في اقسام الحقوق
بصفتها متعلقة للشهادة
قسم الفقهاء الحقوق إلى قسمين : حقوق الله وحقوق الادميين. ومثلوا لحقوق الله بالزنا والسرقة وشرب الخمر , ومثلوا لحقوق الناس بالنكاح والوصية ورؤية الاهلة. وفي هذا التقسيم نحو من الاجمال لامكان التداخل بين القسمين , كما ان في استعمال مفهوم الحق هنا نحوا من الاجمال أيضاً , لان المشهور استعماله بأزاء الواجب. مع انه لا يوجد ذلك في كثير من الامثلة المذكورة هنا. الا ان يكون اصطلاحاً آخر للحق , وهو ضعيف.
والظاهر ان حل هذه المعضلة يكمن في ملاحظة الطرف ذي الحق. فقد يكون الطرف هو الله دون الناس , بمعنى ان يكون في الفعل عصياناً لحق طاعته المفروض على جميع العباد , فيستحق الفاعل بذلك العقوبتين الدنيوية والاخروية, مع انه لا يوجد له طرف من الناس قد تحمل الاذى منه. وهذا واضح في شرب الخمر ووطي البهيمة والارتداد.
وقد يكون الطرف هو الله والناس معاً , لان الفعل يحتوي على عصيان حق الطاعة الإلهي وعلى التطاول على الناس وايذائهم. وهذا واضح في الزنا والسحاق والسرقة. ولا يقال : انه ليس اذية للطرف في الزنا ونحوه مع التمكين , فانه يقال : انه لا دخل للرضا والتمكين في حصول المسؤولية الواقعية.
وقد يكون الطرف هو الناس محضاً , وان كان اصل الحكم مجعولا من قبله تعالى ، كالنكاح والقسم والشفعة والملكية وسائر المعاملات . وكون الحكم مجعولا من قبله لا يجعله طرفاً للحق كما هو واضح.
غير ان الفقهاء اعتبروا القسم الثاني من الحقوق , حقوق الله عز وجل. اما باعتباره الطرف الاهم او باعتبار الطرف الآخر راضياً بالعمل وكلاهما قابل للمناقشة. وعلى أي حال فلا مشاحة في الاصطلاح.
واما عن توسيع معنى الحق لسائر المعاملات , وعدم اختصاصه بما يقابل الواجب. فباعتبار ترتب الحقوق عليها باللازم. الا ان هذا لا يكفي في امكان التعبير عن المسبب بالسبب او عن اللازم بالملازم الا مجازاً.
وعلى أي حال , فهذا الاصطلاح هنا لا أثر له فقهياً , بل اللازم النظر إلى العناوين التفصيلية للحقوق , لنرى كمية وكيفية الشهادة المقبولة شرعاً فيها.
[مسألة 229] يثبت الزنا واللواط والسحاق بشهادة أربعة رجال، ويثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين أيضاً. وكذلك يثبت بشهادة رجلين واربع نساء. الا انه مع انضمام النساء لا يثبت الرجم , بل يثبت بها الجلد فحسب. ولا يثبت شيء من ذلك بشهادة رجلين عدلين. وهذا بخلاف غيرها من الجنايات الموجبة للحد , كالسرقة وشرب الخمر والارتداد والقتل وغيرها. فانها تثبت بشاهدين رجلين عدلين. ولا يثبت شيء منها بشهادة عدل وأمرأتين , ولا بشاهد ويمين. ولا بشهادة النساء منفردات.
[مسألة 230] لا يثبت الطلاق والخلع والمبارأة والحدود والوصية والنسب ورؤية الاهلة والوكالة. وماشاكل ذلك في غير ما يأتي , الا بشاهدين عدلين. ولا يثبت بشهادة النساء لا منضمات ولا منفردات الا ان تحصل الاستفاضة منهن او الاطمئنان الفعلي من شهادتهن. كما لا يثبت كل ذلك بشاهد ويمين.
