الخيار في العقود: حق يقتضي السلطنة على فسخ العقد بإلغاء مضمونه، وأن كره الطرف الآخر. فأن توقف على موافقته، فهو الأقالة أو التقايل [ ]. والكلام الآن في أقسام الخيار.
القسم الأول : خيار المجلس. وهو مجلس البيع.
فإذا وقع البيع كان لكل من البائع والمشتري الخيار في المجلس ما لم يفترقا. فإذا إفترقا ولو بعدة خطوات انتفا الخيار ولزم البيع من هذه الناحية. فأن كان المباشر للعقد هو الوكيل أو الولي أو الوصي، فإن كان كفيلاً بكل خصائص البيع كان الخيار له. وإن كان وكيلاً في أجراء الصيغة فقط، فأن كان المالك حاضراً في المجلس ومشاركاً في النظر في المعاملة، كان الخيار له. وإلا لم يكن لأيهما خيار. والوكيل في إجراء الصيغة ليس له الفسخ عن المالك, ما لم يكن وكيلاً عنه فيها أيضاً أو في خصوصها. والمدار على اجتماع أو افتراق من له الخيار، ممن سبق، لا خصوص المالك، بل لا أثر لإفتراق المالكين مع إجتماعهما وبالعكس. ولو فارقا المجلس - أعني من لهما الخيار مالكين كانا أو غيرهما أو ملفقاً - مصطحبين بقي الخيار لهما حتى يفترقا. ولو كان الموجب والقابل واحداً وكالة عن المالكين أو ولاية عليهما ونحو ذلك. فهل يثبت له خيار المجلس ؟. الظاهر ذلك. وهل ينتفي الخيار بخروجه منه ؟. الأحوط[ ] ذلك.
[مسألة 169] هذا الخيار يختص بالبيع ولا يجري في غيره من المعاوضات فضلاً عن غيرها من العقود كالنكاح، ومن الإيقاعات كالعتق والطلاق.
[مسألة 170] يسقط هذا الخيار باي مسقط من المسقطات العامة للخيار، كاشتراط سقوطه في العقد، لفظاً أو حالاً، وكذلك باسقاطه بعد العقد لفظاً أو حالاً.
[مسألة 171] يشمل هذا الخيار وغيره من الخيارات، كل بيع صحيح لازم بغض النظر عن طريقته من اللفظ والمعاطات، وعن طرفه من المالك أو وليه أو وصيه, وعن المبيع مما يجوز بيعه مما سبق. وبغض النظر عن ثبوت خيارات أخرى معه فيمكن إجتماع خيارين أو أكثر في معاملة واحدة، وإسقاط بعضها لا يعني إسقاط الأخرى، ما لم ينص على إسقاط الجميع، كما أن إرتفاع بعضها، كالتفرق عن المجلس، لا يعني سقوط الأخرى، كخيار الحيوان.
[مسألة 172] لا يشمل حكم أي خيار : البيع الباطل كما هو معلوم. وشموله للبيع الموقوف على الإجازة مشكل، ما لم تحصل الإجازة خلال تحقق موضوعه. كالبيع الفضولي وبيع المكره يجيزه المالك قبل التفرق ونحو ذلك.
القسم الثاني : خيار الحيوان.
فكل من إشترى حيواناً، إنساناً كان أو غيره، ثبت له الخيار ثلاثة أيام من حين العقد. والأقوى ثبوته لمن وصل إليه الحيوان بائعاً كان أم مشترياً أم كلاهما. على أن يكون الحيوان أحد العوضين لا مشترطاً ضمن غيره. وثبوته في غير البيع مشكل بل الأقوى عدمه.
[مسألة 173] يتم حساب الثلاثة أيام من حين العقد. فإذا كان العقد في أثناء النهار لفق المنكسر من اليوم الرابع. والليلتان المتوسطتان داخلتان في مدة الخيار. وكذا الليلة الثالثة في صورة التلفيق. وإذا وقع العقد خلال الليل، أمكن إستصحاب حكم الخيار إلى نهاية ثلاث نهارات كاملة بعد ليلة العقد.
[مسألة 174] إذا لم يفترق المتبايعان حتى مضت ثلاثة أيام, سقط خيار الحيوان وبقي خيار المجلس.
[مسألة 175] يسقط هذا الخيار بالمسقطات العامة التي ذكرناها في مسائل خيار المجلس. ومنها التصرف في الحيوان تصرفاً معتداً به عرفاً. فيسقط خياره وإن لم يقصد ذلك. وإن قصد بالتصرف إسقاطه كفاه مسمى التصرف العرفي.
[مسألة 176] يثبت هذا الخيار للبائع أيضاً، إذا كان الثمن حيواناً، كما سبق. سواء كان العوض الآخر حيواناً أم غيره.
[مسألة 177] إذا تلف الحيوان قبل القبض أو بعده في مدة الخيار, كان تلفه من مال البائع ورجع المشتري عليه بالثمن إذا كان قد دفعه إليه. وهذا الحكم يعم من وصل إليه الحيوان, سواء كان بائعاً أم مشترياً أم كلاهما. وإن كان الأحوط[ ] أكيداً الإقتصار به على البائع مع تعينه، ومع عدمه تطبق القواعد الأخرى كقاعدة التلف في زمن الخيار أو قاعدة الأمانة.
[مسألة 178] إذا طرأ عيب في الحيوان من غير تفريط من المشتري، لم يمنع من الفسخ والرد. وإن كان بتفريط منه سقط خياره، حتى لو لم يقصح الإسقاط لجهل أو غفلة.
القسم الثالث : خيار الشرط.
وهو الخيار المجعول باشتراطه في العقد. أما لكل من المتعاقدين أو لأحدهما أو لأجنبي. ولا يتقدر هذا الخيار بمدة، بل يجوز إشتراطه مدة قصيرة أو طويلة، متصلة بالعقد أو منفصلة عنه، لواحد كان الاشتراط أو لأثنين أو لأكثر. سواء تساوت المدد فيهم أم اختلفت، سواء أشترط مع المدة شيء آخر محدد أم لا، ولا بد أن تكون المدة ذات تقدير معين في مبدئها ومنتهاها. فلا يجوز جعل الخيار بلا مدة، ولا جعله لمدة غير محددة مثل مجيء الحاج, أو قوله برهة من الزمن أو ردحاً منه ونحوه. بحيث تكون المدة قابلة للزيادة والنقيصة. ولا يجوز جعله شهراً مردداً بين الشهور. وإلا بطل العقد في كل ذلك. نعم، إذا أطلق الشهر أو الأسبوع أو اليوم أو السنة, كان الظاهر منها المتصل بالعقد، وكذا لو كان مدة لم يتعين ما لم نقم قرينه على الخلاف.
[مسألة 179] لا يؤثر حكما إشتراط الخيار في الإيقاعات على الأحوط[ ]، كالطلاق والعتق والوقف. ولا في العقود الجائزة كالهبة والعارية والوديعة والمضاربة. ولا في العمل الحكمي كالحيازة والأحياء والأعراض والإلتقاط. ولا فيما كان إنتاجه فورياً كالتهاتر [ ] والأبراء وشراء من ينعتق عليه. ويجوز إشتراطه في العقود اللازمة عدا النكاح كالبيع والإجارة والرهن. وفي جواز إشتراطه في الصدقة وفي الهبة اللازمة وفي عقد الضمان إشكال،إلا إن الأظهر الجواز في الجميع.
[مسألة 180] يمكن إشتراط الخيار في البيع المعاطاتي إشتراطاً لفظياً. ولا معنى لكونه بالمعاطات أيضاً. نعم، لو كان متفقاً عليه سلفاً أو متسالم عليه عرفاً لمدة معينة، أمكن بناء العقد عليه بدون حاجة إلى لفظ تفصيلي.
فروع في ما يسمى ببيع الخيار
[مسألة 181] يجوز إشتراط الخيار للبائع في مدة معينة متصلة بالعقد أو منفصلة عنه، على نحو يكون له الخيار في حال رد الثمن خلال تلك المدة أو في آخرها، أما بنفسه مع وجوده أو ببدله مع تلفه. ويسمى [بيع الخيار]. فإذا مضت مدة الخيار ولم يرجع الثمن, سقط حقه ولزم البيع وأمتنع الفسخ, وإذا فسخ في المدة من دون رد الثمن أو بدله مع تلفه, لم يصح الفسخ من هذه الجهة. وكذا لو فسخ قبل المدة، إن كان مبدؤها منفصلاً عن العقد، ثم أن الفسخ أما أن يكون بإنشاء مستقل حال الرد. مثل : فسخت ونحوه. أو يكون بنفس الرد، على أن يكون ظاهراً بإنشاء الفسخ بالفعل.
[مسألة 182] يتضح مما قلنا أخيراً في المسألة السابقة : إن الفسخ لا يتعين بلفظ معين في أي أقسام الخيار كان، بل يتأدى بما يؤدي المعنى عرفاً, ولو كان بالغة العامية أو بغير العربية أو بصوت مهمل لغة, دال على النفي عرفاً. كما لا يتعين أن يكون بلفظ أصلاً، بل بالفعل بقصد إنشاء الفسخ، سواء كان هذا الفعل من قبيل الرد أو غيره.
[مسألة 183] المراد من رد الثمن أحضاره عند المشتري، وتمكينه منه. فلو أحضره كذلك جاز له الفسخ, وأن أمتنع المشتري من قبضه، ما لم يشترط ذلك في العقد، أو توقف الرد على رضاه كما لو أرجع بدل القيمي المثل, أو بدل المبيع شيئاً آخر غير المثل والقيمة، كما لو دفع بدل الكتاب طعاماً. فان صحة هذا التعويض تتوقف على رضا المشتري، وصحة الخيار تتوقف على صحة التعويض.
[مسألة 184] الظاهر انه يجوز اشتراط الفسخ في كل المبيع برد بعض الثمن، كما يجوز اشتراط الفسخ في بعض المبيع برد الثمن أو بعضه.
[مسألة 185] اذا تعذر تمكين المشتري من الثمن, لغيبة أو جنون أو اغماء وغيره, مما يرجع الى قصوره فيه، فالظاهر انه يكفي في صحة الفسخ تمكين وليه منه، ولو كان هو الحاكم الشرعي أو وكيله, فإذا مكنه من الثمن جاز له الفسخ، مع حفظ الأحكام التي قلناها في المسائل السابقة.
[مسألة 186] نماء المبيع من زمن العقد إلى زمان الفسخ للمشتري، كما إن نماء الثمن للبائع.
[مسألة 187] لا يجوز - على الأحوط استحباباً - للمشتري فيما بين العقد إلى انتهاء مدة الخيار، في بيع الخيار، التصرف الناقل للعين, من بيع أو هبة أو نحوهما. فلو فعل في بيع الخيار أو غيره. رجع البائع بالقيمة السوقية للعين يوم الفسخ، والمشتري بالثمن المسمى بالعقد.
[مسألة 188] لو تلف المبيع كان ضمانه على المشتري، ولا يسقط بذلك خيار البائع، إلا إذا كان المقصود من الخيار المشروط، الخيار في حال وجود العين كما هو الغالب في السوق الآن. فيسقط الخيار بتلفها.
[مسألة 189] إذا كان الثمن المشروط رده، ديناً في ذمة البائع، كما إذا كان للمشتري دين في ذمة البائع فباعه بذلك الدين، وأشترط الخيار مشروطاً برده. كفى في رده إعطاء فرد مما اشتغلت به في ذمة البائع. وإذا كان الثمن عيناً في يد البائع، فالظاهر ثبوت الخيار في حال دفعها للمشتري. واذا كان الثمن كلياً في ذمة المشتري, فدفع منه فردا إلى البائع بعد وقوع العقد، فالظاهر كفاية رد فرد آخر في صحة العقد، مع صدق كونه بدله. يعني مع حفظ ما قلناه في المسألة [183].
[مسألة 190] لو اشترى الولي شيئاً للمولى عليه في بيع الخيار، فارتفع حجره قبل انقضاء المدة، كما لو بلغ الصبي ورشد أو عقل المجنون، بقيت المعاملة صحيحة، وكان الفسخ مشروطاً برد الثمن اليه، ولا يكفي الرد إلى وليه. ولو اشترى احد الوليين أو احد الوصيين الاستقلاليين ببيع الخيار، جاز الفسخ بالرد إلى الآخر. الا ان يكون المشروط الرد إلى خصوص الولي المباشر للشراء.
[مسألة 191] اذا مات البائع قبل اعمال الخيار، سواء كان قبل رد الثمن أم بعده، انتقل الخيار إلى ورثته. فلهم الفسخ بردهم الثمن إلى المشتري، وكان المبيع ميراثاً يشتركون فيه على حساب سهامهم. ولو امتنع بعضهم عن الفسخ ولم يكن الشرط هو رد العين كلها جاز فسخ الآخر من حصته. ويكون عندئذ للمشتري خيار تبعض الصفقة، وان كان الاحوط [ ] خلافه. ولو مات المشتري كان للبائع الفسخ برد الثمن إلى ورثته أو وصيه.
[مسألة 192] يجوز اشتراط الخيار في الفسخ للمشتري برد المبيع إلى البائع، كما قلنا، والظاهر منه رد نفس العين. فلا يكفي رد البدل مع تلفها الا ان تقوم قرينة على ارادة ما يعم رد البدل عند التلف. وأوضح منه عدم كفاية رد البدل مع وجود العين, ما لم ينص خلال العقد على امكانه.
