عدد المساهمات : 797 نقاط : 2351 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 05/05/2013
موضوع: التحقيق في الامامة وشؤونها ( الفصل الثالث ) الإثنين يوليو 15, 2013 7:41 pm
هَويّةِ الإمام والإمامة في أحاديث
جاءَ في هويّة الإمام والإمامة، ومكانتها السامية في القرآن المجيد، وفي السُنّة النبوية الغراء، وأحاديث أهل بيت العصمة الشيء الكثير، ولكنا اخترنا – بعد التوكل على الله عَزّ وجَلّ – ثلاثة أحاديث شريفة، وجامعة، تبين للأمة عظمة هذا المقام، ومَن الذي يصلح له، ومَن لا يصلح، وإليك تلك الأحاديث بنصوصها:
الحديث الأول:
روى الكليني في (أصول الكافي)، والصدوق في (عيون أخبار الرضا) بسنديهما عن عبد العزيز بن مسلم قال:- كنا في أيام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها، في يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأدار الناس أمر الإمامة وكثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي ومولاي الرضا(عليه السلام) فأعلمته ما خاض الناس فيه ، فتبسم(عليه السلام) ثم قال:-
إكمال الدين بالإمامة
يا عبد العزيز جهل القوم وخُدعوا عن أديانهم، ان الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه(صلى الله عليه و آله) حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً – أي تاماً كاملاً – فقال عَزّ وجَلّ:]مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[ [الأنعام/39]، وانزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره(صلى الله عليه و آله):]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِْسْلاَمَ دِينًا[ [المائدة/4](1).
وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمضِ(صلى الله عليه و آله) حتّى بيّن لاُمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم علياً(عليه السلام) علماً وإماماً، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة إلاّ بيّنه، فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله عَزّ وجَلّ، ومَن ردّ كتاب الله تعالى فهو كافر.
محل الإمامة من الأمة
هل يعرفون قدْر الإمامة، ومحلها من الأمة فيجوّزون فيها اختيارهم، ان الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً مِن أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم.
ان الإمامة خصَّ الله بها إبراهيم(عليه السلام) بعد النبوة، والخِلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شَرّفَهُ بها وأشاد بها ذكره، فقال عَزّ وجَلّ:]إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[ فقال الخليل(عليه السلام) سروراً بها:]وَمِنْ ذُرِّيَّتِي[ قال الله عَزّ وجَلّ: ]لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[ [البقرة/125].
فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عَزّ وجَلّ بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال عَزّ وجَلّ:]وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ(72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[ [الأنبياء/73-74].
فلم تزل في ذريّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها النبي(صلى الله عليه و آله) فقال الله عَزّ وجَلّ:]إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ[ [آل عمران/69]، فكانت له خاصة فقلّدها علياً بأمر الله عَزّ وجَلّ على رسم ما فرضها الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عَزّ وجَلّ:]وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِْيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ[ [الروم/57].
فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد(صلى الله عليه و آله) فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟
ان الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله عَزّ وجَلّ، وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين?.
إنّ الإمامة أسُّ الإسلام النامي – أي أصله – وفرعه السامي.
الإمام الدال على الهدى والمنجي من الردى
بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيئ والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف، الإمام يُحل حلال الله ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويَذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيد القفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى والمنجي من الردى، والإمام النار على اليفاع – اليفاع ما أرتفع من الأرض – الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، ومَن فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل، والشمس المضيئة والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الرفيق والولد الرقيق والأخ الشفيق، ومَفزع العباد في الداهية، الإمام أمين الله في أرضه وحجّته على عبادهِ وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله والذاب عن حَرم الله، الإمام المطهر من الذنوب المبرّأ من العيوب، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد له بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المُفَضّل الوهاب "أي أنّ الله يخصّهم بالعلم والفضل، وسنذكر ذلك ان شاء الله بالدليل القطعي".
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلّت العقول وتاهت الحلوم حارت الألباب وَخَسِئت العيون وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباب وكلّت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت(2) البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنه أو فضيلةٍ من فضائله فاقرّت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكلّه أو ينعت بكنهه، أو يفهم شيء من أمره، أو يوجد مَنْ يقام مقامه، ويغني غناه، لا، كيف وأنّى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين.
أقول: ويؤيد قول الإمام الرضا(عليه السلام) من معرفة الإمام قد ضلّت عنها العقول وتاهت الحلوم، وأنه لا يوصف بكلّه ولا ينعت بكنهه…الخ، ويؤيده ما ورد عن جده رسول الله الصادق بقوله لعلي أمير المؤمنين: يا علي ما عرف الله إلاّ أنا وأنت، وما عرفني إلاّ الله وأنت، وما عرفك يا علي إلاّ الله وأنّا(3).
وأحسن مَن قال:
ليس يدري بكنه ذاتك ما هو*** يا بن عمّ النبي إلاّ الله
ثم قال الإمام الرضا(عليه السلام) في حديثه: فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ أ ظنّوا أن يوجد ذلك في غير آل الرسول(صلى الله عليه و آله)؟ كَذّبتهم والله أنفسهم ومنّتهم الباطل، فارتقوا مرتقىً صعباً دحضاً(4)، تزّل عنه الى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول بائرة ناقصة، وآراء مُضِلّة، فلم يزدادوا منه إلاّ بعداً:]قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[ [التوبة/3]، لقد راموا صعباً وقالوا فكاً، و]ضَلُّوا ضَلاَلاً بَعِيدًا[ [النساء/168]، ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام عن بصيرة]وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ[ [العنكبوت/29](5).
ورَغِبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم]وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[ [القصص/69].
فكيف لهم باختيار الإمام؟ والإمام عالم لا يجهل، وراعٍ لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة نسل المطهرة البتول، لا مغمزّ فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حَسَبْ، فالنسب من قريش، "وفي نصٍ": فالبيت من قريشٍ والذروة من هاشم والعترة من آل الرسول(صلى الله عليه و آله) والرضا من الله عَزّ وجَلّ، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف، نامي الحلم، مُضْطلَعْ بالإمامة – أي قويٌ فيها – عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عَزّ وجَلّ، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله.