول اللحم، ولكنه طاهر العين.
ثامنا : من حيوان نجس العين. كالكلب والخنزير.
التقسيم الثاني : تقسيم البويضة الأنثوية المستعملة في التلقيح الصناعي. من حيث أنها قد تكون مأخوذة من المصادر التالية :
أولاً : من الزوجة أو الحليلة.
ثانيا : من امرأة أجنبية متزوجة.
ثالثا : من امرأة أجنبية غير متزوجة.
رابعا : من امرأة من المحارم شرعا. كما لو كانت أما أو أختا أو بنتا، ونحوها.
خامسا : من امرأة مجهولة الهوية.
سادسا : من حيوان مأكول اللحم.
سابعا : من حيوان غير مأكول اللحم طاهر العين.
ثامنا : من حيوان نجس العين.
تاسعا : من زوجة أخرى لصاحب المني أو حليلته.
وقد يرد في بعض الأذهان بالنسبة لهذين التقسيمين أن الحويمن والبويضة قد لا تكون مأخوذة من إنسان ولا من حيوان، بل من نبات كعصارات الفواكه ونحوها. أو من جماد أو من غاز. ألا أن ذلك محال في العلم الطبيعي، وعلى تقدير إمكانه فهو بعيد عن إمكان البشر في الواقع العملي.
التقسيم الثالث : تقسيم الرحم الذي تم استعماله لتربية البويضة الملقحة :
أولاً : رحم الزوجة. أعني زوجة صاحب الماء.
ثانيا : رحم زوجة أخرى له أو حليلة.
ثالثا : رحم امرأة أجنبية متزوجة.
رابعا : رحم امرأة أجنبية غير متزوجة.
خامسا : رحم امرأة من المحارم , بالنسبة إلى صاحب الحويمن أو إلى الحمل نفسه.
سادسا : رحم حيوان طاهر العين كالقرد أو الفرس.
سابعا : رحم حيوان نجس العين.
ثامنا : رحم صناعية لتربية الطفل وحضانته إلى أن يولد.
التقسيم الرابع : تقسيم الطريقة التي استعملت في استخراج المني :
أولاً : الإنزال بشهوة ناتجة من الزوجة.
ثانيا : الإنزال بشهوة ناتجة ذاتيا، كالعادة السرية.
ثالثا : الإنزال بشهوة ناتجة من حرام كالزنا و اللوط.
رابعا :الإنزال بشهوة ناتجة موضعيا بفعل الغير كالطبيب أو الطبيبة.
خامسا :الإنزال بشهوة ناتجة من وطي البهيمة.
التقسيم الخامس : تقسيم الطريقة التي استعملت في استخراج البويضة.
أولاً : أن يكون المستخرج لها نفس المرأة.
ثانيا : أن يكون المستخرج لها زوج المرأة.
ثالثا : أن يكون هو امرأة أخرى. كضرتها أو بعض أرحامها أو الطبيبة.
رابعا : أن يكون المستخرج رجل غير الزوج سواء كان من أرحامها أو كان أجنبيا, طبيبا أم لم يكن.
فهذه جملة الأقسام المتصورة. وإذا ضربنا بعضها في بعض كان الناتج كما يلي : 5×8×9×8×4=11520 [ أحد عشر ألفا وخمسمائة وعشرون]احتمالا. تختلف ابعاضها في أحكامها وأحكام مقدماتها ونتائجها. ونذكر فيما يلي جملة من المسائل المتعلقة بها بحيث يتضح الحال منها جميعا، بعد تعذر تعداد كل الصور، مضافاً إلى كونه تطويلا بلا طائل.
[مسألة 1117] كل عمل في هذا الصدد مستلزم لانكشاف العورة للآخرين حرام. كاستخراج البويضة غير الملحقة من المرأة، وإدخال البويضة الملحقة في رحمها. و إنزال المني إذا استلزم ذلك. مع العلم أن كشف العورة لغير الزوج و الزوجة حرام سواء كان الآخر قريبا أو غريبا , اعتياديا أم طبيبا رجلا كان أم امرأة. فان ذلك الموضع من الجنسين حرام على نفس الجنس فضلا عن الجنس الآخر، لا يختلف في ذلك بين أن يكون الناظر طبيبا أو طبيبة أم لم يكن. بل يحرم كشف العورة حتى للصبي والصبية المميزين.
[مسألة 1118] ينتج من ذلك صحة ما عليه مشهور المتأخرين، من أن التلقيح إنما يكون جائزا من هذه الناحية. فيما إذا عمله الزوج لزوجته خاصة أو عملته المرأة لنفسها، دون أي صورة أخرى.
[مسألة 1119] إذا نتج من عمل الزوج لزوجته أو عمل المرأة لنفسها، ضرر معتد به عرفا، حرم من هذه الجهة.
[مسألة 1120] تحرم على الأحوط وجوبا عدة أشكال من التلقيح وإن لم تكن حقيقية من الزنا و ليس عليها حد الزنا.
أحدها : إدخال ماء الرجل في رحم المرأة، بدون جواز شرعي، وذلك بان لا تكون حليلته. حتى ولو كان ذلك الماء بمقدار حويمن واحد قد لقح بويضة واحدة. ونعني بقولنا بدون جواز شرعي , كل الصور المخالفة لذلك. كالأجنبي والأجنبية سواء كانا متزوجيناً أو لا أو كان أحدهما متزوج. و كالمطلقة البائن وكالمحرم بالنسبة إلى محارمها من الرجال، كالأم والبنت والأخت و العمة و الخالة. بل إن هذا المورد أشد حرمة من غيره، بالضرورة المتشرعية.