[مسألة 193] كما يجوز اشتراط الخيار للمشتري برد المبيع. يجوز ايضاً اشتراط الخيار للبائع برد الثمن. واشتراط الخيار لكل منهما برد ما انتقل اليه بنفسه أو ببدله. بنفس المدة أو بمدد متفاوتة.
[مسألة 194] في جواز اشتراط الخيار برد القيمة في المثلى, أو المثل في القيمي أشكال. وان كان الاقوى الصحة. نعم، في صورة الاطلاق يتوقف على التراضي كما قلناه في مسألة [183] أو اختصاص التراضي بدفع مثل القيمي دون العكس، فأنه يبقى على القاعدة، كما قلناه في المسألة [117].
[مسألة 195] يسقط هذا الخيار بإنقضاء المدة المجعولة له. مع عدم الرد، وبإسقاطه بعد العقد ممن له الخيار. والأحوط وجوباً بهذا الإسقاط أخذ رضا الطرف الآخر إذا كان مغبوناً لولا الخيار. هذا في بيع الخيار. وأما غيره من موارد خيار الشرط, فيسقط بهذين الأمرين من دون الأحتياط المذكور.
مسألة 196] لا يسقط هذا الخيار، سواء في بيع الخيار أم غيره، بالتصرف بالعين تصرفاً غير متلف أو ناقل من قبل المالك، كسكنى الدار أو ركوب الدابة أو مطالعة الكتاب. ما لم يشترط ذلك في العقد. ولو نقصت العين أو تعيبت لم يضمن بمقدار التصرف المتعارف. ويضمن الزائد على الأحوط [ ].
فروع في بيع الرهن
[مسألة 197] ما يسمى بالرهن في أيامنا هذه، إن رجع إلى أحكام بيع الخيار جاز وترتبت عليه أحكامه. وإن كان من قبيل الرهن على قرض، لم يجز أخذ الفائدة عليه بكل أشكالها على ما سنشير، وكان ربا حراماً.
[مسألة198] أن رجعت هذه المعاملة إلى بيع الخيار. فأنه ينتج جواز تصرف المشتري بالعين كسكنى الدار. وكذلك إجارتها على البائع, أو إجارتها على ثالث, أو إسكان البائع فيها مجاناً. ولكن لا يجوز الزيادة بعد العقد على الثمن المسمى ولا التقليل منه. نعم، لو أتفقنا على ذلك إختياراً كان بمنزلة الهبة أو الأبراء.
[مسألة 199] إذا رجعت هذه المعاملةإلى الرهن لم يجز لدافع المال أخذ الزيادة عليه, كائنة ما كانت، كالأقساط الشهرية زيادة على رأس المال. وكسكناه الدار مجاناً, أو إجارته لها على المالك أو الثالث. فأن كل ذلك من الربا المحرم. نعم، يجوز سكنى المالك في الدار مجاناً، أعني على أن لا يدفع للآخر إيجاراً. نعم، الأحوط [ ] أن يكون تصرفه بإذنه، كما يجوز حجز العين المرهونة بدون تصرف من أي منهما حتى إنتهاء مدة الرهن.
[مسألة 200] لا يجوز جعل مدة غير محددة، كما عليه المعاملات اليوم، بل تبطل المعاملة عندئذ. سواء كانت مدة للخيار أم للرهن أم للقرض، أم لإي شيء آخر.
[مسألة 201] تختلف نتائج بيع الخيار عن معاملة الرهن المتعارفة الآن بعدة أمور : منها : عدم جواز الفسخ بعد إنقضاء المدة. وعدم جواز الزيادة على الثمن المسمى في العقد، ما لم يرجع إلى ربح أحدهما. وعدم إنتقال العين إلى دافع المال في الرهن وأنتقالها في البيع. وعدم جواز الفائدة في بيع الرهن دون بيع الخيار. ولزوم الرضا بالعين بمقدار الثمن المسمى عند إنقضاء المدة، ولو كان الثمن قليلاً، كما هو المتعارف. ولا يقبل الناس بذلك كله في معاملات الرهن المتعارفة. وهوممنوع شرعاً.
القسم الرابع : خيار الغبن.
إذا حصل الغبن ثبت الخيار للمغبون، كما إذا باع بأقل من ثمن المثل أو إشترى المشتري بأكثر منه. وأنما يكون مغبوناً فيما إذا لم يكن الفرد عالماً بالحال حال المعاملة أو قبلها، وكذا إذا لم يكن مقدماً على المعاملة على كل حال وراضياً بها بكل صورة.
[مسألة 202] يشترط في ثبوت الخيار للمغبون أن يكون التفاوت موجباً للغبن عرفاً. بأن يكون مقداراً لا يتسامح فيه عند غالب الناس. فلو كان جزءاً غير معتد به لقلته, لم يوجب الخيار. وحدّه بعضهم بالثلث وآخر بالربع وثالث بالخمس. ولا يبعد إختلاف المعاملات في ذلك. فالمعاملات التجارية المبنية على المماكسة الشديدة عرفاً، يكفي في صدق الغبن فيها العشر, بل نصف العشر. وأما المعاملات العادية فلا يكفي فيها ذلك. والمدار على ما عرفت من عدم المسامحة العرفية. ويتبع ذلك النقصان في الربح ما دام يسمى غبناً عرفاً. وإن كان الأحتياط[ ] بخلافه.
[مسألة 203] الظاهر كون الخيار المذكور ثابتاً من حين العقد لا من حين ظهور الغبن. فلو فسخ قبل ظهوره, ولو بقصد رجاء وجوده وصحة الفسخ على أساسه، صح فسخه مع وجود الغبن واقعاً. لكن لا يجوز ترتيب الأثر فعلاً عليه، ما لم يثبت وجود الغبن بحجة شرعية.
[مسألة 204] ليس للمغبون مطالبة الغابن بالتفاوت وترك الفسخ. ولو بذل له الغابن التفاوت لم يجب عليه القبول. وإنما يتخير المغبون بين فسخ العقد من أصله، أو إمضائه على حاله. نعم، لو تصالحا على إسقاط الخيار بمال صح الصلح وسقط الخيار، ووجب على الغابن دفع عوض المصالحة.
[مسألة 205] يسقط خيار الغبن بأمور :
الأول : إسقاطه بعد العقد وأن كان قبل ظهور الغبن. ولو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرة، فتبين كونه مئة 0 فان كان التفاوت بالاقل ملحوظا قيداً بطل الاسقاط، وان كان ملحوظاً من قبيل الداعي، صح. وكذا لو صالح عليه بمال.