[مسألة 231] تثبت الديون والنكاح والدية , بشهادة رجل وأمرأتين , كما تثبت بشهادة رجلين عدلين. وكذلك الغصب والوصية اليه والاموال والمعاوضات والرهن , على المشهور المنصور. واما ثبوت العتق والوقف بها، فمحل اشكال.
[مسألة 232] تثبت الاموال من الديون والاعيان بشاهد ويمين. وأما ثبوت غيرها من الحقوق بها، فمحل اشكال , وان كان الثبوت أقرب. وكذلك تثبت الديون بشهادة امرأتين ويمين. والظاهر ثبوت مطلق الاموال بذلك , وان كان الاحوط[ ] خلافه.
[مسألة 233] تثبت العذرة والثيوبة والرضاع وعيوب النساء الباطنة , وكل ما لا يجوز للرجال النظر اليه , بشهادة اربع نساء منفردات.
[مسألة 234] تصدق المرأة في دعواها بدون شاهد ولا يمين ، انها خلية وان عدتها قد انقضت وانها حائض او طاهر , او انها في طهر غير مواقع فيه. ونحو ذلك. واما عكس ذلك , كما لو ادعت انها في الحيض او في العدة , فهي اقرار فتؤخذ باقرارها. وانما يؤخذ بدعواها اذا لم تكن مخالفة للعادة الجارية بين النساء. فلو كانت هكذا لم تصدق , كما اذا ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث مرات او في ثلاث أشهر مرة. ولكن اذا شهدت النساء من بطانتها بان عادتها كذلك , او حصل لها ذلك , قبلت.
[مسألة 235] يثبت بشهادة المرأة الواحدة ربع الموصى به للموصى له. ونصفه بالاثنتين وثلاثة أرباعه بالثلاث وجميعه بالاربع.
[مسألة 236] يثبت ربع الميراث للولد بشهادة القابلة باستهلاله , وان شوهد ميتاً بعد ذلك. بل يثبت ذلك بشهادة أي امرأة وان لم تكن قابلة. كما يثبت نصف الميراث له بشهادة اثنتين وثلاثة ارباعه بالثلاث وجميعه بالاربع.
[مسألة 237] في ثبوت ربع الدية بشهادة المرأة الواحدة في القتل , ونصفها بشهادة امرأتين وثلاثة ارباعها بشهادة ثلاث , اشكال. وان كان الثبوت، اقرب. ولا يثبت بشهادة النساء غير ما سبق.
[مسألة 238] لا يعتبر الاشهاد في شيء من العقود والايقاعات، الا في الطلاق بأقسامه والظهار . نعم، يستحب الاشهاد في النكاح. والمشهور انه يستحب في البيع والدين ونحوها من المعاملات.
[مسألة 239] يجب اداء الشهادة بعد تحملها , مع طلب الحاكم الشرعي للاداء او حصول ضرر كبير مع عدمه. هذا , اذا لم يكن فيه ضرر معتد به على الشاهد.
[مسألة 240] الظاهر ان اداء الشهادة واجب عيني , وليس للشاهد ان يكتم شهادته. وان علم الشاهد ان المشهود له يمكنه ان يتوصل إلى اثبات مدعاه بطريق آخر. نعم , اذا ثبت الحق بطريق شرعي سقط الوجوب.
[مسألة 241] يختص وجوب اداء الشهادة على سبق التحمل لها. فان لم يكن قد تحمل فلا يجب الاداء . وهل يشمل وجوب الاداء مطلق العالم ، بصفته متحملاً للمسبب وان لم يكن تحمل السبب ؟ فيه إشكال وإن كان أحوط[ ]. نعم ، إذا كان احد طرفي الدعوى ظالماً للآخر ، وجب الشهادة لدفع الظلم.
[مسألة 242] اذا دعي إلى تحمل الشهادة من له اهلية التحمل , ففي وجوبه عليه خلاف , والاحوط[ ] هو الوجوب مع عدم الضرر وعدم وجود من يكفي. واما التحمل بدون طلب فلا يجب , بل قد يحرم.