ثانيها : تلقيح بويضة أجنبية بحويمن أجنبي ولو خارج الرحم أو في جهاز حاضن. بنفس التفاصيل التي ذكرناها في الفقرة السابقة.
ثالثها : إدخال حويمن أو جنين لحيوان في رحم امرأة. إذا كان يوجب لها ضرراً معتدا به للمرأة أو للجنين الناتج عن ذلك.
رابعها : إدخال حويمن أو جنين لإنسان في رحم حيوان، إذا كان يوجب للجنين ضرراً معتدا به أو كان نجس العين.
خامسها : تلقيح بويضة حيوانية أياً كان نوعها بحويمن إنساني أو بالعكس , إذا كان الظن على نشوء إنسان مشوه أو ممسوخ، من هذا التلقيح.
[مسألة 1121] تلقيح الحيوان بالحيوان مطلقا جائز. ويتبع الحكم شكل الحيوان الناتج منها. سواء كان تابع في شكله لابويه أم لا. فإن كان من صنف الحيوان المأكول اللحم، جاز أكله. وإن كان من بعض أصناف غير مأكول اللحم، لم يجز أكله. وإن كان على شكل جديد غير معروف فيما سبق، تبع الجواز وعدمه علامات الجواز وعدمه فيه كالناب والمخلب ونحوهما. فإن توفرت فيه حرم وإلا حل وإن كان الأحوط[ ] الاجتناب. وكذلك إن كان على شكل نجس العين، فهو نجس, و إلا فهو طاهر، سواء كان على شكل حيوان طاهر أو على شكل جديد. نعم، ما نتج من حيوانين نجسي العين، فالأحوط اجتناب أكله وإن لم يكن على شكل أحد أبويه. كما لو كان على شكل مأكول اللحم أو على شكل جديد. وإن كان الظاهر انه احتياط استحبابي. إلا أنه على أي حال طاهر الجسد ما لم يكن على شكل أحد أبويه عرفا. أو تابع في الصفات لهما معا على الأحوط[ ].
[مسألة 1122] الجنين الإنساني إذا حملته امرأة في رحمها، فهي أمه إذا لم يكن من زنا. سواء كان ناشئا من بويضتها أو من بويضة امرأة أخرى. ومعه فالبويضة الملقحة من الزوجين إن وضعت في رحم الزوجة نفسها كان الجنين ولدها، وإلا فهو ولد المرأة الأخرى التي يوضع في رحمها سواء كانت امرأة أخرى للزوج أو من محارمه أو أجنبية عنه، وسواء حملته باجرة أو مجانا. و يترتب بينه وبين أبويه كل أحكام البنوة. وإن كان الزوج بين الأبوين منتفيا ولا تترتب أحكامه. بل وإن كانت مقدمات إيجاده حرام كما تقدم.
[مسألة 1123] الجنين الإنساني إذا لم تحمله رحم امرأة إنسانية. بل تربى في رحم أخرى , كالحاضنة الآلية أو حيوان ,كالقرد أو الفرس ونحوها. كان تابعا في بنوته لصاحب الحويمن والبويضة. وسواء كانا زوجين أم لا، سواء كانا من المحارم أم أجنبيين. وتترتب بينه وبين أبويه كل أحكام البنوة، وإن كان الزواج منتفيا ولا تترتب أحكامه. بل وإن كانت مقدمات إيجاده حراما، كما تقدم.
[مسألة 1124] أبو الجنين هو صاحب الماء أو الحويمن، مطلقا بالنسبة إلى الصور التي عرضناها في المسألتين السابقتين.
[مسألة 1125] أبو الجنين هو صاحب الماء وأن كانت المرأة الحاملة له متزوجة من غيره. ولا يكون تابعاً للفراش أي للزوجية، إذا علمنا أنه من غير الزوج، إما بالزنا أو بالتلقيح أو بوطء الشبهة ونحو ذلك. نعم , إذا شككنا بالتبعية للغير، حكمنا بالتبعية للفراش يعني أن يكون الزوج هو الأب.
[مسألة 1126] قلنا فيما سبق أنه من المستحيل في العلم الطبيعي وجود بويضة أو حويمن من نبات أو جماد أو سائل غير حيواني. ولكن على فرض وجوده ولو بالمعجزة لم يكن لهذا الطرف انتساب. فان كان طرف الأب إنسانا و طرف الأم نباتا، لم يكن له أم، وكانت الأحكام منحصرة بابيه، وإن كان طرف الأم إنسانا وطرف الأب نباتاً لم يكن له أب وكانت الأحكام منحصرة بأمة. وإن كان الطرفان معا نباتيين ونحو ذلك، لم يكن له أب ولا أم. ويختلف في ذلك موضوعات أحكام النفقة والولاية والإرث وغيرهما.
[مسألة 1127] هل يمكن أن يباع ماء الرجل، بمعنى الاستفادة منه بالتلقيح ودفع أجرته. لا إشكال في ذلك من حيث كونه عين نجاسة , ولا من حيث كونه مملوكا لصاحبه , ولا من حيث كونه ساقطا عن المنفعة عرفا. وإنما الإشكال فيه من حيث أن المقصود للمشتري هو كون الولد تابعا له. فإذا حكم الشرع بكون الولد لصاحب الماء كما هو كذلك، تخلف غرض المشتري، وصارت حلية الأجرة متوقفة على رضاه المجدد بعد إعلامه بالنتيجة.