الثاني : اشتراط سقوطه في متن العقد. واذا اشترط سقوطه لزعم كونه عشرة فبان انه مئة جرى فيه التفصيل السابق.
الثالث : تصرف المغبون فيما اْنتقل اليه، تصرفاً يدل على الالتزام بالعقد اذا كان تصرفه بعد العلم بالغبن. وأما التصرف السابق على العلم بالغبن، فأن كان بقصد الإسقاط مطلقاً، فلا إشكال في تأثيره. وأما مع الغفلة عن ذلك فلا يسقط الخيار. ولو كان متلفاً للعين أو مخرجاً لها عن الملك أو مانعاً عن الاسترداد كالاستيلاد [ ].
[مسألة 206] إذا فسخ البائع المغبون، فان كان المبيع عنده فلا إشكال وأن كان موجوداً عند المشتري كان له إسترداده منه، ووجب على المشتري ذلك. وكذلك الثمن. وأن كان تالفاً بفعله أو بغير فعله رجع بمثله إن كان مثلياً، وبقيمته إن كان قيمياً، وله أن يضمن المثلي بالقيمة على وجه سبق. وأن وجده معيباً بفعله أو بغير فعله أخذه مع أرش العيب بقيمة يوم الفسخ، وأن وجده خارجاً عن ملك المشتري, بان نقله إلى غيره بعقد لازم، كالبيع والهبة المعوضة, أو لذي رحم, فالظاهر أنه بحكم التالف، كما سبق. وليس له إلزام المشتري بإرجاع العين أو إستيهابها، بل حتى فسخها لو كان له خيار الفسخ. بل لا يبعد ذلك لو نقلها بعقد جائز كالهبة، فلا يجد نقضه وإرجاع العين, بل لو إتفق رجوع العين إليه بإقالة أو شراء أو ميراث أو غيرها، لم يجب عليه دفعها إلى المغبون، سواء رجعت بعد دفع البدل أم قبله. نعم، لو رجعت إلى المشتري قبل فسخ المغبون، بحيث وقع الفسخ حال ملكيته لها، فالأحوط [ ] دفعها إلى البائع، وعدم الإنتقال إلى البدل. بلا فرق بين أن يكون رجوعها إلى المشتري بفسخ عقدها أو بعقد جديد.
[مسألة 207] لو كانت العين باقية عند المشتري حين فسخ البائع المغبون، مسلوبة المنفعة، بالإجازة اللازمة أو الجائزة، وهي المشروطة بالخيار. لم يجب عليه الفسخ أو الإستقالة مع إمكانها. بل يمكنه شرعاً أن يدفع العين إلى الفاسخ مسلوبة المنفعة، مع أرش النقصان الحاصل في هذه الإجارة.
مسألة 208] إذا فسخ البائع المغبون، وكان المشتري قد تصرف في المبيع تصرفاً مغيراً للعين. فهذا التصرف أما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالإمتزاج. فإن كان بالنقيصة أخذ البائع من المشتري المبيع, مع أرش النقيصة بقيمة يوم الفسخ, بغض النظر عن القيمة المسماة في العقد. وإن كان التغير بالزيادة فهنا عدة صور, لأن الزيادة أما أن تكون صفة محضة, أو صفة مشوبة بالعين, أو عين غير قابلة للفصل أو قابلة له، فهنا أربع صور :
الصورة الأولى : إن تكون صفة محضة، كطحن الحنطة وصياغة الفضة، وقصارة الثوب. فهنا عدة أشكال :
الشكل الأول : أن لا يكون للصلة مالية عرفاً. فالمبيع للبائع ولا شيء للمشتري.
الشكل الثاني : أن يكون للصفة مالية عرفاً، ولم تكن بفعل المشتري. دفع العين وأخذ قيمة الزيادة بقيمة يوم الفسخ.
الشكل الثالث : أن يكون للصفة مالية عرفاً، وكانت بفعل المشتري. كان شريكاً للبائع في العين. وكان له إرجاعها له وأخذ قيمة الزيادة، كما سبق. كما أن له أخذ أجر العمل، كما أن له أخذهما معاً، كما أن له الرجوع عليه بما أغترمه من المال, مما كان سبباً لهذه الزيادة, إلا إن الظاهر براءة ذمة البائع من نحو الأول من الغرامة أو الأخير فقط.
الصورة الثانية : أن تكون صفة مشوبة بعين، كصبغ الثوب, والكلام فيه عين الكلام في الصورة السابقة.
الصورة الثالثة : إن تكون الزيادة عينا غير قابلة للفصل. فالكلام فيها هو الكلام [ ] أيضاً.
الصورة الرابعة : أن تكون الزيادة عيناً قابلة للفصل. كالصوف واللبن والشعر والبناء والثمر والزرع. كانت الزيادة للمشتري. وعندئذ فإن لم يلزم من فصل الزيادة ضرر على المشتري حال الفسخ, أو نقصان في قيمة العين أو قيمة الزيادة، كان للبائع إلزام المشتري بفصلها وعدم قبض الزيادة، كما أن للمشتري إلزام البائع بذلك، وعدم دفع الزيادة. وذلك مثل اللبن والثمر, بل له ذلك وإن لزم الضرر والنقص. إلا إن للمنقوص منه الرجوع بالفرق بقيمة يوم الفسخ. فإن كان النقصان بالعين غرمه المشتري للبائع، إن كان الفصل برأي المشتري، وإن كان النقصان بالزيادة غرمه البائع للمشتري، أن كان الفصل بأمر البائع وليس للآخر إقتراح الفصل, ما لم يعزم على دفع الفرق. وإلا بقيت العين مشتركة بينهما, وإذ أراد المشتري فصلها مع الضمان فليس للبائع منعه عنه، وكذلك العكس.
[مسألة 209] أن كان تغيير العين بالإمتزاج، فأما أن يكون أمتزاجه بغير جنسه, وأما أن يكون بجنسه. فأن كان بغير جنسه، فأما أن يعد المبيع مستهلكاً عرفاً كإمتزاج ماء الورد بالماء. فحكمه حكم التالف الذي سبق في [المسألة 206] وأن كان لا يعد مستهلكاً عرفاً, بل يعد موجوداً على نحو المزج, مثل خلط الخل بالعسل أو السكر. فيمكنهما البناء على الشركة في العين بنسبة المالية، كما يمكن دفع العين إلى أحدهما مع ضمان الآخر قيمة ما يملكه بقيمة يوم الفسخ. والحال كذلك فيما إذا كان الخلط بجنسه, كخلط السمن بالسمن, سواء كان الخلط بمثله أو بالأجود أو الأردء. فأن الشركة أو الرد يكون بنسبة القيمة.
