وهو قسمان :
القسم الأول : ما يكون في البيع.
القسم الثاني : ما يكون في القرض، وهذا يأتي حكمه في [كتاب القرض] إن شاء الله تعالى.
والكلام الآن عن القسم الأول فقط، وهو بيع أحد المثلين مع زيادة عينية في أحدهما, كبيع مائة كيلو من الحنطة, بمائة وعشرين منها, أو خمسين كيلو من الحنطة بخمسين كيلو من الحنطة ودينار، أو زيادة حكمية, كبيع عشرين كيلو من الحنطة نقداً بعشرين كيلو من الحنطة نسيئة. وهل يختص تحريمها بالبيع, أو يجري في غيره من المعاوضات ؟ قولان, والأظهر أختصاصها بما كانت المعاوضة بين العينين, سواء أكان بعنوان البيع أم الصلح المنتج نتيجته مثل أن يقول : صالحتك على أن تكون هذه العشرة التي لك, بهذه الخمسة التي لي. أما إذا لم تكن المعاوضة بين العينين, كان يقول : صالحتك على أن تهب لي تلك العشرة وأهب لك هذه الخمسة، أو يقول : أبرأتك عن الخمسة التي لي عليك, بشرط أن تبرأني عن العشرة التي لك علي ونحوهما، فالظاهر الصحة.
[مسألة 287] يشترط في تحقق الربا في البيع أمران :
الأول : إتحاد الجنس عرفاً, وأن أختلفت الصفات. فلا يجوز بيع مائة كيلو من الحنطة الجيدة بمائة وخمسين كيلو من الرديئة, أما إذا أختلف الجنس فلا باس، كبيع مئة وخمسين كيلو من الحنطة بمائة كيلو من الرز.
الثاني : أن يكون كل من العوضين من المكيل أو من الموزون. فإن كان مما يباع بالعد كالبيض والجوز فلا بأس. فيجوز بيع بيضة ببيضتين, وجوزة بجوزتين, وكذلك ما يعد بالمساحة كالقماش والأرض.
[مسألة 288] المعاملة الربوية باطلة مطلقاً, من دون فرق بين العالم والجاهل, سواء كان الجهل جهلاً بالحكم أم كان جهلاً بالموضوع. وإذا بطلت المعاملة لم يجز ترتيب الأثر عليها, كالتقابض للعوضين، فإن تقابض المتعاملان وجب على كل منهما رد ما أخذه إلى مالكه.
[مسألة 289] الحنطة والشعير بالربا جنس واحد, فلا يباع مائة كيلو من الحنطة بمئتي كيلو من الشعير, وإن كانا في باب الزكاة جنسين فلا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب, فلو كان عنده نصف نصاب من الحنطة, ونصف نصاب من الشعير لم تجب فيهما الزكاة.
[مسألة 290] اللحوم والألبان والأدهان تختلف بإختلاف الحيوان. فيجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم البقر, وكذا الحكم في لبن الغنم مع لبن البقر.
[مسألة 291] التمر بأنواعه جنس واحد. والحبوب كل واحد منها جنس, فالحنطة جنس والرز جنس والماش جنس والعدس جنس وغيرها، والفلزات من الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص وغيرها, كل واحد منها جنس مستقل.
[مسألة 292] الضأن والمعز جنس واحد, يعني بلحاظ لحومها وألبانها لا بلحاظها أحياناً، فأنها من المعدود عندئذ ولا ربا فيها. والحكم نفسه فيما نذكر من الحيوانات. فالبقر والجاموس جنس واحد, والأبل العراب والبخاتي جنس واحد, والطيور كل صنف يختص بأسم عرفاً, فهو جنس واحد بمقابل غيرها. فالعصفور غير الحمام, وكل ما يختص بأسم من الحمام جنس في مقابل غيره, كالفاختة والزاجل, وكذلك السمك أجناس مختلفة إن أختلفت بالأسم عرفاً.
[مسألة 293] الوحشي من كل حيوان مخالف للأهلي, فالبقر الأهلي يخالف البقر الوحشي, فيجوز التفاضل بين لحميها, وكذا الحمار الأهلي والوحشي.
[مسألة 294] كل أصل مع ما يتفرع عنه جنس واحد, وكذا الفروع بعضها من بعض، كالحنطة والدقيق والخبز، وكالحليب واللبن والجبن والزبد والسمن، وكالبسر والرطب والتمر والدبس. أما إذا كان الأصل حيواناً, لم تكن إجزاءه من جنس واحد إذا سميت بإسمين عرفاً, كاللحم والدهن والعظم. نعم، لو كان النوعان مشمولين لمعنى عرفي واحد, فالأحوط [ ] إعتبارهما جنس واحداً كاللحم والشحم والألية،وكالعظم والغضروف.
[مسألة 295] إذا كان الشيء مما يكال أو يوزن, وكان فرعه لا يكال ولا يوزن, جاز بيعه مع أصله مع التفاضل, كالصوف الذي هو من الموزون والثياب المنسوجة منه التي ليست من الموزون, فإنه يجوز بيعها مع التفاضل, وكذلك القطن والكتان بالنسبة إلى الثياب المنسوجة منها.