[مسألة 1128] هل يمكن أن تباع بويضة المرأة. بمعنى الاستفادة منها بالتلقيح ودفع قيمتها. لا إشكال في ذلك من حيث النواحي المشار إليها في المسألة السابقة، ولكن الإشكال هو ما ذكرناه هناك أيضا وهو كون غرض المرأة انتساب الجنين إليها، وهو منتف شرعاً كما قلنا. وأما في صورة الانتساب مما ذكرنا فيما سبق، فلا معنى لأخذ المال عليه.
[مسألة 1129] هل يمكن أن تشترى بويضة المرأة ليكون الجنين منتسبا إلى المشتري وهو الأم الوالدة ؟ لا بأس، من جهة جميع الاشكالات المذكورة في المسألتين السابقتين.
[مسألة 1130] اتضح من ذلك : أن المرأة إذا حملت بويضة غيرها. فان كان المقصود أن يكون الحمل لها، جاز. وإن كان المقصود أن يكون الحمل لصاحبة البويضة , لم يكن كذلك. وكانت اخذ الأجرة عليه باطلة. وهو ما يسمى بالرحم المستأجرة.
[مسألة 1131] يجوز التلقيح في الحضانة الصناعية، إذا كان الحويمن والبويضة مما يجوز تلقيحهما حسب القواعد السابقة. كما يجوز تربية الجنين فيها إلى حين ولادته، إذا لم يكن مضرا بحاله في الحال أو الاستقبال.
[مسألة 1132] إعادة البويضة الملقحة من الحضانة الصناعية إلى الرحم، يتوقف على النظر إلى العورة في الأعم الأغلب. فيكون حراماً مع حرمة النظر إليها. وينحصر الجواز في صورة الجواز، كما لو كان الطبيب زوجها.
[مسألة 1133] إذا كان صاحب الماء مجهول الهوية، كما لو اخذ من بنك مختص بذلك، لم يكن للحمل أب ظاهرا، ولا ينتسب إلى الزوج، مع العلم بانعقاده من ماء غيره. نعم، مع الشك يكون منتسبا إليه.
[مسألة 1134] إذا كانت صاحبة البويضة مجهولة الهوية، كما لو أخذت البويضة من بنك مختص بذلك، فان تربى الحمل في رحم صناعية إلى حين ولادته لم يكن له أم ظاهراً. وإن تربى في رحم امرأة، كانت هي أمه. سواء كانت متزوجة أم لم تكن. وأما الأب فهو الزوج إذا كان الماء منه أو احتملنا ذلك. وأما إذا علمنا بأنه من غيره، كان الحمل منتسبا إلى صاحب الماء.
[مسألة 1135] يجب الفحص على الأحوط[ ] عن صاحب الماء أو عن صاحبة البويضة على تقدير الجهالة بهما. لترتيب الآثار الشرعية عليهما كحق الحضانة و الولاية و الميراث. وأما مع عدم إمكان التعرف عليهما، فيسقط حق الحضانة, وتكون الولاية للحاكم الشرعي. وأما الميراث فيكون الحديث عنه في محله.
[مسألة 1136] إذا كان إنزال الرجل من اجل التلقيح الصناعي بشهوة مثارة من زوجته، فلا إشكال من هذه الناحية، وكذلك لو كان الهدف فحص المادة المنوية أو أي غرض آخر معتد به. بل حتى بدون غرض غير الشهوة. سواء كان لجماع أو ملاعبة أو تفخيذ أو كان بيد الزوجة. وإن كان الأخير مخالفا للاحتياط الاستحبابي.
[مسألة 1137] إذا كان إنزال الرجل بشهوة مثارة من قبل نفسه،كالعادة السرية. فلا شك في الحرمة مع عدم وجود غرض عقلاني. بل عليه الحد أيضا , وهو الضرب إلى حد احمرار اليد. أو التعزير وهو الضرب بالسوط بالمقدار الذي يراه الحاكم. وأما إذا كان لغرض عقلائي غير اضطراري، فالأحوط استحبابا فيه الترك بخلاف ما لو كان الغرض اضطراريا. وأما كون الفحص ونحوه مما هو مقدمة للحمل غرضا اضطراريا أم لا، فهو تابع لوجدان الرجل نفسه.
[مسألة 1138] إنزال الرجل بطريقة أخرى غير ما سبق محرمة مطلقا حتى مع الاضطرار، وخاصة مع وجود المندوحة، وهو الغرض الأعم الأغلب. إلا إذا كان بإكراه شديد وهو خارج عن مفروض المسألة. وهو ما سبق أن عددناه بان الإنزال قد يكون لزنا أو ملاعبة أجنبية أو لواط أو بيد رجل آخر , كائنا من كان أو بيد امرأة أخرى كائنة من كانت. فان كله حرام لا سبيل إلى تحليله.
[مسألة 1139] إخراج البويضة من رحم المرأة، يحتاج إلى طريقة طبية معينة، لا يعرفها إلا الخبراء، وهي متوقفة على أي حال إلى انكشاف عورتها للمستخرج وهو حرام ما لم يكن هو زوجها أو حليلها، كما أشرنا في المسألة[1118]. ولا يكون الحاجة إلى الأطفال ضرورة كافية لتحليه إلا أن يشعر الزوجان بالحرج الشديد.
[مسألة 1140] إتضح من الأقسام التي ذكرناها في هذا الفصل وغيرها من المسائل أن التلقيح الاصطناعي بين الجنسين، يمكن أن يصل إلى نتائج غريبة لا يمكن أن يفتي بجوازها أي قانون. نذكر بعض الأمثلة لذلك :
المثال الأول : أن يكون الرجل غير متزوج أساساً، وكذلك المرأة. و مع ذلك يمكن أن يحصل لهما بالتلقيح بعض الذرية وتؤدي الولادة إلى فقد بكارتها.