[مسألة 210] إذا فسخ المشتري المغبون، وكان قد تصرف في المبيع تصرفاً غير مسقط لخياره، لجهله بالغبن. فتصرفه تارة لا يكون مغيراً للعين، وأخرى يكون مغيراً لها بالنقيصة أو الزيادة أو بالمزج، وتأتي فيه الصور المتقدمة وتجري عليه أحكامها.
[مسألة 211] ونفس التفصيل يأتي لو فسخ المشتري المغبون، وكان البائع قد تصرف في الثمن، تصرفاً متلفاً أو غير متلف, ومغيراً أو غير مغير. وهكذا لو فسخ البائع المغبون. وكان هو قد تصرف بالثمن تصرفاً غير مسقط لخياره لجهله بالغبن. وكذلك لو فسخ البائع المغبون, وكان المشتري قد تصرف بالعين بأحد الأنحاء السابقة. فالمهم هو حصول الفسخ من أيهما كان، وحصول التصرف من أيهما أيظاً أو من كليهما. بغض النظر عن نوع الخيار. غير أنه يجب أن يكون مجهولاً للفاعل قبل حدوثه. فمثلاً : خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار الشرط معلومة من حين العقد. في حين أن خيار الغبن وخيار العيب وخيار تخلف الشرط ونحوها، قد لا تكون كذلك.
[مسألة 212] الظاهر ان الخيار في الغبن ليس على الفور، بشرط ان لا يصدق التسامح والاهمال عرفاً. فلو أخر إنشاء الفسخ لأنتظار حظور الغابن أو حظور من يستشيره في الفسخ، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة لم يسقط خياره وإن كان عالماً عامداً، فضلاً عما إذا أخره جاهلاً بالغبن, أو جاهلاً لثبوت الخيار للمغبون, أو غافلاً عنه أو ناسياً له. فيجوز له الفسخ إذا علم أو إلتفت.
[مسألة 213] لو كان شاكاً في ثبوت الغبن أو شاكاً في ثبوت الخيار للمغبون. أمكنه التأخير إلى حين الفحص والسؤال. وله أن يفسخ رجاءاً، ثم يفحص فإن ثبت الغبن موضوعاً وحكماً، ترتب أثر الفسخ، وإلا لغى الفسخ.
[مسألة 214] الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاملة مبنية على المماكسة، صلحاً أو إجازة أو غيرها، دون ما لم يبتن على ذلك, كالهبة والعارية والوديعة.
[مسألة 215] إذا إشترى شيئين بثمنين في صفقة واحدة، كعبد بعشرة وفرس بعشرة. وكان مغبوناً في شراء الفرس, جاز له الفسخ في الفرس، وفي كليهما، دون خصوص الآخر، ولو فسخ في الفرس كان للبائع الخيار في فسخ بيع العبد.
[مسألة 216] إذا تلف ما في يد الغابن بفعله أو بأمر سماوي، وكان قيماً، ففسخ المغبون رجع عليه بقيمة التلف. وفي كونها قيمة زمان التلف أو زمان الفسخ أو زمان الأداء، وجوه أقواها الأول، في صورة التلف التي نتكلم عنها الآن، وإن قلنا بالثاني - كما سبق - في صور نقيصة العين أو خلطها[ ]. وإن كان التلف بإتلاف المغبون لم يرجع عليه بشيء، حلالاً كان تصرفه أم حراماً في حينه، ولو كان بإتلاف ثالث، ففي رجوع المغبون بعد الفسخ على الغابن أو على الثالث أو يتخير في الرجوع على أحدهما، وجوه، أقواها الأخير وهو التخير. فإن رجع على الغابن رجع على الثالث. وكذا الحكم لو تلف ما في يد المغبون ففسخ بعد التلف، فإنه إن كان التلف بفعل الغابن لم يرجع على المغبون بشيء، حلالاً كان فعله في حينه أم حراماً. وإن كان بآفة سماوية أو بفعل المغبون أو بفعل أجنبي رجع الغابن على المغبون بقيمة يوم التلف, أو رجع على الأجنبي تخييراً إن كان هو المتلف. وكذا يرجع المغبون على الأجنبي لو كان هو المتلف, بل هذا الرجوع حق ثابت حتى بدون الفسخ، ونفس التفاصيل تأتي في تلف الوصف الموجب للأرش، إلا إنه بقيمة يوم الفسخ كما سبق.
القسم الخامس : خيار التأخير.
إطلاق العقد يقتضي أن يكون تسليم كل من العوضين فعلياً مع الإمكان. يعني بالفور العرفي الخالي من التسامح والإهمال. فلو إمتنع أحد الطرفين عنه أجبر عليه. فإن لم يفعل كان للطرف الآخر فسخ العقد، بل لا يبعد جواز الفسخ مع الإمتناع قبل الإجبار أيضاً. وهذا يشمل كلا المتعاملين، كما يشمل التسليم المؤجل الذي حل أجله. ولا يختص هذا الخيار بالبيع, بل يجري في كل معاوضة. كما لا فرق في ثبوته بين تأخير كل الثمن أو المثمن أو تأخير بعضها المعتد به عرفاً. فيثبت للآخر حق الإجبار أو الخيار أيضاً.
[مسألة 217] الظاهر إن فورية التسليم المشار إليها في المسألة السابقة، تختلف باختلاف الأعيان والأسواق والأعراف. فقد يكون التأخير ساعة مخلاً بها، وقد لا يكون التأخير لشهرٍ كذلك.
القسم السادس : خيار التأخر أو خيار الثلاثة أيام.
ويتحقق فيما إذا باع سلعة ولم يقبض الثمن ولم يسلم المبيع. فإن البيع يلزم إلى ثلاثة أيام. فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحق بالسلعة. وإلا فللبائع فسخ البيع. ولو تلفت السلعة عند البائع كانت من مال البائع. سواء تلفت في الثلاثة أم بعدها. والأحوط [ ] ثبوت هذا الخيار في خصوص الأعيان المنقولة البسيطة كثوب أو كتاب، دون ما لا ينقل كالعقار, أو ما يعد عرفاً صفقة مهمة. وفرقه عن القسم السابق هو ثبوته حتى لو كان التأخر لعذر، بخلاف السابق. مع ثبوته لخصوص البائع هنا، دون السابق. وشمول السابق لكل الأعيان ولغير البيع أيضاً، من المعاملات دون هذا الخيار.
[مسألة 218] لو قبض أحدهما أو كلاهما بعض الثمن أو بعض المبيع، فالأقوى عدم ثبوت هذا الخيار، حتى في الجزء غير المقبوض. نعم، يشمله خيار التأخير السابق وخيار تبعض الصفقة.
[مسألة 219] يستمر هذا الخيار من حين العقد إلى مرور ثلاثة أيام - وهي النهارات - كاملة إن وقع العقد ليلاً، أو ملفقة إن وقع نهاراً.