[مسألة 296] إذا كان الشيء في حال موزوناً وفي حال أخرى ليس كذلك, كالثمر يكون موزوناً بعد قطفه ولا يكون موزوناً قبله. وكاللحم يكون موزوناً بعد الذبح ولا يكون موزوناً قبله. لم يجز بيعه بمثله متفاضلاً بالحالة الأولى, وجاز في الحال الثاني. كما يجوز التفاضل بين فرد من الحال الأول مع فرد من الحال الثاني.
[مسألة 297] لا بأس بين بيع لحم حيوان بحيوان حي, سواء كان من غير جنسه, كبيع لحم الغنم ببقر, أم كان من جنسه, كبيع لحم الغنم بغنم, وأن كان الأحوط إستحباباً خلافه.
[مسألة 298] لا فرق في العين الربوية بين الجزئي, كهذه الحنطة, والكلي ككيلو من الحنطة, أو الكلي في المعين, ككيلو من صبرة, أو كلي في الذمة, كما لو كان قد أقترض كيلو من الحنطة فأراد الدائن أن يبيعه بكيلوين منها.
[مسألة 299] إذا كان للشيء حالتان, حالة رطوبة وحالة جفاف، كالرطب يصير تمراً، والعنب يصير زبيباً، والخبز اللين يكون جافاً، ويجوز بيعه جاف بجاف منه ورطباً برطب منه متماثلاً, ولا يجوز متفاضلاً, وأما بيع الرطب منه بجاف متماثلاً ففيه إشكال, والاظهر الجواز مع الكراهة ولا يجوز بيعه متفاضلاً حتماً بمقدار الزيادة، بحيث إذا جف ساوى الجاف.
[مسألة 300] إذا كان الشيء يباع جزافاً - لو قلنا بجوازه - في بلد, ومكيلاً أو موزوناً في آخر، فلكل بلد حكمه, فيجوز بيعه متفاضلاً في الأول ولا يجوز في الثاني. وكذلك الحال فيما لو كان معدوداً في بلد وموزوناً في آخر. وأما إذا كان مكيلاً أو موزوناً في غالب البلاد, أو في البلدان الرئيسية, فالأحوط لزوماً أن لا يباع متفاضلاً مطلقاً.
[مسألة 301] يمكن التخلص شرعاً من الربا بعدة طرق نذكر أهمها.
الطريق الأول : تعدد المعاملة, بأن يكون إنتقال العوض في معاملتين، كما لو وهب له أحد العوضين ووهب الآخر عوضه الآخر. وكما لو باع أحدهما عوضه بثمن نقدي وباعه الآخر كذلك, ثم تبارءا من الثمن. بشرط أن يكون تعدد المعاملة جدياً لا شكلياً, بحيث لو أراد الآخر الإعراض عن المعاملة الثانية لم يكن لصاحبه إجباره.
الطريق الثاني : ضم غير الجنس إلى الطرف الناقص, بأن يبيع مائة كيلو من الحنطة ودرهماً بمئتي كيلو من الحنطة.
الطريق الثالث : ضم غير الجنس إلى كل من الطرفين, كما لو باع مائتي كيلو من الحنطة ودرهمين بمائة كيلو منها ودرهم. وكذلك لو كان عوض هذه الدراهم بعض الأعيان الربوية أو غير الربوية, كبيع حنطة ولحم بحنطة ولحم متفاضلاً, أو بيع حنطة وقماش بحنطة وقماش متفاضلاً.
[مسألة 302] الرضا بالمعاملة من الطرفين، لا يجعل الربا المحرم محللا. كما إن عدم ذكر الشرط لفظياً لا يخرجه عن كونه ربا, إذا كان الشرط ضمنياً. وأثره شعور الآخر بالاستحقاق ومطالبته بالزائد. كما إن ضم زيادة تافهة إلى أحد العوضين أو كليهما، كما قلنا في المسألة السابقة، لا يحلل الربا، كما لو كانت الزيادة ألف كيلو وضم لها علبة ثقاب أو قلم رصاص, بل لا بد أن تكون الضميمة معتداً بها عرفاً، فتزيد كلما كانت الزيادة أكثر.
[مسألة 303] لا ربا بين الوالد وولده وبين الزوج وزوجته. فيجوز لكلٍ منهما بيع الآخر مع التفاضل. وإن كان الأحوط [ ] الاجتناب فيهما، والمشهور أنه لا ربا بين المسلم والحربي, وهو مشكل بناء على تكليف الكفار بالفروع. وإنما يجوز أخذ الربا من الحربي بعد وقوع المعاملة من باب الاستنقاذ.
[مسألة 304] لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى والخنثى على الأقوى، ولا بين الصغير والكبير. وأما شموله للأحفاد فمشكل. ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة, ولا بين الحرة والأمة. كما لا فرق بين ربا البيع وربا القرض في مورد جوازه. ولا تلحق الأم بالأب في الجواز، فلا يصح الربا بينها وبين الولد. وأما غيرها فهو أولى بالحرمة, كالأخ والعم والخال والجدة.
[مسألة 305] الأظهر عدم جواز الربا بين المسلم والذمي. ولكن بعد وقوع المعاملة يجوز أخذ الربا منه، من جهة قاعدة الإلزام, أو بإعتقاد الذمي خروج المال عن ملكه. فيمكن للمسلم قبضه ويحل له. وإن حرمت المعاملة تكليفاً.