المثال الثاني : التلقيح بين المحارم كما لو كان الرجل والمرأة أخا وأختا أو ابنا وأما أو أباً وبنتاً وغير ذلك. وهذا واضح سواء كانا متزوجين أساسا أم لا.
المثال الثالث : التلقيح بين الرجل والمرأة التي يحرم عليه الزواج منها كالمطلقة البائن أو المطلقة تسعا أو أخت الزوجة , وهكذا.
المثال الرابع : إمكان وجود أولاد للرجال من نساء أكثر من أربعة مع أنه لا يجوز الزيادة على أربع زوجات.
وإذا حصل أمثال ذلك، فسوف تختلط الأنساب وتحصل قرابات لا وجود لها في الإسلام. وقد قلنا قبل قليل : أن طريقة إيجادها محرمة شرعا لأكثر من وجه واحد. لكننا قلنا أيضاً : أن رجلا وامرأة لو أوجدا ذلك بينهما عصيانا كانا آثمين، إلا أن المولود ليس ابن زنا. كما أن الطريقة ليست بزنا , ولا يستحق أي منهما الحد عليه. نعم، لا يبعد استحقاق التعزيز عليه، لأنه ثابت بالدليل على كل محرم. إلا أن الولد ولد حلال يترتب عليه كل أحكام البنوة من النفقة والإرث والحضانة والولاية وغيرها.
[مسألة 1141] بهذا يتضح أن أبن التلقيح تعتبر النساء من محارمه،محارم شرعية له. كالأم والأخت والعمة والخالة فلا يجوز له الزواج منهن. ويجوز له النظر اليهن. سواء كانت الأخت بولادة طبيعية أو تلقيح. وسواء كانت توأما لنفس التلقيح أو بتلقيح آخر.
[مسألة 1142] لا تعتبر المرأة التي تم تلقيحها زوجة لصاحب الماء ما لم تكن كذلك بسبب شرعي مستقل سابق على التلقيح أو لاحق له. ولا يترتب على التلقيح بمجرده شيء من أحكام الزوجية وحقوقها وواجباتها. وأن ترتيب الأحكام على الولد كما سبق أن قلنا. ويكون ذلك أوضح فقهيا فيما إذا كانت المرأة متزوجة من شخص آخر.
[مسألة 1143] المرأة المتزوجة إذا أرادت إشغال رحمها ببويضة ملقحة من غير زوجها , فإنها تزيد أشكالا على ما سبق من المحاذير. وهو حرمة إشغال رحمها على الأحوط[ ] بغير إذن زوجها، لاستحقاقه هو شرعاً بإشغاله بالزواج. فإذا قلنا بصحة الإجارة فله أن يأخذ عوضاً عن إذنه شيئاً من المال. ولا يختلف وجوب استئذانه بين أن يكون إشغال الرحم مجانيا أم مأجورا.
[مسألة 1144] لا يجوز بدون مصالح ثانوية قاهرة، إكراه الرجل على بذل مائه مجانا أو بأجرة , ولا إكراه المرأة على بذل بويضتها كذلك. و إذا حصل الإكراه ثبتت الدية في ذمة الفاعل، مضافا إلى التعزير.
[مسألة 1145] يمكن أن يكون للتلقيح الصناعي عدة اتجاهات نفسية نذكر لها بعض الأمثلة مع العلم إنه قد تحصل مما سبق معرفة أحكامها :
المثال الأول : زوجان عقيمان يريدان الولد , بحيث تحمله الزوجة إما من ماء زوجها أو من ماء غيره. وإما من بويضتها أو من بويضة غيرها.
المثال الثاني : زوجان عقيمان يريدان الولد، بحيث تحمله امرأة أخرى، وتدفعه لهما كولد لهما. وهذا قد يكون من ماء الزوجين وقد يكون من غيرهما , بأجرة أو مجانا , من معروفين أو غير معروفين.
المثال الثالث : رجل أو امرأة مفتقران إلى الوارد الاقتصادي فيعيشان على بيع مائهما الى الآخرين.
المثال الرابع : امرأة مفتقرة تريد أن تتعيش بأجرة حمل رحمها للآخرين.
المثال الخامس : رجل يريد كثرة من الذرية، وحيث لا يكفيه ما رزق من الذرية من زوجته أو زوجاته، فيحاول تكثيرهم بالتلقيح في النساء الأخريات. وخاصة وهو يعلم أنه لا يجوز الزيادة على أربع نساء بالعقد أو لا يريد التورط بزيادة الزوجات.
هذا وقد بانت أحكام هذه الأمثلة و تفاصيلها وامثالها مما سبق، بحيث لا تخفى على الذكي.
[مسألة 1146] لا يجوز شرعا تأسيس بنك للمياه الجنسية الذكرية والأنثوية. ولا يجوز إمداده بذلك على تقدير وجوده، وإن جاز تأسيس مصرف للدم وإمداده بالدم.
[مسألة 1147] تجب العناية بالجنين الموجود في الحاضنة الصناعية، كما لو كان في رحم امرأة، ولو قبل ولوج الروح فيه، ويحرم قتله. وفي قتله الدية , كما في الإجهاض، كما يأتي في كتاب الديات. نعم, إخراجه من حضانة إلى أخرى بدون ضرر عليه، لا يعتبر إجهاضا.