[مسألة 220] يشترط في ثبوت الخيار المذكور عدم إشتراط تأخير تسليم أحد العوضين. وإلا فلا خيار.
[مسألة 221] لا إشكال في ثبوت الحكم المذكور فيما لو كان المبيع شخصياً. وفي ثبوته إذا كان كلياً في الذمة قولان. والأحوط [ ] عدم ثبوته بل هو الأقوى.
[مسألة 222] يختص هذا الخيار في البيع، ولا يجري في غيره، غير إنه لا يفرق في البيع بين اللفظي والمعاطاة.
[مسألة 223] ما يفسده المبيت مثل بعض الخضر والبقول واللحم في بعض الأوقات، يثبت الخيار فيه عند دخول الليل. فإذا فسخ جاز له أن يتصرف في البيع كيف شاء, وإذا كان البيع ليلاً جاز له الفسخ عند دخول النهار. وإذا إحتمل الفساد قبل ذلك جاز له الفسخ قبل ذلك. ويختص هذا الحكم بالمبيع الشخصي.
[مسألة 224] يسقط هذا الخيار - أعني خيار التأخر ثلاثة أيام - بإسقاطه بعد الثلاثة، وبإسقاطه قبلها، وبإشتراط سقوطه في ضمن العقد. وببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع. وبمطالبة البائع المشتري بالثمن, فإنه نحو من الإسقاط لحقه الزاماً. فضلاً عن أخذ الثمن منه بعنوان الجري على المعاملة. لا بعنوان العارية أو الوديعة، ويكفي ظهور الفعل في ذلك ولو بواسطة بعض القرائن.
[مسألة 225] في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان أقواهما الثاني، بشرط عدم حصول الإهمال والتسامح.
القسم السابع : خيار الرؤية.
ويتحقق فيما لو رأى شيئاً ثم إشتراه، فوجده على خلاف ما رآه. فإنه يتسلط على الفسخ إن كان الفرق معتداً به عرفاً، ولا يفرق في ذلك بين الثمن والمثمن.
القسم الثامن : خيار تخلف الوصف.
ويتحقق فيما لو إشترى موصوفاً غير مشاهد، ولكنه جزئي غير كلي، فوجده على خلاف الوصف. فإن للمشتري الخيار بين الفسخ والامضاء. حيث يتسلط على الفسخ إن كان الفرق معتداً به عرفاً. ولا يفرق في ذلك بين الثمن والمثمن.
[مسألة 226] لا فرق في ثبوت هذا الخيار, بين أن يكون الوصف المتخلف هو وصف كمال مما تزيد به المالية عرفاً لعموم الرغبة فيه أو غيره، اذا اتفق تعلق غرض للمشتري به, ما دام ذا أهمية عقلائية في نفسها. سواء أكان على خلاف الرغبة العامة, مثل كون العبد امياً لا كاتباً ولا قارئاً, أم كان مرغوباً فيه عند قوم ومرغوباً عنه عند قوم آخرين، مثل اشتراط كون القماش أصفر لا أسود.
[مسألة 227] الخيار هنا بين الفسخ مع الرد وبين ترك الفسخ وإمساك العين مجاناً. يعني بالثمن المسمى فقط, بدون زيادة ولا نقيصة, وليس لذي الخيار المطالبة بالأرش لو ترك الفسخ. كما أنه لا يسقط الخيار ببذل البائع الأرش، ولا بإبدال العين بعين أخرى واجدة للوصف.
[مسألة 228] كما يثبت الخيار للمشتري عند تخلف الوصف بالنقيصة. يثبت للبائع إذا تخلف الوصف بالزيادة. هذا في المثمن. وفي الثمن بالعكس. فأنه أن ثبتت نقيصته ثبت الخيار للبائع وأن ثبتت زيادته الخيار للمشتري.
[مسألة 229] المشهور أن هذا الخيار على الفور، وهو الأحوط [ ]. إلا أن الأقرب عدمه ما لم يؤد إلى التسامح والإهمال.
[مسألة 230] يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد الرؤية, بل قبلها. وكذا بإشتراط سقوطه في العقد. وبالتصرف بعد الرؤية إذا كان دالاً على الإلتزام بالعقد, ونحوه بالتصرف قبل الرؤية.
[مسألة 231] مورد هذا الخيار - كما أشرنا - هو بيع العين الشخصية ولا يجري في الكلي. فلو باع كلياً موصوفاً، ودفع إلى المشتري فرداً فاقداً للوصف, لم يكن للمشتري الخيار. وأنما له المطالبة بالفرد الواجد للوصف. نعم، لو كان المبيع كلياً في العين. كما لو باعه صاعاً من صبرة موجودة، على أنها جيدة، فتبين الخلاف، كان له هذا الخيار.
القسم التاسع : خيار تخلف الشرط.
ويتحقق مورده فيما إذا إشترى شيئاً جزئياً أو كلياً، وضم أليه شرطاً على الآخر، كخياطة الثوب، فأبى أن يفعله. فأن لصاحبه خيار الفسخ. ولا يفرق في ذلك بين أن يكون المستفيد من الشرط هو أحد المتعاملين، كما مثلنا. أو غيره، كالصدقة على الفقير. أو لم يكن ذا مالية عرفاً, كقراءة الفاتحة أو إداء الأحترام له. وهو يختلف عن خيار تخلف الوصف، وعن خيار الشرط السابقين, كما هو غير خفي لمن راجعهما.
القسم العاشر : خيار تبعض الصفقة.
ويتحقق مورده، فيما إذا بطل البيع في بعض المبيع أو الثمن، بحيث وصل إلى أحدهما بعض ما كان مسمى في العقد دون جميعه. وهذا لا يكون إلا في عين موجودة غير كلية. وبطلان البيع في البعض يتحقق بأسباب عدة, منها : أنه يتضح إن بعض المبيع خارج عن المالية، كما لو كان خلاً و خمراً أو عبداً و حراً. أو كان بعضه ملك الغير ولم تحصل إجازته. أو كان بعضه من غير الجنس المسمى، كما لو باع حيوانين على إنهما من الغنم, فبان أحدهما كلباً [ ]. وكذلك لو صح البيع فيهما, ولكن فسخ الآخر في البعض لخيار له فيه, بإعتبار الغبن أو تخلف الوصف أو الأشتراط أو غيرها. فأنه يتسلط صاحبه على الخيار بإعتبار تبعض الصفقة. والأقوى أيضاً ثبوته فيما لو تلف بعض المبيع في يد البائع قبل تسليمه إلى المشتري, فأن له الفسخ بهذا الخيار عندئذ، كما أن له أخذ قيمة المثل بالنسبة. ولا يختلف الحال في كل ذلك بين أن يكون المتخلف جزءاً عرفاً من ماهية المبيع، كما لو أشترى كيلوين من الحنطة وقبض واحداً. أوليس بجزء, كما لو إشترى أشياء مختلفة بصفقة واحدة، وقبض بعضها، ولو بنقصان قليل. كما لا يختلف الحال في نقصان المثمن فيكون الخيار للمشتري، وهو المورد المشهور، أو نقصان الثمن فيكون الخيار للبائع. والأحوط [ ] عدم ثبوته في غير البيع.