[مسألة 1148] بغض النظر عن المحاذير الشرعية السابقة، فانه يجوز نقل الجنين من الحضانة إلى الرحم، ومن الرحم إلى الحضانة، ولا يعتبر هذا إجهاضا , إلا أن يموت الجنين والمفروض استمرار حياته، وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الأكيد دفع الدية. كما انه يجوز نقل الجنين من رحم إلى رحم لو أمكن ذلك، وتكون أمه هي الوالدة الأخيرة بعد مدة أقل الحمل. ولا يواجه ذلك إشكالا قلناه بعدم جواز إدخال ماء الرجل إلى رحم أجنبية، لأنه بعد تخلق الجنين يخرج عن كونه كذلك، ويكون ذلك الماء قد استحال إلى إنسان.
المقصد الثاني
تبديل الجنس
ونريد به هنا تحويل الفرد نفسه من الذكورة إلى الأنوثة أو بالعكس. مع بعض الصور الأخرى. من حيث أن الانقسامات في ذلك متعددة :
الانقسام الأول : إن الفرد قبل التحول إما أن يكون رجلا أو أنثى أو خنثى ذو فرجين أوخنثى بدون فرجين.
الانقسام الثاني : إن الفرد يريد التحول نظريا إلى أحد الاحتمالات السابقة وإن كان الأغلب اختصاصها بالبعض كما هو واضح، كما لو أراد الرجل أن يكون امرأة, أو أرادت الخنثى أن تكون رجلا أو امرأة. ولا يصح عقلائيا ان يريد الرجل أو المرأة أن تكون خنثى.
الانقسام الثالث :إن الفرد الذي يريد التحول إما أن يكون مكلفا بالأحكام الشرعية، بأن يكون بالغا عاقلا أو غير مكلف. وعلى الثاني تنتج عدة أقسام، لأنه إما أن يكون صبيا أو صبية أو مجنونا أو حيوانا. إذ قد يخطر في البال وجود المصلحة في تحويل جنس الحيوان أيضا.
الانقسام الرابع : إن الطبيب الذي يقوم بعملية التحويل. إما أن يكون ممن يجوز له أن ينظر إلى عورة المريض، وهو منحصر بالحليل أو الحليلة، وإما أن يكون ممن يحرم عليه ذلك. وهو سائر الناس، كائنا ما كانوا.
[مسألة 1149] تبديل جنس الحيوان جائز مطلقا، لان النظر إلى عورته جائز مطلقا، كما أن إضراره بشكل غير معتد به غير محرم شرعاً.
[مسألة 1150] تبديل الجنس للبشر يحتوي على نقص أخلاقي، وهو عدم الرضا بالخلقة الفعلية للفرد أياً كانت، ومحاولة تغيير خلق الله عز وجل. حتى انه قد يقال بالحرمة تمسكا بالآية الكريمة. لولا أن حملها على الفقهية التشريعية بعيد.
[مسألة 1151] تبديل الجنس في أغلب أفراده حرام شرعا لسببين :
أحدهما : ضرورة النظر إلى العورة خلال عملية التبديل. فيكون حراما على الفاعل و المفعول معا.
ثانيهما : وجود ضرر معتد به على الفرد، بنفس إجراء العملية الجراحية، بدون أن يكون في تحمله هدف معتد به. فيكون جلبه على النفس حراما، كما أن إيقاعه بالغير حرام.
[مسألة 1152] يمكننا من الناحية الفقهية أن نتصور سببين لجواز التبديل :
أحدهما : أن يكون الطبيب القائم بالتبديل حليلا للمريض، كما لو كان زوجها أو كانت زوجته.
ثانيهما : أن يكون الفرد في حرج شديد من جنسه الفعلي قبل التبديل إما دنيويا أو دينيا. كما لو كان خنثى، وهو متحرج من أحكامه الشرعية الاحتياطية، كما هو المشهور في حقه، فهو يريد أن يتحول إلى أحد الجنسين الآخرين، لكي يتعين عليه التكليف الشرعي.
غير أن هذين السببين للجواز غير كافيين في دفع السببين السابقين للحرمة. لأن الأول من هذين يدفع الأول من السابقين، ويبقى الثاني وهو الضرر المحرم. كما أن الثاني من هذين يدفع الثاني من السابقين، لكون تحمل الضرر هنا عقلائيا، إلا ان السبب الأول للحرمة يبقى على حاله. ولو أمكن الجمع بين هذين السببين للجواز أمكن دفع كلا سببي الحرمة. إلا أنهما لا يمكن اجتماعهما شرعا فيما هو المنظور وهو الخنثى المشكل، لامتناع زواجه شرعا بأي من الجنسين. ولو لم يكن الخنثى مشكلا لم يقع في ضيق من أحكامه. لكونه تابعا لأحد الجنسين بالتعيين.
[مسألة 1153] إتضح من ذلك أن جميع أشكال تبديل الجنس حرام شرعا. واستئجار الطبيب عليه، معاملة فاسدة.
[مسألة 1154] لو قام الفرد بهذا التبديل غفلة أو عصيانا أو نسيانا بحيث أصبح من الجنس الآخر. انتفت عنه أحكام جنسه السابق، و ثبتت له أحكام جنسه الجديد. وهذا له صور عديدة نذكرها في المسائل الآتية.
[مسألة 1155] لو تحول الرجل إلى امرأة، انتفت عنه أحكام الرجولة، من جواز الزواج بامرأة والولاية على أسرته وأطفاله وعدم وجوب الحجاب وجواز الشهادة والإمامة والتقليد على تفصيل سبق. وثبتت له أحكام المرأة من جواز الزواج برجل وأخذ حصة الأنثى في الإرث وأحكام الحيض و الاستحاضة والنفاس، أن حصل ذلك لها. إلى غير ذلك.
[مسألة 1156] إذا تحول الرجل إلى امرأة وكان زوجا، بطلت ولايته كما أشرنا، وبطل نكاحه من زوجته أيضا، بحيث لو عاد إلى الرجولة لم تحل له إلا بعقد جديد. ولم تجب عليه العدة ولا نفقة زوجته ولا أولاده. وأما تبدل حصة الميراث , ففيها أشكال نشير إليه في محله.
[مسألة 1157] لو تحولت المرأة إلى رجل، انتفت عنها أحكام الانوثة مما سبق أن سمعناه، وثبتت عليها أحكام الرجولة كما سبق.
[مسألة 1158] لو تحولت المرأة إلى رجل وكانت زوجة انتفت عنها واجبات الزوجية وحقوقها، فانتفى عقدها ولم تحتج إلى عدة، وحرم عليها تمكين زوجها منها، وحرم على زوجها مباشرتها. وارتفع وجوب النفقة وحق الحضانة، وجاز لها الخروج من المنزل بغير إذن زوجها، إلى غير ذلك. وأما حصة الميراث ففيها كلام يأتي.
[مسألة 1159] لو تحولت الخنثى المشكل إلى رجل انتفت عنها أحكام الخنثى، وثبت لها أحكام الرجل. وإذا تحولت إلى امرأة ثبتت لها أحكام المرأة.
[مسألة 1160] إذا تحولت الخنثى غير المشكل إلى غير الخنثى. فالخنثى غير المشكل هو المحكوم شرعا بالرجولة أو بالأنوثة، كما سبق في كتاب الإرث. فإما أن تتحول إلى نفس ما ثبت لها حكمه، كما لو تحول المحكوم بالرجولة إلى رجل كامل أو المحكوم بالأنوثة إلى أنثى كاملة، لم يتغير عندئذ منها حكم من الأحكام الشرعية التي كانت ثابتة لها. وإما أن تتحول إلى الجنس الآخر الذي لم تكن تابعة له. فتكون كما لو تحول الرجل إلى امرأة أو المرأة إلى رجل. وقد سبق الحديث عنها.
[مسألة 1161] إذا تحول رجل أو امرأة إلى خنثى، ولو باعتبار خطأ الطبيب بإجراء العملية الجراحية لتحويله. شمله حكم الخنثى عندئذ. فان كان خنثى غير مشكل، شمله حكم ما يتعين له من الرجولة أو الأنوثة. سواء كان ذلك على وفق حاله السابق أو خلافه. وإن كان خنثى مشكل شملته أحكامه. وكان مقتضى الاحتياط الوجوبي بطلان العقد لو كان زوجا أو زوجة، ويترتب عليه كل ما سمعناه قبل قليل من تحول الزوج أو الزوجة.
[مسألة 1162] يمكن التبديل عدة مرات في الجنس و في أشكال مختلفة. وكل مرحلة مر بها يشمله فيها حكمها. وقد يقال : أنه من جملة نتائج ذلك. إنه لو كان زوجا فتحول إلى امرأة ثم رجع إلى الرجولة خلال العدة، كان أولى بزوجته. ولا يحتاج إلى عقد جديد وكذا العكس. إلا أن هذا فرع ثبوت العدة، وقد نفيناها فيما سبق. وعلى أي حال فالأمر مخالف للاحتياط الوجوبي. فان أراد الرجوع إلى الزوجية فلا بد من عقد جديد، ولو لرجاء المطلوبية.
[مسألة 1163] كما يمكن أن يكون التبديل اختياريا، يمكن أيضا أن يكون بالإكراه أو الاضطرار أو الإحراج. ومعه ترتفع الحرمة الثابتة في حال الاختيار ويتبعه أحكام هذه العناوين الثانوية.
[مسألة 1164] كما يمكن أن يكون التبديل بعملية جراحية، كذلك يمكن أن يكون بالخلقة، كما نقل حصوله لبعض الفتيات أنهن تحولن إلى رجال. وهو أمر أشبه بالمعجزة. فان حصل لم يفرق فقهيا في نتائجه عن التبدل الاختياري، كما سبق أن عرضنا أحكامه. نعم , لا حرمة في إيجاده عندئذ.
المقصد الثالث
في فروع مختلفة في النكاح
[مسألة 1165] لا تحديد في الشريعة لعمر أحد الزوجين، فيصح العقد بينهما سواء كان أحدهما طفلا أو كلاهما. كل ما في الأمر أن الطفل يزوجه وليه. وكذا من طرف الزيادة كالمرأة التي انقطعت عادتها الشهرية.
[مسألة 1166] لا تحديد في الشريعة لصفات أخرى للزوجين، كالفقر والغنى والصحة والمرض والعقل والجنون والسفه والرشد و الشهرة والخمول. كما لا أهمية شرعا لتساوي فصيلة الدم و لا كونهما من نسب واحد أو من أنساب متعددة. فيصح الزواج في كل هذه الصور بين المتشاكلين و المختلفين في هذه الصفات.
[مسألة 1167] العقد والطلاق وغيرهما، كالخلع والظهار والمبارأة وغيرها، التي تقع في المحاكم العرفية، إن وقعت على الوجه الشرعي من جميع الجهات، فهي صحيحة ونافذة، وإلا فهي باطلة.
[مسألة 1168] ليس للمحاكم العرفية الطلاق عن الغائب والمفقود والصبي، وجعل القيمومة للصبي، لأن هذه الأمور منوطة بالولاية، وهي خاصة شرعا بالحاكم الشرعي.
[مسألة 1169] للمحاكم العرفية أن تحكم بوجوب دفع النفقة أو المهر أو رفع النشوز من أحد الزوجين، أو الاستماع إلى العقد الشرعي أو الطلاق الشرعي ونحو ذلك مما لا يعود إلى وجود الولاية.