القسم الحادي عشر : خيار ما يفسد بيومه.
وقد ذكر في المسألة [223] وإنما كررنا عنوانه هنا للإلماع إلى إنه خيار قائم بذاته فقهياً. وبه تصل الخيارات إلى إثنى عشر مع الخيار الآتي, وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من ذلك, بتقسيم بعض هذه العناوين إلى أقسام، والمحصل ما ذكرناه.
القسم الثاني عشر : خيار العيب.
ويتحقق فيما لو إشترى، شيئاً فوجد فيه عيباً. فإن له الخيار بين الفسخ برد المعيب وإسترجاع الثمن، وبين إمضاء البيع على حاله. فإن لم يمكن الرد, جاز له الإمساك والمطالبة بالأرش. ولا فرق في ذلك بين المشتري والبائع. فلو وجد البائع عيباً في الثمن كان له الخيار المذكور. كما لا فرق فيه بين البيع وغيره من العقود المعاوضية اللازمة.
[مسألة 232] يسقط هذا الخيار بالإلتزام بالعقد. بمعنى إختيار عدم الفسخ قبل الإطلاع على العيب أو بعده، وبإشتراط سقوطه في العقد ولو لإحتمال كونه معيباً. وبالتصرف في المعيب تصرفاً يدل على إختيار عدم الفسخ عرفاً. وبتأخير الفسخ زمناً يدل على التسامح والإهمال.
[مسألة 233] يسقط الرد دون الأرش في موارد نذكرها. وينبغي الإلتفات إلى إن سقوط الرد لا يعني سقوط الخيار, بل مع تعذر الرد بعد الفسخ، يمكن الرجوع إلى ثمن مثلها. وتلك الموارد هي :
الأول : تلف العين.
الثاني : خروجها عن الملك بعقد أو يقاع، لازماً كان أو غير لازم. كالبيع والعتق والهبة والوقف وغيرها.
الثالث : التصرف في العين الموجب لتغييرها، مثل تفصيل الثوب وخياطته وصبغه وطبخ البقول وغير ذلك.
الرابع : التصرف الإعتباري في العين، ويراد به هنا التصرف المعاملي غير المخرج عن الملكية، كالإجارة والرهن والمزارعة والمساقات، إذا كان المبيع في المعاملة الأولى هو الأرض أو الزرع.
الخامس : حدوث عيب فيه بعد قبضه، من قبل المشتري إذا كان مثمناً, أو من قبل البائع إذا كان ثمناً.
[مسألة 234] يسقط الأرش دون الرد. لو كان العيب لا يوجب نقصاً في المالية، كالخصاء في العبيد, إذا إتفق تعلق غرض نوعي به, بحيث صارت قيمة الخصي تساوي قيمة الفحل. وإذا إشترى ربوياً بجنسه وزناً يوزن، فظهر عيب في أحدهما. قبل الأرش، حذراً من الربا. لكن الأقوى الجواز.
[مسألة 235] يسقط الرد والأرش بأمور :
الأول : العلم بالعيب قبل العقد. ثمناً كان أو مثمناً.
الثاني : تبرء البائع من العيوب, بمعنى إشتراط عدم رجوع المشتري عليه بالثمن أو بالأرش. نعم، لو ثبت وجود عيب غير محتسب عرفاً, كان له الرد، كما إنه لو ظهر تبدل جنس العوض بطلت المعاملة, ولو لم يرد. ولا ينفع التبري من العيوب في تصحيحها. لا يختلف في ذلك كله بين البائع والمشتري.
الثالث : تأخير إستعمال الخيار، فإن كان الخيار مما تشترط فيه الفورية بطل الخيار بالتأخير القليل. وإن كان مشترطاً بعد الإهمال والتسامح بطل الخيار بحصولهما. وإن لم يكن مشترطاً بشيء بقي الخيار مهما طال الزمن. وإن كان الأغلب في الخيارات هو الأوسط.
[مسألة 236] المراد من العيب ما كان على خلاف الخلقة، في الموجودات الطبيعية كالإنسان والحيوان والنبات وغيرها. سواء كان هذا الإختلاف نقصاً، مثل العور والعمى والصمم والخرس والعرج ونحوها. أم كان زيادة مثل الأصبع الزائدة, بل حتى لو كان كمالاً عرفاً, كعدم وجود الشعر على ركب الجارية أو نحو ذلك. أما ما لم يكن على خلاف الخلقة الأصلية، لكنه كان على خلاف الغالب، مثل كون الأرض مورداً لنزول العساكر، وكون الفرس غير ممرن للسير، ففي كونه عيباً بحيث يثبت به الأرش إشكال، وإن كان هو الأفضل.
[مسألة 237] المراد بالعيب في الأشياء الإصطناعية, كالكتب والفرش والأدوية والأواني والسيارات وغيرها. إختلاف الفرد عن أمثاله. ولا تعد رداءة صنع المصنع عيباً لو كان كله كذلك ما لم يكن فرد أقل منها جميعاً. ويشمل ذلك المواد الإصطناعية، كالسكر والشاي والشرابت والدبس والبهارات وغيرها. ولا يراد بالعيب الخلط مع الغير أو الإيهام بأفراد أخرى، فإن ذلك خارج عن هذا المورد. وأما ما ليس له أمثال من المصنوعات. فلا تشمله هذه القاعدة، بل تشخيص عيبه موكول إلى العرف.
[مسألة 238] الفرد المستعمل ولو قليلاً معيب على أي حال، ويثبت بذلك خيار العيب. ولكن لو إشتراه وهو يعلم كونه مستعملاً. كانت صحته ترتب الأثر الغالب عليه دون باقي الآثار، ويبقى تشخيص كونه معيباً بيد العرف وأهل الخبرة.
[مسألة 239] إذا كان العيب موجوداً في أغلب ذلك الصنف, مثل الثيوبة في الإماء، فالظاهر عدم جريان حكم العيب فيه.
[مسألة 240] لا يشترط في العيب أن يكون موجباً لنقص المالية، بل المدار صدقه العرفي. نعم، لا يثبت الأرش إذا لم تكن كذلك كما تقدم.