[مسألة 1170] لا يجوز إيجاد عقد النكاح بعنوان الإجارة أو الجعالة أو الرهن أو الوقف. فان حصل ذلك ونحوه , فهو باطل , والزوجية منتفية.
[مسألة 1171] ما عليه العادة في بعض العشائر من إجبار المرأة على التزويج، لا يخلو إما أن تكون المرأة باكراً أو غير باكر , كما أن الملزم لها إما هو أبوها أو غيره. فان كان العقد صادرا برضا الأب وبنته باكر, صح , وإن كانت هي مكرهة. وإن كان الاحتياط الاستحبابي الأكيد بخلافه. وإما بخلاف ذلك كما لو لم تكن باكراً أو كان المكره لها غير أبيها , قريباً كان أم بعيدا، حتى لو كان أخوها أو أمها. فان العقد باطل. وكذا لو كان الإكراه على الأب. بحيث عقد إبنته الباكر وهو غير راض. ففي كل هذه الصور يكون التزويج باطلا.
[مسألة 1172] في كل مورد يبطل فيه العقد، لا تكون زوجته. بل تبقى أجنبية تحرم عليه نظرا ووطئاً. فان علما بالحرمة ودخل بها كانا زانيين. ويجب التفريق بينهما فورا. وتستبرئ الزوجة بحيضة إذا أرادت أن تتزوج بآخر. أما عنه فلا استبراء لها. وإن لم يعلما بالحرمة، كان من وطء الشبهة ولا أثم فيه وذريتهم حلال، ويتوارثون. و إن كان أحدهما عالما بالحرمة و الآخر جاهلا، كان من طرف العالم زنا ومن طرف الجاهل شبهة.
[مسألة 1173] لا تحديد للمكان في أي عقد أو إيقاع، ومنها عقد النكاح. فلو كان العاقدان في مكانين يتكلمان عن طريق التليفون أو اللاسلكي ونحوه، بحيث اجتمعت شرائط العقد , صح العقد. سواء كانا هما الزوجان أو الوكيلان أو أحدهما زوجا والآخر وكيلا. كما لا تحديد للمكان في الزوجين، فلو تم العقد حال تفرقهما أصبحا زوجين على أي حال. كما يمكن طلاق الزوجة حال بعدها أيضا، كما سيأتي.
[مسألة 1174] يمكن استخدام أي جهاز ناقل للصوت في أجراء أي عقد بما فيه عقد النكاح، كالتسجيل الصوتي والصوري والراديو وغيرها. على أشكال في بعضها , نذكره في المسائل الآتية.
[مسألة 1175] تجب الفورية بين الإيجاب والقبول، لكن يمكن أن يقال : أنه شرط عرفي، فإذا وافق العرف على إمضاء العقد الفاقد لها , كان صحيحا. أو يقال : أن فورية كل شيء بحسبه، ولا فورية حقيقية بين المتعاقدين المتباعدين، فيبقى من هذا الشرط ما يناسب حالهما. كالقبول عند قراءة الرسالة أو سماع المسجل.
[مسألة 1176] لا اعتماد على الرسالة أو الكتابة، إلا عند حصول الوثوق بالانتساب أو العجز عن التلفظ. وهل أن الإشارة للأخرس أولى أم الكتابة. لا شك أن الكتابة أوضح عرفا. غير أن الإشارة لدى من يفهمهما واضحة أيضا.
[مسألة 1177] تحصل مما قلناه من التلقيح الصناعي وغيره , أن الانتساب إلى الأبوين منتف مع الزنا. ولا يترتب عليه وجوب النفقة ولا الميراث ولا العقل. ولكن الأساليب الأخرى للإنجاب كلها تصحح الانتساب وتترتب عليها كل الأحكام. وهي عديدة :
أولاً : العقد الدائم.
ثانيا : العقد المنقطع.
ثالثا : وطء الشبهة.
رابعا : الوطء بالملك. خامسا : الوطء بالتحليل , وهي الأمة المحللة لغير مالكها.
سادسا : التلقيح الصناعي , وإن حرمت أكثر صوره كما سبق. ومعه يمكن أن يكون هناك أخوة أشقاء بمختلف هذه الأسباب. هذا مضافا إلى سبب آخر, وهو الرضاع. إلا أن الأحكام الثلاثة السابقة لا تترتب عليه.
[مسألة 1178] تجوز المناكحة مع المخلوقات الأخرى ضمن الأحكام السابقة مع توفر الشرائط الآتية :
الشرط الأول : أن تكون عاقلة ورشيدة، وليست من قبيل البهيمة.
الشرط الثاني : أن يكون النكاح بينهم وبين البشر ممكناً.
الشرط الثالث : أن يصدق عليهم الذكر والأنثى على الأحوط[ ]. فلو كان صنف تلك المخلوقات واحدا أو ثلاثا أو أكثر، لم يجز. لأنه قد يلزم من ذلك أن يتزوج كل من الذكر والأنثى البشريين نفس النوع , وهو مشكل.
[مسألة 1179] لا شك شرعا ببقاء الذات ما دام العنوان العرفي موجودا للفرد. فتترتب عليه جميع الأحكام من الزوجية و وجوب النفقة والميراث وغيرها. و الذات تبقى محفوظة عرفا وإن تبدلت بعض الأعضاء كاليد أو الرجل أو القلب أو الكبد أو الكلية أو غيرها. ما دام الفرد يسمى فلانا. وكذلك إن نقصت بعض الأعضاء.