[مسألة 241] كما يثبت الخيار بالعيب الموجود حال العقد، كذلك يثبت العيب الحادث بعده قبل القبض. فيجوز رد العين به. وفي جواز أخذ الأرش به قولان، أظهرهما الجواز في صورة وجود التفريط من قبل البائع، وعدمه مع عدمه. وأما إذا كان العيب بفعل المشتري فلا أثر له.
[مسألة 242] يثبت خيار العيب في الجنون والجذام والبرص والقرن [ ], إذا حدث بعد العقد، إلى إنتهاء السنة من تاريخ الشراء.
[مسألة 243] كيفية أخذ الأرش : أن يقوم المبيع صحيحاً ثم يقوم معيباً، وتلاحظ النسبة بينهما. ثم ينقص الثمن المسمى في المعاملة بتلك النسبة. فإذا قوم صحيحاً بثمانية, ومعيباً بأربعة, وكان الثمن المسمى أربعة. فإنه ينقص من الثمن المسمى النصف وهو إثنان. وهكذا. ويرجع في معرفة قيمة الصحيح والمعيب إلى أهل الخبرة. وتعتبر فيهم الخبرة والوثاقة. ويكفي الواحد إذا لم يحصل الوثوق بكذبه. والأحوط إستحباباً التعدد بل العدالة بل هما معاً.
[مسألة 244] إذا إختلف أهل الخبرة في قيمة الصحيح والمعيب، فإن إتفقت النسبة بين القيمتين على تقويم بعضهم مع قيمتها, على تقويم البعض الآخر، فلا إشكال. كما إذا قوم بعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة. وقوم بعضهم الصحيح بستة والمعيب بثلاثة، فإن التفاوت على التقويمين يكون هو النصف, فيكون الأرش نصف الثمن.
[مسألة 245] إذا إختلفت نسبة التقويم الذي ذكرناه في المسألة السابقة، كما إذا قوم بعضهم الصحيح بثمانية, والمعيب بأربعة, وقوم بعضهم الآخر الصحيح بثمانية والمعيب بستة، ففيه وجوه وأقوال. والذي تقتضيه القواعد هو ترجيح ما كان راجحاً شرعاً أو عرفاً إن كان. فالرجحان الشرعي كما لو كان في أحد الطرفين بينة, والآخر خبير واحد، والرجحان العرفي كما لو كان أحدهما أكثر خبرة, أو أعظم وثاقة، أو إنه يحصل الاطمئنان من خبره دون الآخر, بل العمل على الاطمئنان الشخصي على كل حال مع حصوله. وإذا لم توجد هذه المرجحات وأمكن أخذ المعدل عرفاً, ولم تكن فيه إجحاف بأحد الطرفين أو كلاهما، تعين. والمعدل أما بأحد القيمتين أو كلاهما أو بالنسبة. ومثاله كما يلي :
أولاً : لو اتفقا في قيمة المعيب واختلفا في قيمة الصحيح. أخذنا المعدل لقيمة الصحيح. وكانت قيمة المعيب نفسها، ثم تنسب قيمة المعيب إلى النتائج من المعدل من قيمة الصحيح، لا إلى إحدى القيمتين بالتعيين. فلو قوم المعيب بأربعة, وقوم أحدهما الصحيح بثمانية والآخر بستة, كان المعدل سبعة فننظر نسبة الأربعة إلى السبعة.
ثانياً : لو إتفقا في قيمة الصحيح واختلفا في المعيب أخذنا المعدل له. ونسبنا قيمة الصحيح إلى المعدل، كالمثال المذكور في أول هذه المسألة. فإننا ننسب الثمانية قيمة الصحيح إلى المعدل وهو خمسة.
ثالثاً : لو إختلفا في القيمتين, كما لو قوم أحدهما الصحيح بثمانية والمعيب بستة. وقوم الآخر الصحيح بستة والمعيب بأربعة. أمكن أخذ المعدل لكلتا القيمتين, وهو سبعة في الصحيح وخمسة في المعيب في المثال. ثم نسبتها إلى بعضهما.
رابعاً : في الأخذ بمعدل النسبة, لأنهما لو إتفقا في النسبة عملنا عليها، كما سبق. وإن لم يتفقا وكانت على أحد التقديرين النصف وعلى الآخر الثلث. أخرجنا المعدل بين الكسرين بجمعهما وتقسيمهما. فما نتج كان هو النسبة المعمول عليها. والعرف السوقي في ذلك المكان والزمان إن اختص بأحد المعدلين, وهما معدل القيمة أو معدل النسبة. وجب الأخذ به دون الآخر. وإن عمل بهما معاً كان الفرد مخيراً بينهما. وإن لم يعمل بهما معاً سقطا.
[مسألة 246] لو كان أخذ المعدل متعذراً، أما لكونه غير عرفي في ذلك السوق, أو لكونه مجحفاً لاحدهما أو لكليهما. وكان المخبرون - كما سبق – متساوون بالأهمية شرعاً وعرفاً، لا بد من المصير إلى التساقط والأخذ بالأقل عملاً بالأصل. والأحوط [ ] التصالح بين الطرفين.
[مسألة 247] إذا اشترى شيئين بثمنين صفقة. فظهر عيب في أحدهما، وهذا لا يحصل إلا بالعقد اللفظي، وأما في المعاطات فهما بيعان عرفاً لغرض تعدد المبيعين والثمنين، فلا يشمله الحكم الآتي. فأن كان العقد لفظياً وظهر العيب في أحدهما. كان له الخيار في فسخ العقد كله. كما له الخيار في رد المعيب وحده. فإن أختار الرد في البعض كان للبائع الفسخ في الصحيح لتبعض الصفقة. وهل له الإمساك وأخذ الأرش ؟ الظاهر ذلك على تفصيل قلناه في أول [خيار العيب]. وكذا إذا إشترى شيئين بثمن واحد، في كل هذه الأحكام. إلا إذا كان الشيئان بمنزلة الشيء الواحد عرفاً كالقرطين والحذائين. فأنه عندئذ ليس له الحق في رد المعيب وحده، بل يتخير بين الفسخ والأرش.
[مسألة 248] إذا إشترك شخصان في شراء شيء فوجداه معيباً. جاز لهما فسخ العقد. كما يجوز لإحدهما الفسخ في حصته. ويثبت الخيار للبائع حينئذ لتبعض الصفقة.
[مسألة 249] لو زال العيب قبل ظهوره للمشتري، فأن كان موجوداً حال العقد، فالأظهر عدم سقوط الخيار، فيجوز له الرد مع إمكانه، وإلا كان له المطالبة بالأرش. ولو كان العيب متجدداً بعد
بعد العقد عند البائع ثم زال ثم علم به المشتري. فالظاهر سقوط خيار المشتري وضمان البائع الأرش.