[مسألة 1180] ما ذكرناه في المسألة السابقة لا يشمل الأعضاء الرئيسية لو أمكن تبديلها كالرأس والوجه بل والمخ في وجه.
[مسألة 1181] من كان ذا رأسين. فان كان الحكم شرعا على أنه فرد واحد. فلا إشكال في ترتب أحكام الزواج والطلاق وسائر المعاملات عليه. وأما إذا حكم بكونه فردين أو كان مكونا من جسمين على حقو واحد. وهو لا شك في كونه معدداً. فزواجه مخالف للاحتياط الوجوبي للزوم إطلاع الطرف على الفرد الثاني اللصيق به وبالعكس. وهو حرام سواء كانا رجلين أو امرأتين أو مختلفين، كما هو واضح فقهيا.
[مسألة 1182] يثبت تعدد ذي الرأسين أو كونه فردا واحدا بعدة أساليب:
الأسلوب الأول : الشعور الذاتي بالاستقلال، كما لو تكلم كل منهما كلاماً منفصلا عن الآخر. أو فكر تفكيرا مستقلا.
الأسلوب الثاني : إذا ناما، فانه يوقظ احداهما فان استيقظا معا فهما واحد ، وإلا فهما متعدد.
الأسلوب الثالث : أن يكون أحد الرأسين أضعف في الخلقة من الآخر ، بحيث يكون الاصلي هو الآخر. إلا أن في كونه علامة مستقلة، كلاما.
[مسألة 1183] الزواج بالجمادات لا معنى له لا عرفا ولا شرعا ولا قانونا. حتى لو كان آلة متطورة كالكمبيوتر أو الحاضنة الصناعية أو الإنسان الآلي أو غيره. وكل فعالية جنسية تجاهه يكون حراما. إلا أن في صدق الزنا عليه أشكالا، وكذلك الزواج بالنباتات.
[مسألة 1184] قلنا أن التلقيح الصناعي بين الإنسان و الحيوان غير جائز. ولكن لو تم عصيانا أو غفلة، فهل يجوز الزواج بالمخلوق الناتج منه. يتوقف ذلك على عدم صدق الحيوان أو البهيمة عليه. فان لم يكن , جاز التزويج منه، سواء صدق عليه أنه إنسان أم لا. لما قلنا في [المسألة 1178] من جواز المناكحة مع سائر المخلوقات على القاعدة العامة.
[مسألة 1185] يتعين النطق بصيغة النكاح والطلاق شفويا. ولا يجوز أن يكون بآلة ملحوظة مستقلا عن النطق البشري، كما لو جعل جهاز للتسجيل ناطق بالزواج أو بالطلاق، بدون أن يكون صاحب الصوت معلوما. أو كان صوتا تركيبيا صناعيا. وكذا لا يجوز لو كان ذلك بشفرة غير عرفية. سواء صدرت من آلة أو من الفم البشري، حتى وإن كان تفسيرها محاكيا لصيغة النكاح والطلاق.
[مسألة 1186] لا يجوز على الأحوط وجوبا إيجاد كل من النكاح والطلاق بالمعاطاة، و هو القصد المبرز بالعمل لا بالقول. كما لا يكفي فيهما مجرد القصد النفسي مهما كان واضحا. كما لا يكفي التأثير الروحي الباراسايكولوجي. نعم , لو كان الطرف مخلوقا ينحصر التفاهم معه عن هذا الطريق أمكن القول بكفايته.
[مسألة 1187] لا يكون الرضاع من غير ثدي مباشرة محرما. سواء كان بآلة معهودة أو غير معهودة، متطورة أم غير متطورة. كما لا يكون إرضاع غير الحليب الطبيعي محرما. حتى لو كان من الثدي فضلا عن غيره. كما لا يكون حليب غير المرضعة محرما. كما لو جعل حليب غيرها في ثديها بطريقة صناعية، فأرضعته طفلا، فإنه لا ينشر الحرمة.
[مسألة 1188] سبق أن الشرط في صحة الرضاع كون الرضيع والمرتضع معا في عاميهما الأولين. ومن هنا تحدث عدة فروع :
أولاً : لو مات الرضيع، وهو إبن المرضعة. وبقي اللبن دارا، لا بأس من إتمام الرضاع، بل من ابتدائه أيضا. ما دام لم يمض عامان على ولادته.
ثانيا : لو كبر جسمه طبيعيا أو صناعيا كأنه أكبر من عامين. أمكن استمرار الرضاع.
ثالثاً : لو بقي جسمه صغيرا ضئيلا أكثر من عامين من حين ولادته لم يجز استمرار الرضاع. بمعنى أنه لا ينشر الحرمة.
رابعا : لو كبر جسم المرتضع كأنه أكبر من عامين من عمره. جاز استمرار الرضاع.
خامسا : لو بقي جسمه ضئيلا أكثر من عامين لم يجز استمرار الرضاع.
[مسألة 1189] لو أمكن تطوير اللبن وهو في داخل الثدي بحيث يضاف له لون أو طعم جديد. كان ناشرا للحرمة مع اجتماع سائر الشرائط. وكذا لو حصل التغير بالصدفة لأكل معين أو مرض أو أي عارض.
[مسألة 1190] المهم فيما هو شرط في الطلاق وما هو مستحب في النكاح من الإشهاد، هو سماع الصوت، وإن لم ير الشخص لبعض الموانع كالظلام أوالغطاء، مع التأكد من الانتساب.
[مسألة 1191] لا باس بسماع الشهود بواسطة الأجهز الناقلة عن بعد صوتاً أو صورة أن كان البث مباشرا على الأقوى. وأما الإطلاع غير المباشر, فلا.